المركز العربي للبحوث والدراسات : الدور والإشكاليات: التحالف الدولي لمواجهة "داعش" (طباعة)
الدور والإشكاليات: التحالف الدولي لمواجهة "داعش"
آخر تحديث: الخميس 25/09/2014 05:37 م عبد الغفار الديواني
الدور والإشكاليات:

يثير التدخل الأمريكي المتأخر لضرب "داعش" التساؤل في العالم العربي عن أسباب هذا التأخر، ولماذا التركيز على "داعش" في العراق وسوريا دون الجماعات التكفيرية في ليبيا وتونس واليمن ومصر ونيجيريا ومالي؟ واللافت أنه عندما تولى أوباما سُدة الحكم في الولايات المتحدة، كانت هناك فرحة عارمة في بعض بلدان العالم الإسلامي خاصة بعد خطابه في جامعة القاهرة، الذي وعد الأمريكيين بعودة جنودهم من العراق وأفغانستان، وهو ما حدث إلى حد ما. ولكن سرعان ما حنث أوباما بوعوده حيث تقوم القوات الجوية الأمريكية بشن غارات مستمرة على تنظيم "داعش" في العراق بعدما صعَّد أوباما من حشد قواته العسكرية، والتقى في اجتماعات موسعة مع جنرالات من الجيش الأمريكي، بعدما وفَّر، ولو شكلياً، حلفاً من 40 دولة من مختلف قارات العالم. وأكد في خطاب من القيادة الوسطى في فلوريدا أنه "سواء كانوا في العراق وسوريا، سيكتشف "داعش" أن بمقدورنا الوصول، وأنهم لن ينعموا بملاذ آمن" .

وفي إطار تسويق الاستراتيجية الأمريكية عالمياً، حمَّل رئيس جهاز المخابرات البريطانية "إم آي 6" الغرب مسؤولية ظهور تنظيم "داعش"، لأنه أساء تقدير مخاطر "الربيع العربي"، وتجاهل تداعيات الصراع السوري، والطريقة التي تعامل بها الغرب مع الحروب الأهلية في دول أخرى تسببت بإشعال أزمات حقيقية فيها . في الوقت ذاته تعتزم الحكومة الأسترالية طرح حزمة من القوانين الجديدة لمكافحة الإرهاب على البرلمان، من شأنها توسيع صلاحيات رئيس الوزراء لردع الإرهاب، وهي الإجراءات نفسها التي اتُبعت في دول أوروبية كثيرة. في الوقت الذي رصدت فيه صحيفة "واشنطن بوست" اتساع الهوة بين أوباما والجيش الأمريكي حول استراتيجية عدم إرسال قوات برية لخوض الحرب ضد "داعش".

وبغض الطرف عن تقييمنا لمحاور الاستراتيجية الأمريكية، التي اتسمت بالعمومية الشديدة، كما سيتضح لاحقًا، وفي ظل الاجتماعات والتصريحات التي تخرج علينا من الحين إلى الآخر، والتفاعلات البينية في دوائر صنع القرار داخل الولايات المتحدة، فإن ساعة الحرب قد اقتربت، وتُقرع الآن طبولها، خاصة بعد شل يد إيران وروسيا تجاه التفاعلات الدولية لشن الحرب العالمية الثالثة ضد الإرهاب، بل وموافقة روسيا على التنسيق والدعم اللوجستي في هذه الحرب. ثانياً، تهديد أوباما ووزير دفاعه للنظام السوري بضرب قواعد ومنصات إطلاق الصواريخ السورية في حال إذا ما سولت له نفسه اتخاذ قرار بضرب إحدى طائرات التحالف. ثالثاً، انسحاب القوات التابعة للأمم المتحدة من هضبة الجولان السورية. والسؤال هنا: هل الولايات المتحدة جادة في محاربة الإرهاب؟ وإذا لم تكن كذلك فما هي أهدافها الخفية من هذه الحرب؟ والإجابة الأكثر وضوحاً عن هذا السؤال أن الولايات المتحدة غير جادة في حربها المستمرة على الإرهاب، والتي تخوضها منذ 11 سبتمبر/أيلول 2011 حتى الآن.

حمل رئيس جهاز المخابرات البريطانية "إم آي 6" الغرب مسؤولية ظهور تنظيم "داعش"، لأنه أساء تقدير مخاطر "الربيع العربي

أولاً: الاستراتيجية واللا استراتيجية

وجَّه الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بالتزامن مع الذكرى الثالثة عشر لهجمات 11 سبتمبر 2001، خطاباً تضمن إستراتيجيته لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، الذي يسيطر على أجزاء كبيرة من شمال العراق وسوريا. وأكد أوباما أن الولايات المتحدة لديها القدرة على إنهاء التهديد، مشدداً على أن بلاده لن تستخدم قوات برية في هذه الحرب، داعياً إلى تكوين تحالف دولي تتمثل خطته في أربعة محاور هي(1):

1-      القيام بحملة منظمة من الضربات الجوية ضد " داعش"، والتنسيق العسكري مع الحكومة العراقية لضرب أهدافا لـلتنظيم، وتوسيع الضربات الجوية ضده لتشمل سوريا.

2-      إرسال عسكريين إضافيين إلى العراق -لن يشاركوا في أية مهام قتالية برية– ولكن وجودهم فقط لمساندة القوات العراقية والكردية في مجالات التدريب والتخابر والعتاد، ثم دعم جهود العراق لتشكيل حرس وطني لمساعدة لتأمين تحريرها من سيطرة " داعش".

3-      منع مصادر تمويل "داعش"، وتحسين الاستخبارات، وتعزيز الدفاعات، والتصدي لعقيدة داعش المشوهة، وضبط تدفق المقاتلين الأجانب إلى الشرق الأوسط ومنه.

4-      توفير مساعدات إنسانية للمدنيين الأبرياء الذين شردتهم "داعش".

وانتقد الديمقراطيين في الكونجرس الأمريكي تلك الاستراتيجية، حيث أشار السيناتور الديمقراطي مارك بيغتش إلى أنه يعارض تسليح المعارضة السورية دون ضمانات تؤكد أن الولايات المتحدة لا تسلح متطرفين. وجاء رئيس مجلس النواب الأميركي "جون بينر" على رأس المنتقدين لاستراتيجية أوباما، حيث أظهر قلقاً أن تلك الخطة قد تتسبب في ضرر للولايات المتحدة نفسها، كما أنها ستستغرق وقتاً طويلاً لتحقيق الأهداف المطلوبة(2). وبقراءة المحاور الأربعة نلاحظ ما يلي:

§        تبدي الاستراتيجية التنصل الأمريكي من الحرب البرية تجنباً للخسائر في صفوف الأمريكيين وتطبيق مبدأ (إدارة الحرب عن بعد) وهو مبدأ يثير شكوك كثيرة.

§        أثارت الاستراتيجية التخوف السني في العراق حيث أن الحرب على الإرهاب ضرورة لأهل السنة، لكنهم متخوفون من القوات العراقية خاصة الميليشيات التابعة لنوري المالكي رئيس الوزراء السابق (غير مؤهلة لخوض معركة، وتتصرف بشكل طائفي على الأرض التي تتحرك فيها)، وهم يطلبون ضمانات وطمأنة دولية ومحلية وأيضاً من قِبل الحكومة العراقية بشأن من سينفذ على أرض الواقع(3).

§        من يضمن عدم تسلل تلك العناصر الإرهابية والمتطرفة إلى الدول العربية المجاورة وتشكيل تنظيمات أخرى، وبالتالي انتشار أكثر للتنظيمات الإرهابية ويكون المتضرر الأكثر من كل ذلك هو المواطن العربي.

§        هناك تناقض في تصريحات أوباما حيث أنه طالما أكد مراراً وتكراراً على عدم التدخل في النزاع الداخلي في سوريا، بينما يشكل المحور الأول من الاستراتيجية أمراً بشن عمليات عسكرية في سوريا فهل سيفعل؟.

كما أن الأهداف من إنشاء ذلك التحالف الدولي للقضاء على داعش، والمتمثلة في محاربة تلك الجماعة التكفيرية المتطرفة بأفعالها، تبرز العديد من الأسئلة والإشكاليات، أهمها:

§        هل أميركا، ومعها حلف الناتو، غير قادرين على القضاء على تنظيم متطرف من بضعة آلاف، وأصبحت في حاجة إلى (تحالف دولي)؟.

§        ولماذا صمت العالم حتى استطاعت هذه العصابة الاستيلاء على ثلث مساحة أكبر دولة تمتلك احتياطاً نفطياً في العالم؟ ومن ساعدها ومن موَّلها؟.

§        لماذا لا يكون تحالف دولي لمكافحة الإرهاب شاملاً لا يقتصر على مواجهة تنظيم بعينه أو القضاء على بؤرة إرهابية بذاتها، بل يمتد ليشمل كافة البؤر الإرهابية لتشمل كل بلدان العالم؟.

§        بعض الدول المشاركة في مؤتمر باريس الأخير متورطة، بشكل أو بآخر، في دعم الإرهاب، فكيف لمن يُصدِّر ويموِّل الإرهاب ويخصِّبه، مثل قطر والسعودية وتركيا والولايات المتحدة، يعد من الدول المكافحة للإرهاب(4).

أشار السيناتور الديمقراطي مارك بيغتش إلى أنه يعارض تسليح المعارضة السورية دون ضمانات تؤكد أن الولايات المتحدة لا تسلح متطرفين

§        الحديث عن مواجهة تنظيم "داعش" في سوريا يظل مجرد تصريحات للاستهلاك الإعلامي، وهو الأمر الذي أكده البيان الختامي(5) لمؤتمر باريس الذي لم يذكر سوريا في بنوده وركز كلياً على العراق، رغم أن منبع تحركات تنظيم داعش وغيره كانت في سوريا بعد الانتفاضة الشعبية ضد نظام الأسد.

§        لماذا لم يتم مناقشة الأبعاد الجديدة التي بدأت تطرأ على صراعات المنطقة خاصة الخلافات الطائفية والمذهبية الناجمة عن تهميش بعض الطوائف وإقصائها.

§        أين دور العوامل التنموية والاقتصادية في الاعتبار في استراتيجية مكافحة الإرهاب، إذ أن الفقر يمثل بيئة خصبة لنمو الإرهاب والفكر المتطرف؟، لم تُشر الاستراتيجية إلى هذه العوامل مما يدع مجال للشك في سوء النوايا الأمريكية من وراء تلك الحرب الجديدة.

واللافت، للنظر، وكما أشارت صحيفة "الديلي تلغراف البريطانية"، إلى أن هذا التحالف الدولي المتنامي يجمع بعض الشراكات الغريبة ويحتوي على أجندات مختلطة ومتعارضة ودرجات متفاوتة من الالتزام. وترى الصحيفة أن هناك خمسة أسباب قد تجعل من الصعب إقصاء تنظيم الدولة بسهولة؛ أولها أن التنظيم استغل مظالم السنة في العراق وسوريا، والسبب الثاني الموارد الهائلة التي تحت تصرف التنظيم، والثالث أن الغرب لديه أجندات وأولويات متضاربة، والرابع أن الرد العسكري على التنظيم يظل مشوشاً، وأخيراً، إذا تم حل تنظيم الدولة فإن راديكاليته ستظل تنبض بالحياة(6).

ثانياً:  دول تبحث عن دور ..

بمرور الأيام، تتضح ملامح التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش"، وقد ساهمت الاجتماعات التي أعقبت  التحركات الأمريكية والفرنسية للترويج لهذا التحالف إلى استقطاب العديد من الدول للمشاركة فيه حيث أعلنت واشنطن أن أكثر من أربعين دولة ستشارك بشكل أو بآخر في التحالف. وكشفت وزارة الخارجية الأمريكية عن أسماء 25 دولة، فيما يمكن أن تشارك بعض الدول الأخرى بشكل غير علني في مجالات عدة مثل الدبلوماسية والاستخبارات والدعم العسكري ومكافحة التجنيد وشبكات تمويل التنظيم المتطرف، فيما تم استبعاد دول بعينها من هذا التحالف، وكان على رأس تلك المُستبعدة سوريا متمثلة في نظام الأسد، وإيران، وأيضاً إسرائيل. ونسعى فيما يلي إلى التعرف على طبيعة وموقف كل من الدول التالي:

1- سوريا ... مسارات ثلاثة

في خطابة الذي أعلن فيه استراتيجية مواجهة تنظيم "داعش"، أكد أوباما أنه "لا يمكن الاعتماد على نظام الأسد الذي يروِّع شعبه، وهو نظام لن يستعيد أبداً الشرعية التي فقدها"، كما أشار إلى تسريع المساعدات العسكرية للمعارضة السورية المعتدلة، ودعا الكونجرس لتقديم موارد إضافية لتدريب وتجهيز هؤلاء المقاتلين لمكافحة "داعش". فالرئيس الأمريكي يري في المعارضة أفضل توازن مع المتطرفين على حد وصفه(7).

كما غابت المسألة السورية عن البيان الختامي لـ مؤتمر باريس،  حيث أكد البيان على دعم بغداد سياسياً وعسكرياً في حربها على تنظيم "داعش". وأشاد بالحكومة الجديدة، متعهداً بمساعدتها في توطيد الأمن والاستقرار(8).

وعن رد الفعل السوري (نظام الأسد)، فقد انتقد نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد عدم دعوة بلاده إلى المؤتمر الدولي في باريس حول التصدي لتنظيم "داعش"، وفي المقابل تشارك دول يتهمها النظام السوري بـ ـ"دعم الإرهاب"(9). كما أعرب وزير الخارجية الروسي لافروف عن تخوفه من أن تقوم الولايات المتحدة بقصف مواقع سورية في سياق سعيها لمكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية” داعياً إلى عدم القيام بأية تدخلات خارجية إلا بعد الحصول على موافقة الحكومات المحلية(10).

ويمكن تحليل موقف التحالف الدولي لمواجهة " داعش" باستبعاد النظام السوري من التحالف من خلال ثلاثة مسارات وهي كالأتي:

·        المسار الأول: محاولة لإضعاف النظام السوري وإسقاطه، فمن المعروف أن موقف الولايات المتحدة والدول الغربية من نظام الأسد واضح وصريح، حيث يرون أنه لا بديل لحل الأزمة السورية إلا برحيل نظام الأسد، ومن ثم إذا تم مواجهة "داعش" في الأراضي السورية فقد تكون محاولة من الولايات المتحدة لضرب أهداف تابعة لنظام الأسد من خلال الضربات الجوية، بالإضافة إلى محاولة تقوية الأطراف المعارضة المسلحة على الأرض بما يؤدي إلى حصار النظام وإسقاطه، أو تقليل سقف المطالب في حالة اللجوء إلى الحل السياسي من خلال عملية تفاوضية.  

·        المسار الثاني: التعاون بين الحكومتين السورية والعراقية على المستوى الأمني، حيث أعرب الأسد خلال استقباله مستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض عن ارتياحه لمستوى التعاون القائم مع القيادات العراقية في مواجهة التنظيمات الإرهابية"، ومن جانبه، أكد الفياض "أهمية إزالة العقبات أمام مكافحة الإرهاب من أجل الوصول إلى منطقة يسود فيها الأمن والاستقرار("11). وقد تقوم الحكومة العراقية بالتحركات الدولية العسكرية ضد داعش وذلك يطرح السؤال حول إمكانية وجود تواصل بين واشنطن والأسد من خلال العراق ( في الظاهر)، وتعتمد واشنطن هنا على وجود روابط الطائفة بين الحكومة العراقية مدعومة من طهران، وكلاهما يدعمان نظام الأسد فيكون من السهل وجود تنسيق مشترك لمحاربة "داعش".

·        المسار الثالث: عدم التوجه لضرب "داعش" في سوريا، في محاولة لاستمرار سوريا كبؤرة إرهابية تكون مصدر للإرهابيين في المنطقة العربية بأكملها، وبالتالي إثارة الفوضى في المنطقة العربية لفترة طويلة من الزمن، وقد كان من الانتقادات التي وُجهت إلى استراتيجية أوباما أنها لم تتحدث عن إطاراً زمنياً للمهمة التي سيقوم بها التحالف الدولي، كما تحدث مؤتمر باريس عن استمرار فترة الحرب ضد داعش لمدة 10 سنوات وهي مدة طويلة إذا كان الهدف ضرب "داعش" فقط.

أشارت صحيفة "الديلي تلغراف البريطانية" إلى أن هذا التحالف الدولي المتنامي يجمع بعض الشراكات الغريبة ويحتوي على أجندات مختلطة ومتعارضة ودرجات متفاوتة من الالتزام

ومن جانبنا نرجح المسار الثاني حيث يستمر التعاون بين دمشق وبغداد في المجالات الأمنية وقد ينظر المراقبون إلى ذلك على أنه تعاون أو أتفاق بين واشنطن والأسد ولكن لن يكون هكذا، ومن الممكن أن نعتبره تعاون بمعرفة أمريكية دون تواصل مباشر مع الأسد، وما يؤكد هذا السيناريو هو وجود تخوف من الجانب التركي والسعودي من ضرب داعش في سوريا وعدم وجود بديل لمحاربة نظام الأسد من سيطرة جيش بشار الأسد أو عناصر حزب الله أو القوات الإيرانية على المواقع التي سيتم تحريرها من "داعش"، وهذا لا يخدم الهدف الدائم في إسقاط النظام، وهو الأمر الذي عوضته الولايات المتحدة (من خلال استراتيجية أوباما) بتقديم الدعم العسكري والمادي للمعارضة السورية المعتدلة من خلال التدريب الذي تم الاتفاق عليه أنه سيكون على الأراضي السعودية، وأيضاً من خلال الدعم المادي الذي طلبه أوباما من الكونجرس الذي سيقوم بدوره بالموافقة على هذا الدعم.

2- إيران ... الحاضر الغائب

كما كانت الجمهورية الإيرانية من المستبعدين من التحالف الدولي لمواجهة داعش، وتم استبعادها من المؤتمر الدولي الذي عُقد في باريس، حيث اعتبر وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" أن مشاركة طهران في المؤتمر"لن تكون في محلها"، خصوصاً بسبب "ضلوع إيران في سوريا"(12). ولم تنجح فرنسا، التي أعربت عن رغبتها بمشاركة إيران في مؤتمر باريس، في تحقيق ذلك، على ضوء معارضة الولايات المتحدة لمشاركتها وما تمّ التفاوض عليه معها، مقابل شروط المشاركة في المؤتمر، وهو الأمر الذي يعني أن الولايات المتحدة هي المتحكم الأول والأخير في التحالف الدولي(13).

فيما أشارت أنباء أخرى أن الولايات المتحدة عرضت على طهران الانضمام إلى التحالف، على الرغم من أن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي استبعد مشاركة إيران في أي تحركات من هذا النوع، وشدد المرشد على أن طهران رفضت عروضاً متكررة للانخراط في هذا التحالف(14). بينما قال كيري على هامش مؤتمر باريس الدولي رداً على أسئلة عدد من الصحفيين الذين رافقوه من واشنطن "لن ننسق مع إيران لكننا منفتحون على النقاش" في إشارة إلى إمكانية التعاون مع إيران(15).

من جهة أخرى، أعرب وزير الخارجية العراقي عن أسفه لغياب طهران عن المؤتمر، وقال "شددنا على مشاركة إيران، إلا أن القرار ليس في يدنا". ولمَّح معصوم إلى هذا الموقف عندما قال في كلمته أمس، إن "أي تحرك ضد تنظيم داعش يجب أن يضم إيران"، مشيراً إلى أهميتها "من الناحية الجيوبوليتيكية للعراق"، وأضاف "ليس المهم أن يشارك الجميع في الحرب، بل المهم أن يشاركوا في القرار"(16).

ويستنتج من هذه المواقف المتبادلة أن طهران من ناحية، لا تحتاج إلى أن تكون ضمن التحالف الدولي لمواجهة "داعش" في العراق، فهي موجود بالفعل سواء من خلال الدعم العسكري التي قدمته لحكومة المالكي سابقاً، والتي ما زالت تقدمه حتى الآن للحكومة الحالية بقيادة العبادي. كما تجب الإشارة إلى أن إيران تمسك بأذرع العديد من المليشيات والجماعات المسلحة داخل العراق، كعصائب الحق وأبو الفضل العباس وغيرها(17)، وهذا يعني أن إيران موجودة بقوة في العراق". يضاف إلى الدعم العسكري المقدم إلى الأكراد في إقليم " كردستان".

ومن ناحية أخرى، واستمراراً للمسار الذي رجحناه في مسألة استبعاد سوريا (الأسد) من التحالف، حيث سيكون التعاون متوفر بين طهران وبغداد ودمشق لضرب داعش، وعلى الجانب الآخر تقوم الدول المعارضة لنظام الأسد بدعم المعارضة السورية المعتدلة في محاولة لحفظ التوازن في الأزمة السورية بين النظام والمعارضة بحيث لا يسمح للنظام السيطرة على مواقع داعش بعد ضربها.

3- إسرائيل... المصلحة واحدة

بعد الإعلان عن إنشاء التحالف الدولي لمواجهة داعش، رحبت إسرائيل بجهود واشنطن لتشكيل ذلك التحالف الدولي، لكنها أعربت عن تخوفها من تقارب محتمل بين حليفها الأمريكي وعدوتها اللدودة إيران(18). ورغم كون إسرائيل دولة محورية في المنطقة، إلا أنها تم استبعادها من الانضمام للتحالف الدولي. ولكن لماذا؟

من المعروف أن المصالح الأمريكية والإسرائيلية واحدة، وبالتالي لا داعٍ من وجودها في التحالف، وحتى لا تثير التخوف لدى دول المنطقة، بالإضافة إلى كون إسرائيل -أي كان شكل العلاقات العربية الإسرائيلية- العدو الرئيسي للعرب، وبالتالي قد يؤدي إشراكها في الحرب على داعش، إلى حرب عربية إسرائيلية قد لا تحمد عقباه. ولا شك أن إسرائيل لن تنأ بنفسها بعيداً عن التحالف الدولي، ولكنها لا تطل برأسها لعدم إحراج الأطراف الأخرى.

وبناء علي كل ما سبق، يثور تساؤل حول إمكانية هزيمة الولايات المتحدة للإرهاب أو القضاء على التنظيمات الجهادية والتكفيرية في العالم، وهل الحرب العسكرية هي الطريق الأفضل للتخلص من هذه الجماعات؟ بالتأكيد ليست الحرب هي الأداة الناجعة لمحاربة الإرهاب، حيث توجد طرق أخرى عدة لمواجهة الإرهاب، منها على سبيل المثال: أولاً، التنسيق الدولي لتضييق الخناق على تمويل الجماعات الإرهابية وملاحقة مموليها. ثانياً، إحداث تنمية اقتصادية وسياسية حقيقية في تلك البلدان التي تشكل أرضاً خصبة لنمو مثل تلك الجماعات التكفيرية. ثالثاً، التنسيق معلوماتياً وعسكرياً، مع الجماعات المحلية والوطنية في تلك البلدان التي يوجد فيها تكفيريون. ونعتقد أن الولايات المتحدة لها تجربة ناجحة في ذلك، حينما شكلت "مجالس الصحوات" في غرب ووسط العراق خلال عامي 2006 و2007. رابعاً، المواجهة الثقافية الدينية، وتفعيل مبادرة الأمين العام السابق لحوار الحضارات والأديان. وهنا، يمكن أن تلعب المؤسسات الدينية والثقافية مثل الأزهر الشريف والفاتيكان والمرجعيات الدينية في النجف وقُم دوراً مهماً، لانتشال مئات الشباب من الأفكار التكفيرية والجهادية. وأخيراً، تفعيل أجهزة الأمم المتحدة المعنية بمحاربة الإرهاب والجرائم ضد الإنسانية والفقر والتنمية، ليس في منطقة الشرق الوسط فقط، لكن في إفريقيا وغيرها من قارات العالم أيضاً، بما في ذلك مواجهة محاولات التطهير العرقي التي مورست في بعض البلدان الآسيوية ضد الأقليات المسلمة.

1-        محمد حسن عامر، إستراتيجية مواجهة «داعش»: 4 محاور أبرزها توسيع الغارات لتشمل سوريا، الوطن المصرية، 12 سبتمبر 2014.

http://www.elwatannews.com/news/details/557079

2-        للمزيد انظر

http://www.aawsat.com/home/article/179706

3-         تقرير عن برنامج "ما وراء الخبر" عن " عقبات تواجه التحالف الدولي ضد الدولة الإسلامية"، قناة الجزيرة الإخبارية، 13 سبتمبر 2014.

http://goo.gl/HHjBKv

4-       حيث صدر تقرير عن "معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى" يوضح تورط كل من قطر والسعودية وتركيا في تمويل داعش.....للمزيد أنظر

Matthew Levitt and Lori Plotkin Boghardt, Funding ISIS, Washington Institute, September 12, 2014

http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/funding-isis-infographic

5-        رندة تقي الدين، مؤتمر باريس يشرّع محاربة «داعش» ... وسورية تغيب عن القرارات، جريدة الحياة، 16 سبتمبر 2014،

http://goo.gl/I4L4iv

6-        تلغراف، خمسة أسباب لصعوبة دحر تنظيم الدولة، موقع الجزيرة نقلاً عن الصحافة البريطانية، 17 سبتمبر 2014.

http://goo.gl/szevpC

7-         محمد حسن عامر، مرجع سابق

8-        رندة تقي الدين، مرجع سابق.

9-       الأسد: مكافحة الإرهاب تبدأ بالضغط على من يدّعي محاربة "داعش"، الحياة ، 16 سبتمبر 2014.

http://goo.gl/cgq8I2

10-    موسكو تخشى أن تقصف الولايات المتحدة مواقع سورية بحجة محاربة "الدولة الإسلامية"

http://goo.gl/AzJguR

11-      الأسد يبحث مع فالح الفياض التعاون والتنسيق لمكافحة “داعش” في العراق وسوريا، وكالة الصحافة المستقلة، 17 سبتمبر 2014.

http://www.mustaqila.com/news/138612.html

12-     واشنطن: استبعاد إيران من التحالف الدولي ضد الإرهاب وداعش، صحيفة الوطن - العدد 3199 السبت 13 سبتمبر 2014.

http://www.alwatannews.net/PrintedNewsViewer.aspx?ID=b4lq9Iz2w1833338gBmRcn24cWw933339933339

13-     منى السعيد، مؤتمر باريس الدولي حول العراق: 20 مشاركاً واستبعاد إيران، موقع العربي الجديد، 14 سبتمبر 2014.

http://www.alaraby.co.uk/politics/06c69122-08e9-4de3-b846-ef3c37abeaae#sthash.V1ywyRKU.dpuf

14-   احمد معمر، كيري يتراجع عن تجاهل إيران في التحالف المناوئ لداعش، موقع صدى البلد، 15 سبتمبر 2014.

- http://www.el-balad.com/1150411#sthash.2zuVFe3C.dpuf

15-   واشنطن تردّ على خامنئي: لم ولن نتعاون عسكرياً مع طهران وأوباما: تعرُّض الأسد لطائراتنا يؤدّي إلى إطاحته، 16 سبتمبر 2014.

http://www.center-lcrc.com/index.php?s=news&id=10152

16-   المرجع السابق.

17-يوسف بوفيجلين، إيران - الحاضر الغائب في الحرب على "داعش"، موقع DW، 15 سبتمبر 2014.

http://cutt.us/73OP

18-  إسرائيل ترحب بسعي واشنطن لتشكيل تحالف دولي ضد "داعش"، موقع فيتو، 10 سبتمبر 2014.

http://www.vetogate.com/1216495