المركز العربي للبحوث والدراسات : مستقبل الإرهاب: التنافس بين داعش والقاعدة (طباعة)
مستقبل الإرهاب: التنافس بين داعش والقاعدة
آخر تحديث: السبت 05/09/2015 11:03 ص د. مصطفى علوي
مستقبل الإرهاب: التنافس
لا يمكن الحديث عن مستقبل الإرهاب إلا من خلال نظرة شاملة إلي تاريخه وتطوره، وإطاره المفاهيمي والتطبيقي. وعندئذ تكون في موقع يسمح لنا بالنظر في مستقبل تلك الظاهرة الخطيرة التي تعيش في منطقتنا العربية أخطر صورها ومراحلها.
والإرهاب يعني استخدام العنف، دون حق ومن جانب أفراد أو جماعات أو تنظيمات سرية لخلق حالة من الخوف والهلع لدى الناس، وبما يساعد على تحقيق أهداف سياسية للإرهابيين تتمثل في تقويض أسس الدولة ومجتمعها السياسي، ومن دون امتلاك الإرهابيين للقدرة علي تقديم أسس لمجتمع سياسي بديل. ومن هنا، فإن أخطر ما يقدمه الإرهاب من آثار لا يتمثل بالضرورة في الأفراد الذين يقعون ضحايا لعملياته العنيفة والإجرامية، ولا في الأضرار المادية التي يسببها للاقتصاد أو المنشآت أو المرافق الأساسية، على خطورة ذلك كله.. ولكن الخطر هو إشاعة حالة من الخوف والرعب في نفوس الناس وعقولهم تخلعهم من الإطار الثقافي – الاجتماعي- السياسي لمجتمعهم الذي يعيشون فيه.
وبغض النظر عن أن الإرهاب لم ينجح في تحقيق ذلك الهدف لأسباب تتعلق مواطن خلل وأوجه قصور هيكلية وفكرية خطيرة في حركة الإرهاب ذاتها، فإنه من المؤكد أن الهدف النهائي للإرهاب يتمثل في هدم الدولة وتفويض شرعيتها السياسية، أو شرعية دول أخرى كذلك.
والإرهاب ظاهرة عالمية ليس لها دين ولا جنسية، ولا تعرف الحدود الوطنية. وهذه مقولة بسيطة أصبحت الآن محل توافق متزايد، على الرغم من الإصرار المغرض من جانب البعض على إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين دون سواهم، وهو أمر لا يمكن قبوله.
والإرهاب جريمة دولية تقوم على مخالفة قواعد القانون الدولي والقانون الوطني من خلال الاعتداء على الأرواح والممتلكات العامة أو الخاصة بالمخالفة لأحكام القانون الدولي، بما في ذلك المبادئ العامة لذلك القانون بالمعنى الذي تحدده المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.
  
إن الهدف النهائي للإرهاب يتمثل في هدم الدولة وتفويض شرعيتها السياسية، أو شرعية دول أخرى كذلك
أولا- الموجات الثالثة للإرهاب
والإرهاب نوعان: إرهاب الدولة وإرهاب الأفراد والجماعات.
وإرهاب الدولة هو أعلى أشكال الإرهاب وأكثرها تنظيمًا وأكثرها تناقضًا مع مبادئ القانون الدولي العام ومواثيق وأهداف المنظمات الدولية، وهو موجه ضد الاستقرار والسلام في المجتمع الدولي. وأعتى وأسوأ أشكال إرهاب الدول هو ذلك الذي تمارسه إسرائيل على الشعب الفلسطيني. أما إرهاب الجماعات فقد يتمثل في حركات الانفصال على أساس عرقي أو طائفي عن دولة راسخة، أو في المنظمات اليمينية الفاشية، أو منظمات اليسار المتطرف، أو منظمات وجماعات الاستيطان اليهودي حول القدس، وفي شمال غرب الضفة الغربية، وفي غور الأردن، وذلك بقصد الحيلولة دون قيام دولة فلسطينية مستقلة تعطي للشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره والتحرر الوطني. أما حركة التحرر الوطني الفلسطيني التي تناضل ضد إرهاب إسرائيل وجماعات وتشكيلات الاستيطان الصهيونية، وأخطرها مجلس حاخامات المستوطنين، فلا يمكن وصفها بالإرهاب، فذلك خلط للأمور وإساءة إلى العقل البشري الحر.
وللإرهاب الدولي ركنان: مادي ومعنوي. أما الركن المادي فيتمثل في العنف المستخدم والموجه ضد شخص، أو مجموعة من الأشخاص أو الرهائن أو المنشآت أو الممتلكات. ويتمثل الركن المعنوي في توافر قصد العنف لتخويف المستهدفين بذلك العنف وترويعهم وإرهابهم.
