المركز العربي للبحوث والدراسات : الضرورة الحتمية: الضوابط الأخلاقية والقانونية للإعلام الجديد (طباعة)
الضرورة الحتمية: الضوابط الأخلاقية والقانونية للإعلام الجديد
آخر تحديث: الإثنين 26/01/2015 10:59 ص د. شريف درويش اللبان
الضرورة الحتمية:

أصبحت التقنية ذات صلة وثيقة بصناعة واحتراف الإعلام في جميع وسائطه ووسائله، ولكنها تبدو أكثر التصاقًا بصناع الإعلام الإلكتروني، لما يتطلبه الإنتاج من فهم سمات الوسيلة وإمكاناتها ومحاولة تطويعها لصياغة رسالة إعلامية قوية على المستويين المهني (الإعلامي) والتقني.

ولكن الكثير من الدعوات صارت ترتكز على تطوير المهارات التقنية للعاملين في الإعلام الإلكتروني، وكأن هذا الإعلام يقوم فقط على التفوق التقني. وإذا كان هذا صحيحًا؛ فلمَ لا يقوم بصناعته المطورون والمصممون والتقنيون الماهرون بالتكنولوجيا أكثر من أي أحد آخر؟

الإجابة بالطبع: لا يمكن هذا، لأن صناعة الإعلام الإلكتروني تستعين بالمهارات التكنولوجية، شأنها شأن بقية القطاعات الإعلامية في الوسائل الأخرى. وإنما عمل القائم بالاتصال ينبثق من المهنية الصحفيةوالإعلامية والفهم لسمات واحتياجات الجمهور، وتطبيق السياسات التحريرية وأهداف الموقع، فضلا عن مواكبة التغيرات التكنولوجية الدائمة والتي تؤثر في صناعة الرسالة.

من هنا يصح القول: إن التقنية لا تعد إلا دائرة واحدة من ثلاث دوائر ينبغي على القائم بالاتصال على الإنترنت أن يعمل بها، وهي دوائر: النص، التقنية، التفاعل. والاندهاش بالتقنية، واستخدامها المرتجل لا يصنعان بمجردهما إعلامًا محترفًا، في الوقت الذي أصبح فيه المواطنون صحفيين، لا تنقصهم من صفات إعلاميي الإنترنت إلا سمات "الاحتراف"!

وبذلك، فإن الرهان ليس على استبعاد وتهميش صحافة المواطن والتدوين والصحافة المدنية، وإنما على المنافسة بأدوات الاحتراف واستيعاب هذه الظواهر التي أصبحت واقعًا يجب التعامل معه. وعلى القائم بالاتصال أن يتذكر دائمًا أن استيعاب هذه الظواهر يُعلي من شأن موقعه ويجعله أكثر مصداقية واهتمامًا من قبل الجمهور، بل ويثري الحوار والديمقراطية معًا.

ومن المؤسف في مصر، أنه لا ذكر لكلمة "إنترنت" في القانون المصري حتى الآن، ولاسيما قانون الصحافة، الذي يحتاج بدوره إلى إعادة تعريف مفهوم "الصحفي"، وربما استحداث مفهوم "الإعلامي". ومن هنا, فان العاملين في الاعلام الجديد يمارسون عملهم دون وجود تشريعات تنظم عملهم ودون ضوابط أخلاقية تؤطر ممارستهم لمهنتهم المستحدثة .

كما يعمل محررو وصحفيو الويب بلا أي غطاء من أي مؤسسة أو تنظيم أو وزارة، وأقصى ما يطمح إليه البعض أن يتم تعيينهم "موظفين" بـ "شركات" (غطاء شبه رسمي للمواقع الإلكترونية) حتى يتم التأمين عليهم صحيًّا واجتماعيًّا.. وهؤلاء هم المحظوظون!

أما السواد الأعظم من الإعلاميين في الإعلام الإلكتروني؛ فإنهم لا يتمتعون بأي مزايا اجتماعية أو صحية، ولا حتى بالاستقرار الوظيفي في أماكن عملهم، ولا توجد مؤسسة تدافع عنهم، فقط يحاول بعضهم أن يصل الليلَ بالنهار كي يعمل في مؤسسة أو جريدة ورقية تؤمن له القليل مما يستحق.

ويكفي أن يتم هدم مؤسسة كشبكة "إسلام أون لاين"، ويجد أكثر من 300 موظف وصحفي أنفسهم (ومن وراءهم من أسر وعوائل) في مهب الرياح فجأة، ولولا إصراراهم واعتصاماتهم ما أخذوا أيًّا من حقوقهم المادية!

ويرتكز إصلاح هذا الوضع على ضرورة إصدار قوانين وتشريعات في الدستور الجديد المنتظر، وأيضا إصدار قوانين جديدة تكفل العمل الإعلامي على الإنترنت، وتحمي العاملين به من خلال إنشاء كيان تنظيمي جديد يرعى شئونه. أو إعادة النظر في دور الكيان القائم فعلاً (نقابة الصحفيين) في رعاية العمل الإعلامي على الإنترنت، والعاملين فيه، وتدريبهم، وتشجيع المهنية الصحفية على الإنترنت.

ومن جهة أخرى، فإننا نأمل أن تقوم المواقع بدور أكبر في تدريب محرريها والعاملين بها، ومحاولة تحسين أوضاعهم المادية والتأمين عليهم، فضلاً عن الاهتمام بعقد اجتماعات دورية حول أساسيات العمل، مثل تحديد طبيعة الجمهور ومتطلباته، وأهداف الموقع، ومناقشة السياسة التحريرية، وتقييم العمل بشكل دوري، والاهتمام بقياس الرضا الوظيفي.

ومن هنا يأتي أهمية قيام إعلاميي الإنترنت بتنظيم المعلومات وربط الأحداث والاهتمام بالتفسير والإيجاز، وإدارة حوارات "راشدة" في الفضاء الإلكتروني، الذي أنهكته الفتن والتحزبات والتهكمات.

 

إن الرهان ليس على استبعاد وتهميش صحافة المواطن والتدوين والصحافة المدنية، وإنما على المنافسة بأدوات الاحتراف واستيعاب الظواهر التي أصبحت واقعًا يجب التعامل معه.

أولا-  الضوابط الأخلاقية والقانونية للإعلام الجديد

إن مجمل الحقوق التى يتمتع بها أو يطالب بها الإعلاميون فى البيئة التقليدية، تنطبق بشكل أو بآخر على الإعلاميين العاملين فى البيئة الإلكترونية الجديدة، سواء أكانت حقوقا مهنية أو سياسية أو ثقافية أو مادية أو معنوية أو غيرها، حيث يحق للإعلاميين فى البيئة الإلكترونية الجديدة التمتع بهذه الحقوق، إضافة إلى ما تضفيه عليهم البيئة الجديدة من حقوق لا يتمتع بها الإعلاميون فى البيئة التقليدية، مثل حرية التعبير، حرية الوصول إلى مصادر المعلومات، والحق فى التواصل التفاعلى والفورى مع جمهورهم، إلا أن هذه الحقوق تحتاج لصياغتها فى شكل مواثيق وبروتوكولات لضمان تمتع هؤلاء الإعلاميون بها.

إن القانون فى الولايات المتحدة الأمريكية منح الصحفى الإلكتروني كل الحقوق التي يتمتع بها الصحفي التقليدي، وعلى رأسها حقه فى الحفاظ على سرية مصادره، واعتبر أن مهمة الصحفي الإلكتروني الأساسية هي نشر الأخبار، وأن يقوم بجانب ذلك بالتغطية الاستقصائية والتفسيرية للحدث وعلى ذلك يشترط أن تكون مهنته الأساسية هي الصحافة.

وإضافة إلى ما تقدم فإن البيئة الجديدة تضفي بعض المتطلبات التي يجب النص عليها كحقوق للإعلاميين من بينها الحق في الحفاظ على سرية معلوماتهم، وعدم الكشف عن كلمة المرور الخاصة بهم أو محاولة كسرها، عدم تقصي أو تتبع تنقلاتهم الإلكترونية أو محاولة معرفة روابط وأسماء مصادرهم الإلكترونية، الحق في حماية أجهزتهم ووسائلهم الإلكترونية من التنصت والاختراق والهكرة، الحق في الحصول على مزايا لحماية بياناتهم ومعلوماتهم ومصادرهم، الحق في الوصول المباشر لمصادرهم ووسائلهم الإعلامية بدون عوائق تكنولوجية، الحق في استنباط واستخدام طرق جديدة في التواصل مع جمهورهم ومع مصادرهم ووسائلهم الإعلامية الإلكترونية وغير الإلكترونية، الحق في إرسال معلوماتهم واستقبالها. وتخزينها واسترجاعها بطريقة إلكترونية، الحق في الانتفاع والوصول لمصادر المعلومات التي تفرض قيودًا على استخدامها مادام الغرض هو القيام بخدمة عامة، الحق في التأهيل المهني والتكنولوجي بما يمكنهم من استخدام الوسائط الجديدة بفاعلية، الحق فى الحصول على ما يعرف ببدل تكنولوجيا لتطوير مهاراتهم الرقمية، الحق في العمل على أجهزة متطورة وحديثة، الحق فيإيجاد كيانات مهنية إلكترونية محلية وعابرة للدول تسن تشريعات ومواثيق لهم وتدافع عن حقوقهم مع حقهم، في الاعتراف بهذه الكيانات وتمثيلها لهم فى الجهات المختلفة.

يتميز النشر في العالم الافتراضي بخاصية الحرية المطلقة غير المقيدة بإجراءات،

ثانيا- واجبات الإعلاميين في البيئة الإلكترونية الجديدة

تنطبق الواجبات المفروضة على العاملين في البيئة التقليدية على العاملين في البيئة الإلكترونية أيضًا، إلا أن هناك ثمة صعوبات في تطبيق بعضها، كما يتخذ البعض الآخر أشكالاً مختلفة، فضلاً عن وجود العديد من التساؤلات لا تزال تحتاج إلى إجابات لتوضيح كيفية الالتزام بهذه الواجبات في البيئة الإلكترونية، فالإعلاميون العاملون في المؤسسات الإعلامية التقليدية والتي لها مواقع إلكترونية ينتمون مهنيًا لهذه المؤسسات أكثر من الانتماء للكيانات الإلكترونية، ومن ثم لا يزالون يستندون في التزاماتهم المهنية إلى البيئة الإعلامية التقليدية وليس الإلكترونية،على الرغم من تغير طبيعة هذه الالتزامات والتي من بينها ضرورة الدفاع عن حرية التعبير الإلكتروني، والحق في ممارسة المهنة الإعلامية الإلكترونية، وعدم التعدي على حقوق المواقع الأخرى، أو تعطيلها عن أداء عملها، أو تحرير مواد أو فيروسات أو روابط قد تؤثر على مصداقيتها وعلى سير العمل بها، والعمل على صياغة مواثيق مهنية تتناسب مع الطبيعة الإلكترونية للعمل الإعلامي، والحرص على تنقية المهنة ممن لا يحترمون ضوابطها الأخلاقية وعدم الربط بمواقعهم، وعدم التعدي على أسماء الحقول الخاصة بالآخرين أو التمسح بها، وعدم استغلال المميزات التي توفرها تكنولوجيا البيئة الإلكترونية في الانتقاص من حقوق الآخرين أو مضايقاتهم، أو إزعاجهم أو التعدي على ممتلكاتهم أو خصوصياتهم ، وعلى تجنب صراع المصالح سواء بين الأعمال الخاصة والعمل الإلكتروني الإعلامي، وعدم استغلال الإمكانيات الخاصة بالمؤسسات الإعلامية التقليدية في تصميم مواقع إعلامية خاصة.

ثالثا- تطبيق قانون العقوبات على الصحافة الإلكترونية

إن النشر عبر الإنترنت ليس هو النشر في العالم المادي، حيث يتميز النشر في العالم الافتراضي بخاصية الحرية المطلقة غير المقيدة بإجراءات، سوى تلك التي تتعلق بحجز اسم نطاق Domain name ، ثم حجز المساحة اللازمة على الإنترنت لدى أحد مزودي الخدمات، وهذه وتلك متوافرة ويمكن القيام بها بسهولة تامة دون حاجة لكي يكون التأجير من قبل مزود خدمات وطني، بل يمكن القيام بحجز نطاق الاسم والمساحة المرغوبة من مزود دخول في دولة أخرى إن لزم الأمر، والقيام بالبث مباشرة كما لو كان ذلك من مزود دخول بجوار المنزل، فلا يهم فيما إذا كان مزود الدخول في آخر العالم أو كان في الشارع الخلفي لمحل إقامة المتهم، ثم يتم بعد ذلك القيام بالبث بأي شكل من الأشكال، فإذا تضمن البث سبًا أو قذفًا فإن الأمر يتطلب هنا دراسة النصوص للنظر فيما إذا كانت تتناسب مع مثل هذا الحدث أم أنها ليست متناسبة، وهو الأمر الذي يستدعي تدخل المشرع في هذا الشأن، فالنشر عبر الإنترنت إنما هو أقرب إلى البث منه إلى النشر المتعارف عليه في العالم المادي، إذ إن إجراءات النشر عبر الإنترنت لا يتطلب فيها اتخاذ الإجراءات التي يتطلبها القانون للنشر بالمعنى الضيق في العالم المادي، فعلى سبيل المثال لا يستدعي النشر عبر الإنترنت لزوم اتخاذ إجراءات إيداع المصنف كما هو مقرر في العالم المادي، كما أنه لا يلزم أن يكون النشر محاطًا بضمانات النظام العام والآداب ... إلخ، فمثلاً يستطيع أي شخص إنشاء صحيفة عبر الإنترنت دون لزوم اتخاذ الإجراءات القانونية التي يتطلبها القانون لنشر صحيفة في العالم المادي، وفي هذه الحالة سوف يكون بعيدًا عن المساءلة مادامت الصحيفة رقمية، فالنشر عبر الإنترنت إنما هو أقرب إلى ممارسة الحرية الكاملة في البث منه إلى النشر، ومن ثم فهذا المفهوم الواسع للنشر عبر الإنترنت يجعل انطباق المدلول الموسع للنشر في قانون العقوبات متوافقًا معه.

من الضروى إيجاد تنظيم قانوني شامل لجميع الجوانب المتعلقة بالوسائل الحديثة في الإعلام،

حيث إن مفهوم النشر والصحافة في مصر وفرنسا لا يزال قائمًا على فكرة الصحافة المطبوعة، مما يعني أن تطبيق النصوص الحالية الخاصة بالصحف، قد يكون من شأنه الخروج على مبدأ التفسير الضيق للنص الجنائي ومما يتعارض مع مبدأ الشك يفسر لصالح
المتهم.

وليس المقصود بالنشر هنا هو النشر الصحفي عبر الإنترنت، وإنما يقصد به قيام أي شخص بنشر ما يمكنه أن يقوم به مباشرة تجاه أي شخص، فالنشر المقصود هنا لا يقع في نطاق العمل الصحفي فقط، وإنما بث مباشر على الإنترنت بخطاب مباشر مع الآخرين.

فالديناميكية التي تتسم بها وسائل الإعلام على الشبكات تعود لعدة أسباب منها سهولة الدخول على الشبكة، وكذلك البساطة التي تتسم بها عملية الدخول للحصول على المعرفة، إضافة إلى قلة التكاليف المالية مقابل إرسال المعلومات عبر الشبكة أو تلقيها.

ولم يرد نص متعلق بجرائم الإنترنت في مصر، ومن ثم لا يمكن الاعتراف بجريمة الإنترنت كجريمة مستقلة، لأنها تصنف – فى الوقت الحالى – ضمن جرائم السب والقذف ويتم الفصل فيها على ضوء أحكام قانون العقوبات، وفي إطار التكييف القانون لجرائم السب والقذف وتكدير السلم العام وإذاعة أخبار كاذبة, فالأصل هو الارتباط بين نطاق تطبيق قانون العقوبات المصري من حيث المكان والاختصاص  الدولي للمحاكم المصرية، فكل جريمة يسري عليها قانون العقوبات المصري تختص بها بالضرورة المحاكم المصرية، وإذا ثبت الاختصاص الدولي لمحكمة مصرية فهي تطبق قانون العقوبات المصري ولو كان المتهم أجنبيًا وارتكب جريمته في الخارج ، فالمشرع لم يرخص للقاضي المصري بتطبيق قانون عقوبات أجنبي.

في الوقت الذي أقرت فيه بعض الدول – مثل فرنسا – بعض الوسائل الرقابية التي يقوم بها موردو الخدمات الخاصة بالاتصالات الصوتية المرئية، التنظيم الذاتي لحماية المعلومات التي تمر بها عبر شبكة الإنترنت، حماية القصر ضد جرائم الاعتداء على الآداب العامة ، إلا أن قانون العقوبات هو الأقدر بين تلك الأحكام على تطويق الظاهرة، فهناك ترسانة قانونية جنائية لا يمكن تجاهلها.

ويمكن تطبيق القواعد القانونية العامة على وسائل الإعلام الحديثة كلما كان ذلك ممكنًا، أما الجوانب التي لا تفي القواعد القانونية العامة لتنظيمها، فإنه يتوجب على الدولة التدخل من أجل وضع تنظيم قانوني يضمن عدم التعدي على الحقوق والحريات الفردية من خلال الاستخدام المفرط لتلك الوسائل دون ضوابط أو حدود واضحة. وهناك مشكلة وهي أن التشريعات التي تنظم التعبير عن الرأي عبر الإنترنت محدودة للغاية، وأن المشرع يعتمد اعتمادًا كليًا على نصوص قانون العقوبات التى هي أكثر غلظة وغموضًا وعمومية في مفرداتها، مما يجعل هذه المفردات عرضة للتأويل وفقًا لما تراه جهة التحقيق دون حدود فاصلة بين ما هو مباح وما هو غير مباح، وإضافة لما سبق، ظاهرة حجب المواقع الإلكترونية دون سند قانوني لكن تبقى حجة المساس بالأمن القومي أو مصلحة مصر العليا مبررًا لكل هذه القيود.

ومن الضروى إيجاد تنظيم قانوني شامل لجميع الجوانب المتعلقة بالوسائل الحديثة في الإعلام، فالصعوبة التي تثيرها هذه المسألة هي الطبيعة الخاصة للجوانب المراد تنظيمها، لاسيما تلك المتعلقة بالحقوق والحريات الأساسية للأفراد وعدم المساس ببعض تلك الحقوق، كالحريات الشخصية على سبيل المثال، ولذا فإن التنظيم المطلوب قانونًا يتسم بالشمولية من جانب والعالمية من جانب آخر، فلا يتم تنظيمه قانونًا كما تنظم الوسائل التقليدية للإعلام التي يمكن السيطرة عليها وأحكام الرقابة عليها من جهة، ومن جهة أخرى إمكانية ملاحقة كل من يكون فاعلاً فيالمساس بالحقوق والحريات الفردية، ومن ثم فإن مسألة بث المعلومات والآراء واستقبالها من خلال هذه الشبكة تؤدي دورًا بارزًا في تحديد الملامح الأساسية للتنظيم القانوني، وعلى الرغم من تماثل الدور الذى تقوم به وسائل الإعلام المختلفة، فإن القيود التى ترد على كل منها تختلف عن الأخرى، وذلك تبعًا لاختلاف طبيعة كل منها، ولذا فإن القيود تتقلص حدتها مع تطور وسائل الإعلام، وإذا كانت هذه القيود تجد ما يبررها بالنسبة للوسائل التقليدية سواء من الناحية التقنية الإدارية أو من الناحية القانونية التنظيمية، فإن هذه القيود تختفي مع مبرراتها بالنسبة للوسائل التكنولوجية المعاصرة، وخاصة مع ظهور الشبكات كوسيلة إعلام سهلة وغير مكلفة ولا تخضع لرقابة سابقة سواء من خلال تلقي المعلومات أو إرسالها.

 رابعا- الحاجة إلى إصدار تشريعات جديدة للصحافة الإلكترونية

برهنت ثورة الاتصال على أن القوانين الحالية قد أصبحت عقبة أمام تطوير صناعة الإعلام في الوطن العربى، إلا أنه لا يمكن الاستغناء عن التنظيم القانوني لوسائل الإعلام، فهناك حاجات مجتمعية وحاجات فردية وعامة يجب حمايتها بواسطة القوانين، ومن ثم فهناك حاجة لجيل جديد من قوانين الإعلام، لكن يجب أن يتم إصدار هذه القوانين بعد دراسة جادة لحاجات المجتمع ومعطيات ثورة الاتصال، وأن تكفل هذه القوانين حرية الإعلام، حيث تسهم هذه الحرية في تطوير صناعة الإعلام والاتصال, فالوسائل الجديدة تقدم طرقًا جديدة في التقييد والمنع لم تكن موجودة في السابق، فقد أحضرت الوسائل الجديدة طرقًا جديدة للحد من حرية التعبير، إذ لأول مرة أصبحت وسائل التقييد تكنولوجية وموجودة داخل الوسائل الإعلامية نفسها.

تحمل الصحافة الإلكترونية الكثير من التحديات التي يمكن أن تعصف بالصحافة كمهنة سواء كانت تقليدية أو إلكترونية، ويتقدم هذه التحديات قضية الأخلاقيات

وتحمل الصحافة الإلكترونية الكثير من التحديات التي يمكن أن تعصف بالصحافة كمهنة سواء كانت تقليدية أو إلكترونية، ويتقدم هذه التحديات قضية الأخلاقيات في الصحافة الإلكترونية وهو جانب سلبي في هذا النوع من الصحافة – حتى الآن – فعمليات السطو على حقوق التأليف والنشر الخاصة بالآخرين، والمصداقية والثقة في كثير مما يتم تناوله من أخبار ومعلومات عبر هذا النوع من الصحافة محل شك، ومن ثم فإن هذا النوع من الصحافة تحتاج إلى تنظيم قانون للحفاظ على الصحافة كمهنة, بالإضافة إلى عدم وجود جهات تنظيمية للصحافة الإلكترونية في مصر وإعطاء هذا المجال حقه في الاستثمار.

وفي ضوء ما سبق فقد تعمقت إشكاليات الصحافة الإلكترونية في مصر بالنظر إلى ثلاثة عوامل مهمة هي:

الأول : غياب تشريع محدد يتعامل مع الصحافة الإلكترونية بأبعادها المختلفة، المهنية والفنية والمالية، وعلاقاتها بمؤسسات الدولة.

الثاني: عدم وضوح علاقاتها بنقابة الصحفيين، باعتبارها الجهة النقابية الأساسية المسئولة عن قضايا مهنة الصحافة في مصر، وعدم انتهاء النقابة إلى مفهوم أو تصور محدد لعلاقة المؤسسات الصحفية الإلكترونية أو الافتراضية والصحفيين الإلكترونيين بالنقابة.

الثالث: ضعف حجم سوق الإعلانات الإلكترونية، وهو ما أدى إلى نتيجتين مهمتين هما: مزيد من تضييق حجم ظاهرة الصحافة الإلكترونية بالمعنى الدقيق, وصعوبة تأثير ودور الصحافة الإلكترونية.

حيث إن نقابات الصحفيين في معظم الدول العربية، قد وضعت مواثيق شرف صحفية تصلح أن تكون هي نفسها مواثيق الشرف التى يطلب بأن يلتزم بها كل الصحفيين في الصحف الإلكترونية، كما أن لوائح نقابات الصحفيين تتيح محاسبة الصحفيين الذين يرتكبون جرائم صحفية، فقد منح قانون تنظيم الصحافة المصري رقم ( 96 ) لسنة 1999 النقابة الحق في التحقيق مع الصحفيين الذين ينتهكون مواثيق الشرف الصحفية، ومنحها حق إصدار العقوبات الملائمة دون اللجوء للمحاكم والقضاء.

 

خامسا- المواثيق الأخلاقية في البيئة الإلكترونية

للأسف الشديد، يرى عديد من العاملين في الإعلام الإلكتروني أنه لا يوجد مجال لوضع ميثاق شرف يلتزمون به، ويرى القلة منهم أن الحل هو أن تكون هناك تكتلات تلتزم ببعض القواعد، وأن تكون هناك آليات عند المتلقي يستطيع عن طريقها التعامل مع الآراء المتعددة ويتجاهل منها ما يسيء إليه.

إن ما يثير اشكالية ضرورة التوصل لميثاق شرف العاملين في الإعلام الإلكتروني هو عديد من المظاهر التي يمكن أن نرصدها في الإعلام الإلكترونيومنها الشك في مصداقيته, ومجهولية مصدر الأخبار والتعليقات المنشورة بها واستخدام لغة غير مهذبة لاتراعي الذوق العام, والاساءة إلى الشخصيات العامة بالسب والقذف دون أسباب محددة, وقد يصل الأمر إلىإهانة رئيس الجمهورية وازدراء الأديان, وهما التهمتان اللتان عوقب بسببهما المدون كريم عامر,وأغلب الذين وقفوا بجوار المدون المصري كانوا من المعارضين للآراء التي تبناها في مدونته غير أن وقوفهم معه كان بدافع الحرص على حرية التعبير في مصر.

ومن بين الحلول التي نقترحها أيضا لفض الاشتباك بين السلطة والعاملين في الإعلام الإلكتروني سواء في مصر أو العالم العربي التنظيم الذاتي, سواء على شكل اتحاد عربي للعاملين في الإعلام الإلكتروني, أو اتحاد محلي (داخل كل دولة عربية على حدة) لهم , ونعتقد أن هذا التنظيم هو من الأمور المفيدة للتغلب على الفوضى القائمة في التدوين, ونحن نعتقد اعتقدا ليتسرب الشك من بين طياته أنه إذا لم يقم العاملون في الإعلام الإلكتروني بتنظيم أنفسهم ذاتيا, فسوف يتم فرض هذا التنظيم عليهم من خارجهم من قبل الدولة, التي لن تسمح باستمرار هذه الفوضى, وبالتالي فمن الأجدى عدم رفض هذا الاقتراح الذي أعتبره مبادرة للحفاظ على سقف الحرية الذي وصلوا إليه.  

ونحن نقترح أن تكون مهام " الاتحـاد المصـري للإعلام الإلكتروني "على سبيـل المثـال لا الحصـر:

-       التوصل إلى ميثاق شرف للعاملين في الإعلام الإلكتروني يراعي الاعتبارات الأخلاقية والدينية والثقافية للمجتمع المصري.

-   عقد دورات تدريبية للعاملين في الإعلام الإلكتروني في مختلف المجالات التي تصقل خبراتهم في مجال الإعلام الإلكتروني, ومن بين هذه المجالات: الكتابة الصحفية, التحرير الصحفي, الصياغة الأسلوبية, لغة المدونات والصحافة, التشريعات الإعلامية.

-   إقامة مرصد للإعلام الإلكتروني يعمل على رصد المخالفات التي ترتكبها المواقع الإعلامية المختلفة وتجافي ميثاق الشرف الذي اتفق عليه العاملون في الإعلام الإلكتروني بقصد مراعاة هذه الملاحظات مستقبلا.

-   الوقوف إلى جوار العاملين في الإعلام الإلكتروني وأسرهم حال القبض على أحدهم, من خلال حضور التحقيقات معه، وتكوين هيئة للدفاع عنه, بدلا من الوضع الحالي الذي يضع الصحفي الإلكتروني وحيدا أمام السلطات.

-   التدخل لدى نقابة الصحفيين المصريين لإقناعها بتطوير نفسها في ظل التطورات الراهنة في تكنولوجيا الإعلام، وتنامي شبكة الإنترنت والصحافة الإلكترونية والمدونات, وذلك من خلال إنشاء شعبة جديدة بها للعاملين في المواقع الإخبارية الإلكترونية, وشعبة أخرى ( حتى ولو على سبيل الانتسـاب) للمدونين.