المركز العربي للبحوث والدراسات : خبرة مغايرة: قراءة في التجارب الدولية لاسترداد الأموال المنهوبة (طباعة)
خبرة مغايرة: قراءة في التجارب الدولية لاسترداد الأموال المنهوبة
آخر تحديث: السبت 20/09/2014 12:22 م إبراهيم منشاوي*
خبرة مغايرة:  قراءة

    تعد سرقة الأصول العامة مشكلة إنمائية على أكبر درجة من الخطورة، وتتجاوز التكلفة الحقيقية للفساد بكثير قيم الأصول التى ينهبها قادة البلدان، مما يفضى إلى تردى المؤسسات العامة وعدم الثقة بها، وبخاصة تلك المنخرطة فى إدارة الماليات العامة وحوكمة القطاع المالى. وادراكاً منه لتلك المشكلة الجسيمة والتى تهدد عملية التنمية فى دول العالم المختلفة، طرح المجتمع الدولى إطاراً جديداً لتيسير تتبع الأصول المنهوبة من خلال الممارسات الفاسدة وتجميدها ومصادرتها وإعادتها إلى بلدانها الأصلية، وذلك فى فصل كامل باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، حيث عرفت الاتفاقية إعادة الأصول بأنها مبدأ أساسى من مبادئ الاتفاقية، والدول الأطراف مطالبة بأن تقدم لبعضها البعض أكبر قدر من التعاون والمساعدة فى هذا الصدد.

    ونظراً للخطوات السابقة؛ فقد قامت الحكومة المصرية بعد ثورة 25 يناير 2011 بمجموعة من الجهود من أجل استعادة الأموال المنهوبة فى الخارج، وتمثلت تلك الجهود فى إنشاء اللجنة القضائية لاستعادة الأموال، وتوازى مع عمل تلك اللجنة مع عمل تلك اللجنة مجموعة من الجهود على المستوى غير الرسمى، كما برز فى الآونة الأخيرة دور الجاليات المصرية فى الخارج. ولكن هناك بعض التجارب الدولية فى عملية استرداد الأموال المنهوبة فى الخارج يمكن ايضاحها من أجل استخلاص الآليات المستخدمة فى عملية الاسترداد للاستفادة منها فى الحالة المصرية.

استعانت الحكومة النيجيرية بخدمات مكتب محاماة سويسرى يدعى مونفرينى وشركاه من أجل تعقب الأموال النيجيرية فى الخارج

أولاً: دراسات حالة لاسترداد الأموال المنهوبة:

نستعرض هنا كل من التجربة النيجيرية، والتجربة البيروفية، والتجربة الفلبينية، وأخيرًا، التونسية.

1-التجربة النيجيرية:

    يمثل النموذج النيجيرى لاستعادة الأموال نموذجاً من أنجح النماذج فى مجال إستعادة الأموال المنهوبة فى الخارج، فبعد وفاة الديكتاتور النيجيرى السابق سانى أباتشا، قامت الحكومات المتعاقبة بعمل تحقيقات موسعة، وحملات واسعة لإستعادة أموال باتشا ومعاونيه المخبأة فى الخارج فى شبكة معقدة من الحسابات البنكية والشركات فى المملكة المتحدة وسويسرا ولوكسمبرج ولخنشتاين وجيرسى وجزر الباهاما.

    وقد بدأت عملية إسترداد الأموال عن طريق تحقيق شرطى واسع فى عام 1998، وفى سبتمبر 1999، إستعانت الحكومة النيجيرية بخدمات مكتب محاماة سويسرى يدعى مونفرينى وشركاه من أجل تعقب الأموال النيجيرية فى الخارج، وبحلول ديسمبر 1999 قبلت السلطات السويسرية أول طلب للمساعدة القانونية المتبادلة مما أتاح إصدار قرار عام بالتجميد، إلا أن الحكومة السويسرية قد إشترطت الحصول على حكم نهائى بالمصادرة من المحاكم النيجيرية، وهو ما كان يعد أمراً صعباً على المستويين القانونى والسياسى فى تلك الفترة فى نيجيريا، إلى أن إستطاع مكتب مونفرينى من الحصول على حكم تاريخى بعدم الحاجة إلى حكم المصادرة النهائى لوجود ما يكفى من أدلة تثبت فساد أباتشا ومعاونيه.

    وقد إستغرق الأمر حوالى سبع سنوات حتى إستردت نيجيريا شيئاً من الأموال، حيث إستردت ما يفوق نصف المليار دولار فى الفترة من 2005: 2006. وقد أرجع العام الماضي مبلغ 1.9 مليار دولار إلى السلطات النيجيرية بعد ستة أعوام من الإجراءات القضائية، حيث يعتقد أن أباشا سرق ما يصل إلى خمسة مليارات دولار في خمس سنوات فقط. وما زالت بعض التحقيقات جارية بشأن أموال هذا النظام بعد مرور حوالى 15 عام من وفاة أباتشا.

2- التجربة البيروفية:

    خلال فترة حكم الرئيس البيروفى ألبرتو فوجيمورى "1990-2000" ورئيس جهاز مخابراته فلاديميرو مونتسينوس، كانت هناك عملية رشوة ممنهجة للقضاة، السياسيين، والقائمين على وسائل الإعلام. وفى 14 سبتمبر 2000، عرضت قناة Cable فيديو يُظهر مونتسينوس يعطى رشوة لرجل الكونجرس ألكس كيورى وقدرها 15 ألف دولار. وقد أُتبع هذا الحدث الهام بتحريات واسعة النطاق، وقد قادت تلك التحريات إلى إستقالة فوجميورى وكشف شبكة كبيرة من الفساد، والتى سيطرت على البلاد من خلال تقويض أنظمة الحكم المؤسسية (الدستور، الإنتخابات، حكم القانون، حرية الصحافة، وإستقلال القضاء).

     حيث أنه فى ظل إدارة فوجيمورى تم إدعاء نهب 2 مليار دولار من البلاد، لذلك بعد إستقالته، قامت الحكومة المؤقتة بزعامة الرئيس فالنتين بانياغوا بإعادة صياغة الإطار المؤسسى والقانونى. حيث تم وضع نظام جديد لمكافحة الفساد، والذى تضمن مجموعة من الآليات مثل إنشاء المحاكم والنيابات، فضلاً عن سلسلة جديدة من الإبتكارات فى النظام القضائى، مثل إستحداث آليات وإجراءات جنائية خاصة.

    وقد كان المصدر الرئيسى للسرقة من قبل مونتسنيوس ورفاقه من خلال الإبتزاز والرشاوى فى مجال عقود الشراء. وقد كانت هذه الرشاوى مخبأة عن الشعب من خلال نص قانونى يسمح للسلطة القضائية بعدم تقديم العطاءات المتعلقة بالأمن القومى. ولغسل تلك العائدات، كان مونتسينوس ورفاقه يستخدمون شركات وهمية فى ولايات قضائية ذات ملاذ ضريبى أمن.

    وقد كانت الأحداث الرئيسية خلال عملية إسترداد الأصول البيروفية تتمثل فيما يلى:

¨     فى نوفمبر 2000؛ بعد شهرين من فضيحة الفساد فى بيرو، جمدت السلطات السويسرية 48 مليون دولار مرتبطة بمونتسينوس ورفاقه.

¨     وفى الشهر نفسه؛ عين فوجيمورى مدعى عام للتحقيق فى قضية مونتسينوس، ثم شرع فى مغادرة البلاد وطلب اللجوء إلى اليابان.

¨     بين ديسمبر 2000 ويناير 2001؛ قامت الحكومة البيروفية بمجموعة من الإصلاحات القضائية والتشريعية، والتى كانت الأساس لعملية التحقيق وتفكيك شبكة الفساد السائدة، وإعادة جزء من الأصول المنهوبة.

¨     وفى مارس 2001؛ جمدت جزر كايمان ما يقرب من 33 مليون دولار، وتم إعادتها إلى بيرو فى أغسطس 2001.

¨     فى يونيو 2001؛ تم القبض على مونتسينوس فى كاراكاس وتسليمه إلى بيرو.

¨     فى أغسطس 2002؛ بعد ما يقرب من عاميين من التحقيق والتقاضى، أرجعت السلطات السويسرية 77.5 مليون دولار للحكومة البيروفية.

¨     فى يناير 2004؛ وبعد التوقيع على إتفاقية ثنائية بين الولايات المتحدة الأمريكية وبيرو، أعادت الولايات المتحدة 20 مليون دولار من أموال تم مصادرتها لمونتسينوس وأحد مساعديه.

¨     كل الأصول المستعادة تم وضعها فى صندوق خاص يسمى "FEDADOI" والذى كان يُدار من قبل مجلس مكون من خمسة أعضاء تم تعيينهم من الوزارات الحكومية المختلفة.

نجحت تونس فى استرداد نحو 29 مليون دولار من حساب مصرفي بلبنان كان على ذمة ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس المخلوع بن على

3.  التجربة الفلبينية:

      بدأ فرديناند ماركوس فى تجميع ومراكمة ثروته بطرق غير مشروعة منذ عام 1965، عندما أنتخب للمرة الأولى رئيساً للبلاد. وقد أُعيد إنتخابه مرة أخرى لمدة أربع سنوات أعلن خلالها الأحكام العرفية فى البلاد منذ عام 1972 قبل إتمام ولايته الثانية. وقد واصل النظام إعلان الأحكام العرفية حتى فبراير 1986، حتى تم الإطاحة بماركوس من خلال ثورة سليمة شعبية، وقد كانت وقتها ثروته تقدر بنحو 5- 10 مليار دولار.

    وقد تراكمت ثروة ماركوس بطرق غير مشروعة وذلك من خلال ست قنوات وهى: إستيلاء صريح على على الشركات الكبرى، إنشاء الإحتكارات المملوكة للدولة فى القطاعات الحيوية للإقتصاد، منح قروض حكومية للأفراد الذين يعملون لصالح ماركوس ورفاقه، الإستيلاء المباشر على الخزينة العامة والمؤسسات المالية الحكومية، رشاوى وعمولات من الشركات العاملة فى الفلبين، والإستيلاء على المساعدات الدولية للفلبين. وقد تم غسل عائدات الفساد من خلال الإستثمار فى القطاع العقارى داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك إيداعها فى مختلف البنوك المحلية والخارجية تحت أسماء مستعارة فى حسابات مبرمجة.

    ويمكننا القول أن جهود إسترداد الأموال فى الفلبين إستمرت أكثر من 18 عام قبل تحقيق بعض النجاح، وفيما يلى أبرز الأحداث:

§        فى 28 فبراير 1986؛ إنطلقت اللجنة الرئاسية للحكم الجيد "PCGG" وإصبحت مسؤولة عن إعادة الأصول المنهوبة بواسطة ماركوس، متماشية مع تحركات غير رسمية داخل المحاكم السويسرية والأمريكية من أجل تجميد أصول ماركوس.

§        فى 25 مارس 1986؛ جمدت السلطات السويسرية أصول ماركوس لديها.

§        فى 7 إبريل؛ قدمت "PCGG" طلباً للمساعدة المتبادلة مع وحدة الشرطة الفيدرالية السويسرية فى إطار المساعدة المتبادلة فى المسائل الجنائية على الصعيد الدولى.

§        وفى 21 ديسمبر 1990؛ قضت المحكمة العليا السويسرية بنقل الوثائق المصرفية السويسرية لودائع ماركوس فى جنيف، زيورخ، وفريبورج، إلى الحكومة الفلبينية. وقد أمهلت الحكومة الفلبينية عام واحد لرفع دعوى لمصادرة الودائع فى المحاكم الفلبينية، وإلا سيتم رفع التجميد.

§        فى 17 ديسمبر 1991؛ رفعت "PCGG" دعوى مدنية رقم 141 لإسترداد أموال ماركوس.

§        وفى أغسطس 1995؛ قامت "PCGG" بايداع عريضة لدى النائب العام فى زيورخ للمطالبة بمساعدة قانونية متبادلة من أجل إعادة الأصول المنهوبة قبل إصدار الحكم النهائى فى الفلبين. وقد أظهرت العريضة أن أصول ماركوس فى سويسرا كانت ناتجة عن الإختلاس والإحتيال ونهب الخزينة العامة.

§        فى 21 أغسطس 1995؛ منحت السلطات قاضى التحقيق بيتر كوسندى طلباً للحصول على الأوراق المالية والحسابات ذات الصلة بماركوس لتحويلها إلى حساب الضمان مع البنك الوطنى الفلبينى. ولكن رفضت محكمة الإستئناف العليا فى زيورخ الطلب المقدم من الحكومة الفلبينية.

§        وفى 10 ديسمبر 1997؛ أيدت المحكمة العليا الإتحادية السويسرية طلب كوسندى. وفى إبريل 1998 تم نقل الودائع من سويسرا إلى حساب الضمان فى البنك الوطنى الفلبينى.

§        وفى 15 يوليو 2003؛ أصدرت المحكمة العليا الفلبينية قرار المصادرة فيما يتعلق بودائع ماركوس فى سويسرا.

§        وفى 4 فبراير 2004؛ تم تحويل 624 مليون دولار إلى مكتب وزارة المالية الفلبينية كجزء من ودائع ماركوس فى الخارج.

4. التجربة التونسية:

    نجد أن تونس بعد قيام ثورتها قد قامت بتشكيل اللجنة الوطنية التونسية لاسترداد الأموال بالخارج والمكتسبة بطريقة غير مشروعة، ويترأس البنك المركزى التونسى هذه اللجنة. ويمكن القول أن تلك اللجنة قد توصلت إلى عدد من المعلومات حول الكثير من الحسابات البنكية والشركات والعقارات المملوكة للمسئولين السابقين. وتعمل هذه اللجنة بالتوازي مع جهود وزارة العدل التونسية. 

       لقد أسفرت الجهود التونسية عن استرجاع جزء قليل من الأموال والمنقولات المهربة إلى الخارج، حيث نجحت تونس فى إسترداد نحو 29 مليون دولار من حساب مصرفى بلبنان كان على ذمة ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس المخلوع بن على. كما استعادت السلطات التونسية يختاً فاخراً كان محتجزاً بأحد الموانئ الإيطالية، وقد كان مملوكاً لابن شقيق الرئيس التونسى السابق ويقدر ثمنه بأكثر من مليون يورو. كما نجحت تونس فى تجميد أرصدة وعقارات تابعة لعائلة بن على بدول أوربية من خلال سفاراتها فى الخارج. فعلى الرغم من العراقيل الشديدة والمتعلقة بعملية إسترداد الأموال، إلا أن تونس نجحت فى إعادة جزء من أموالها، ويمكن إرجاع ذلك لعدد من الأسباب يأتى فى مقدمتها ما يلى:

1.    الإرادة السياسية الحاضرة لدى قادة الدولة التونسية، وهو ما عبر عنه المنصف المرزوقى فى منتدى إسترداد الأموال بالدوحة فى سبتمبر 2012، حيث أكد على حرص بلاده الشديد على إسترجاع تلك الأموال ومحاسبة الفاسدين واتخاذ كل الإجراءات لمتابعة الأشخاص الذين نهبوا أموال الشعب التونسى. هذا بالاضافة الى النشاط الكبير للجنة إسترداد الأموال التونسية والتى وجهت 64 إنابة قضائية ما بين اصلية وتكميلية الى ما يقارب 25 دولة مدعمة بالأسانيد والوثائق القانونية والعمليات غير المشروعة والتى تم رصدها من قبل السلطات التونسية.

2.    السعى التونسى الحثيث لتطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وتفعيل أحكامها المتعلقة باجراءات المصادرة وإسترجاع الأموال، وكذلك من خلال وضع إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد وإنشاء هيئة وطنية مما يجعل إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وسيلة أساسية لدعم تلك الإصلاحات.

3.    تفعيل الجهود غير الحكومية فى سبيل إسترداد الأموال والمتمثلة فى مساعى الجمعية التونسية للشفافية المالية، وإفساح المجال أمام مشاركة المجتمع المدنى فى عملية الإصلاح وتفعيل جهود مكافحة الفساد.

4.    إعتماد الجانب التونسى على الجهود الدبلوماسية لاسترداد الأموال من خلال وزارة الخارجية وذلك بإرسال الإنابات القضائية من أجل تحقيق نتائج أفضل، وقد صرح بذلك محافظ البنك المركزى مصطفى النابلى.

5.    كما إستفادت تونس من تدخل الأمم المتحدة، حيث تحمل مركز حكم القانون التابع للأمم المتحدة نفقات قضية إسترداد الأموال التونسية من لبنان وذلك وفقاً لتصريحات المحامى الخاص لدى الأمم المتحدة المكلف بإسترداد الأموال المنهوبة من دول الربيع العربى على بن فطيس المرى.

     ومن نافلة البيان القول من خلال النظر فى التجارب الأربع السابقة، أن الإرادة السياسية المحلية القوية، والتى تكمن فى الشروع فى الطريق الطويل والصعب لإسترداد الأصول فى الخارج، وهى أمر أساسى وضرورى. كما أن الرغبة والقدرة على تقديم الإصلاحات التشريعية ومقاضاة المسؤولين الفاسدين السابقين، على الرغم من القوة والنفوذ الذين يتمتعون به، هى إشارات توضح أن الحكومة جادة وعازمة على إسترداد الأصول. وهو ما يتضح فى التجارب السابقة، حيث:

1.      فقد إستمر جهد حكومة الفليبن أكثر من 18 عام لإستعادة جزء من أموال ماركوس فى الخارج.

2.      كما أن دراسات الحالة على أباتشا وفوجيمورى ومونتسينوس تشدد على أهمية الإصلاحات الداخلية لتعزيز عملية إسترداد الأصول وكذلك التواصل مع المحققين فى الخارج من أجل الحصول على المعلومات التى تدين الناهبين.

3.      كما أن التقارب الدولى يصبح ذو أهمية بالغة فى ظل 18 سنة من المعاناة لإستعادة التركة المنهوبة فى الفلبين، وكذلك 3- 5 سنوات التى إستغرقتها عملية إرجاع كل من نيجيريا وبيرو على التوالى. حيث قامت السلطات السويسرية باصدار أمر عام بتجميد أموال أباتشا فى ظل عدم توافر أدلة كافية على الإدانة، وكذلك تجميدها 48 مليون دولار لمونتسينوس فى 3 نوفمبر 2000، حتى قبل طلب بيرو ذلك رسمياً، وإن دل ذلك فإنه يدل على وجود تحولات إيجابية فى الموقف تجاه التعاون الدولى لإسترداد الموجودات فى الخارج.

 

   ثانيا: لماذا تعثرت مصر في استرداد أموالها؟:

    من خلال عرض التجارب السابقة يتضح لنا أن مسألة "إسترداد الأموال" أمر قابل للتحقيق. ولكن الحالة المصرية دائماً متفردة في كل شئ، حيث أن جل ما توصلت إليه تلك الجهود هو تجميد أموال المسؤولين السابقين فقط، دون إعادة جزء ولو بسيط من تلك الأموال، مما يوضح أن هناك قصور من جانب الدولة المصرية فى التعامل مع ذلك الملف الهام. والسؤال الذى يطرح نفسه الآن وبشدة "لماذا تعثرت الدولة المصرية حتى الآن فى استرداد جزء من أموالها فى الخارج؟" على الرغم من الجهود المبذولة في هذا المضمار. وفى هذا الإطار، يمكن القول أن من بين العراقيل التى تعيق عملية استرداد الأصول المصرية فى الخارج عدد من الأسباب وهى:

1.    الظروف السياسية فى مصر والمتمثلة فى الصراع السياسى، وعدم إدراك الحكومات المتعاقبة فى مصر أهمية ملف استرداد الأموال المنهوبة. وقد ظهرت مؤشرات هذا الصراع فى الجدل حول إعادة تشكيل لجنة جديدة لاسترداد الأموال وحصر جُل الأمر داخل أطر مؤسسية عقيمة تتجاذبها الخلافات السياسية الجمة، بالإضافة إلى إعلاء المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.

2.    إن عملية إسترجاع الأموال تحتاج إلى أحكام قضائية باتة وقاطعة، ومع حملة البراءات التى حصل عليها مسئولو النظام الأسبق وتخوف الدول التى بها الأموال من إصدار أحكام سياسية وليست قضائية، كل هذه الأمور أعاقت عملية استرجاع الأموال فضلاً عن حالة عدم الإستقرار السياسي التى تمر بها البلاد، حيث أعلنت سويسرا أنها لن تعيد الأموال إلى مصر فى ظل حالة عدم الإستقرار السياسى للدولة.

3.    ضعف الخبرة القانونية المتعلقة بعملية إسترداد الأموال، فضلاً عن ضعف التنسيق على المستوى المحلى بين اللجان المختلفة المشكلة لهذه المسألة وغياب الإرادة السياسية الحقيقية.

    ومن هنا ولكى تنجح مصر فى إعادة أموالها، عليها أن توحد كل الجهود وأن تعمل على تفعيل إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وتنحية الخلافات السياسية جانباً، مع التركيز على ذلك الملف الهام نظراً للأمال الكثيرة المتعلقة به، مع الأخذ فى الإعتبار أن عملية إسترداد الأموال بها الكثير من المعوقات، خاصة أن المسار القضائى الرسمى سيحتاج وقتاً طويلاً لأنه معقد، كما أنه يحتاج إلى أموال طائلة، لذلك يجب تتبع طرق غير تقليدية فى عملية إسترداد الأموال تتمثل فى ممارسة ضغط دبلوماسى على الدول التى لديها ودائع مسروقة. حيث أن الدول المطالبة قد تماطل فى إعادة تلك الأموال، لأنها تسهم بشكل كبير فى دوران عجلة أنظمتها البنكية، وبالتالى سيكون إرجاعها خسارة لمؤسسات تلك الدول.

    ومن هذا المنطلق، يجب توحيد كل الجهود من أجل خلق نظام دولى متكامل لإسترداد الأموال يسترشد باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ويكون مدعوماً بالإرادة السياسية.

* مدرس العلوم السياسية المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.