المركز العربي للبحوث والدراسات : حلول مغايرة: إستراتيجية متكاملة لتأمين الجامعات المصرية (طباعة)
حلول مغايرة: إستراتيجية متكاملة لتأمين الجامعات المصرية
آخر تحديث: الأحد 19/10/2014 01:46 م أ.د. شريف درويش اللبان
حلول مغايرة:  إستراتيجية

 قالَ النبىُ صلى اللهُ عليه وسلم: "لا تُعلّموا أولادَ السِّفْلةِ العلمَ فإن علمتموهم فلا تولوهم القضاءَ والولاية"... كما أن ابنَ خلدون قال في مقدمته "لا تُعلموا أبناءَ السفهاءِ منكم وإن علمتموهم لا تولوهم شئونَ الجندِ ولا القضاء"..لأنهم إذا تعلموا"أي أصبحوا ذوي نفوذٍ ومناصبَ نتيجةً لهذا التعلم" اجتهدوا في إذلالِ الشرفاء.

  وإذا رصدنا مشهدَ الجامعاتِ وطلابِ وأساتذةِ الإخوان في أعقابِ فضِ اعتصاميْ رابعة والنهضة، لرأينا من السفاهةِ ما فاقَ تخيلِ النبيِ الكريم وعالمِ الاجتماعِ العربي المسلم ابنِ خلدون، فمن أجلِ إثارةِ الاضطرابات والقلاقل في الجامعاتِ، لأنها حرمٌ آمن، يجب ألا تُمارس فيه أعمالُ العنفِ والسفه، قام طلابُ الإخوان وأساتذتهم وجماعتهم، الذين فقدوا تعاطفَ الشعبِ المصري إلى الأبد باستغلالِ حرمِ الجامعات خلالَ العامِ الجامعي الماضي وبداية العامِ الجامعي الحالي حتى يقولوا نحن ما زلنا موجودين، وحتى يوقفوا عجلةَ الحياةِ في الجامعات، ويوهموا الشعبَ المصري والعالمَ الخارجي بأن مصرَ مضطربةٌ ولا تستطيعُ أن تُسير العملية التعليمية أو  تعقد الامتحاناتِ في جامعاتِها.

 

        ومن أسفٍ أن طلابَ الإخوان (المسلمين) فعلوا في العامِ الجامعي الماضي ما لم  يفعله كفارُ قُريْش في "دارِ الندوة" التي كانوا يلتقون فيها لتدارُسِ أمورِهم وسردِ قَصصِ الأولين للعبرةِ والعظة والتأمل، إن كفارَ قُريْش عندما شَبَ حريقٌ في "دارِ الندوة" هبوا مسرعين لكي يُطفئوه، أما طلابُ الإخوان (المسلمين) فقد هبوا لكي يشعلوا الحرائقَ في الجامعاتِ التي يتعلمون فيها على حسابِ الدولةِ المصرية، ويُشعلوا الحرائقَ في المدنِ الجامعية التي تُؤويهم وتُطعمهم وتَسقيهم نظيرَ جنيهاتٍ معدودة، وتتكفلُ الدولةُ المصرية بفارقِ التكلفةِ الباهظة، وبدلًا من ردِ الجميلِ للوطنِ وللجامعات، فإذا بهم يعيثون في الجامعاتِ فسادًا، يُخربونَ المباني ويُبعثرونَ الكتبَ ويَقلبونَ المكتباتِ رأسًا على عقب، وهم يُذكروننا بما فعله التتارُ عندما أتوْا على الخلافةِ العباسية عندَ غزوِ بغداد.

يجب إزاحةُ كلِ قياداتِ الإخوان الذين يتولون مناصبَ جامعية، ويجب التدقيقُ في الأساتذةِ المرشحين لتولي منصبِ العميد في الكلياتِ

أولًا: تكلفة إقامة الطالب في المدينة الجامعية

صَرَحَ الأستاذُ الدكتور أشرف حاتم أمينُ المجلسِ الأعلى للجامعات بأن تكلفةَ الطالبِ الواحد في المدينةِ الجامعية تصل إلى 1400 جنيه مُقابلَ السكنِ والتغذية والنظافة والخدمات الأخرى التي تتيحها المدينة، وقد شهدت هذه المدنُ الجامعية العامَ الجامعي الماضي مشاكلَ جمة من حرقٍ وتدميرٍ واتخاذها قاعدةَ انطلاقٍ لتظاهراتِ الطلابِ الإخوان المارقين عن سلطةِ الدولةِ المصرية والخاضعين للسمعِ والطاعة لأوامرَ قياداتهم من مسئولي قسمِ الطلبة بالجماعة، وحتى بدايةِ الأسبوعِ الثاني من الدراسة لم يتم تسكينُ الطلابِ بالمدنِ الجامعية لبعضِ الجامعات ومن بينها جامعةِ الأزهر، وأخشى ما نخشاه أن تتحولَ هذه المدنُ إلى بُؤرةِ صُداعٍ دائمة تُكدرُ صفوَ العمليةِ التعليمية بالجامعاتِ التابعةِ لها.

        ولقد اتخذت الجامعاتُ خطواتٍ جيدة – وإن كانت غيرَ كافية – مع الطلابِ والطالباتِ المغتربين المرشحينَ للسكن في هذه المدن منها: عملُ "فيش وتشبيه" لضمانِ عدمِ دخولِ المدن لمن ارتكب أعمالَ شغبٍ أو تدميرٍ داخلَ الجامعة أو خارجها وتم القبض عليه سلفًا، إجراءُ تحليلٍ للكشفِ عن مدى تعاطي بعضِ الطلابِ الموادَ المخدرة لعدمِ السماحِ لفئاتٍ منحرفة من الطلاب بمخالطة سائرَ الطلابِ رغم أن هذا الاختبار يُكلفُ الجامعاتِ الكثير، توقيعُ الطالبِ أو الطالبة إقرارًا مسبقًا يُقِرُ فيه بحقِ الأمنِ الإداري الجامعي بتفتيشِ غُرَفِ الطلابِ والطالبات في أي وقتٍ لضمانِ عدمٍ إحرازِ الطالبِ لموادَ دعائيةٍ أو تحريضية أو حزبية أو موادَ متفجرةٍ أو غيرِها من المواد التي يمكن استخدامُها في التظاهراتِ غيرِ السلمية التي تُطلقها جماعةُ الإخوانِ بين الحينِ والآخر، وذلك بضغطِ مسئولِ شعبةِ الطلبة بالجماعة على ذرِ التظاهراتِ ليستجيبَ له الطلابُ والطالباتُ الإخوان دون وعي وبعقولٍ مغيّبة تمامًا كالفراشاتِ التي تسعى إلى التحليقِ حولَ النارِ وهى لا تعلم أنها تحوم حولَ الموتِ وتكادُ أن تُواقعه.

        لقد طالب البعض بإلغاء المدن الجامعية تمامًا، وهو حل لا يعتبر منطقيًا في الوقت الراهن لأن بعض الجامعات التي تحتوي على كليات ليس لها نظير تضم نسبة كبيرة من الطلاب والطالبات المغتربات مما يحمل الدولة عبئًا إنسانيًا قامت به على مدار عقود، وليس من الحصافة التخلي عنه في وقت الأزمة ، وإلا فإن هذا الإجراء قد يزيد الأمور تعقيدًا بدلًا من أن يقدم بديلًا مطروحًا لنزع فتيل الأزمة في الجامعات.

ثانيًا: أخلاقيات متدنية

        والفاجعةُ الأكبر التي لم أكن أتخيلها أنا أو غيري ممن لا يُحسنونَ الظنَ بالجماعةِ هي سلوكياتُ فتياتِ الإخوان ممن يُطلقون عليهن الأخواتِ (المسلمات) اللاتي إذا تم القبضُ عليهن أطلقوا عليهن (الحرائر)، ويُسفهونَ الشرطةَ المصرية للقبضِ على هؤلاء الحرائر، وكأن الشرطة المصرية قبضت عليهن دونَ ذنبٍ أو جريرة . إن هؤلاء الحرائر قمن بغزوِ الحرمِ الجامعي للبنين واختلطن بهم، رغم أن آبائهن وأسرهن ألحقنهن بالدراسةِ في جامعةِ الأزهر لكى يضمنوا لهن عدمَ الاختلاط، وهناك الحرائر اللاتي يُمسكن بالشماريخ ويُطلقنَها على رجالِ الشرطة وأتوبيساتِ أطفالِ المدارس مما تسبب في حرقِها، وهناك الحرائرُ اللاتي يحبسن عميدة إحدى كلياتِ جامعةِ الأزهر في مكتبها، وهناك الحرائرُ اللاتي ينزعن الحِجابَ عن أساتذتهن اللاتي يُعلمونَهُن العلمَ بدعوى أنهن يُناصِرنَ الانقلاب الذي لا يوجد سوى في مُخيلتِهِنَ هُنَ وأعضاءِ الجماعةِ، وهناك الحرائرُ اللاتي يُمسكنَ بعلبِ الاسبراي ليكتُبنَ أقذعَ الصفاتِ لرئيسِ الجامعةِ وفضيلةِ الإمامِ الأكبرِ شيخِ الأزهر على جدرانِ أعرقِ جامعةٍ عرفها العالم.

        أما أساتذةُ الإخوان، فحدِّث ولا حرج، فهم يُحرِضُونَ طلابَ الجماعة على العنفِ والتدميرِ لتحقيقِ أهدافِ الجماعة في إيقافِ عجلةَ الحياةِ في الجامعات، وذلك على حسابِ الجامعاتِ التي آوتهم واحتضنتهم ولم تسمع قياداتِها لتقاريرِ أمنِ الدولة في عصرِ مبارك والتي أوصت بعدمِ تعيينهم معيدين بحُجةِ أنهم ينتمون للجماعةِ المحظورة، فما كان من أساتذةِ الإخوان الذين ضمتهم هذه الجامعاتُ برحابةِ صدرٍ إلا أن يردوا لها الجميلَ تحريضًا وعنفًا وحريقًا ودمارًا وتسريبًا للأسلحةِ والمتفجراتِ واللافتاتِ في سياراتِهم إلى داخلِ الحرمِ الجامعي. والأدهى من ذلك أن هؤلاءَ الأساتذة الإخوان لا يزالون يشغلون المناصبَ الجامعيةَ المرموقة، والأَمَرُ أنهم دفعوا المتعاطفين مع الجماعة للسعي للمنافسة على جميع المناصب الجامعية خلال الصيف الماضي لتصبح الجامعاتُ تحتَ سيطرتِهم لتظلَ صُداعًا دائمًا ينهشُ في رأسِ النظام.
أن التنظيمَ الدولى اعتمد ميزانيةً جديدة بنحو 45 مليون جنيه، لدعمِ عنفِ الطلاب، بتمويلٍ من رجالِ أعمالٍ ماليزيين وقطريين وأتراك.

ثالثًا: تعديلات واجبة لقانون تنظيم الجامعات

        إن التعديلات التي أجرتها اللجنةُ المُشكلة على قانونِ تنظيمِ الجامعاتِ لمواجهةِ العنفِ والإرهابِ داخلَ الجامعات والتي تتيح فصلَ الطلابِ إذا ارتكبوا هذه الأفعالَ هي خطوةٌ مُهمةٌ لصالحِ العمليةِ التعليمية، والتي تهددت كثيرًا خلالَ العامِ الجامعي الماضي، وكادت أن تتوقفَ لولا رجالٌ آمنوا بهذا الوطن وبأهميةِ العِلم، فقرروا بكلِ حزمٍ مواصلةَ مُحاضراتِهم وإجراءَ امتحاناتِهم لتدورَ عجلةَ الحياةِ داخلَ الجامعاتِ وتدهسَ كلَ من يريدُ تعطيلَها عن الدوران.

