المركز العربي للبحوث والدراسات : جدل متصاعد: مستقبل عاصفة الحزم في ظل التطورات الإقليمية (طباعة)
جدل متصاعد: مستقبل عاصفة الحزم في ظل التطورات الإقليمية
آخر تحديث: الأحد 19/04/2015 10:29 ص إبراهيم منشاوي*
جدل متصاعد:  مستقبل
كشفت الأيام التي مضت منذ اندلاع عاصفة الحزم في 26 مارس 2015 بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن، عن العديد من التكهنات والجدال حول مستقبل تلك العملية خاصة مع تراجع بعض الداعمين لها ووجود عدد من الدول العربية المعارضة لمثل هذا التوجه، فضلًا عن حدوث عدد من التغيرات الإقليمية؛ والتي بدورها من الممكن أن تؤثر على مجرى وأهداف عاصفة الحزم، إذا ما أخذنا في الاعتبار مدى خطورتها، ومنها على سبيل المثال التوصل لاتفاق نووي مع إيران.
    جملة هذه الأمور، مع الأخذ في الاعتبار استمرار  شوكة الحوثيين وسيطرتهم على أماكن كثيرة في اليمن، بل ووصولهم إلى عدن مقر الحكومة اليمنية، ينذر بمخاطر عدة تهدد بشكل قوي الخطوة التي أقدمت عليها المملكة العربية السعودية، على نحو قد يقود إلى حدوث تغير حقيقي في خريطة التفاعلات الإقليمية، كنتيجة منطقية لعدم وجود أرضية صلبة للتحالف الذي تقوده الرياض.

أولًا: زخم محتدم
لا غلو القول؛ إن طول المدة الزمنية لعاصفة الحزم منذ اندلاعها وحتى الآن، دون أن تحقق نتيجة ملموسة، جعل الكثير من المتابعيين للشأن اليمني يتشككون في تحقيق تلك العملية لغايتها الأساسية، وهي ردع الحوثيين وكبح جماحهم في السيطرة على اليمن، وذلك لعدد من الأسباب منها:
أن الضربات الجوية غير كافية لتحقيق الأهداف العسكرية المتوخاة، حيث إنها أقل كفاءة من الوجود البري
1.    عدم جدوى الضربات الجوية: فقد أثبتت التجربة بما لا يدع مجالًا للشك، أن الضربات الجوية غير كافية لتحقيق الأهداف العسكرية المتوخاة، حيث إنها أقل كفاءة من الوجود البري مثلًا، ولعل هذا كان شديد الوضوح في حالة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم داعش الإرهابي، فعلى الرغم من الضربات الجوية المتتالية لهذا التحالف، وجدنا أن ذلك التنظيم ما زال يتمدد ويتوسع في الأراضي العراقية والسورية، بل ويعبث بمقدرات هاتين الدولتين، ويجذب المجاهدين ويتوسع في مصادر تمويله ويسيطر على حقول النفط ويتاجر في الآثار ويفرض الضرائب والرسوم الجمركية. ولا جرم القول أيضًا إن الحال في اليمن لن تتغير كثيرًا عن تلك النظرة، بل هو أكثر صعوبة وتعقيدًا، وذلك بسبب الطبيعة الجبلية الوعرة للأراضي اليمينة، فاليمن عبارة عن جبال عالية بركانية، مما يصعَب معه مهمة الضربات الجوية، فقد رأينا في الأيام الماضية أن الضربات تستهدف بعض مواقع الجيش اليمني الموالية للحوثيين وأماكن تمركزهم الواضحة للعيان فقط، مما قلل معه من نتائج تلك الضربات، لأن الطبيعة القبلية والجبلية لليمن تجعل مقاتليها يحتمون بأهدابها الوعرة، مما يشكل معه تراجعًا فيجدوي وأهمية تلك الضربات، وهذا ما جعل البعض يطلقعلى اليمن السعيد "فيتنام مصر" في عهد عبد الناصر، والآن "فيتنام الخليج" تزامنًا مع الدعوات المطالبة بالتدخل البري في اليمن.
2.    استمرار تقدم الحوثيين: وهذه النقطة مرتبطة بالسابقة، فنتيجة لعدم جدوى الضربات الجوية، استمر تقدم الحوثيين ووصولهم إلى عدن، مقر الحكومة اليمنية، كما دخلوا في اشتباكات عنيفة مع القوات الموالية للرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، واللجان الشعبية اليمنية، مما أدي إلى تدهور الأوضاع الإنسانية هناك على حسب تقارير منظمة الصليب الأحمر الدولية، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل سيطر الحوثيون لبعض الوقت على القصر الرئاسي في عدن، قصر المعاشيق. كما قاموا باعتقال وزير الدفاع اليمني، محمود الصبيحي، في مدينة الحوطة عاصمة محافظة لحج الجنوبية، ويعتبر هذا تحديًا واضحًا للسلطة الشرعية في البلاد، وخروجًا على كل المبادرات التي طرحت لحل الأزمة اليمنية، ويعتبر تقدم جماعة الحوثي في اليمن دليلًا قويًا على قدرة هذا التنظيم العسكرية وحجم التمويل الكبير الذي يتلقاه من الخارج، فضلًا عن ضعف الجبهة الداخلية الرافضة لتقدم الحوثيين.
3.    فشل مهمة المبعوث الأممي في اليمن، جمال بنعمر: والذي أعلن تقديم استقالته عن منصبه في 16 إبريل 2014، وذلك يعد مؤشرًا قويًا على فشل جهود الوساطة وتحطمها بفعل الأزمة اليمنية وتطورات الأوضاع الحالية، ووصول الوضع في اليمن إلى درجة غير مسبوقة من الخطورة والتصعيد، وفشل بنعمر في التوصل لتسوية حقيقية بين القوى السياسية اليمنية، يطرح التساؤل عن جدوى ما تقوم به الأمم المتحدة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، فالمنظمة الأم تبدو وكأنها أصبحت عجوزًا عقيمًا في مواجهة التحديات الأمنية الدولية.
يعتبر تقدم جماعة الحوثي في اليمن دليلًا قويًا على قدرة هذا التنظيم العسكرية وحجم التمويل الكبير الذي يتلقاه من الخارج، فضلًا عن ضعف الجبهة الداخلية الرافضة لتقدم الحوثيين
ثانيًا: تغيرات إقليمية
ومما يثير من غموض مستقبل عاصفة الحزم، وجود عدد من التغيرات الإقليمية الواضحة والمرتبطة بمصير تلك العملية، والتي يأتي في مقدمتها توصل الدول الغربية لاتفاق نووي مع طهران، فضلًا عن المراوغة الباكستانية تجاه الاشتراك في العاصفة، وذلك على النحو التالي:
1.    الاتفاق النووي الإيراني وصفقة الأسلحة الروسية لطهران: فتوصل الدول الغربية (مجموعة 5+ 1) لاتفاق نووي إطاري مع طهران في مدينة لوزان السويسرية في 2 إبريل 2015، كخطوة أساسية للتوصل لاتفاق نهائي بنهاية يونيو القادم، أثار العديد من ردود الأفعال الإقليمية وخاصة الخليجية، حيث تخشى دول الخليج من أن يقود ذلك الاتفاق إلى تقوية شوكة إيران التدخلية في المنطقة من خلال وكلائها الإقليميين الشيعة على غرار حزب اللـه اللبناني وجماعة الحوثي في اليمن، وهذا ما دفع بالرئيس الأمريكي، باراك أوباما، عقب توقيع الاتفاق، إلى الاتصال بالعاهل السعودي، الملك سالمان بن عبدالعزيز، لطمآنته والتأكيد على حرص بلاده على أمن وسلامة دول الخليج، بل ودعا أوباما دول مجلس التعاون الخليجي للحضور إلى كامب ديفيد للتشاور حول هذا الاتفاق. ولا يخفى على أحد أن توقيع هذا الاتفاق سوف يعزز من حضور إيران الإقليمي في المنطقة، وخير دليل على ذلك رفع الحظر عن توريد أنظمة الدفاع الصاروخية الروسية المتطورة إس 300 لطهران، والذي جاء على خلفية الاتفاق، وهذه التطورات دفعت وزير الخارجية القطري، خالد العطية، إلى طرح إمكانية فتح باب الحوار مع طهران حول أمن المنطقة، وهذا نابع من الحضور القوي لطهران في عدد من العواصم العربية، ووجود العديد من الوكلاء لها في المنطقة.
2.    المراوغة الباكستانية: فقد أعلنت باكستان في بداية الأمر تأييدها لعاصفة الحزم، بل وخرجت بعض التقارير التي تشير إلى مشاركتها في العملية من خلال عدد من القوات، ولكن هذا الأمر  لم يدم طويلًا، حيث قرر البرلمان الباكستاني عدم المشاركة في تلك العملية، في الوقت نفسه الذي ما زال نواز شريف، رئيس الوزراء الباكستاني، يراوغ بتصريحاته حول كون السعودية حليفًا إستراتيجيًا لباكستان، وأن إسلام أباد سترد بقوة على أي تهديد للحرمين الشريفين وسيادة المملكة العربية السعودية، ولعل ذلك الموقف غير الواضح من جانب إسلام أباد، يكمن مرده في ثلاثة أمور واضحة؛ أولها؛ أن الرياض حليف قوي لإسلام أباد على مدار عقود، حيث ساعدت بلاد الحرمين باكستان في تمويل برنامجها النووي وفي حربها ضد الهند، وبالتالي تخشى باكستان من فقدان حليفها القديم، ثانيها؛ أن القوات الباكستانية مشتته في الوقت الحالي بين محاربة الإرهاب الداخلي والجبهة الشرقية مع الهند، ثالثها؛ خشية باكستان من توريط نفسها في قضايا الشرق الأوسط اللامتناهية وبالتالي التأثير على مصالحها القومية. وهذا الموقف بالطبع يؤثر على مسار ومستقبل عاصفة الحزم بشكل قاطع.
3.    الإعتداء على حدود المملكة العربية السعودية: حيث شهدت الرياض عدد من حالات الاعتداء على حدودها عقب اندلاع عاصفة الحزم، وهذه الإعتداءات ليست بجديدة، فسبق وأن تعرضت المملكة لمثل تلك الأعمال منذ تدهور الأوضاع في اليمن، وبالتالي فقد أضحت بلاد الحرمين الشريفين مشتتة ما بين الدفاع عن حدودها خاصة في ظل التهديدات الاقليمية الكثيرة في المنطقة وعلى رأسها الإرهاب، وبين حربها في اليمن السعيد، وهذه كله يصب في صالح طهران، حيث من الممكن أن تستغل تورط الرياض في المستنقع اليمني، لتهيمن وبقوة على دولتي العراق وسوريا، وتمرر مبادرتها لحل الأزمة السورية، وبالتالي إضعاف الوجود الإقليمي السعودي في الملفات الشائكة في منطقة الشرق الأوسط.
4.    معضلة التدخل البري: فنتيجة لعدم نفع الضربات الجوية، تعالت الأصوات إلى ضرورة التدخل البري في اليمن، بل وطلب الرئيس هادي ذلك، ولكن هناك معضلة حقيقية للتدخل البري، وليست منا التجربة المصرية المريرة في اليمن في عهد عبدالناصر ببعيد، وذلك بسبب الطبيعة الجبلية والقبلية لليمن، فضلًا عن عدم القدرة للسيطرة على الجيش اليمني لتعدد إنتماءاته، ولذلك أوضح بعض المحللين العسكريين، ضرورة الاعتماد على القوات الخاصة للقيام بعمليات محددة في اليمن في حال اتخاذ قرار التدخل البري، إلى جانب تدريب وتمويل الجماعات المناوئة لجماعة الحوثي في اليمن. ولعل فكرة التدخل البري في اليمن هي مثار مناقشة بين الدول الأعضاء في التحالف، وتأخر تلك الدول حتى الآن في اتخاذ موقف واضح، يدلل على وجود خلافات واضحة بينها حول مدى الحاجة إلى التدخل البري، وهو ما يظهر في تصريحات المسيوليين الرسميين، على غرار دعوة وزير الخارجية القطري لفتح باب الحوار مع طهران حول أمن المنطقة، وبالتالي عدم الاتفاق على صيغة واضحة للتحرك، وتفضيل البعض فتح باب الحوار على الحل العسكري.
تخشى دول الخليج من أن يقود الاتفاق النووي إلى تقوية شوكة إيران التدخلية في المنطقة من خلال وكلائها الإقليميين الشيعة على غرار حزب اللـه اللبناني وجماعة الحوثي في اليمن
ثالثًا: مستقبل عاصفة الحزم
نستنبط مما سبق، أن مستقبل عملية عاصفة الحزم بات مفتوحًا على كل الإحتمالات والسيناريوهات المتاحة، ويمكن حصرها في ثلاثة سيناريوهات أساسية على النحو الآتي بيانه:
1.    السيناريو الأول: السيطرة على الوضع وفتح قنوات الحوار لحل الأزمة اليمنية: وهذا السيناريو مرتبط بنجاح عاصفة الحزم في تدمير عتاد وأسلحة جماعة الحوثي، وتضييق الخناق عليهم، خاصة بعد أن أعلنت عدد من ألوية الجيش اليمني تضامنها مع الرئيسي اليمني هادي، وقد يقود هذا السيناريو إلى فتح قنوات الحوار بين الحكومة والحوثيين من خلال وساطات دولية أو إقليمية قد تكون الولايات المتحدة أو المملكة العربية السعودية أو الأمم المتحدة، من أجل الاتفاق على مستقبل العملية السياسية في اليمن بعد عاصفة الحزم. ومما يعزز من هذا الطرح تقدم إيران بمبادرة على لسان وزير خارجيتها، جواد محمد ظريف، لحل الأزمة اليمينة، تدعو إلى وقف إطلاق النار ووقف الهجمات العسكرية، واستئناف حوار وطني واسع لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
2.    السيناريو الثاني: سيطرة الحوثيون على اليمن: وبالتالي فشل عاصفة الحزم في تحقيق أهدافها، وهذا السيناريو يرتبط باستمرار الدعم الإيراني للحوثيين، مع سيطرتهم بشكل شبه تام على الجيش اليمني، واستمرار تحالفهم مع مليشيات على عبد اللـه صالح، وقائد الحراك الجنوبي، على سالم البيض، ومما قد يقوى من هذا الطرح حدوث تفكك في بنية التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية، نتيجة للخلاف حول التدخل البري في اليمن.
3.    تطور الأوضاع إلى حرب إقليمية مذهبية: وهذا السيناريو يرتبط باشتعال حرب مذهبية تقودها إيران ووكلاؤها الإقليميون كنظام بشار الأسد والحكومة العراقية وحزب اللـه اللبناني وجماعة الحوثي من ناحية، والطوائف الشيعية الأخرى بدعوى اضطهاد الشيعة في الدول العربية، والدول السنية وعلى رأسها السعودية ومصر  والجماعات السنية المختلفة.خاصة في ظل ضعف الترتيبات الإقليمية الأمنية، فضلًا عن انتشار الجماعات الجهادية السنية في المنطقة مثل تنظيم داعش والقاعدة وجبهة النصرة، ووجود العديد من الميلشيات الشيعية في العراق واليمن وسوريا، مما يسهل من هذا السيناريو الخطير.
* مدرس العلوم السياسية المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة.