المركز العربي للبحوث والدراسات : تنظيم أنصار بيت المقدس .. تداعيات مخيفة (طباعة)
تنظيم أنصار بيت المقدس .. تداعيات مخيفة
آخر تحديث: الإثنين 10/02/2014 04:25 م إبراهيم منشاوي*
 تنظيم أنصار بيت
   ظهر الفكر الجهادي في مصر منذ سبعينيات القرن الماضي، وقويت شوكته بعد مقتل السادات. وقد تشكلت النواة الأولي لتنظيم القاعدة في ذاك الحين علي الأراضي المصرية ومنه انتقل إلي أفغانستان للجهاد ضد قوات الاتحاد السوفيتي. وخلال التسعينيات شهدت مصر عدداً من الأعمال الإرهابية، لم تلبث أن عادت مرة أخرى بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 من خلال التفجيرات المتكررة لخطوط الغاز المتجه لإسرائيل والأردن. 
   وقد برزت جماعة أنصار بيت المقدس ضمن التنظيمات الإرهابية في شبه جزيرة سيناء في الآونة الأخيرة نتيجة لتبنيها مجموعة من التفجيرات وأحداث القتل والترويع خاصة بعد الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسى فى 30 يونيو2013. وهذا البزوغ المفاجئ لتلك الجماعة بعد ذلك التاريخ يطرح مجموعة من الأسئلة الهامة حول.. ماهية التنظيم؟ وأسباب ظهوره؟ وحجم قوته؟ وما إذا كانت ثمة علاقة بينه وبين جماعة الإخوان المسلمين؟ 
جماعة أنصار بيت المقدس..من هى؟
  ظهرت جماعة أنصار بيت المقدس لأول مرة في عام 2011، وسط الفراغ الأمني الناجم عن سقوط الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك. وهى واحدة من أقوى التنظيمات الجهادية التي ظهرت في سيناء، وقد شنت هجمات كان لها صدى واسع في الداخل المصري. وهي جماعة متشددة، ومتوافقة في أفكارها مع أفكار تنظيم القاعدة. وهي مؤلفة من مجموعة من المصريين وجذورها تمتد إلي قطاع غزة، وتعتبر جزءاً مما يسمى بـمجلس شورى المجاهدين، وهو تنظيم يضم مجموعة من الجماعات الجهادية في غزة.
   قامت جماعة أنصار بيت المقدس بعدد من العمليات المسلحة ضد إسرائيل مطلع عام 2011، حيث أعلنت عن مسؤوليتها عن إطلاق الصواريخ من سيناء على مدينة إيلات الإسرائيلية، أيضاً مسؤوليتها عن إطلاق الرصاص على مركبات الجيش الإسرائيلي على الحدود، وكذلك التفجيرات المتكررة لخط الغاز المصري الذي يمد إسرائيل بالغاز الطبيعي.
   ولكن حدث تحول في أهداف تلك الجماعة بعد الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي، حيث كثفت من هجماتها على قوات الجيش والشرطة المصرية، حتى إن بعض المراقبين ربط بينها وبين جماعة الإخوان المسلمين وجماعات فلسطينية مسلحة مثل حركة حماس علي وجه الخصوص. وتعتبر الجماعة أن عناصر الجيش والشرطة مجرمون وقاموا بثورة ضد الحكم الإسلامي وضد الدين والشريعة، لذا، أعلنت حربها عليهم.
   ولعل أشهر القيادات التي أثرت في تشكيل تلك الجماعة وتكوينها الفكري والعقائدي شخص يُدعى "هشام السعدني" وهو فلسطيني الجنسية تم اغتياله العام الماضي على يد الإسرائيليين. ومن ضمن الشخصيات التي كان لها تأثير عليها "ممتاز دغمش" وهو قائد جيش الإسلام في قطاع غزة وعدد من قيادات جماعة جلجلت داخل القطاع الذين قاموا بتدريب وتسليح وتمويل عناصر جماعة أنصار بيت المقدس، وهناك أيضاً شادي المنيعي الذي تطارده قوات الأمن، وهو أحد أخطر عناصر الجماعة.
البيئة الفكرية لهذا التنظيم وحجم قوته:
   يعزي ظهور تنظيم أنصار بيت المقدس في بداية الأمر إلي السعي نحو تحرير القدس من الاحتلال الصهيوني، كما يتضح من التسمية. ويربط البعض بين هذا التنظيم وتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، كما تتبنى هذه الجماعة أفكار تنظيم القاعدة، وتتميز بوحدة صفوفها، ولها انتشار في عدد من الدول العربية، خاصة الأردن وسوريا ولبنان وقطاع غزة.
   وترتبط تلك الجماعة تاريخياً بجماعة التوحيد والجهاد رغم انفصالها عنها، وهو التنطيم الذى يأتي على رأس التنظيمات المسلحة التي تتبنى فكر القاعدة في سيناء، وتسير على نهجها، وقد ارتبط بالكثير من العمليات الإرهابية في مصر، وشارك في تفجيرات طابا ونويبع ودهب وشرم الشيخ. وينتشر هذا التنظيم في قرية الماسورة برفح والخروبة والسكاسكة والوادي الأخضر بالشيخ زويد والمزارع بمدينة العريش، وينتشر أيضاً في قرية بغداد، والمغارة، وجبل الحلال، وجوز أبو رعد، وأم شيحان بوسط سيناء، وقريتي الخروم والرويسات بجنوب سيناء، وعدد أعضائه يصل، في أغلب التقديرات، إلى 1500 عضو.
   ويمكننا القول إن القوة العسكرية لهذه الجماعة ليست ضخمة، ولكن السر وراء بقائها، شوكة في الظهر المصري حتي الآن رغم الحصار الأمني في سيناء، هو القدرة التنظيمية الكبيرة وسرية العمل، فضلاً عن تدفق الأسلحة والتمويل القادم إليهم من قطاع غزة، كما أنهم مدربون بشكل عالي الكفاءة وهو ما ساعدهم على البقاء لفترة أطول. وجميعها عناصر تجعل قوة هذه الجماعة مؤثرة في الوضع الأمني.
لماذا شبه جزيرة سيناء؟!:
   يمكن إرجاع تمركز تلك الجماعة في شبه جزيرة سيناء إلي عدد من العوامل في مقدمتها: هشاشة الوضع الأمني في سيناء، حيث وضعت اتفاقية السلام مع إسرائيل الموقعة عام 1979 قيوداً صارمة على الوجود العسكري المصري المسلح في شبه الجزيرة، ما كان أحد عناصر الفراغ الأمني الذي ساعد في نشاط الجماعات الإجرامية والإرهابية، أخذاً في الاعتبار العوامل المتعلقة بمثالب الفكر الأمني والسياسي في التعامل مع مشكلات سيناء.
   وتفاقمت معضلة سيناء الأمنية عقب حالة الانفلات الأمني التي شهدتها مصر عقب ثورة يناير وما بعدها، ما أدى لتنشيط جماعات العنف داخلها، في ظل هروب ناشطيها عند فتح السجون واستخدامها للسلاح المهرب من ليبيا عبر صحاري سيناء، إلى جانب قرارات الرئيس مرسي بالعفو عن عشرات السجناء المدانين بأحكام قضائية لدورهم في عمليات إرهابية من عناصر تلك الجماعات، والتي هرعت للعيش في جبال شبه الجزيرة. 
   كل ذلك خلق مناخاً ملائماً لنشاط تلك البؤر التي وجدت في جغرافيا سيناء الوعرة والمدن والقرى المهملة مجالاً خصباً للعمل. كما عادت عناصر مصرية، كانت تقيم في باكستان وافغانستان، بأعداد كثيرة واتجهت مباشرة إلي سيناء، نظراً لتقارب الحالة المعيشية بينها وبين من كانوا يقيمون فيه بالخارج. وبالتالي درسواً أيضاً الحالة الأمنية ووجدوا أن المناخ مناسب وأن سيناء هي أفضل المناطق لتنفيذ أهدافهم بها. إلي ذلك فإن الطابع القبلي لأهل سيناء حال بينهم وبين الاندماج مع المجتمع المصري، مما أوجد نوعاً من الفجوة لم يتم ردمها حتي الآن. كل تلك الأمور ساهمت بشكل كبير في جعل سيناء رأس الحربة لتلك الجماعات الإرهابية المتشددة. 
بعد 30 يونيو.. حوادث وتداعيات: 
    تلك الجماعة أثبتت قدرتها كمجموعة عسكرية مسلحة بإمكانها استهداف القاهرة عدة مرات وإعلانها السريع عن وقوفها وراء الحوادث، كما أنها تظل تمثل تهديداً كبيراً للأمن المصري. فقد قامت تلك الجماعة بالعديد من العمليات الإرهابية التي استهدفت القوات النظامية المصرية من الجيش والشرطة وفي بعض الأحيان المدنيين الأبرياء، ومن بين تلك العمليات التي قامت بها؛ محاولة اغتيال اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية بسيارة مفخخة استهدفت موكبه، حيث أعلنت الجماعة مسئوليتها عن الحادث ووضعت مقطع فيديو للعملية خلال تنفيذها، وهو أسلوب تتبعه الجماعات الفلسطينية في تنفيذ عملياتها، كما أعلنت تلك الجماعة، بعد فشل العملية، عزمها استهداف اغتيال عدد من رموز الدولة والشخصيات السياسية التي شاركت في 30 يونيو.
   وكذلك من العمليات الانتحارية التي تبناها هذا التنظيم؛ تفجير مبنى المخابرات الحربية بمدينة رفح الحدودية في 11 سبتمبر 2013  بحي الإمام علي، الذي سقط على أثره 6 شهداء و 17 مصاباً، ورغم أن جماعة أنصار بيت المقدس أعلنت مسئوليتها عن الحادث إلا أنها رفضت الإفصاح عن هوية الانتحاري. ويعتبر من أهم العمليات الانتحارية، التي قامت بها تلك الجماعة، تفجير مديرية أمن الدقهلية بمدينة المنصورة في 24 ديسمبر 2013، وأعلنت أن منفذ التفجير يدعى "أبو مريم"، وهذه العملية راح ضحيتها أكثر من 14 قتيلاً و24 مصاباً.
وكذلك تفجير مديرية أمن جنوب سيناء في 7 أكتوبر 2013، التي راح ضحيتها 5 جنود وحوالي 50 مصاباً، وقد أعلن تنظيم أنصار بيت المقدس، مسئوليته ونشر صوراً متلفزة للانتحاري الذي يدعى، أبو هاجر محمد حمدان، من قبيلة السواركة. وعملية انتحارية أخرى في 19 نوفمبر 2013 ضد قافلة نقل جنود بمدينة العريش الساحلية على الطريق المؤدي إلى الحدود مع قطاع غزة، وقتل جراء هذه العملية 10 جنود، كما أصيب حوالي 35 آخرين، وتم تنفيذ العملية من خلال سيارة ملغومة بواسطة انتحاري. وكذلك محاولة تفجير قسم شرطة الشيخ زويد، بمحافظة شمال سيناء، بواسطة انتحاري مجهول الهوية، ولكنه فشل، بفعل التحصينات، فى الوصول لقسم الشرطة من الداخل ولم تقع أي إصابات أو قتلى، في حين عثرت الشرطة على السيارة المستخدمة في التفجير وبقايا أشلاء الانتحاري.
   كما تم تفجير سيارة ميكروباص مسروقة بمنطقة حي الزهور بالشيخ زويد أثناء محاولة تفجيرها بمعسكر الزهور في 8 ديسمبر 2013؛ وقد تعاملت معها قوات الأمن وقتل بداخلها ثلاثة انتحاريين، وتبين فيما بعد أن السيارة كان تحمل قرابة 600 كيلو جرام من مادة TNT شديدة الانفجار.
   وإبان احتفالات الذكرى الثالثة لثورة 25 من يناير، تبنت تلك الجماعة تفجير مديرية أمن القاهرة في 24 يناير 2014 الماضى، وقد راح ضحيته 5 قتلى و74 مصاباً. كما تزامن مع هذا التفجير، ثلاثة تفجيرات أخرى استهدفت مركبات الأمن المركزي قرب محطة مترو البحوث في منطقة الدقي، ومركزاً للشرطة في منطقة الهرم، وقوة أمنية أيضاً، في حين تمكنت أجهزة الأمن من تفكيك عبوتين في محافظة الغربية. وقد أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس مسئوليتها عن هذه التفجيرات وطالبت المصريين بالتزام بيوتهم لحين القضاء علي الجيش والشرطة والإحلال محلهم في مباشرة المهام الأمنية.
إلي أين؟
    يمكن طرح تصورين أساسيين لما يمكن ان يحدث مستقبلاً: الأول؛ وهو القضاء علي تلك الموجة الإرهابية تماماً من خلال تصعيد العمليات في شبه جزيرة سيناء ضد تلك الجماعات والعمل علي تطويقها من جميع الجهات مع غلق كل المنافذ التي تؤدى إلي وصول الأسلحة إليها سواء من قطاع غزة أو من ناحية ليبيا.
   كما يقتضي الأمر كذلك تكثيف التواجد الأمني في شبه الجزيرة من خلال العمل علي مراجعة بنود اتفاقية السلام، والتي لا تسمح بتعديلها سوى بموافقة طرفيها، مما يوجب التفاوض مع تل أبيب في هذا الشأن، والعمل علي احتواء ودمج أهالى سيناء بطريقة تقوم على أساس المواطنة، وبالتركيز على التنمية التي تشمل عوائدها الجميع، والنظر في قضايا المعتقلين، والقضاء على الانفلات الأمني، وحسم الخلافات حول تملك الأراضي، والإسراع بوضع الخطط الكفيلة بذلك خلال الفترة القادمة، حيث تبدو الخطورة واضحة من اشتراك بعض أبناء القبائل السيناوية في هذه العمليات الإرهابية.
   أما التصور الثاني، الأكثر خطورة؛ فيتمثل في عدم القدرة علي السيطرة علي الوضع الأمني المتردي في شبه الجزيرة وترك المجال واسعاً أمام تلك الجماعات الإرهابية، لكي توسع من نشاطها وعملياتها خاصة مع انسحاب القوات المصرية إلي الداخل لمواجهة خطر جماعة الإخوان المسلمين. 
وما يزيد من هذه الاحتمالية اعلان أمير داعش (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام)، أبو بكر البغدادي عن سعيه لضم تنظيم أنصار بيت المقدس إلي تنظيمه، والتي كشفت التحقيقات، التي تجريها السلطات المصرية مع عناصر أنصار بيت المقدس المقبوض عليهم، أن هناك بوادر انشقاق داخل صفوف التنظيم بين الجهات التي تدعم التعاون مع تنظيم داعش، والأخرى المعارضة لهذه الخطوة، التي لا ترى فيها أي فائدة بل تعتبرها خطيرة على مستقبل التنظيم، لأنها ستوجه كل جهود الجيش المصري ضده. ومن هنا يمكن القول إن مثل هذا الاندماج، في حالة حدوثه، سوف يزيد الأمور سوءاً وصعوبة.

*مدرس مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة.