المركز العربي للبحوث والدراسات : الشعور السلبي: تقييم أداء حكومة إبراهيم محلب (2-2) (طباعة)
الشعور السلبي: تقييم أداء حكومة إبراهيم محلب (2-2)
آخر تحديث: الثلاثاء 16/12/2014 10:36 ص د.إبراهيم نوار
الشعور السلبي: تقييم

تناولنا في الحلقة الماضية الإنجازات المهمة لحكومة المهندس إبراهيم محلب. على الرغم من أن بعض هذه الإنجازات تم بناؤها على قاعدة الثقة في القيادة السياسية للرئيس عبد الفتاح السيسي، وعلى المساعدات الاقتصادية الخليجية، فإنه سيظل يحسب لهذه الحكومة إنها استطاعت أن تبدأ برنامجا للإصلاح المالي لقيَ رضا صندوق النقد الدولي والمؤسسات الاقتصادية العالمية، وهو ما انعكس في تحسين درجة التصنيف الائتماني لمصر من "سلبي" إلى "مستقر" ولو أن مصر لا تزال على الرغم من ذلك بعيدة بعض الشيء عن أن تصبح بلدا جاذبا للاستثمار طبقا لتقدير مؤسسات التقييم الائتماني في العالم. وفي هذه الحلقة سوف نتناول اخفاقات حكومة محلب في مجالات مختلفة.

أن ما يقرب من 6.6 مليون موظف حصلوا على زيادات في الدخول خلال السنوات الماضية، لكن هذه الزيادة ينظر إليها على أنها بمثابة "تصحيح" لخلل في نظام الأجور في الحكومة

أولا: تدهور الدخل الحقيقي

وفوق انخفاض معدلات النمو فإن متوسط الدخل الحقيقي للفرد في السنوات الأخيرة يعاني من تدهور ملحوظ، فقد تراجع الدخل الحقيقي للفرد خلال السنوات الأربع الماضية بنسبة تراكمية بلغت (-) 2.67% وذلك على الرغم من معدل النمو المتواضع، وهو ما يعكس تباينا في توزيع الدخل بين الفئات المختلفة. ومع ذلك فإن الزيادات في الموارد المالية التي تم رصدها في الميزانيات الأخيرة لأغراض الاستجابة لبعض المطالب الفئوية، قد أدت من الناحية العملية إلى تفاوت في زيادة الدخل بين الفئات المختلفة، لصالح الفئات التي حصلت على زيادات أو علاوات أو بدلات مثل المعلمين والأطباء.

ونستطيع من تحليل بيانات الجدول التالي أن نستخلص بعض الاستنتاجات المهمة فيما يتعلق بنتائج الإصلاحات المالية على توزيع الدخل.

( جدول-: تطور نصيب الفرد من الدخل وعلاقته بالإصلاحات المالية وبمعدل التضخم)

السنة

2009/2010

2010/2011

2011/2012

2012/2013

2013/2014

2014/2015*

متوسط نصيب الفرد من الناتج (جنيه مصري)

15541

17233

19552

20957

23287

26314

معدل الزيادة الإسمية لنصيب الفرد من الناتج

13.4

10.9

13.4

7.2

11.1

13

معدل النمو الحقيقي لنصيب الفرد من الناتج %

2.8

 

(-) 0.6

(-) 0.01

(-) 1.66

(-) 0.4

3.0

متوسط الأجور والبدلات للموظف 

12933

14586

18606

21651

27424

31393

معدل الزيادة الإسمية %

10.4

12.8

27.5

16.3

26.6

14.5

معدل التضخم

11.7

11.0

8.7

6.9

10.1

11.2

معدل  البطالة

10.0

9.0

12.0

12.7

13.3

13.2**

- نصيب الفرد من الناتج بالجنيه المصري بالأسعار الجارية. السنة المالية الأخيرة محسوبة على أساس متوسط توقعات النمو بنسبة 3% تقريبا وبافتراض معدل تضخم سنوي 10%.

- معدل النمو الحقيقي لنصيب طبقا لأرقام وزارة المالية (التقرير الشهري نوفمبر 2014)

- معدل التضخم المتوقع للسنة المالية 2014/2015 (الفترة من يوليو إلى سبتمبر 2014)

- متوسط الأجور والبدلات والمزايا والتعويضات (الباب الأول) للعمالة الدائمة والمؤقتة (محسوب على أساس أرقام الميزانية موزعة على 6.6 مليون موظف- السنة المالية 13/14 متوقع و14/15  تقديري حسب أرقام الميزانية)

* متوقع

** الربع الأول من عام 2014

(إحصاءات وزارة المالية- تقرير  نوفمبر 2014 وتقارير سابقة)

واعتمادا على البيانات التي قمنا بتجميعها في الجدول أعلاه من مصادرها الأولية، مع استبعاد توقعات السنة المالية الحالية، وبدون حساب تأثير عوامل التباين في توزيع الدخل، سواء بالنسبة للموظفين العموميين، أو بالنسبة لتوزيع الدخل الفردي بشكل عام، وأيضا بدون حساب تأثير نسبة الزيادة الطبيعية الصافية في السكان يمكن استخلاص النتائج التالية:

لن تكون هناك ضمانات لتوفير "الحد الأدنى للدخل" الذي يوفر الحاجات الأساسية والإجتماعية للمواطنين. والأفضل أن يرتبط الحد الأدنى للدخل بقدرة المجتمع على تمويله.

 

1-   حقق الموظفون العموميون ومن في حكمهم زيادة إسمية في متوسط دخولهم الفردية بنسبة 18.72% خلال الفترة من 2009/2010 وحتى 2013/2014.

2-   ارتفع متوسط الدخل الفردي الاسمي خلال الفردي المذكورة لكل فئات الدخل ينسبة 11.2% في المتوسط سنويا خلال الفترة المذكورة.

3-   ارتفع معدل التضخم السنوي (التضخم الأساسي في المناطق الحضرية) بنسبة 9.68% في المتوسط سنويا خلال الفترة المذكورة. ومن المعروف أن معدل التضخم الأساسي الرسمي يتوقف على طريقة وزن المجموعات السلعية المختلفة، كما أن تأثير التضخم على فئات الدخل المختلفة يتوقف على الوزن النسبي لكل فئة من فئات الدخل. فقد تستحوذ "سلع الفقراء" مثلا على أكثر من أربعة أخماس دخل الأسرة الفقيرة في حين لا يزيد وزنها على 20% أو أقل من دخل الأسر الغنية.

وطبقا لذلك فإن صافي الزيادة في الدخل الفردي، بعد خصم تأثير التضخم خلال السنوات الخمس الأخيرة، يظهر تحسنا ملموسا لدخل الموظف العام، وزيادة طفيفة في متوسط الدخل للفرد بشكل عام. فالعاملون في الدولة زاد صافي دخولهم الاسمية بنسبة 9% تقريبا في المتوسط سنويا خلال الفترة المذكورة، في حين أن متوسط الدخل الفردي سجل زيادة بنسبة 1.5% فقط (بدون احتساب تأثير نسبة الزيادة في السكان). وتعكس هذه النتائج حقيقة مفادها أن الثورة ساعدت على زيادة القوة التفاوضية للجماعات المهنية المنظمة مثل المعلمين والأطباء والصيادلة وغيرهم، فتمكنوا، عن طريق الاحتجاجات الفئوية، من زيادة قيمة ما يحصلون عليه مقابل عملهم. أما الجماعات الأخرى غير المنظمة، أو التي تعمل خارج الجهاز الحكومي وما في حكمه، فإنها لم تستفد بالقدر نفسه، بل يمكن القول بأن أحوالها ساءت بسبب عاملين، أولهما أنها خسرت مزيدا من فرص العمل (زيادة معدل البطالة) وثانيا لأن الزيادة الطفيفة في الدخل أكلتها عمليا نسبة  الزيادة في التضخم.

صحيح أن ما يقرب من 6.6 مليون موظف (وربما ما يقرب من العدد نفسه من الأسر) حصلوا على زيادات في الدخول الحقيقية خلال السنوات الماضية، لكن هذه الزيادة ينظر إليها على أنها بمثابة "تصحيح" لخلل في نظام الأجور في الحكومة، كان يتعين تصحيحه منذ زمن. والحقيقة أن الحكومة تحاول الآن وضع "قانون الخدمة المدنية" ليحل محل القانون رقم 47 لسنة 1978 بما يصحح هيكل الإدارة والأجور ويضعهما على قاعدة تتلاءم مع ما هو معمول به في العالم (هكذا يقولون!)، لكن نظرا لأن ما يتراوح بين ثلث إلى ثلثي قوة العمل هم أفراد يعملون في القطاع غير المنظم فإن هذه التعديلات سواء بزيادات الأجور التي تمت أو ما تعتزم الحكومة إدخاله من تعديلات في "قانون الخدمة المدنية"، ليس من شأنها أن تترك أثرا كبيرا على مستوى الرفاهية على حالة الرضا الاجتماعي. وحتى إذا افترضنا أن ذلك القانون سيؤدي إلى تحسين أوضاع 6.6 مليون موظف، فإنه لن يعني شيئا بالنسبة لما يقرب من 25 مليون عامل يشتغلون في القطاع الخاص المنظم وغير المنظم، أي ما يزيد على أربعة أمثال عدد العاملين في الجهاز الحكومي.

 

ثاني- الحد الأدنى للدخل

إن القضية التي يتجاهلها المجتمع، ومن ضمنه صانعو السياسة، هي أن الدولة لم تعد هي "مرضعة" القوة العاملة! إن ملايين من المصريين لا تعنيهم أبدا مسألة الحد الأدنى أو الأقصى للأجور في الدولة، لأنهم إما يعملون في القطاع الخاص، الذي لا يلتزم بحد أقصى أو أدنى، أو إنهم- وهذه نسبة كبيرة من الأيدي العاملة- يعملون لحساب أنفسهم في أنشطة تجارية أو حرفية أو زراعية صغيرة. ولذلك فإن الدولة حتى إذا طبقت "قانون الخدمة المدنية" الذي تجري مناقشته الآن في مجلس الوزراء، وفرضت الحد الأقصى والأدنى للأجور في القطاعين العام والخاص، فإن النسبة الأكبر من الأيدي العاملة ستظل خارج هذه الترتيبات ولن تستفيد منها. وهذا يعني في واقع الأمر إنه لن تكون هناك ضمانات لتوفير "الحد الأدنى للدخل" الذي يوفر الحاجات الأساسية والإجتماعية للمواطنين. وهنا نصل إلى القضية التي يتجاهلها المجتمع ألا وهو ضرورة تحديد "الحد الأدنى للدخل" لكل الأفراد في المجتمع بصرف النظر عن مواقعهم الوظيفية. ومن الطبيعي أن يرتبط الحد الأدنى للدخل بقدرة المجتمع على تمويله.

أن يتكامل النظام الضريبي في سعيه إلى تحقيق العدالة والتنمية مع أنظمة التأمينات والمعاشات، من شأنها أن تساعد على زيادة معدل الإدخار القومي، ومن ثم زيادة قدرة الاقتصاد القومي

ونظرا لأن الإيرادات الضريبية في مصر تعتبر متدنية سواء بالمقارنة مع الدول النامية أو مع الدول المتقدمة، فإن صناع السياسة الاقتصادية لا يجب أن يجبنوا أمام احتياجات زيادة الإيرادات الضريبية ربما إلى ضعف ما هي عليه في الوقت الحاضر. وطبقا لبيان ميزانية السنة المالية الحالية (2014/2015) فإن الإيرادات الضريبية، باعتراف وزير المالية، تمثل في السنة المالية الحالية 15.2% من إجمالي الناتج المحلي. وهذا المعدل يتضاءل أمام متوسط معدل الإيرادات الضريبية في الدول النامية المنخفضة الدخل الذي يبلغ 23% وعن متوسط الإيرادات الضريبية في الدول النامية الصاعدة الذي يبلغ 28% وكذلك عن متوسط الإيرادات الضريبية في الدول الصناعية المتقدمة الذي يدور حول 36% ويرتفع في كثير منها (خصوصا في دول اسكندنافيا) إلى ما يقرب من 60% من إجمالي الناتج المحلي.

وطالما أن الشيء بالشيء يذكر، فمن الضروري أن ننبه هنا إلى خطورة سيطرة فلسفة "الجباية" على النظام الضريبي المصري! وهي فلسفة متجذرة في أعماق النظام الضريبي المصري والأجهزة القائمة عليه بتأثير التركة الموروثة عن آلاف السنين من السيطرة الأجنبية على مصر، والتي كانت فيها الدول أو القوى المسيطرة تعمل على استنزاف البلاد بأقصى قدر ممكن من خلال فرض أشكال وأنواع مختلفة من الضرائب، تقف وراءها مصالح المحتل في نزح الثروة من خلال "الجباية"، ولا تعني أبدا بمصالح المنتجين أو بالتنمية. ومن هناك تأتي أهمية إعادة النظر في النظام الضريبي بأكمله بغرض تحقيق التالي:

أولا: أن تكون الضرائب المباشرة على الدخل، هي المصدر الأولى للإيرادات الضريبية وليس الضرائب غير المباشرة. وهنا من الضروري أن نسترشد بالعالم، وألا نظهر وكأننا حالة شاذة.

ثانيا: أن يتم تصميم وتوجيه الضرائب غير المباشرة مثل الضرائب على الإستهلاك أو القيمة المضافة أساسا لخدمة أهداف واعتبارات التنمية. وعلى سبيل المثال، فإن صناع السياسية الاقتصادية قد يبتغون تخفيض كمية الاستهلاك من سلعة معينة لأغراض تنموية، مثل إعادة تخصيص الموارد، فيتم فرض ضريبة استهلاك أو ضريبة قيمة مضافة عالية على مثل هذه السلعة. وقد يلجأ أيضا صانع السياسة الاقتصادية إلى فرض ضريبة عالية على سلعة ضارة بيئيا أو صحيا، بغرض الحد من أضرارها. أما أن نفرض الضرائب غير المباشرة بغرض "الجباية" وأن نتوسع في فرض الضرائب والرسوم على "سلع الفقراء"، فمثل هذه الإجراءات إلى جانب أنها إجراءات "جباية"، فإنها تقود أيضا إلى المزيد من التفاوت وانعدام العدالة.

ثالثا: أن يتكامل النظام الضريبي في سعيه إلى تحقيق العدالة والتنمية مع أنظمة التأمينات والمعاشات، من خلال إجراءات لما يمكن أن نسميه "الادخار الإجباري" (compulsory saving) من شأنها أن تساعد على زيادة معدل الإدخار القومي، ومن ثم زيادة قدرة الاقتصاد القومي على الاستثمار. وتعتبر استقطاعات التأمينات الاجتماعية والمعاشات، شكلا مألوفا من أشكال الادخار الإجباري. المشكلة في مصر أن هذه القنوات للادخار الإجباري تسطو عليها الدولة، من خلال إجراءات متعسفة وفاسدة، بما يؤدي إلى خلق ظاهرة التهرب من دفع اشتراكات الأفراد في هذه النظم. ونظرا لأن الدولة فاسدة فإنها فتحت أبوابا شرعية للتهرب! فهناك في القوانين ما ينص على ان "الأجر التاميني" يختلف عن الأجر الفعلي، ومن ثم فإن حصيلة اشتراكات التأمينات تتضاءل من خلال مثل هذه المخارج الفاسدة. لعنة اللـه على من أساء إلى هذا النظام واستولى على أموال التأمينات والمعاشات وقرر ضمها إلى الموازنة العامة للدولة باعتبارها "إيرادات"! ولا سمح اللـه هؤلاء الذين يحتسبون تعويضات التأمينات للمستحقين الآن في الميزانية على أنها "دعم" يحصل عليه أصحاب التأمينات والمعاشات من خزانة الدولة!  

رابعا: ضرورة إعادة تنظيم أجهزة وأساليب تحصيل الضرائب، بغرض تحقيق الحد الأقصى الممكن من الكفاءة في التحصيل، والحد من ظاهرة التهرب.

إن الضمانات التي تقدمها الدولة لموظفيها يجب تعميمها على جميع العاملين، وهو ما سوف يضمن أن تكون فرصة العمل في السوق مساوية لفرصة العمل في الحكومة من حيث كونها وسيلة لضمان "الأمان الاجتماعي". الخطورة فيما حدث خلال السنوات الأربع الماضية، أن العاملين في السوق فقدوا "الأمان الاجتماعي" إلى أقصى درجة في حين أن العاملين في الحكومة تحقق لهم "الأمان الإجتماعي" الكامل من خلال "الوظيفة العامة" إلى أقصى حد. إن هذا التطابق بين "الأمان الاجتماعي" وبين "الوظيفة العامة" هو تكريس لفلسفة "الدولة المرضعة" أو "الداده" التي تقوم بكل الواجبات! وهذه الفلسفة تتعارض أشد التعارض مع احتياجات تطوير المبادرة الفردية والمشروع الخاص وروح المخاطرة كمحركات رئيسية لتطوير الطاقة البشرية المتاحة.

وهكذا فإن الحكومة الحالية وإن كانت لم تخطئ كثيرا، فإنها لم تقدم ما يذكر في مواجهة غول الغلاء. إن زيادة الأجور التي تطارد معدل الغلاء لم تتمكن من اللحاق به على مستوى المجتمع ككل. والذين طالبوا بزيادة أجورهم أمس، سيطالبون اليوم وغدا بالمزيد، لأن دخولهم الحقيقية تقاس منسوبة إلى متوسط الأسعار في السوق وليس بمقدار حجمها النقدي. وإذا كانت بعض الفئات قد نجحت في زيادة دخولها بنسبة فاقت نسبة التضخم، فإن أثر ذلك سينسحب على الأجل القصير فقط، إذا لم تسارع الدولة إلى إعادة تنظيم الأسواق بطريقة تضمن إنهاء الإحتكار والغش والتلاعب بالأسعار في "سوق رديئة" بكل المقاييس.

ومما يضيف إلى المشاعر السلبية للمواطنين تجاه حكومات ما بعد الثورة أن هذه الحكومات فشلت في وضع برامج لمكافحة الفساد وفرض القانون والنظام وتحقيق المساواة والعدالة وتنفيذ العدالة الانتقالية وإعادة تخصيص الموارد المالية والبشرية والطبيعية بكفاءة تعود بالنفع على المجتمع ككل. إننا نعلم أن جزءا كبيرا مما تحقق من إنجازات، سواء في ظل الحكومة الحالية، أو الحكومات السابقة منذ يناير 2011 حتى الآن، تم بمساعدة قوى خارجية، إبتداء من دعم صندوق النقد الدولي في إطار "شركة دوفيل" إلى قيام الولايات المتحدة بإسقاط جزء من ديون مصر المستحقة لها، إلى المنح المالية والعينية السخية التي قدمتها دول الخليج وغيرها. إن تأثير ما يمكن تسميته "المكون السياسي الوطني" كان غائبا أو شبه غائب. ومن هنا ينبع الغضب ويزداد الشعور بالمرارة من أداء حكومات ما بعد الثورة.

وإذا كان لحكومة رئيس الوزراء إبراهيم محلب أن تتجنب الغضب والشعور بالمرارة من الناس، ومن ثم أن تتغلب على المشاعر السلبية للمواطنين تجاه الحكومة، فإن عليها أن تضع برنامجا لمكافحة البطالة، ومكافحة الفساد، ومكافحة الغلاء، وفرض القانون والنظام، وتحقيق العدالة الانتقالية. وهذا البرنامج يجب أن يكون مترابطا، وواضحا وشفافا وقابلا للقياس، وأن يتضمن أهدافا قصيرة الأجل وطويلة الأجل، وأن يكون قابلا للتنفيذ وتحقيق ثمار ملموسة على المدى القصير، لتأكيد مصداقيته، وإعادة استجماع ثقة المواطنين في حكم لا يزال بعيدا عن الحصول على الثقة الكافية منهم.