 

        ولكن هذه التعديلات وحدها غيرُ كافية، لأنه يجب إزاحةُ كلِ قياداتِ الإخوان الذين يتولون مناصبَ جامعية، ويجب التدقيقُ في الأساتذةِ المرشحين لتولي منصبِ العميد في الكلياتِ الجامعيةِ المختلفة حتى لايستغلوا مناصبهم في تحريضِ الطلاب ضدَ جامعاتهم وضدَ الدولةِ المصرية، ورغمَ إلغاءِ انتخابِ القياداتِ الجامعية والذي أثبتَ فشلَه بالفعل، قام الإخوانُ بدفعِ المتعاطفينَ معهم للترشحِ للمناصب الجامعية بغيةَ تحقيقِ أهدافِهم في السيطرةِ على الجامعات، وكما نَبهتُ قبلَ ذلك في مقالٍ لي نُشرَ على موقعِ "البوابة نيوز" أن لدى معلوماتٍ بمخططٍ كاملٍ للاستيلاءِ على الجامعاتِ من خلالِ بعضِ الشخصياتِ المتعاطفةِ مع الإخوان أو ممن يُطلقُ عليهم "الخلايا النائمة" لإحكام السيطرةِ على الجامعات، واستخدامِها كورقةِ ضغطٍ ضدَ النظام، ولعل ما يقومُ دليلًا على هذا المخططِ الذي تحدثتُ عنه في أواخر العام الجامعي الماضي رفضُ الجهاتِ الأمنية للمرشحين الثلاثة لرئاسةِ إحدى الجامعات المصرية.

 

رابعًا: موقعة الأحد الأسود بين طلاب الإخوان والأمن

       ولقد تابعتُ- كأستاذٍ جامعي – ما حدث من حربِ الإخوانِ على الجامعاتِ في موقعةِ الأحد 12 أكتوبر الماضي في مستهل العام الجامعي الحالي، وهى الموقعةُ التي أشعرُ بالخزي والعار لانتصارِ الإخوانِ فيها على الدولةِ المصرية بكلِ أجهزتها، رغم أن الثابتَ أن طلابَ الإخوانِ مجردَ أقليةٍ وسطَ طوفانٍ من الطلابِ الذين يرغبون في انتظامِ الدراسة، ويمقتون محاولاتِ طلابِ الإخوانِ لتعطيلها وتدميرِ مستقبلهم. ولعل اختراق الإخوانِ للمنظومة الأمنية للجامعات تَكمُنُ أسبابُه في نقاطٍ مهمةٍ عديدة تُبرِزُ التناقضَ في أسلوبِ الدولة في التعاملٍ مع الإخوانٍ وأسلوبِ الإخوانِ في التعاملِ مع الدولة.

         فالدولةُ لا يزالَ يحدُوهَا الأملُ في أن يَثُوبَ الإخوانُ إلى رشدِهم وينخرطوا فيها كمواطنين شرفاء لهم مالها وعليهم ماعليها، في حين أن الإخوانَ ينظرون للدولةِ المصرية وجيشِها وشُرْطَتِها بمنظورِ العدوِ الذي يخوضون ضدَه حربًا مقدسة لا هوادةَ فيها. من هنا، نجد أن قبضةَ الدولةِ متراخية مع الإخوان باعتبارهم فصيلًا من الشعب المصري، في حين أن الإخوانَ لو أُتيحت لهم الفرصة لنسفوا هذه الدولة وحولوها إلى أشلاء. إن اختلافَ الرؤى بين الدولة والإخوان في نظرِ كلٍ منهما للآخر هو ما أوصلنا إلى ما نحنُ فيه.

         إن الإخوانَ  بعد انكسارِهم في الشارعِ المصري لعدم تعاطفِ الشعبِ معهم بعد أن عَلِمَ أنهم ضدَه ، وبعد أن راهنَ عليهم وخذلوه، أخذوا يَعُدُون العدةَ منذ شهورِ لافتتاحِ العامِ الجامعي الجديد ليضربوا الدولةَ في مقتل، واختاروا الأحدَ الماضي الذي تواكب مع انعقادِ مؤتمرٍ دولي لدعمِ غزةَ في القاهرة وحضورِ عديدٍ من ممثلي دولِ العالم، وكأن الإخوانَ يرسلون رسالةً للعالم بأنهم لا يزالون موجودين، ويقولون لجون كيري وزير الخارجية الأمريكي إننا لازلنا لاعبين رئيسيين على الساحةِ المصرية. ومن الواضح أن الإخوانَ فقدوا الأملَ – أو كادوا -  في الشعبِ المصري ويراهنون على الخارج في دعمِ مظلوميتِهم الجديدة. ورغم ذلك، فإن ما أكسبَ مظاهراتِ الإخوان الأحدَ الماضي في الجامعات زخمًا هو انضمام طلاب حركة 6 أبريل لها بل ودعوة الحركة على شبكات التواصل الاجتماعي للحشد لهذه المظاهرات الإخوانية التي تلتئم لأول مرة مع حركة منظمة أخرى استجابت بالأمس فقط للانضواء تحت ائتلاف أيمن نور الذي يسعى إلى توحيد كل أعداء الدولة المصرية بحجة استعادة الثورة المفقودة!

 

خامسًا: منظومة أمنية بحاجة إلى مراجعة

        إن المنظومةَ الأمنية التي تبنتها وزارةُ التعليمِ العالي لتأمينِ الجامعات كانت غايةً في السذاجة، بالضبط كما كانت بعضُ التصريحاتِ الجوفاء غايةً في العنترية التي لا تصلح في التعاملِ مع فصيلٍ مدرب وارد معسكرات كرداسة وصحاري المنيا. إن الأمنَ الإداري الذي لم يتم تدريبه على التعاملِ مع عنفِ وشغبِ طلابٍ مدربين على الاشتباك، وتلك الشركةَ التي تم التعاقدُ معها لتأمينِ البوابات قبلَ بدءِ الدراسة بأيامٍ معدودات لا يصلحان وحدهما لمواجهةِ طلابِ الإخوان، وأيُ قارئٍ متعمقٍ لفكرِ جماعاتِ الإسلامِ السياسي يعلمُ ذلك تمامًا، إلا أنه رغم ذلك تُركت هذه الصدورُ العارية التي تفتقد التدريبَ والقدرةَ على المواجهة والاشتباك ليكونوا لقمةً سائغةً لطلابِ الإخوانِ الذين تدربوا لشهورٍ على القتال والاشتباك والمواجهة، ولولا تدخلُ الشرطةِ المصرية المهنية والمحترفة في التعاملِ مع هكذا اشتباكات لحدَثَ ما لا يُحْمَدُ عُقْبَاه.

        فمن الثابت أنه لم تتضمن خطة اقتحام طلاب وطالبات الإخوان لجامعة القاهرة اختراق بوابة الجامعات المجاورة لمحطة المترو فقط كما قد يتخيل البعض، بل كان هناك 30 عنصرًا طلابيًا إخوانيًا مدربًا على اعتلاء الأسوار للدخول إلى حرم الجامعة في أثناء قيام الحشود أمام بوابة المترو بالتغطية على هذه العملية، وقد قامت هذه العناصر بتمرير الصوارخ والشمارخ والأسلحة البيضاء إلى داخل الحرم، وعندما استدعت الجامعة الشرطة وبدأت قوات الأمن المركزي بالدخول إلى حرم الجامعة ، قامت هذه المجموعة الإخوانية بتنفيذ أوامر الانسحاب من حيث جاءت، وهكذا تم التعامل مع اقتحام جامعة القاهرة كعملية من عمليات الجناح العسكري للجماعة، وهو ما يعني أن جماعة الإخوان تعاملت مع الجامعات كأنها ساحات حرب بينها وبين الدولة والشعب الذي يمثله طلاب لا يبغون إلا تحصيل العلم واستقرار العملية التعليمية وهو ما تأباه الجماعة عليهم.

        وبعدَ نجاحِ الشرطة في التغطيةِ على فشلِ المنظومةِ الأمنية للجامعات وكسرِ مظاهراتِ الإخوان، صدرت تعليماتٌ لأعضاءِ التنظيم بتصعيدِ موجاتِ العنف، لتخفيفِ القبضةِ الأمنية على طلابِ الإخوان، وتشتيتِ قواتِ الشرطة وإنهاكها، فضلًا عن استمرارِ التظاهر وقطعِ الطرق على مدارِ الأسبوعِ الماضي. فيما جاءَ ردُ طلابِ الإخوان على هذا الفشلِ الذريع في التظاهراتِ في الجامعات إلى تأخرِ التسكينِ وانشقاقِ الصفِ بينهم، وذلك بسببِ وجودِ عناصرَ مندسة تابعةٍ للأمنِ والمعروفين بالطلابِ الوطنيين. وتَوَعَدَ طلابُ الإخوانِ باستمرارِ مظاهراتِ العنفِ والتصعيدِ الثورى وتغييرِ إستراتيجيةِ التعاملِ مما يجعل هذا النظامُ غيرَ قادرٍ على صدِ موجاتِه؛ فلقد تَوَعَدَ طلابُ الإخوان في جامعاتِ عينِ شمس والقاهرة والأزهر بموجةٍ  ثوريةٍ عارمةٍ  وِفْقَ خطةٍ سرية لا يعلمُ عنها أحدٌ  غيرَ المسئولين عن التنظيم، متوعدين الكون وقواتِ الأمن بأسبوع عنفٍ ثانٍ لم تشهد له الجامعات مثيلًا من قبل. وكشفَ مصدرٌ أن التنظيمَ الدولى اعتمد ميزانيةً جديدة بنحو 45 مليون جنيه، لدعمِ عنفِ الطلاب، بتمويلٍ من رجالِ أعمالٍ ماليزيين وقطريين وأتراك.

سادسًا: لماذا تم الاقتحام من باب كليتيْ الإعلام ودار العلوم؟

        وعلاوةً على المنظومةِ الأمنية المهترئة التي تبنتها وزارةُ التعليمِ العالي لتأمينِ الجامعات، فهناك أيضًا طلابُ الإخوان وأعضاءُ هيئةِ التدريس الإخوان والمتعاطفون معهم، ومن بينهم من يتولون مناصب قيادية، الذين يمثلون خلايا نشطة داخلَ كلياتِهم في الدعوةِ والحشدِ لمثلِ هذه النوعية من التظاهراتِ ليزيدوها زخمًا وتأثيرًا، وهؤلاء تُركوا يمارسون عملَهم ضد الدولةِ المصرية التي لا تعنيهم في شيء، وانتماؤهم وولاؤهم الوحيد للجماعة. ولعلَ نظرةً واحدةً متعمقةً لاقتحامِ الإخوانِ لجامعةِ القاهرة يُنبؤنا من أين اقتُحمت الجامعة ويفسرُ لنا ذلك؛ فالجامعةُ اقتُحمت من البابِ الذي يجاورُ كليةَ دارِ العُلومِ مِعقلِ الأصولية في جامعةِ القاهرة وكليةِ الإعلامِ التي تعرضت لأعتى موجاتِ الأخونة طوالَ السنواتِ الثلاثِ الماضية، يكفي أنها كانت منصةً إعلامية دائمة لوزيرِ الإعلامِ الإخواني صلاح عبد المقصود، ويكفي أنها أصدرت تحتَ رعايةِ إحدى قيادات الكلية نشرةً ثقافيةً طلابيةٌ يحررُها أحدُ (الإخوة) الأساتذة وبها قصيدةٌ شعريةٌ تنعي (شهداءَ) رابعة، وتمثلُ أحد الأناشيد الإخوانية بامتياز.

         ويكفي أن أحد قيادات الكلية صلى صلاةَ الجِنَازة على شهيدةِ الصحافةِ المصرية ميادة أشرف وراءَ أستاذٍ إخواني.. رغم أن الإخوانَ أياديهم ملوثةٌ بدماءِ إبنةِ كليةِ الإعلام التي راحت ضحيةَ (سِلْمِيَةِ) الإخوانِ (المُبْدِعَة) بعين شمس، ويكفي أنه جلس على مائدةٍ واحدةٍ بمدينة الإنتاج الإعلامي مع وزيرِ الإعلام الإخواني وحازم صلاح أبو إسماعيل (الذي طالما حاصرَ مدينةَ الإنتاجِ بالرعاعِ والسوقةِ والدهماء) وصلاح سلطان (ابنِ كليةِ دارِ العُلوم) ليبحثَ مستقبلَ الإعلامِ في عصرِ الإخوان، وكافأه الإخوانُ برئاسةِ الجلسةِ الثانية من ذلك المؤتمرِ المشئوم! ومنحوه عضويةَ المجلسِ الأعلى للصحافة ووكالةَ المجلسِ رغمَ أنه في الأساس متخصصٌ في الإذاعةِ والتليفزيون ولا علاقةَ له بالصحافةِ تخصصًا وممارسةً، كما كان يُعِدُ نفسَه لتولي رئاسةِ المجلس الوطني للإعلام ، ولا يزال يسعى لذلك في عصرِ ما بعدَ الإخوان ، تشهدُ على ذلك مقالاتُه في التنظيرِ لآلياتِ عملِ المجلس، وتَصَنُعُهُ المُبَاَلغُ فيه أنه كان ضدَ الإخوان!

سابعًا: تغطية إعلامية مغرضة  

        وبالنظرِ أيضًا للمنظومةِ الإعلاميةِ التي قامت بتغطيةِ مظاهراتِ الأحدِ الأسود، نجد أن عددًا لا بأسَ به من الصحف تبنى روايةَ وكالةِ الأناضول التركية الموالية للإخوان، وتم تصويرُ الأمرِ على أنه سقوطُ شركةِ الأمنِ الخاصة باحتفاءٍ غريب، وكأن هذه الشركة تنتمي إلى دولةِ إسرائيل، وكأن سقوطَها يمثل سقوطًا للجدارِ العازلِ الذي شيدته إسرائيل لحصارِ قطاعِ غزة، وهنا أَشْتَمُ مالًا سياسيًا تم ضخُه في الإعلامِ المصري ويجب تتبعُه والكشفُ عَن مَن يتلقوْنَه. كما ظهرت دعاوى غريبةُ وشاذة من بعضِ كتَابِ المقالات كُلُها تُؤَسِسُ لانتصارِ الإخوانِ على الدولةِ المصرية؛ فمنها من يدعو إلى إلغاءِ العامِ الجامعي الحالي، ومنها من يدعو إلى إلغاءِ كلياتٍ بعينِها من جامعةِ الأزهر، ومنها من يدعو إلى الحوارِ مع طلابِ الإخوانِ الذين هم مبرمجون على السمعِ والطاعةِ لقادتِهم، ومنها من يدعو إلى تركِ طلابِ الإخوانِ المتظاهرين والمتحمسين ليعبروا عن رأيهم بحريةٍ حتى لو كَسَروا وأتلفوا بحجةِ أن بعضَ رجال الدولة "ياما" أتلفوا، وفي النهاية التظاهرات ستنتهي وحدها. وللأسف كلُ هذه الآراءِ غيرُ البناءة لن تُجدي نفعًا مع الإخوان.

 

ثامنًا: فشل الأحزاب والمنظمات الأهلية في التعامل مع الأزمة

        وعلاوةً على المنظومتين الأمنية والإعلامية،  فإن المنظومةَ السياسية شهدت فشلًا مماثلًا لا يمكنُ إنكارُه، ويتمثلُ هذا الفشل في مفرداتِ النظامِ السياسي من حكومةٍ وأحزابٍ سياسية ومنظماتِ مجتمعٍ مدني، حيث لم تقدم الحكومةُ سوى الحلَ الأمني المتمثلَ في تدخلِ الشرطة لفضِ التظاهرات دونَ وجودِ أُفُقٍ سياسي للتعاملِ مع التظاهرات لاحتوائِها، كما اختفت منظماتُ المجتمعِ المدني من المشهد مكتفيةً بالمُشاهدةِ و"الفُرْجَة" لتسويدِ التقاريرِ للجهاتِ الأجنبية العاملة في مجالِ الحريات وحقوق الإنسان لكي تحصلَ على التمويلِ مقابل تشويه النظامِ المصري، والبكاءِ والعويل على الحرياتِ المفقودة التي لا يضمنها للطلابِ المتظاهرين السلميين، رغم أنهم يعلمون جيدًا أنهم ليسوا كذلك ولكنها أصولُ الشُغْل وما تريده جهاتُ التمويلِ الأجنبية.

         وبالنسبةِ للأحزابِ السياسية، فقد قدم حزبُ "الدستور" ما أسماه "ورقةَ حل" للأزمةِ الأمنية في الجامعات، حيث طالب الحزبُ بضرورةِ توقفِ الدولة عن الإجراءاتِ الأمنية التي وصفَها الحزبُ بـ"القمعية" في الجامعاتِ المصرية، مشيرًا إلى أن القمعَ الأمني للنشاطِ الطلابي سيخلقُ بيئةً جامعية أكثر إرهابًا وتطرفًا. وقال خالد داود، المتحدثُ باسم الحزب، إن الحزبَ يؤكد معارضته لما يحدث في الجامعات، مؤكدًا أن التضييقَ الأمني الذي تمارسه السلطاتُ وإداراتُ الجامعات يعيدُ خلقَ جيلٍ متطرف التوجهات في ظلِ حالةٍ من الصراعِ المستمر بين الطلبةِ والسلطة.

       وقال أحمد فاروق، عضو مكتبِ طلابِ حزبِ "الدستور"، إن الحزبَ وضع "ورقةَ حلٍ" لأزمةِ الجامعات، تتمثل في إخلاءِ سبيلِ جميع الطلاب "المعتقلين"، وإعادةِ النظر في قراراتِ فصلِ الطلابِ التعسفية، والتراجعِ عن التضييقِ المتعمدِ على الوسطِ الطلابي من خلالِ عودةِ نشاطاتِ الأُسرِ الطلابية، ومنعِ إصدارِ تصريحاتٍ من إداراتِ الجامعات تُؤججُ غضبَ الطلابِ وإصدارِ ورقةٍ تُنظمُ دورَ الشركاتِ الأمنية الخاصة بالجامعات، وإصدارِ لائحةٍ طُلابيةٍ يكتُبها الطلابُ أنفسهم، فضلًا عن إصدارِ قانونٍ يُنظمُ العملَ السياسي بالجامعات. وأضاف "فاروق"، خلال المؤتمر، أن الدولةَ لا تعتمد إلا على الحلِ الأمني، رافضًا محاولاتِ حصرِ المشهدِ في صراعٍ بين الأمنِ والإخوان، مؤكدًا أن هناك عديدًا من الطلابِ المستقلين عن الإخوان يعبرون عن آرائِهم بسلميةٍ وتقومُ الشرطةُ بالاعتداءِ عليهم.

      وقال محمد حسان، عضوُ المكتبِ السياسي لطلابِ الدستور، إن وزارةَ الداخلية لا تُفرقُ بين طالبِ علمٍ وطالب إخوان، مؤكدًا أن قتلَ الطلابِ بالجامعات يتمُ بشكلٍ يومي داخلَ الحرمِ الجامعي على أيدي قواتِ الأمن. وأوضح أن الدستورَ المصري، يتم انتهاكُه بشكلٍ مستمر من  قِبل إداراتِ الجامعات قائلًا: "حالاتُ الاعتقالِ العشوائي تتم فجرًا ويتم احتجازُ الطلبة في أماكنَ مجهولة لمدة 48 ساعة، إلى جانب عدم قيامِ إداراتِ الجامعاتِ بالتحقيقِ في وقائعِ القتل التي حدثت للطلاب والاكتفاء باتهامِ الطلبة أنفسهم".

 إن ما قدمه حزبُ "الدستور" على أنه ورقةً لحلِ الأزمة لا يمثل عند التحليلِ الأخير إلا وسيلةً لتعقيدها من خلالِ اتهام الدولة بالتضييقِ الأمني على الطلابِ، رغمَ أن الدولةَ تركت الأمرَ للجامعات دون تدخلٍ حتى استفحلت الأمورُ فاضطرت اضطرارًا إلى التدخل، كما طالبت الورقةُ بإخلاءِ سبيلِ جميعِ الطلابِ المعتقلين .. هكذا دون تحفظٍ أو استثناء .. وكأن من حقِ الطلابِ التدمير والحرق والتفجير ثم يُفرَجُ عنهم لتأجيجِ "الفوضى الخلاقة" في الجامعات، كما تدعي الورقةُ كَذِبًا بأن الجامعات ألغت النشاطَ الطُلابي والأُسرَ الطُلابية، وهذا غير صحيح بالمرة باستثناء الأسر الطلابية التي تنتمي إلى أحزابٍ سياسية قد تُؤجِجُ الصراعَ السياسي في الجامعات بين الطلاب، أما فيما يتعلقُ بأن الإجراءاتِ الأمنية تؤدي لخلقِ جيلٍ متطرف .. فإنني أُطمئِنُ حِزبَ "الدستور" بأن طلابَ الإخوان رضعوا التطرفَ من صَدْرِ الجماعةِ الإرهابية، وهو ما مارسوه من قبل في أيام مرسي عند فض اعتصام قصر الاتحادية وفي اعتصاميْ رابعة والنهضة وفي أعمالِ العنفِ والتفجير خلالَ الأشهرِ الخمسة عشرة الماضية. أما أن القتل يتم بشكلٍ يومي في الجامعات فهو اتهامٌ كاذبٌ جملةً وتفصيلًا ليس الغرضُ منه سوى تأجيجِ المشاعر الطلابية وحشدِ متعاطفين مع المتظاهرين، وحتى إن سقط قتيلٌ أو أكثر خلالَ العامِ الجامعي الماضي، فهذا ليس من اختصاصِ إداراتِ الجامعات، كما ادعت "ورقةُ" حزبِ "الدستور" بل من اختصاصِ النيابةِ العامة!  

       من جهةٍ أخرى، قرر حزبُ "إحنا الشعب" تحتَ التأسيس، بالتعاونِ مع بعضِ طلابِ الجامعات، تدشينَ حملةِ توعيةٍ كبرى داخلَ جميعِ الجامعات تحتَ عُنوانِ "أنا طالب مش بلطجي"، بهدف التأكيدِ على وطنيةِ القاعدةِ العريضة من الطلابِ، وحمايتهم من تجاوزاتِ القلةِ الإخوانية. وقال الحزبُ في بيانه: إن الحملةَ تشمل طبعَ كُتيبٍ بعنوان "دليلُ طالبِ العِلم" يتضمنُ الواجباتِ المنوط بكلِ طالبٍ القيامَ بها منذ دخوله الحرمَ الجامعي، ومعلوماتٍ عن تاريخِ الحركةِ الطلابية الوطنية، كذلك تنظيمَ رحلاتٍ لزيارةِ مشروعِ قناةِ السويس، والكشفَ عن حقيقةِ تمويلِ طلابِ الإخوان، خاصةً أن عددًا منهم التقى أخيرًا مع القيادي الإخواني محمد علي بشر. وأضاف الحزبُ، أن الحملةَ سيقومُ بها الطلاب وليس أعضاءُ الحزب احترامًا لمبدأ عدم إقحامِ الأحزاب في الجامعات.

       ومع احترامنا لدعوةِ حزبِ "إحنا الشعب"، فإنها دعوةٌ غيرُ موفقة على الإطلاق، لأنها تعني ببساطة إقحامَ الأحزابِ السياسية في العمل الطلابي بشكلٍ ما، وهذا مرفوضٌ تمامًا، كما أن مجردَ تدشينِ بعضِ الطلابِ لحملةٍ بعنوان "أنا طالب مش بلطجي" سوف يؤدي إلى تأجيجِ غضبِ طلابِ الإخوان الذين تم وصفهم بالبلطجية، وهذا سوف يؤدي إلى حدوثِ مواجهاتٍ عنيفة بين طلابِ الإخوان وطلابِ هذه الحملة التي يدعمها حزبٌ سياسي، مما يحول الجامعاتِ إلى ساحاتِ قتالٍ بين الطلاب، وهو ما لا نريده.

 

لابد من التدخلَ السريع من قِبَلِ قواتِ الشرطة والأمنِ الإداري حالَ حدوثِ أية خروقاتٍ من قِبَلِ طلابِ الإخوان في بداياتها وقبلَ أن تستفحلَ ويصعب التعاملَ معها بهدوء

تاسعًا: نحو إستراتيجية متكاملة لتأمين الجامعات

        إذن فما الذي يُجدي في التعاملِ مع تظاهراتِ طلابِ الإخوانِ في الجامعات؟ إن الذي يُجدي في التعاملِ مع تظاهراتِ الإخوان على المدى القصير والمتوسط والطويل؛ هو وضعَ إستراتيجيةٍ متكاملةٍ لتأمينِ الجامعات، على أن تتبنى هذه الإستراتيجيةُ الآلياتِ الآتية:

 

 الآلية الأولى: تجنب العنف قبل وقوعه وليس محاولة التخلص من آثاره

        إن إحدى المقولاتِ الأمنيةِ الشهيرة التي كنا نرددُها عند مشاهدةِ اللقطاتِ الخاصةِ بالشرطة في الأفلامِ المصرية: "منع الجريمة قبل وقوعها"، وهى عبارةٌ تعكسُ عقيدةً أمنية راسخة لدى أجهزةِ الشرطة في عديدٍ من دولِ العالم، إلا أن هذه العقيدةَ لم يتم تطبيقُها في التعاملِ مع مظاهراتِ الإخوان المتوقعة في بداية العام الجامعي الحالي؛ حيث تُركتُ الأمورُ لمنظومةٍ أمنية جامعية يديرُها هواةٌ من الأمنِ الإداري وشركةٍ أمنية غيرُ متخصصة، وكان يجب أن تكونَ الشرطةُ المهنية والمحترفة موجودةً لمساندةِ المنظومةِ الأمنية الجامعية التي لم يتم تجريبُها بعد، ولم نختبر مدى صمودِها مع أولِ مواجهةٍ مع طلابِ الإخوان.

