المركز العربي للبحوث والدراسات : التعاون والصراع: حوافز وقيود زيارة أردوغان لطهران (طباعة)
التعاون والصراع: حوافز وقيود زيارة أردوغان لطهران
آخر تحديث: الثلاثاء 21/04/2015 11:05 ص د. محمد السعيد إدريس
التعاون والصراع:
زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لطهران، والتي استمرت ليوم واحد (6/4/2015) جاءت محكومة بفرص مواتية للتعاون مع إيران، ولّدها الانتصار الإيراني في التوقيع مع الدول الست الكبرى في العالم (مجموعة دول 5+1) على "اتفاق إطار" يوم 3/4/2015 في لوزان بسويسرا بخصوص أزمة برنامجها النووي. وهو الاتفاق الذي من المحتمل أن يتحول إلى اتفاق طويل المدى قبل 30 يونيو المقبل.
هذا الاتفاق ضمن لإيران الفوز ببرنامج نووي سلمي كامل بما فيه حق تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية، والاحتفاظ بكل المنشآت النووية كاملة مع إجراء تعديلات وظيفية لهذه المنشآت، كما ضمن لإيران أيضًا إنهاء كل العقوبات المفروضة عليها بسبب الأزمة التي كانت مثارة حول برنامجها النووي منذ أغسطس عام 2002.

بدأت إيران تتطلع للتمدد الإقليمي، في ظل رؤية إستراتيجية أمريكية جديدة يمكن تسميتها بـ "عقيدة أوباما" أو "مبدأ أوباما" الذي يحكم السياسة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط
أولا- تاريخ ممتد من التعاون التركي - الإيراني
هذا الاتفاق شديد الأهمية بالنسبة لتركيا أيضًا، حيث إن تركيا وقفت إلى جانب إيران في مجلس الأمن مُدعّمة لها في امتلاك برنامج نووي سلمي، كما أنها تحدت العقوبات الدولية المفروضة على إيران، وظلت متنفسًا  اقتصاديًا  مهمًا  للاقتصاد الإيراني المأزوم بسبب تلك العقوبات. لذلك فإن لتركيا طموحاتها في تعاون اقتصادي مهم مع إيران كان محور تركيز واهتمام الرئيس التركي الذي اهتم بالدعوة إلى ضرورة النهوض بالتعاون الاقتصادي بين البلدين، والارتقاء به إلى مستوى 30 مليار دولار بعد أن تراجع إلى 15 مليار دولار في العام الماضي، كما طالب بتخفيض سعر الغاز الإيراني الذي تشتريه تركيا، ودعا إلى أن تتم المبادلات التجارية بين البلدين بعُمْليتها الوطنية وليس بالدولار الأمريكي أو اليورو الأوربي.
لكن هذه الزيارة جاءت أيضًا محكومة بقيود حرب "عاصفة الحزم"، التي تفجّرت ضد الانقلاب الحوثي وقوات الرئيس المعزول علي عبد اللـه صالح المتحالفة معه. مبعث هذه القيود أن إيران اتخذت موقفًا عدائيًا ومتشددًا ضد هذه الحرب على لسان كبار المسئولين الإيرانين ومنهم السيد علي خامنئي المرشد الأعلى، وكذلك الرئيس الإيراني حسن روحاني، ورئيس مجلس الشورى والبرلمان علي لاريجاني، في حين أن السعودية كانت قد أعطت الرئيس التركي عِلمًا  مسبقًا  بهذه الحرب، كما أنه، أي الرئيس التركي كان له موقف حاسم وواضح وقوي لهذه الحرب ورافض للموقف الإيراني. على أن موقف أردوغان تجاوز الرفض إلى إدانة إيران وموقفها من حرب "عاصفة الحزم" فقد اتهم أردوغان إيران بـ " السعي إلى الهيمنة على المنطقة" مطالبًا  إياها بالانسحاب من اليمن مع الجماعات الإرهابية الأخرى (يقصد الحوثيين)، واصفًا  إيران، في سياق الجملة نفسها، بمعنى أنها أيضًا  إرهابية.
هذه التصريحات كادت تلغي زيارة أردوغان، حيث اعتبرتها إيران سيئة وغير مقبولة، ودفعت طهران إلى استدعاء القائم بالأعمال التركي في طهران وسلمته رسالة احتجاج شديد اللهجة على تصريحات الرئيس التركي.
بعد سنوات طويلة من التفاوض الشاق، اختطفت إيران انتصارها النووي بأبعاده الاقتصادية المهمة لتركيا
بهذا المعنى نستطيع أن نقول إن موافقة الطرفين الإيراني والتركي على زمام هذه الزيارة في هذه الظروف تعتبر اختبارًا لأطر العلاقات التقليدية التركية - الإيرانية التي ظلت تتراوح بين التقارب والتباعد، بين التعاون والصراع، في وقت غيّرت فيه تركيا من دورها التقليدي الوسطي أو "الموازن" بين كل من الكيان الصهيوني وإيران وتنافسهما على موقع القوة الإقليمية المهيمنة، حيث بدأت تتطلع إلى أن تكون هي الأخرى منافسًا على موقع الزعامة الإقليمية، خصوصًا في ظل حكم "حزب العدالة والتنمية" وزعامة أردوغان، وبسبب هذا التطلع بدأت أنقرة تتصادم مع طهران في الملفات الساخنة، وبالذات في الملفات العراقية والسورية والفلسطينية وجاء الملف اليمني ليضع أنقرة مجددًا في مواجهة مع طهران، وفي وقت بدأت فيه إيران تجني ثمار صمودها أمام ضغوط الغرب الأمريكي - الأوربي بسبب برنامجها النووي، وبدأت تتطلع للتمدد الإقليمي، ولكن هذا التطلع يختلف جذريًا عن تطلعاتها السابقة . ففي هذه المرة، وبعد التوقيع على الاتفاق الإطاري في لوزان، يبدو أن هذا التطلع لتوسيع نفوذها ولفرض زعامتها الإقليمية تحظى بضوء أخضر أمريكي إن لم تكن مدعومة أمريكيًا  في ظل رؤية إستراتيجية أمريكية جديدة يمكن تسميتها بـ "عقيدة أوباما" أو "مبدأ أوباما" الذي يحكم السياسة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط .
ثانيا- انعكاسات التقارب الفارسي التركي على الدول العربية
ظروف جديدة ومعقدة تحكم التوجه التركي نحو إيران، وهو توجه ستكون له حتمًا  انعكاساته المباشرة بين تركيا والدول العربية الخليجية في ظل تصاعد الصدام بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران لأسباب كثيرة، أبرزها بالطبع الدعم الإيراني للانقلاب الحوثي في اليمن .
فتركيا تجد نفسها الآن في خيار صعب بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي في ظل كل ما هو جديد من تطورات أبرزها؛ نجاح إيران في التوصل إلى اتفاق إطاري حول برنامجها النووي، والتوجه الإستراتيجي الجديد للرئيس الأمريكي أوباما في إقليم الشرق الأوسط، وهي تطورات تدفع أنقرة نحو طهران، لكن هناك تطورات أخري في الاتجاه المعاكس الذي فرضته حرب "عاصفة الحزم" والتقارب التركي مع الرياض الذي عبرت عنه زيارة الأمير محمد بن نايف ولي العهد السعودي وزير الداخلية لأنقرة عشية زيارة الرئيس أردوغان لطهران .

في حواره مع توماس فريدمان استبعد الرئيس أوباما أن تكون إيران مصدرًا للتهديد بالنسبة لدول الخليج العربية
فبعد سنوات طويلة من التفاوض الشاق، اختطفت إيران انتصارها النووي بأبعاده الاقتصادية المهمة لتركيا، فقد استطاعت أن تخرج باتفاق يحفظ لها برنامجها النووي.
لكن رغم أهمية كل ذلك وما سوف يترتب عليه، وبالذات ما سوف يترتب على رفع العقوبات الاقتصادية، وخاصة العقوبات المفروضة على تصدير النفط وعلى البنوك الإيرانية، وما يعنيه ذلك من توفير قدرات هائلة للاقتصاد الإيراني، وما يمثله ذلك من إغراءات لتركيا هي في أمس الحاجة إليها جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي الخاصة بأجندة لقائه المرتقب مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، ورؤيته لإدارة وحل الصراعات الإقليمية في المنطقة لتمثل حافزًا  وإغراء إضافيًا  لتركيا لتتوجه نحو إيران، حتى ولو كان ذلك على حساب علاقاتها مع دول الخليج .
ففي حواره مع الصحفي الأمريكي البارز توماس فريدمان يوم السبت (4/4/2015) ونشرته صحيفة "نيويورك تايمز" استبعد الرئيس أوباما أن تكون إيران مصدرًا  للتهديد بالنسبة لدول الخليج العربية .
أوباما كشف في حواره مع فريدمان أنه سوف يجري مع قادة دول مجلس التعاون حوارًا  في كامب ديفيد وصفه بأنه "سيكون حوارًا صعبًا" يتمحور حول الوصول إلى إجابات لأسئلة شديدة الأهمية من نوع "كيف يمكننا أن نبني قدراتكم الدفاعية ضد التهديدات الخارجية"؟
هذه هي "عقيدة أوباما" الجديدة النابعة من إدراك محورية نجاح التفاوض مع إيران حول برنامجها النووي، وإعادة دمجها كقوة فاعلة إقليمية في النظام العالمي، والنابعة من التهديدات الحقيقية التي تواجه الدول الخليجية، ما يعني أنه لم يعد يرى أن إيران تمثل مصدرًا لتهديد أمن واستقرار دول الخليج والعالم العربي، وكان قد سبق له أنه أعفى "إسرائيل" كمصدر للتهديد، وبالطبع يصعب أن يصف تركيا بأنها مصدر للتهديد، ومن ثم فإن القوى الإقليمية الثلاث: "إسرائيل" وإيران وتركيا أخذت صك براءة من اتهامها بأنها مصدر تهديد للأمن والاستقرار الإقليمي .
أردوغان ذهب إلى طهران وهو مدرك وواع بهذا كله، لذا إذا كانت تركيا تتطلع في مرحلة ما بعد رفع العقوبات عن إيران، إلى الدخول في شراكة اقتصادية معها، وجعل أراضيها ممرًا  لعبور النفط والغاز من إيران إلى أوربا، فضلًا عن تطلع الأتراك للحصول على امتيازات اقتصادية مع طهران نظرًا  لوقوفهم إلى جانبهم في مجال دعم حقها القانوني في امتلاك برنامج نووي سلمي، ومجال تصدير النفط إضافة إلى الحوالات المالية خلال فترة العقوبات، فإنها أيضًا  لا تستطيع التفريط في علاقاتها الخليجية والعربية، لذلك ستبقى طامحة لكسب الود الإيراني والخليجي والقيام بدور وسيط في الحل السياسي للأزمة اليمنية.