المركز العربي للبحوث والدراسات : هجوم فاشل: موقعة الشيخ زويد تحول نوعي مجهض (طباعة)
هجوم فاشل: موقعة الشيخ زويد تحول نوعي مجهض
آخر تحديث: السبت 11/07/2015 11:44 ص د. محمود أحمد عبدالله
هجوم فاشل: موقعة
شن بيت المقدس في الأول من يوليو 2015 عددا من الهجمات المتزامنة على أكمنة متعددة، وصلت بحسب البيان الرسمي للقوات المسلحة لخمس كمائن تابعة للجيش بمنطقتي (الشيخ زويد - رفح)، باستخدام عربات مفخخة وأسلحة ذات أعيرة مختلفة. وتمكن الجيش من مواجهة الهجمات وصدها، وإحباط أهدافها. كما قامت عناصر القوات المسلحة بشمال سيناء بمعاونة القوات الجوية بمطاردة المهاجمين، وتدمير مناطق تجمعاتهم، وقتل ما لا يقل عن 100 فرد من العناصر الإرهابية، وإصابة أعداد كبيرة منهم ، إضافة إلى تدمير عشرين عربة. وأسفرت المعركة عن استشهاد سبعة عشرة جنديا من بينهم أربعة ضباط، وإصابة ثلاثة عشرة آخرين.
ولعل هذا الهجوم الذي شنه تنظيم بيت المقدس لا يمثل محاولة للثأر، ولا رغبة في تأكيد السيطرة على الأرض فقط، بل هو في الواقع محاولة دؤوب للانتقال الشعائري، بالمعنى الأنثربولوجي، من "حرب العصابات" إلى "الحرب التقليدية"، من المليشيا متواضعة العدد إلى "الجيوش الصغيرة" الحاملة لأحدث المعددات، التي يقودها، ويهندس لها خططها واستراتيجياتها وتكتيكات الهجوم والفر، مجموعة من المقاتلين السابقين، والعاملين سلفا في جيوش تقليدية محترفة. هذا الانتقال المحسوب بدقة، استهدف واحدة من أهم مدن شمال سيناء، والأقرب للعاصمة، كاد أن يصعب مهمة الجيش في سيناء، وكاد أن يؤدي إلى تهديد ليس فقط سيناء ككل.
إن السمة المميزة لتنظيم القاعدة هو ضيق حجم التنظيم فهو ليس بالتنظيم كبير العدد، على عكس تنظيم الدولة الذي يصل عدد مقاتليه لآلاف المقاتلين
أولا- القاعدة والدولة الإسلامية: نمط إنتاج القتال
إن تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة لا يختلفان في الواقع على مستوى الأيدولوجيا، فهما كما هو معلوم ينتميان للسلفية الجهادية. ولكنهما يختلفان على عدة مستويات أخرى. إذ تاريخيا كلاهما تنظيمان مسلحان نما كل واحد منهما في ظروف تاريخية مختلفة. فتنظيم القاعدة جاء إلى حيز الوجود في أعقاب الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979. وتشكلت رؤية قادتها خلال الحرب التي استمرت عشر سنوات ضد السوفيت، عندما توافد المتشددون الإسلاميون ومن بينهم أسامة بن لادن، على البلاد. ولما تشكل التنظيم، اتخذ شكل شبكة عالمية تركز على تنفيذ هجمات كبيرة ضد أهداف غربية أو متحالفة مع الغرب، وذلك بهدف حشد المسلمين للانضمام إلى المواجهة العالمية مع القوى العلمانية القريبة والبعيدة. فيما نشأ تنظيم الدولة الإسلامية بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. وفي بداية تكوينه، كان مجرد جماعة من الجماعات السنية المتطرفة التي تقاتل القوات الأمريكية، وتقوم بمهاجمة المدنيين الشيعة في محاولة لإثارة حرب أهلية طائفية. وفي ذلك الوقت، كان يطلق عليه تنظيم القاعدة في العراق، وزعيمه أبو مصعب الزرقاوي، الذي بايع أسامة بن لادن. وقتل الزرقاوي في غارة جوية أمريكية في عام 2006، وبعد فترة وجيزة، انتهى تنظيم القاعدة في العراق تقريبا على حين قررت القبائل السنية الدخول في شراكة مع الأميركيين لمواجهة الجهاديين. وجدد التنظيم نفسه داخل سجون تديرها الولايات المتحدة في العراق.(1)
على أنه يمكن تحديد معالم الاختلاف بين التنظيمين على النحو التالي:
1- حجم التنظيم: إن السمة المميزة لتنظيم القاعدة هو ضيق حجم التنظيم فهو ليس بالتنظيم كبير العدد، على عكس تنظيم الدولة الذي يصل عدد مقاتليه لآلاف المقاتلين، وهو ما يحمل معه تغيرا في سبل القتال، وطريقته، وأهدافه، وآلته الحربية، وتمويله.
2- الأهداف العسكرية: كانت القاعدة تعتمد على هدف عسكري واحد، وهو بث الرعب في الخصوم، والهجوم السريع على المناطق الحيوية، من خلال عمليات التفجير، بوجه خاص، ما يجعل التنظيم مجرد فكرة، قابلة للتطبيق على نطاق واسع. إذ بوسع أي عدد من الأفراد القيام بهذا النوع من الممارسات الإرهابية، دون تكلفة عالية، وتحقيق خسائر فادحة للحكومات المستهدفة بالعمليات. بينما تعتمد الدولة الإسلامية على جيش صغير، يستهدف قطعة من الأرض ومساحة خالية من السيطرة، يسيطر عليها، ليزعزع الوجود السياسي للدولة، لينشئ وجوده على أنقاضها.
3- ميدان القتال: اتخذت القاعدة من المناطق الريفية مكمنا لها، وأحيانا ما يكون مسرح العمليات ريفيا خاليا، بينما تتخذ الدولة الإسلامية من المناطق الحضرية مسرحا لعملياتها، ما يجعل هذا المسرح مختلفا من حيث عدد المدنيين المحيطين والموجودين بمسرح العمليات، وهو ما يصعب من مهمة أية قوة تسعى لمجابهة التنظيم وقتاله. هذا معناه أن التنظيم يحتمي بالمدنيين، ويتخذ منافذ ومخابئ لتنفيذ مراميه القتالية.
4- نوعية العضوية: لم تكن العضوية في صفوف القاعدة مقتصرة على الرجال فقط، بل وضمت عناصر نسائية، ولكن دورها كان محدودا. فيما أسندت الدولة الإسلامية أدوارا متنوعة للمرأة، وهي أدوار شريكة لأدوار الرجال، كتشكيل شرطة نسائية تتولى تفتيش النساء، وغير ذلك من المهام الأمنية. علاوة على ذلك لم يكن تنظيم القاعدة مقتصرا على العرب فقط بل كان يضم بين صفوفه مقاتلين من جنسيات وأعراق أخرى، ومع ذلك كانت القيادة عربية خالصة. والأمر ذاته ينطبق على الدولة الإسلامية لكنها تغلب الأجانب على العرب، وتضعهم في مواقع مميزة، بينما ترسل العرب وغيرهم من غير الأوروبيين إلى مواقع القتال الحامية.
5- أسلوب التمويل: اعتمدت القاعدة على التمويل الخارجي المتمثل في التمويل العربي من بعض المناصرين لها من البلدان السلفية في الخليج العربي، في إطار تصور يرى فيها وجه مقاومة الشيعة في العراق. فيما تعتمد الدولة الإسلامية على مصادر تمويل متنوعة، بعضها ذاتي جراء تجارتها في الآثار والبترول وغسيل الأموال، علاوة على حصولها على تمويل من بعض البلدان الخليجية في إطار الصراع السني الشيعي المحتدم بين إيران والسعودية.
أسندت الدولة الإسلامية أدوارا متنوعة للمرأة، وهي أدوار شريكة لأدوار الرجال، كتشكيل شرطة نسائية تتولى تفتيش النساء ..إلخ
ثانيا- موقعة الشيخ زويد: محاولة للتحول
إن الاختلافات المرصودة سابقاً تبين لنا أن تنظيم "بيت المقدس" لا يعدو أن يكون تنظيميا مماثلا لتنظيم القاعدة من كافة الزوايا، لكنه يسعى عبر عدة طرق وشروط أن ينتقل من تنظيم قاعدي إلى تنظيم داعشي. فكان أن بادر إلى مبايعة تنظيم الدولة الإسلامية، ثم سعى إلى شن هجمات متنوعة على مواقع وكمائن للجيش، تمهيدا للوصول إلى الهدف الأقوى وهو احتلال مدينة من المدن، يتمكن بعدها من تجسيد حلم التحول تجسيدا حقيقيا، وليس على مستوى الخطاب المعلن. ولعل التنظيم يعتمد كغيره من التنظيمات الأخرى التابعة لداعش على التدشين عبر الخطاب، فهو يعلن الولاية ثم يسعى على الأرض لتدشينها. ولذلك سعى بكل قوته للهجوم على أكبر عدد ممكن من الكمائن لتخلو مدينة الشيخ زويد الحيوية من الوجود الحمائي للجيش. ولعل اختيار الشيخ زويد له ما يبرره فالمدينة ومدينة رفح من أكثر المدن تصديرا للإرهابيين. ففيها يتمركز أكبر عدد ممكن من الإرهابيين في شمال سيناء. مما يوفر حاضنة اجتماعية للعمليات. كذلك فإنها لا تبعد كثيرا عن العاصمة، مما يمثل ذلك خطرا على البلاد في المجمل الأعم، قد ييسر محاولات التمدد خارج سيناء.    
إن دراسة التجربة العراقية معين للغاية لفهم آليات عمل داعش على الأرض، وأساليبها على الأرض. ولعل هذه الذهنية الشفوية التي تنطق بها خطاباتهم، تنبئ على الأرجح باعتماد خطية تكرارية، ونمط جاهز في القتال، يستوجب مراجعته وفهمه. علاوة على إدراك أسباب سقوطه على بعض الجبهات العراقية.
وقد ذهبت إحدى التقديرات بحسب تقرير نشرته المصري اليوم إلى التشابه بين محاولات تنظيم داعش في العراق في هجومه على مدينتي الموصل والرمادي، وما حدث في مصر . فمدينة "الرمادي" بحسب التقرير هي آخر المدن العراقية الساقطة في يد تنظيم داعش، مركز محافظة الأنبار، وواحدة من أهم المدن العراقية التي تبعد عن بغداد نحو 110 كيلو مترات، في مواجهة 13 سيارة مفخخة واشتباكات لأقل من 48 ساعة مع جيش تم تشكيله حديثًا ويمتلك أسلحة أمريكية حديثة. وانتهت المعركة بسقوط عاصمة المحافظة ورفع علم التوحيد الأسود على المبنى الإداري للمدينة يوم 18 مايو الماضي بعد هروب قوات الجيش.(2)

لعل اختيار الشيخ زويد له ما يبرره فالمدينة ومدينة رفح من أكثر المدن تصديرا للإرهابيين. ففيها يتمركز أكبر عدد ممكن من الإرهابيين في شمال سيناء
ولكن الفارق بين الحالتين يمكن تمييزه بعدد من الاختلافات. أولها أن الحاضنة المحلية في الشيخ زويد، رغم وجود عدد كبير من الجهاديين بها، لم تفقد علاقتها بعد بالأجهزة الحكومية، وهو ما قدرته القوات المسلحة بالإشادة بدور الأهالي في المعركة. بينما تبين أحدث استطلاعات الرأي أن الثقة في الحكومة داخل العراق هي الأقل. فقد اهترأت بنية الدولة وضاعت الثقة في المؤسسات الحكومية التي تقدم الخدمات المباشرة للناس، بينما تقوم هذه التنظيمات الإرهابية بتعويض الأهالي عن ذلك بتقديم هذه الخدمات ودعمها. الأمر الذي يجعلنا نقدر سعي القوات المسلحة نحو دعم الأهالي في الشيخ زويد ودعوتهم للعودة لديارهم، ممن خافوا على أنفسهم من القتال المحتمل في المستقبل، ومما تبثه الآلة الإعلامية المعادية لثورة 30 يوليو والدولة المصرية من شائعات تبث عدم الطمأنينة. ولعل خلو المنطقة من السكان، ما يخدم الدواعش أكثر مما يخدم الدولة المصرية، مما يصب في مصلحة الجيش في معاركه المحتملة مع هذه الجماعات المتطرفة. وثاني الاختلافات أن الجماعات المتطرفة في العراق تلعب على وتر الطائفية، ما يوفر لها قاعدة شعبية محتملة، من السنة الذين يرغبون في استعادة الماضي القديم. وثالثها قدرة الجماعات المتطرفة من الدواعش على ضم عناصر وقيادات من الجيش العراقي من البعثيين الذين يرغبون في استعادة ماضيهم التليد، وثائرا لما حدث من تغييرات تمت داخل الجيش. ورابعها، ما يتردد من فساد طال الجيش العراقي، وتسبب في تفكيك بنيته، تحت الرغبة في السيطرة على القيادات العسكرية، وبث الطائفية في صفوفه. وخامسها امتلاك التنظيم في العراق لموارد مالية ضخمة ناتجة عن تحكمه في بعض الآبار، وبيعه للآثار العراقية.

  ثالثا-  رؤية للمستقبل
إن تنظيم بيت المقدس سوف يحاول الكرة العمل على تدشين عمليات أكثر ضراوة من ذي قبل. وربما يبدأ ذلك على استحياء. ولعل ذلك يدفع نحو ضرورة العمل على عدة أصعدة أساسية لوقف أي عمليات مستقبلية:
-    العمل على استنزاف قوة التنظيم بضرب مكامنه، وتتبعها، ووقف الامدادات الممكنة لها من أي جهة كانت، سواء من ناحية غزة أو السودان أو ليبيا، باعتبارها مصادر التمويل اللوجيستي.
-    اكتساب مساحة أكبر من التعبئة الأهلية، وتكوين أكبر ظهير شعبي للجيش ميدانيا. لعل ذلك يتطلب إقامة المزيد من صور التواصل الشعبي مع أهالي سيناء وتعميق الأواصر، وتسجيل شهاداتهم عن الحدث.
-    العمل على علاج الآثار الاجتماعية والنفسية الناجمة عن المعركة. فقد تأثر الأهالي بطبيعة الحال من المعركة، ماديا ومعنويا. الأمر الذي يتطلب التدخل الحكومي والمدني، بالاستفادة من المؤسسات الحكومية والأهلية العاملة في مدينتي رفح والشيخ زويد، والعاملين فيها من المشتغلين بتخصصات العلوم الاجتماعية والنفسية.
أن الحلول الأمنية للإرهاب ليست هي القادرة على صد الهجمات الإرهابية، بل إن توفر الحواضن الشعبية هو الأقدر على المواجهة وتيسير سبلها
-    إدراك أن الحلول الأمنية للإرهاب ليست هي القادرة على صد الهجمات الإرهابية، بل إن توفر الحواضن الشعبية هو الأقدر على المواجهة وتيسير سبلها. فليس من الحكمة توسيع عمليات التضييق على السكان المحليين، إلا من خلال استدماج هذه العمليات، والحصول على قبول شعبي لها، باعتبارها أمرا مؤقتا، يتطلب التعاون، وهو دور منوط بالقيادات الشعبية القيام به، تحت إشراف القوات المسلحة.
-    تمرير خطاب إنسانوي يدعم الحقوق المدنية لأهالي سيناء، واستدعاء التجربة التاريخية لحرب الاستنزاف التي استطاع فيها أهالي السويس الزود عن مدينتهم، عبر تكوين جبهات شعبية تلقائية مدربة تدريبا عاليا.
إن ما يساعد هذه الرؤية على الصمود والبقاء هو ابتعاد النظام السياسي عن استغلال الحوادث الإرهابية كوسيلة لزيادة مساحة التضييق على مستوى الممارسات التعبيرية، أو على مستوى الحياة اليومية، فمن الأهمية بمكان دعم المشاركة الشعبية والمدنية في صناعة القرار، لأن هذه الحواضن المدنية هي القادرة على الدفاع عن وطنها في حال إذا ما تطلب الأمر ذلك، كما لديها من الخبرات التاريخية التي تمكنها من المواجهة ومد يد العون.
المراجع والهوامش

خبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.  عنوان بريدي : mandourway@yahoo.com
1.     Audrey Kurth Cronin, ISIS Is Not a Terrorist Group: Why Counterterrorism Won’t Stop the Latest Jihadist Threat, available at: https://www.foreignaffairs.com/articles/middle-east/2015-02-16/isis-not-terrorist-group
2.   سيد تركي ووائل ممدوح، كيف أفلتت الشيخ زويد من مصير الموصل والرمادي؟، المصري اليوم:
http://www.almasryalyoum.com/news/details/770753