المركز العربي للبحوث والدراسات : حركة أمل: نشأة الحركات الإسلامية العسكرية الشيعية في لبنان (طباعة)
حركة أمل: نشأة الحركات الإسلامية العسكرية الشيعية في لبنان
آخر تحديث: الإثنين 27/07/2015 11:08 ص د.أحمد موسى بدوي
حركة أمل: نشأة الحركات
تبرز حركة أمل اللبنانية، التي أسّسها السيد موسى الصدر في سبعينيات القرن الماضي، بوصفها الحركة الأم التي انحدر منها عدد من الحركات المسلحة شيعيّة المذهب. وتكشف ظروف وملابسات تأسيس هذه الحركة، العديد من الحقائق، من أهمها أن الدور التوسعي الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، لم يرتبط  فقط بظهور الدولة الإسلامية في إيران، وإنما يعود إلى عصر الشاه محمد رضا بهلوي. وهذا المقال محاولة للتعرف على تاريخ نشأة هذه الحركة، ودورها الممتد حتى اللحظة الراهنة.

أن التمدد الإيراني في المنطقة، لم يكن مرتبطا بظهور الخُميني، أو مرهونا بنجاح الثورة الايرانية في عام 1979، ولكنه يرجع إلى إستراتيجيات إيرانية قديمة ومستمرة
أولا-الوضع الديمغرافي اللبناني
يقدر عدد سكان لبنان 4,3 مليون نسمة، (ما عدا اللاجئين الفلسطينيين) بكثافة سكانية تبلغ 344 نسمة في الكيلو متر المربع، ويتجمع أكثر من مليون نسمة، أي ربع سكان لبنان في العاصمة بيروت، عمليا انعكست الحرب الأهلية(1975-1989) على التركيبة البشرية والنمو السكاني وتوزيعه في لبنان، فتسبّبت الحرب في نزوح أعداد ضخمة من السكان نحو المدن، مشكلين وضعا ديموغرافيا صعبا، حيث أصبحت المدن بضواحيها، تستوعب نحو 90% من جملة سكان لبنان.
عرفت لبنان العديد من التحولات الديمغرافية الدرامية، ففي بداية القرن العشرين مثّل المسيحيون أكبر مجموعة سكانية، غير أن حركات الهجرة للخارج، التي عرفها لبنان منذ أواخر القرن التاسع عشر، كانت أعلى بين المسحيين عن المسلمين، ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، عرفت لبنان أكبر موجة هجرة للخارج،  حيث هاجر ثلث سكان جبال لبنان، ومعظمهم من المسيحيين، إلى دول أوربا وأمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية، ثم حدثت موجة أخرى، وإن كان عدل أقل قليلا خلال الحرب الأهلية. فضلا عن ارتفاع معدل الخصوبة بين المسلمين، الأمر الذي أدى في نهاية القرن العشرين إلى تحول في الميزان الديمغرافي لصالح السكان المسلمين. حيث يشكلون الآن أكثر من 60% من جملة السكان.

ثانيا- التركيب الطائفي اللبناني
لبنان هو بلد غير متجانس، إذ يشكل خريطة فسيفسائية من الأديان والمذاهب والطوائف، التي لعبت ومازالت تلعب أدوارا مختلفة في الحياة السياسية والاقتصادية اللبنانية منذ الاستقلال وحتى الآن. ويمكن تصنيف سكان لبنان إلى مجموعتين دينيتين كبيرتين: إسلامية ومسيحية، وهناك أقلية يهودية تبلغ قرابة5000 نسمة وأقليات دينية أخرى صغيرة. على أية حال تحوز 18 طائفة الاعتراف الرسمي من الدولة، وبقيت طائفة الأحباش دون اعتراف. وسوف يلاحظ القارئ أن الطوائف التالي ذكرها، تمثل طوائف عرقية ودينية مركبة، ما يكرس الطبيعة الفسيفسائية الاجتماعية والثقافية للمجتمع اللبناني، والذي ينعكس بالتأكيد على البنية الاقتصادية والسياسية فيه.
 (1) طائفة الموارنة وتعد أكبر طائفة مسيحية، ومن بينها يترشح رئيس الجمهورية. (2) الطائفة السنية وتعد من أكبر الطوائف من حيث العدد، ويتوزعون في بيروت وطرابلس وصيدا، ومرجعيتهم الدينية دار الإفتاء اللبنانية. (3) الطائفة الشيعية، ويعتنقون المذهب الجعفري الاثنا عشري. ومرجعيتهم الدينية تتمثل في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ويوجدون في صور والبقاع وبعلبك والهرمل، وفي ضاحية بيروت الجنوبية. ولم يكن لهم وزن كبير في الحياة السياسية والاقتصادية اللبنانية حتى ظهور المرجع الشيعي موسى الصدر، كما سنوضح بعد قليل. (4) طائفة الدروز، وهي فرع من الطائفة الإسماعيلية الفاطمية، ويتمركزون في وادي التيم، والشوف وعالية، ويبلغ تعدادهم نحو 300 ألف نسمة. (5-6) طائفة الروم الأرثوذكس والكاثوليك، الأرثوذكس منهم يعرفون بمسيحيي الشرق، وهم أكثر المسيحيين تمسكا بالعروبة، ومرجعيتهم بطريرك أنطاكية. بينما الروم الكاثوليك تابعون لكرسي الباب في الفاتيكان. ومنطقة تمركزهم في شمال لبنان، وحي الأشرفية ببيروت. (7-8) طائفة الأرمن الكاثوليك والأرثوذكس، ويعود عهدها في لبنان إلى أواخر القرن التاسع عشر، على إثر المذابح التي تعرض لها الأرمن في تركيا.(9-10) طائفة السريان الكاثوليك والأرثوذكس، وهم من أوائل الطوائف التي سكنت لبنان، ولكنهم الآن يمثلون أقلية. (11-12)طائفة الأقباط الكاثوليك والأرثوذكس، وهي الطائفة التي حظيت بالاعتراف الرسمي أخيرا. (13) الطائفة الإسماعيلية، وهي طائفة منشقة عن الشيعة، ولا يعترفون بإمامة موسى الكاظم. ويعتبر الأغاخان زعيم الاسماعيلية على مستوى العالم. (14) طائفة الكلدان، وهي طائفة مسيحية هاجرت من العراق، وتمثل أقلية تسكن العاصمة بيروت. (15) طائفة اللاتين، وهي طائفة مسيحية قدمت مع الحروب الصليبية، واستوطنت لبنان. (16) الطائفة الإنجيلية، وهم من سكان لبنان الأصليين، الذين اعتنقوا المذهب البروتستانتي، ويتواجد أغلبهم في العاصمة. (17) الطائفة العلوية، وينحدرون من سوريا، واستقروا في جبل بعل محسن وعكار. (18) الطائفة الأشورية، من المسيحيين المهاجرين من العراق.

ثالثا- الطائفة الشيعية قبل الحرب الأهلية
قبل ظهور موسى الصدر، وتأسيس حركة أمل، كانت الطائفة الشيعية في لبنان تعاني من التفكك السياسي، فغالبية أبنائها المتعلمين منخرطين في اليسار اللبناني، كما تعاني  الطائفة  من تدهور أحوالها الاقتصادية، ويعيش أبناءها في تجمعات سكنية عشوائية حول العاصمة بيروت، تفتقر إلى أبسط الخدمات. وتشير الدراسات وثيقة الصلة، أن المهن العمالية والفلاحية، منذ تأسيس الدولة،  كانت من نصيب هذه الطائفة, في حين أن زعماءها السياسيين، يمثلون كبار الإقطاعيين في لبنان، بينما مراجعهم الدينية معزولون تماما عن الجماهير. لم يكن للطائفة بصفة عامة ثقل معتبر في الحياة السياسية اللبنانية، وحتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي، لم يتجاوز نصيبهم في الحكومة اللبنانية  ثلاثة وزراء، وغالبا ما تكون وزارات غير أساسية. وإذا توقف القارئ مقارنا ما ذكرناه بالوضع الراهن للطائفة في لبنان، وهيمنتها على شئون الحكم، فسوف تتملكه الدهشة المثيرة للسؤال كيف حدثت هذه القفزة الضفدعية.

رابعا-إيران وإسرائيل والناصرية
بعد خروج عبد الناصر بانتصاره المعنوي في حرب 1956، أصبح ملهما للشعوب العربية، شرقا وغربا، وانحاز شيعة لبنان للناصرية والقومية العربية، وبعد إعلان الوحدة بين سوريا ومصر، باتت إسرائيل تشعر بالخطر الشديد. في ذات السياق كان شاه إيران محمد رضا بهلوي، يعترف بإسرائيل، ويتعاون معها، ويتبادل معها السفراء، ويستقدم الخبراء العسكريين الإسرائيليين لتدريب الجيش الإيراني. وهنا يتجدد الصراع العربي (القومي) الإيراني، فقد دعم الشاه الإمام الزيدي في حرب اليمن بالمال والسلاح والخبراء، وفي لبنان بذل جهودا ضخمة ناجحة، لاستعادة الولاء المذهبي لشيعة لبنان، وعزلهم عن اللحمة العربية السائدة في تلك الفترة. هذه الحقائق تثير الانتباه إلى أن التمدد الإيراني في المنطقة، لم يكن مرتبطا بظهور الخُميني، أو مرهونا بنجاح الثورة الايرانية في عام 1979، ولكنه يرجع إلى إستراتيجيات إيرانية قديمة ومستمرة.

لم يضع الصدر الوقت فمنذ وطأت قدماه أرض لبنان، اتخذ منهجًا ثوريًا منافسا للمنهج الثوري الناصري الذي ينجذب إليه شيعة لبنان
خامسا- موسى الصدر، إيراني الأصل لبناني بالقوة الناعمة
ولد الأمام موسى الصدر عام 1928 بمدينة قم، ودرس في مدراسها، وفي عام 1941، انتسب للحوزة العلمية، كعادة أبناء أسرة الصدر، ثم التحق بكلية الحقوق في جامعة طهران في عام 1950، ويعتبر أول معمم يدرس بكلية الحقوق آنذاك. تمتع الصدر بشخصية كاريزمية، وذكاء عالٍ، ودراية بالتاريخ والفلسفة، وفراسة في فهم الشخصيات، وقدرة كبيرة على التواصل الاجتماعي، ساعده على ذلك امتلاكه ناصية التحدث بالإنجليزية والفرنسية والعربية إلى جانب لغته الفارسية.
وبحسب الدراسات، كتاب الدكتور موسى الموسوي (إيران في ربع قرن، الصادر في 1972) ومذكرات شاهبور بختيار، آخر رئيس وزراء في عهد الشاه رضا بهلوي، ودراسات أخرى، فإن إيران أرسلت موسى الصدر إلى لبنان عام 1958، من أجل بعث الشعور الديني الشيعي، واستعادة ولاء الطائفة للحوزة العلمية في قم. وأمدته بكل ما يلزم من أموال ومعلومات وعلاقات. ولم يمض وقت طويل حتى كان الصدر ملء السمع والبصر في كل الأوساط اللبنانية، بخطابه الانفتاحي على كل الطوائف، ومواقفة السياسية المتوازنة، ودعمه للقضية الفلسطينية، كان بالنسبة للجميع، رمزا لما ينبغي أن تكون عليه الشخصية اللبنانية، ولكنه لا يزال إيراني الجنسية.
وفيما يخص الطائفة الشيعية، لم يضع الصدر الوقت فمنذ وطأت قدماه أرض لبنان، اتخذ منهجًا ثوريًا منافسا للمنهج الثوري الناصري الذي ينجذب إليه شيعة لبنان. واستخدم الفكرة الاشتراكية الآسرة للفقراء والمضطهدين، وطعمها بالتراث الديني الشيعي، فكان ظهوره بهذه الطريقة حدثا جديدا على الساحة اللبنانية. ولكن لا بد من الانتباه إلى أن هذه المنهجية لم تكن لتؤتي ثمارها بسبب الخطاب الصدري الجديد فحسب، وإنما واكب ذلك تأسيس مظلة اجتماعية ثقافية، تُحول أفكار الصدر إلى واقع ملموس، فكيف حدث ذلك؟
استخدم الصدر موارده المالية من داخل وخارج لبنان، استخدامًا رشيدًا، يستحق دراسة منفصلة، فنفذ عدد من المشاريع الخيرية الناجحة، والموجهة للطبقات المحرومة من الشعب اللبناني، مثل جمعية البر والاحسان في مدينة صور، التي استطاعت القضاء على ظاهرة التسول في المدينة، وإنشاء مؤسسة عامة لرعاية الأيتام والفقراء وكبار السن، بالإضافة إلى بناء عدد من المدارس المهنية وفصول محو الأمية، وعدد من المستوصفات الطبية في ربوع لبنان.
إن ضخامة المظلة الاجتماعية التي أدارها الصدر، في زمن قياسي، وهي بكل تأكيد، لا يمكن أن تكون من حصيلة التبرعات للأعمال الخيرية فقط، خاصة وأن زعماء الشيعة الأغنياء، لم يكونوا على وفاق مع الصدر، وغالبية الطائفة من الفقراء. على أية حال فإن هذه المبادرات غير المسبوقة على الساحة اللبنانية، أدت في النهاية إلى موافقة الرئيس فؤاد شهاب، على طلب موسى الصدر بالحصول على الجنسية  اللبنانية في عام 1963.  الآن أصبح الصدر مواطنا لبنانيا، وبدأ طورًا جديدًا من أطوار حياته الحافلة.

سادسا- الانفصال عن دار الإفتاء اللبنانية
بعد الحصول على الجنسية اللبنانية، واصل الصدر تحقيق أهدافه، فعمل على الانفصال عن دار الإفتاء اللبنانية التي كانت تضم كل الطوائف الإسلامية، وسعى إلى إنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ليكرس بذلك ولاء شيعة لبنان للمرجعية الدينية في إيران. وقد استخدم الصدر كل مهاراته، في استصدار قانون من البرلمان اللبناني يسمح بتأسيس المجلس الشيعي. ولا يخفى على القارئ بأن مثل هذا المشروع سيجد تشجيعا من الموارنة، الذين وجدوا فيه تفتيتا للقوة الإسلامية المتنامية في لبنان، فساعدوا على صدور القانون في صورته النهائية عام 1969، وتأسس المجلس مكونا من تسعة أعضاء، وانتخب السيد موسى الصدر رئيسا له.
بالموافقة على تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ينتقل الصدر خطوة كبيرة للأمام، وبأسلوب إبداعي مثير للإعجاب، ينجح من خلاله في تحقيق أهدافه، وهو استعادة الولاء الشيعي على حساب الهوية العربية، دون أن يخسر القوى السياسية من حوله، يتضح ذلك بجلاء من قراءة برنامج التأسيس بنقاطه السبعة: (1) تنظيم شئون الطائفة وتحسين أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية. (2) القيام بدور إسلامي كامل فكرًا وعملًا وجهادًا. (3) عدم التفرقة بين المسلمين والسعي إلى التوحيد الكامل. (4) التعاون مع كل الطوائف اللبنانية لحفظ وحدة لبنان. (5) ممارسة المسئوليات الوطنية والقومية والحفاظ على استقلال لبنان وحريته وسلامة أراضيه. (6) محاربة الجهل والفقر والتخلف والظلم الاجتماعي والفساد الخلقي. (7) دعم المقاومة الفلسطينية والمشاركة الفعلية مع الدول العربية الشقيقة لتحرير الأراضي المغتصبة، في إطار إستراتيجية عربية موحدة. والمتأمل لنقاط البرنامج، يكتشف أنها تتجاوز حدود الطائفة، بل وتتجاوز حدود لبنان ذاته. إن المجلس بهذه الكيفية ما هو إلا  قنطرة عبور الصدر، بأفكاره وأهدافه، إلى المحيط العربي والاسلامي.
حركة المحرومين هي الاسم المعلن، وحركة أمل هي الجزء المغمور لكيان واحد
سابعا- الصدر زعيم بلا منافس
لا شك أن زعماء الطائفة الشيعية، وعلى رأسهم كامل الأسعد، رئيس مجلس النواب آنذاك،  كانوا يعضون أناملهم من الغيظ، وهم يرقبون الصعود المستمر لنجم السيد موسى الصدر، وبين الحين والحين كانت تثار العراقيل في وجهه، ولكن الصدر لا يتوقف عن إنتاج الأفكار وتحويلها إلى واقع ملموس، فأقدم في عام 1973 على إنشاء (حركة المحرومين)، تدعو مؤسسات الدولة إلى القيام بواجبها تجاه الجنوبيين المحرومين، معلنا مبادئها التي تلخص المبادئ السبعة التي قام عليها المجلس الإسلامي الشيعي. وحين دعا الصدر أتباعه إلى التجمع في ساحة بعلبك، ولبى نداءه أكثر من مائة ألف شخص، أصبح الصدر من تلك اللحظة الزعيم الأوحد لشيعة لبنان. والمتأمل أيضا لفكرة إنشاء الحركة، يجد أن الصدر أراد بذلك أن يختبر قدرته على التعبئة الجماهيرية، تمهيدًا لحركة حصان على رقعة الشطرنج اللبنانية.

ثامنا-حركة أمل
يبدو أن حركة (أفواج المقاومة اللبنانية) المسماة اختصارا (حركة أمل)، ولدت في نفس اللحظة التي أعلن فيها الصدر عن إنشاء حركة المحرومين، أو حتى قبلها، وأراد أن يستخدم الأخيرة للتمويه والتغطية على الحركة الأساسية وهي حركة أمل. أو أن حركة المحرومين هي الاسم المعلن، وحركة أمل هي الجزء المغمور لكيان واحد. الشاهد أن الصدر اتفق مع خبراء منظمة فتح الفلسطينية على تدريب كوادر أفواج المقاومة اللبنانية، وأراد الإبقاء على التنظيم سريا. وأوكل مسئولية هذا التنظيم إلى الدكتور مصطفى شمران (مصطفى جمران)، الذي عمل مديرا لإحدى المدارس التي بناها الصدر، قبل توليه المسئولية العسكرية، والغريب أنه أصبح فيما بعد أول وزير للدفاع في ايران بعد الثورة:
لكن في السادس من يوليو عام 1975، حدث انفجار في قاعدة البقاع الخاصة بمنظمة فتح، فأوقع 35 قتيلا وأكثر من 100 مصاب، واتضح أن غالبية القتلى من الشيعة اللبنانيين، التي كانت فتح تتولى مهام تدريبهم. واضطر السيد موسى الصدر إلى نعي الشهداء، والإعلان عن وجود حركة أمل، وأنها موجهة لمقاومة الأطماع الإسرائيلية في جنوب لبنان. ومرة أخرى يعلن مبادئ الحركة، تكرارا لمبادئ إنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى السبعة، مع التوسع في استخدام اللغة التراثية الشيعية والمترادفات الجهادية الإسلامية بصفة عامة.

تاسعا-اختفاء الصدر، وتناسل الحركات المسلحة الشيعية
دون الخوض في التفاصيل، أدى اختفاء السيد موسى الصدر، في أغسطس 1978، إلى تحولات ذات مغزى في حركة أمل اللبنانية، كان الصدر ابن عهد الشاه بهلوي، رغم أنه آوى إليه المعارضين لنظامه في نهاية حكمه، إلا أنه لم يدع علانية لولاية الفقيه، فهذا أمر يتناقض مع إيران الشاه، التي أرادت توظيف المذهبية في تكريس الحكم، وليس تسليم الحكم للملالي. ولا ندري هل كان موقف الصدر سيختلف من هذه المسألة بعد نجاح الثورة الايرانية أم لا. على أية حال فإن الخميني، لم يعلق كثيرا على اختفاء الصدر، وكأنه أراد أن يطوي صفحته، ليفتح هو صفحة جديدة، بوجوه جديدة ومبادئ جديدة.
الأمر الثاني، أن القيادات اللبنانية الشيعية في المجلس الإسلامي الشيعي، وفي حركة أمل، لم تكن جميعا على درجة واحدة من الولاء لإيران، بل إن منهم من يتحفّظ على الدور الإيراني في لبنان. خاصة بعد الموقف السلبي الذي اتخذته إيران حيال قضية اختفاء الصدر.
إيران الخميني، تريد ولاء تاما لها على مبدأ ولاية الفقيه، ولديها بدائل داخل حركة أمل، تفاضل بينها، تريد أن تصنع زعيما لها في لبنان في اللحظة المناسبة، التي جاءت في عام 1982، باجتياح إسرائيل الجنوب اللبناني، وهبت جميع الطوائف للمقاومة، ومن بينها حركة أمل، التي رفضت قطعيا الاستعانة بإيران في الصراع اللبناني- الإسرائيلي، ورفضت الوصاية التي تمارسها إيران، كلما ساندت فصيل من الشيعة في أي مكان. في هذه اللحظة التاريخية، قامت القيادات الموالية لإيران داخل الحركة، بالانسلاخ الواحد تلو الآخر، فتناسل من حركة أمل ثلاث حركات، عادت واندمجت مرة أخرى في تنظيم حزب اللـه تحت قيادة السيد حسن نصر اللـه.
 في البداية أعلنت جماعة منهم عن قيام حركة مقاومة شيعية سياسية عسكرية، تتأسس على مبدأ ولاية الفقيه، وتدعو لتأسيس نظام إسلامي مركزه إيران. وفي عام 1985 أعلن رسميا عن ميلاد تنظيم (حزب الله).وأمين عام هذا التنظيم يعتبر نفسه صراحة، وكيلا شرعيا لمرشد الثورة الإيرانية في لبنان.
ثم انشقت حركة أخرى بقيادة حسين موسوي، لنفس الأسباب المذكورة، وأطلقت على نفسها (حركة أمل الإسلامية). ولأنها هي الأخرى مدعومة من إيران، ولأن إيران استقرت على حزب اللـه كذراع أساسية لها في المنطقة، فإنها أجبرت حركة أمل الإسلامية على الاندماج في حزب اللـه، وهو ما حدث بالفعل. وكذلك انشقت حركة بقيادة مصطفى الديراني، وأطلقت على نفسها (أفواج المقاومة المؤمنة)، واندمجت في حزب اللـه عام 2004.أما تنظيم حركة أمل اللبنانية الأم، فقد بقي منذ عام 1980 تحت رئاسة نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني الحالي.
إن الحركات الاسلامية السياسية والعسكرية الشيعية في لبنان، ارتبطت بإيران الدولة، وبأطماعها التوسعية في المنطقة، منذ عهد محمد رضا بهلوي، وحتى اللحظة الراهنة. وأن السيد موسى الصدر، تمكن بدهاء من عزل الطائفة الشيعية من محيطها العربي، وتكريس الهوية المذهبية والولاء للمرجعية الايرانية،  وأنه لا سبيل لإحلال الاستقرار والسلام في المنطقة إلا بعد أن تتوقف هذه الوصاية الإيرانية عن اتباع المذهب الشيعي في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك رفع وصاية الدول السنية الكبيرة في المنطقة عن أتباع المذهب السني.