المركز العربي للبحوث والدراسات : سيناريوهات مستقبلية: الأزمة اليمنية وتداعياتها المحتملة (طباعة)
سيناريوهات مستقبلية: الأزمة اليمنية وتداعياتها المحتملة
آخر تحديث: الثلاثاء 03/02/2015 01:20 م إبراهيم منشاوي
سيناريوهات مستقبلية:

تثير الأزمة اليمينة العديد من التداعيات الخطيرة على مستقبل البلاد، خاصة في ظل عدم القدرة على الوصول لتوافقات بشأن العملية السياسية، حيث أدت سيطرة الحوثيين الأخيرة على العاصمة صنعاء إلى مجموعة من التطورات الفارقة، والتي جعلت اليمن السعيد على مفترق طرق، يهدد بدخول البلاد في نفق مظلم قد يكون مآله إلى التقسيم.

     وقد فشلت المساعي الرامية إلى التهدئة وإيجاد حل للأزمة السياسية، مما أدى إلى تقديم الرئيس اليمني، عبد ربه منصور، استقالته، ووقوع الحكومة تحت تهديد السلاح. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل عقد مجلس الأمن جلسة مشاورات لمناقشة الأزمة المندلعة في شبه الجزيرة العربية.

أولاً- بيئة سياسية مأزومة

أدت الأزمة اليمنية إلى مجموعة من التداعيات على الساحتين السياسية الداخلية والخارجية، كان من بينها: تقديم الرئيس عبد ربه منصور هادي استقالته، على إثر حصار المسلحين الحوثيين لمنزله والقصر الرئاسي، وذلك بعد وصول المبعوث الأممي، جمال بنعمر، إلى صنعاء للتشاور مع القوى السياسية في اليمن، حيث عقد جمال بنعمر، لقاء في صنعاء جمع ممثل الحوثيين وأحزاب اللقاء المشترك ممثلة في حزب الإصلاح الإسلامي والحزب الاشتراكي والحزب الناصري. إلا أن ممثل الحوثيين انسحب من الاجتماع، بعد إصرار أحزاب اللقاء المشترك على مجموعة مطالب، كان على رأسها الإفراج عن مدير مكتب الرئيس اليمني أحمد بن مبارك الذي خطفه الحوثيون. كما طالبت الأحزاب جماعة الحوثيين بالتخلي عن لغة السلاح، وعدم التدخل في أعمال الحكومة، والإفراج عن المعتقلين الذين شاركوا بتظاهرات سلمية ضدهم. مما أدى إلى فشل المشاورات نتيجة للمطالب المتبادلة من الطرفين.

وفي وقت سابق قدمت الحكومة استقالتها، مؤكدة أنها لا تريد أن تكون طرفًا فيما يجري في اليمن من أحداث، كما أنها لم تعد قادرة على القيام بمهمتها في ظل الظروف التي تحيط بالبلاد، وعلى الرغم من التوصل إلى اتفاق مع الحوثيين، فإنهم قد دخلوا في مواجهات عنيفة مع الحرس الرئاسي أدت إلى سيطرتهم على مقرات رئاسية، كما اندلعت عدد من التظاهرات المناوئة لجماعة الحوثيين ووممارستهم ضد مؤسسات الدولة ومسؤوليها، حيث نددت بتجاوز تلك الجماعة لمبدأ الشراكة الفاعلة ومحاولاتهم المتكررة للسيطرة على مؤسسات الدولة وقراراتها بقوة السلاح، وقد شارك عدد من القوى الثورية في هذه المظاهرات مثل حركة رفض الشبابية، والتنظيم الوحدوي الناصري، والحزب الاشتراكي اليمني، والتجمع اليمني للإصلاح.

    كما أصدر تكتل أعيان تعز، مبادرة لرأب الصدع اليمني وحل الأزمة، والتي احتمدت عقب تقدم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي باستقالته، وفرض الإقامة الجبرية علي الرئيس اليمنيداخل منزله. وعرض محمد مقبل الحميري رئيس التكتل الوطني لأعيان تعز مبادرة نصها كالتالي:

1-تشكيل مجلس رئاسة من سبعة أعضاء، يمثل كل إقليم من الأقاليم الستة عضو واحد، والعضو السابع من الجنوب، على أن يترأس المجلس أحد أعضائه من أبناء المحافظات الجنوبية، ومدته سنة واحدة فقط.

2-تنتقل العاصمة مؤقتًا إلى عدن حتى يستقر الوضع في صنعاء ويصبح في يد الدولة.

3-إعادة الاعتبار للقوات المسلحة والأمن وتسليم المهمة الأمنية لهما فقط.

4-إخلاء المدن من الميليشيات وكل المظاهر المسلحة.

5-مهمة المجلس الشروع بتنقيح مشروع الدستور وفقًا لمخرجات الحوار والإعداد للاستفتاء عليه .

6-إعداد السجل لانتخابات رئاسية وبرلمانية وفقًا للدستور الجديد.

7-  الاتفاق بين جميع القوى والفاعلين في الوطن على أن يكون المرشح القادم من المحافظات الجنوبية لدورة واحدة فقط، ثم تكون الانتخابات تنافسية بعدها وفقًا للدستور الدائم، وذلك تطمينًا لإخواننا أبناء المحافظات الجنوبية ورد اعتبار لما حصل مع الرئاسة المستقيلة، وتأكيدًا لحسن النوايا من أبناء المحافظات الشمالية على أن ما تم لم يكن انقلابًا.

ومن الواضح أن هذه المبادرة هي الأخرى، لم تلق أي ترحيب من جانب القوى السياسية، وعلى الأخص الحوثيين، مما أدى إلى تفاقم الأزمة أكثر فأكثر.

قامت طهران بتقديم الدعم بالسلاح والمال فضلاً عن الدعم السياسي والإعلامي للحوثيين،

ثانياً- تداعيات الأزمة

هناك عدد من التداعيات الواضحة للأزمة اليمنية الحالية، ليس فقط على اليمن ودول الخليج، بل على النظام الإقليمي العربي برمته، من هذه التداعيات ما يلي:

1- تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة: حيث تسعى إيران منذ اندلاع الثورة اليمنية في 11 فبراير 2011، إلى استغلال حالة عدم الاستقرار السياسي في صنعاء من أجل توسيع نفوذها في المنطقة، خاصة بعد أن أصبح لها نفوذ واضح في بغداد ودمشق، وفي هذا الإطار قامت طهران بتقديم الدعم المالي والسياسي والإعلامي للحوثيين، حيث دعمتهم بالسلاح، فقلد اعترضت السلطات اليمنية عددًا من السفن المحملة بالأسلحة على سواحل البحر الأحمر، كان من بينها ما تم ضبطه من سفن تحمل أسلحة في يناير 2013، بينها صواريخ ومتفجرات عسكرية، وقذائف صاروخية، ومعدّات تستخدم لصناعة المتفجرات محليًا في البحر العربي، والكشف عن أن مصدر تلك الأسلحة كانت إيران، وكانت تلك الأسلحة متوجهة إلى جماعة الحوثيين.

    ولم يقتصر الأمر عند ذلك الحد؛ بل حرصت طهران على تقديم الدعم الإعلامي للحوثيين من خلال إطلاق بعض القنوات الفضائية المؤيدة لهم مثل قنوات، الميسرة والساحات وعدن لايف، كما أصدرت عدد من الصحف الأسبوعية الداعمة للحوثيين مثل، المسار والديمقراطي والصمود.

     ويعتبر الوجود الإيراني في اليمن بمثابة تطويق للعدو التقليدي، السعودية، من خلال محاصرتها من كل النواحي، فهناك العراق، والآن تعمل طهران على السيطرة على جنوب الجزيرة العربية، لما لها من أهمية إستراتيجية كبرى. ولهذا أصدر وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي بيانًا يعتبرون فيه ما يجري في اليمن بمثابة انقلاب على السلطة الشرعية، كما حاولت تلك الدول السيطرة على مجريات الأمور في اليمن، ولكنها وقفت عاجزة أمام قوة الحوثيين المتنامية بحكم الدعم الإيراني. فطهران تريد التأثير على توازنات القوى الإقليمية، حتى تظهر بوجه القوة الإقليمية القوية في المنطقة والمحركة لمجرياتها، ولكن ليس من خلال قوة السلاح، بل من خلال اللعب على الوتر الطائفي لتحريك القوى الشيعية في المنطقة، الأمر الذي من الممكن أن يؤدي إلى تصاعد التوتر الطائفي والمذهبي في المنطقة العربية ضد المعسكريين السني والشيعي.

2- التأثير على أمن الخليج: ويتضح ذلك من خلال عدد من الأبعاد من بينها ما سبق ذكره من تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة، إلى جانب أمور أخرى منها؛ الأهمية الإستراتيجية لليمن بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث يمثل عمقًا إستراتيجيًا للجزيرة والخليج يجعل منه عاملًا مهمًا لأمن واستقرار المنطقة، ومن ثم لا يمكن الاستغناء عنه أو إقصاؤه في الوقت الذي يشهد فيه العالم تحالفات إقليمية، وتهديدات مستمرة ومتزايدة للمنطقة. فهناك حاجة خليجية ليمن آمن ومستقر من أجل مواجهة الأخطار المشتركة، هذا فضلًا عن أهمية الموقع الإستراتيجي اليمني، وما يمثله من مجال حيوي- فهو يطل على البحر الأحمر والبحر العربي والمحيط الهندي- حيث يمثل خليج عدن ومضيق باب المندب، المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، أهمية مضاعفة في تأمين عبور السفن البحرية الدولية والإقليمية، وما يمثله خليج عدن من أهمية، حيث يمر منه ويلتقي عنده أهم ثلاثة ممرات مائية بحرية دولية، تتمثل في: الخط القادم من الخليج العربي، والخط القادم من شرق وجنوب شرق آسيا، والخط االقادم من شرق أفريقيا وجنوبها إلى البحر الأحمر. وتؤثر هذه الخطوط الثلاثة في حركة الملاحة في البحر الأحمر الذي يمثل ممرًا مائيًا شديد الحيوية لحركة النقل البحري وحركة التجارة العالمية، هذا بالإضافة إلى عدد من التداعيات الجيوسياسية والاقتصادية على دول مجلس التعاون؛ فاليمن يمثل حاجزًا لدول الخليج من الهجرة غير الشرعية والتنظيمات الإرهابية كتنظيم "القاعدة"، ويمثل أيضًا ظهيرًا أمنيًّا لكل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان من خلال حمايته لحدودهما البرية الجنوبية بالنسبة للسعودية، والغربية بالنسبة لسلطنة عمان.

3- تفاقم شوكة الإرهاب: وهذا الأمر يتضح من خلال احتدام الصراع بين القاعدة في اليمن وجماعة الحوثيين، فلقد أدت سيطرة الحوثيين على صنعاء إلى تصاعد خطر ونشاط تنظيم القاعدة، كما أنه أكسب الصراع وعملياته الإرهابية بعدًا عقائديًا، مما أحاطه ببعض التعاطف من قبل اليمنيين، من خلال الظهور بمظهر المدافع عن أهل السنة ضد الحوثيين الشيعة، ومن هنا فقد أضحى التنظيم يقاتل على جبهتين في اليمن السعيد، جبهة ضد الحوثيين، والأخرى ضد الحكومة اليمنية.

    ولا شك أن هذا الوضع الخطير في اليمن، سيؤدي بالضرورة إلى تعميق مشكلة ومخاطر الإرهاب التي لا تنضب في المنطقة منذ اندلاع الثورات العربية، وذلك بزيادة أماكن التوتر والصراع من ناحية، وجذب الجهاديين من ناحية أخرى، تلك الظاهرة الدخيلة التي صاحبت ميلاد تنظيم داعش. ومن هنا تكمن الخطورة الحقيقية للأزمة اليمنية، إذا ما توحدت تلك التنظيمات الإرهابية جميعها تحت راية واحدة وغاية واحدة (غاية الخلافة الإسلامية)، مما ينذر معه بكوراث وعواقب وخيمة تهدد المنطقة بأسرها، بل والعالم أجمع، وذلك على وقع ما حدث لشارلي إبدو الفرنسية.

يمثل اليمن عمقًا إستراتيجيًا الخليج يجعل منه عاملًا مهمًا لأمن واستقرار المنطقة، ومن ثم لا يمكن الاستغناء عنه في الوقت الذي يشهد فيه العالم تحالفات إقليمية، وتهديدات مستمرة

ثالثاً- مستقبل الدولة اليمنية في ظل الأزمة الحالية

 وهنا يمكن طرح ثلاثة سيناريوهات مستقبلية للأزمة اليمينة هي على النحو التالي:

السيناريو الأول التقسيم: وهو السيناريو الذي يطرح نفسه بقوة في ظل عدم القدرة على التوصل لحلول ترضي جميع الأطراف في اليمن، وتداخل الأبعاد الإقليمية والدولية في الأزمة، خاصة السعودية وإيران، حيث لن تقبل السعودية بقيام دولة يقودها الحوثيين الشيعة على حدودها، في الوقت نفسه الذي لن تقبل فيه طهران بفقدان نفوذها في اليمن، هذا فضلًا عن هشاشة الدولة اليمنية، حيث أصبحت مؤشرات الدولة الفاشلة تطل برأسها في اليمن في ظل سيطرة الحوثيين وتصاعد أخطار تنظيم القاعدة هناك، وفشل المبعوث الأممي بن عمر في التوصل لمبادرة لحل الأزمة المتصاعدة في صنعاء، وانهيار الجيش اليمني أمام المحاولات المتكررة للحوثيين للسيطرة على البلاد.

السيناريو الثاني سيطرة الحوثيين: على مفاصل الدولة اليمنية، وأن يتحول عبد الملك الحوثي زعيم "أنصار اللـه" إلى مرشد أعلى لليمن على طريقة خامنئي في ايران، ويمسك بزمام الأمور في يديه، ويحكم البلاد من خلال حكومة تنفيذية قوية يتزعمها شخصية موالية له، وبالتالي قيام دولة شيعية على غرار  إيران في شبه الجزيرة العربية، خاصة في ظل التقارب المذهبي بين الحوثيين الزيديين والشيعة الإثنى عشرية في إيران.

السيناريو الثالث الصوملة: فقد تنتج حالة عدم الاستقرار في اليمن إلى حالة من الفوضى العارمة في البلاد، والتي من الممكن أن تقود إلى حرب أهلية مغلفة بصراع طائفي لن ينتهي، يتخللها غياب الدولة ومؤسساتها في اليمن من خلال بروز حالة اللا دولة في صنعاء، وعدم قدرة أي طرف على السيطرة على الأوضاع في اليمن مع زيادة كثافة العمليات الإرهابية وانتشار السلاح والجماعات المسلحة في كل ربوع الدولة، مع انهيار المؤسسة العسكرية اليمنية.