         وفي هذا الصدد، يمكن اقتراحُ آليةٍ جديدة لدعمِ المنظومة الأمنية الجديدة في الجامعات من قِبَلِ الشرطة، وتقضي هذه الآلية بتمركزِ بعضِ قواتِ الشرطة في بعض الأماكن الحيوية داخلَ الحرمِ الجامعي وعلى أسطحِ بعضِ الكلياتِ لمراقبةِ الوضع الأمني داخلَ الحرمِ الجامعي ومراقبةِ أسوارِ الجامعة لضمانِ عدمِ القفزِ فوقَها وتمريرِ المتفجرات والشماريخ والمولوتوف من فوقها علاوةً على الوجودِ بالقربِ من بواباتِ الجامعة، ويمكن أن يستمرَ هذا الوضعُ في الأسبوعينْ الأولييْن من بدايةِ كلِ فصلٍ دراسي، على ألا تنسحب هذه القواتُ فجأةً بل تنسحب بالتدريج خلالَ الأسبوعِ الثالثِ من الدراسة بعدَ ضمانِ استقرارِ العمليةِ التعليمية وانشغالِ الطلابِ في تحصيلِ العِلمِ وانتظامِ المحاضرات.

         إن هذه الآلية سوف تضمن التدخلَ السريع من قِبَلِ قواتِ الشرطة والأمنِ الإداري حالَ حدوثِ أية خروقاتٍ من قِبَلِ طلابِ الإخوان في بداياتها وقبلَ أن تستفحلَ ويصعب التعاملَ معها بهدوء، مما يؤدي إلى إلصاقِ تهمةَ العُنفِ في التعامل مع الطلاب بالشرطة والأمنِ الإداري.

 

الآلية الثانية: تدريب الأمن الإداري وتأهيله للتعامل مع الأفعال العنيفة

        وتستلزم هذه الآلية تدعيمَ فِرَقِ الأمنِ الإداري بالجامعات بكوادرَ جديدةٍ ذاتَ مواصفاتٍ خاصة ولياقةِ بدنيةٍ عالية، ويُمكنُ الاعتمادُ على طلابِ وطالباتِ التربيةِ الرياضية في هذه السبيل، على أن يخضعَ من يتمُ اختيارُه للعملِ ضمن الأمنِ الإداري لفترةِ تدريبٍ مُدتُها 45 يومًا كاملة دونَ إجازاتٍ على يدِ متخصصين من الشرطة لتدريبهم على فنونِ القتال والمواجهة والاشتباك واستخدامِ وسائل الحماية والوقاية.

 

الآلية الثالثة: دعه يتظاهر ما دام سلميًا ويلتزم بالقانون

        إن مصرَ بلدٌ يؤمنُ بحريةِ التعبير وينصُ دستورُها على حقِ التظاهر الذي ينظمه القانون، ومن هنا فإن هذه الآلية تتيحُ للطلابِ سواءَ كانوا إخوانًا أم غيرَ ذلك التظاهرَ في حدودِ القانون، وبالتالي ما تسمح به الدولة في خارجِ الجامعات يجب أيضًا أن يكونَ مسموحًا به داخلَ حرمِ الجامعات. ووفقًا لهذه الآلية يمكن أن يتقدم منظمو المظاهرة بطلبِ تصريحٍ للتظاهرِ يتضمن الزمانَ والمكان والسبب والمدة التي تستغرقها المظاهرة لمكتبِ الأمنِ الإداري للجامعة المختص بإصدارِ التصاريح للمظاهرات.

 

        وتتيحُ هذه الآلية توفيرَ مُناخٍ صحي لتعبيرِ الطلابِ عن آرائهم بحريةٍ ما دامت مظاهراتهم تتسم بالسلميةِ الحقيقية، وما دامت هذه المظاهرات تلتزم بالقانون، ولا تؤدي إلى تعطيلِ الدراسةِ أو التشويش عليها باستخدامِ مكبراتِ الصوت والطبول والفوفوزيلا، وما شابه ذلك، ومادام المتظاهرون سلميين لا يحملون مولوتوفًا ولا صواريخَ وألعابًا نارية ولا شماريخَ ولا بارشوتات.

 

الآلية الرابعة: عدم تأخير التسكين في المدن الجامعية

        إن تأخيرَ التسكينِ في المدنِ الجامعية يؤدي إلى مزيدٍ من السَخَطِ سواء بين طلابِ الإخوان أو غيرهم من الطلابِ الغتربين بصفةٍ عامة، وهو ما يؤدي إلى ردِ فعلٍ عكسي حيث تكتسبُ التظاهراتُ زخمًا وحشدًا للتعبيرِ عن الغضبِ من تأخرِ السكنِ بالمدنِ الجامعية لأسبابٍ واهيةٍ مُعلنة وأسبابٍ أمنيةٍ مستترة. إن تسكينَ الطلابِ بالمُدنِ الجامعية مع أولِ يومٍ للدراسة ودونَ إجراءاتٍ مُعقدةٍ وبسلاسة يصبُ في مصلحةٍ المنظومةٍ الأمنية للجامعات وليس ضدَها، وهنا يمكن أن يتمَ تنفيذُ الآليةَ الأولى التي أشرنا إليها سلفًا داخلَ المدن الجامعية.

 

        ويمكنُ ضمنَ الآلية الرابعة تحسينُ الخدمة داخلَ المدينة الجامعية في غُرفِ الطلاب وتخصيص أماكنَ مجهزة لمذاكرةِ الطلاب وتخصيص أماكنَ لمشاهدةِ التليفزيون والدخولِ إلى الإنترنت وممارسةِ الرياضاتِ المختلفة وتحسينِ مستوى الوجباتِ الغذائية في مطاعمِ المدينة، وتنظيمِ موسمٍ ثقافي لطلابٍ المدنٍ الجامعية يلتقي خلالَه الطلابُ بكبارِ المثقفين والكتابِ والشعراءِ ورجالِ الدين والفنانين والرياضيين.

 

الآلية الخامسة: إظهار تسامح الدولة في التعامل مع الطلاب

        ويمكنُ ضِمنَ هذه الآلية فحصُ ملفاتِ الطلابِ المحبوسين على ذمةِ قضايا بسرعةِ إنهاء التحقيقات معهم، ومن ارتكب جنايةً يُحالُ إلى القضاء، أما من لم يثبت في حقه شيئًا فيتمُ إخلاء سبيله ليعودَ إلى جامعته ودراسته ، وكذلك بحثُ حالاتِ الطلابِ المرضى بالسجونِ أو الحبس ممن لا تسمح حالاتهم بالاحتجاز لأسبابٍ صحية ليتمَ الإفراجُ الصحي عنهم وهو أمرٌ ينظمه القانون، وكذلك إعادةُ النظرِ في التماساتِ الطلابِ المفصولين فصلًا نهائيًا من الجامعات، وإعادةُ من لم يرتكب فعلًا يستحقُ الفصلَ النهائي لدراسته أو توقيعُ عقوبةٍ أخف عليه تضمن إمكانيةَ عودتِه للدراسة بالجامعة والحفاظِ على مستقبله. إن رؤيةَ الطلابِ لبعضِ زملائِهم وهم يعودون للدراسةِ معهم مرةً أخرى سيكونُ له مفعولُ السحرِ في نزعِ فتيلِ الأزمةِ الأمنية بالجامعات، وسيؤدي إلى الحدِ من السَخَطِ الطُلابي الذي يصبُ بلا شك في صالحِ تنظيمِ الإخوان.

 

الآلية السادسة: فتح قنوات للحوار مع طلاب وأعضاء هيئة التدريس الإخوان

        ويمكنُ من خلالِ هذه الآلية فتحُ قناةٍ للحوارِ مع طلابِ الإخوان في كلِ كليةٍ من خلال اتحادِ طلابِ هذه الكلية للتوصلِ إلى حلولٍ لمواجهةِ ظاهرةِ العنف في المظاهرات، وكذلك قيامُ عميدِ كلِ كليةٍ بفتحِ قناةٍ أخرى للحوار مع أعضاءِ هيئةِ التدريس والمدرسين المساعدين والمعيدين الإخوان لمنعِ التحريضِ على المظاهرات والعنف داخلَ الجامعة، وعدمِ استغلالِ المحاضراتِ في بثِ السَخَطِ من النظام لدى الطلاب من خلالِ خطابِ عاطفي أو تحريضي يستثيرُ حماسَهم لنُصرةِ زملائِهم المحبوسين أو المفصولين.

 

الآلية السابعة: تحديث محتوى المساقات الدراسية في جامعة الأزهر وكلية دار العلوم

        إن نظرةً واحدةً متعمقةً إلى ما يحدثُ في جامعتي الأزهر والقاهرة على سبيل المثال يجد أن هاتين الجامعتين من أكثرِ الجامعاتِ المصرية التي تعرضت للعنفِ طِوالَ الفترةِ الماضية، وهو ما يستلزمُ البحثَ في الأسبابِ الكامنة وراءَ ذلك. ولعله من المُرجحِ أن محتوى الموادِ الدراسية في كلياتِ جامعةِ الأزهر - ولاسيما الدينية منها- علاوةً على محتوى مقرراتِ كليةِ دارِ العلوم بجامعةِ القاهرة تفسرُ في جزءٍ كبيرٍ منها أسبابَ هذا العنف نظرًا للنزعةِ الأصولية في هذه المقررات، لذا يجبُ تحديثُ هذه المقررات لكى تناسبَ العصرَ الذي نعيشُ فيه، ولكي لا تؤدي إلى تفريخِ أجيالٍ جديدةٍ من الأُصوليين والذين يتعاطفون مع فكرِ حركاتِ الإسلامِ السياسي اعتقادًا منهم أنهم سيقيمون دولةَ الخِلافَةِ المفقودة!

 

الآلية الثامنة: التوسع في إنشاء الجامعات في الأقاليم وتخفيض الأعداد في الجامعات الموجودة في القاهرة ومدنها الجامعية

        إن التعاطفَ مع الإخوانِ والتربةَ الصالحة لانتشارِ فكرهم عبرَ الزمان كان – ولا يزال - في المناطقِ الفقيرة أكثر من الغنية والقرى أكثر من المدن والمناطق التي تزيد فيها الأميةُ أكثر من المتعلمة، وبالتالي فإن وجودَ كلياتٍ في الجامعاتِ القاهرية لا يوجد لها نظيرٌ في الجامعاتِ الإقليمية يؤدي إلى نزوحِ أعدادٍ كبيرة من الطلاب من الأقاليم إلى المدينة، وهؤلاء هم وقودُ المظاهرات في الجامعات، وقد اتضح ذلك جليًا طيلةَ العامِ الجامعي الماضي من خلال كمِ التظاهرات والاضطرابات التي شهدتها المدنُ الجامعية في الجامعات القاهرية.

 

        لذلك فإن آليةَ التوسعِ في إنشاءِ الجامعاتِ الإقليمية أو إنشاءِ كلياتٍ مُناظرة للكلياتِ الموجودة بالجامعاتِ القاهرية مع تفعيلِ القبول وفقًا للتوزيع الجغرافي في الجامعاتِ والكلياتِ الوليدة سيؤدي حتمًا إلى تقليلِ الاغتراب بالنسبةِ للطلاب والطالبات، وهذا سيكون مفيدًا لهم من جهة، ومن جهةٍ أخرى سيؤدي إلى تخفيض عددِ الطلابِ النازحين إلى العاصمة من الأقاليمِ وتخفيضِ عددِ الطلابِ المغتربين بالمدنِ الجامعية بالجامعاتِ القاهرية، وهو ما سيؤدي على المدى الطويل إلى تجفيفِ المصدرِ الرئيسي للحشدِ في المظاهرات، والذي تعتمد عليه جماعة الإخوان اعتمادًا يكاد يكون كليًا.

 

*أستاذ الصحافة وتكنولوجيا الاتصال كلية الإعلام – جامعة القاهرة