وقد مرت ظاهرة الإرهاب بثلاث مراحل عرفت كل منهما إحدى الموجات الكبرى للظاهرة. وكانت المرحلة الأولى قائمة علي الموجات ذات الطابع القومي المتطرف في القارة الأوربية وذلك من أواخر القرن التاسع عشر إلى ثلاثينيات القرن العشرين، وقامت بها مجموعات من الوطنيين المتطرفين الذين اعتمدوا في عملياتهم على استخدامهم لأسلحة خفيفة.
وكانت الموجة الثانية للإرهاب الدولي ذات طابع إيديولوجي وارتبطت بالحرب الباردة بين الشرق والغرب، حيث نشأت جماعات إرهابية مثل "بادر ماينهوف" الألمانية والألوية الحمراء الإيطالية، واعتمدت تلك الجماعات أيضًا على الأسلحة الخفيفة. أما الموجة الثالثة للإرهاب فقد كانت عبارة للقوميات وتستهدف أكبر قدر من الخسائر المادية والبشرية لتحقيق مطالب وأهداف سياسية أو بشرية أو مادية كبيرة، وذلك من خلال استخدام منظومات تسليحية متطورة وأشكال تنظيمية عنقودية ومنتشرة علي المستوي الدولي، أو الإقليمي على الأقل. وكان تنظيم القاعدة هو أهم وأخطر الهياكل التنظيمية للإرهاب الدولي والإقليمي منذ الغزو السوفيتي لأفغانستان الذي استمر من 1979 حتى 1989، ثم أعقب أكبر وأخطر العمليات الإرهابية حتى الآن، وهي عملية 11 سبتمبر عام 2001 في نيويورك وواشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي مثل حتى ذلك الوقت أكبر وأهم وأخطر عمليات الإرهاب الدولي.
ومع وقوع ثورات الربيع العربي في أوائل عام 2011، وما تبعه من آثار ونتائج كبيرة وعميقة وخطيرة، ومن أخطرها اهتزاز الدولة ومعاناتها، في العراق وسوريا واليمن وليبيا وتونس ومصر، وبما أدى إلى بداية مرحلة جديدة من مراحل تطور الإرهاب الدولي في البلاد العربية. وهذه المرحلة التي نعيشها اليوم هي الأخطر في تاريخ حركة الإرهاب في المنطقة العربية. فقد تشكلت مجموعات وتنظيمات قد تشكلت مجموعات وتنظيمات إرهابية خطيرة فيها. وأخطر هذا التنظيمات هي حركة أو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش)، وهو ما سوف نعرض له بقدر من التفصيل، وبما يساعد على رسم خريطة أو رؤية لمستقبل الإرهاب الدولي.
رغم أن النشاط الإرهابي ليس مقصورا على وسط آسيا والشرق الأوسط، ولأنه امتد خلال العقدين الماضيين ليشمل دولًا أوربية مثل: إسبانيا وبريطانيا، وأن له انعكاسات على الداخل الروسي (منطقة الشيشان) وربما بدرجة أقل على الداخل الصيني (إقليم سنكيانج)، فإن تنظيم القاعدة كان، وما زال، هو أكبر وأخطر التنظيمات الإرهابية الدولية العابرة للحدود، ومعنى ذلك أن مستقبل الإرهاب الدولي سيظل مرتبطًا بوضع ذلك التنظيم ومستقبله، ولا شك أن لمقتل أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة علي يد قوات أمريكية. دلالات وتأثيرات على مستقبل ذلك التنظيم، ومن ثم على مستقبل حركة الإرهاب الدولي. ومن ناحية أخرى، فإن التغيير الكبير الذي فرضته ثورات الربيع العربي على هياكل وأنظمة وأفكار المنطقة العربية يمكن أن يكون ذا دلالة قوية بالنسبة لمستقبل حركة الإرهاب الدولي.
وفي عام 1998 كان قد أعلن عن قيام تنظيم القاعدة تحت مسمى "الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين"، وعن قيام "الجبهة" التي تتشكل من تيارات "جهادية" من مناطق مختلفة من العالم الإسلامي، بالقتال ضد الأمريكيين والصليبيين واليهود في أي مكان في العالم، وهو ما يعني أن تنظيم القاعدة هو تنظيم عالمي عابر للقارات. ولقد توفر للتنظيم موارد كبيرة، وإدارة مؤسسية، وخبرة كبيرة في العمل العسكري والمعلوماتي، وتبقى هجمات سبتمبر 2001 هي العملية الأقوى التي قام بها التنظيم. وقد مثلت الفترة من 1998-2001 مرحلة نشاط وازدهار لذلك التنظيم الإرهابي، وتمثلت ذروتها في هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة، ومن داخلها، وباستهداف رموز القوة والسلطة في نيويورك (مركز التجارة العالمي)، وفي واشنطن (وزارة الدفاع) وكان ثمة طائرة لاستهداف البيت الأبيض، ولكنها سقطت في ولاية بنسلفانيا.
وبعد ضربة سبتمبر 2001، والتي تعد أخطر هجوم وتهديد مباشر للأمن القومي الأمريكي من داخل الولايات المتحدة، بدأت مرحلة اختيار وإعادة تنظيم للقاعدة. وكان ذلك ضروريًا بعد الهجوم الأمريكي والأطلنطي (حلف الناتو) على أفغانستان وغزوها واحتلالها وإسقاط نظامها (نظام طالبان). وكانت إحدى استجابات القاعدة لتلك الإستراتيجية الأمريكية تتمثل في مد منظومة قيادتها إلى باكستان، بالإضافة إلى تعزيز أجنحة التنظيم في بلاد الجزيرة العربية، وفي بلاد المغرب الإسلامي، مع اعتبار بن لادن أبًا روحيًا لكل تلك التنظيمات.
الإرهاب ظاهرة عالمية ليس لها دين ولا جنسية، ولا تعرف الحدود الوطنية
وكان الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، هو من أعلن شخصيًا عن قتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن، في عملية نفذتها قوات أمريكية خاصة في منطقة أبوت آباد في باكستان يوم أول مايو 2011، بعد مطاردة استمرت لسنوات عديدة وقد آثار مقتل بن لادن العديد من التساؤلات بشأن مكان الحادث في باكستان، وهي منطقة شبه عسكرية. كما ثارت، أيضًا، أسئلة بشأن ما إذا كان ذلك الحادث معبرًا عن احتمال اختراق التنظيم مما أدى إلى مقتل بعض قادته، أبرزهم بن لادن. وربما يكون تأثير مقتل بن لادن على التنظيم الأم في أفغانستان وباكستان أهم من تأثيره على الفروع القائمة في بلاد الجزيرة العربية، وفي بلاد المغرب الإسلامي. وحتى في التنظيم الم سيكون أثر اختفاء بن لادن ربما أوضح وأقوى على المستوى الرمزي والمستوى المالي.
فالمعروف أن بن لادن بالنسبة لتنظيم القاعدة هو الكاريزما الأكبر والأهم وممتد التأثير لعقد ونصف العقد، على الأقل، من عمر التنظيم. وربما كان لوجود بن لادن على رأس التنظيم، أيضًا، تأثير واضح على الموارد المالية اللازمة لإدارته، وهو ما يمكن أن يؤثر على فاعلية وقوة حركة التنظيم. ولكن من زاوية أخرى، لم يكن بن لادن هو القيادي الوحيد البارز في تنظيم القاعدة. ولذلك استطاع التنظيم اختيار قيادي آخر تتوافر له الخبرة والتأثير، وهو أيمن الظواهري. وفي كل الأحوال، فإن العلاقة القوية للقاعدة مع حركة طالبان، التي لم يعد وجودها ونفوذها قاصرًا على أفغانستان، بل أمتد أيضًا إلى باكستان، سيكون له تأثيره على تنظيم القاعدة، من منطلق الدعم والتأييد المتبادل فيما بين التنظيمين: القاعدة وطالبان. وكذلك فإن امتداد وجود وتأثير القاعدة إلى خارج أفغانستان وباكستان، وبخاصة في اليمن وبلاد الجزيرة العربية وفي بلاد المغرب الإسلامي (الجزائر والمغرب وربما ليبيا وتونس)، وكذلك دول الجوار الأفريقي المباشر لبلاد المغرب العربي، وبخاصة مالي والنيجر، وحتى نيجيريا، التي لا تعد دول جوار مباشر للمغرب "الإسلامي"، ولكنها دولة أفريقية كبيرة ومؤثرة، ويوجد بها تنظيم بوكو حرام الإرهابي، والذي تجمعه علاقات تشابه مع تنظيم القاعدة، وهي كلها مؤشرات مهمة على أن مقتل بن لادن لم يكن ليعني اختفاء أو انهيار لتنظيم القاعدة.
ثانيا- ثورات الربيع العربي ونمو حركة الإرهاب
أما تأثير ثورات الربيع العربي على حركة الإرهاب في المنطقة العربية فهو تأثير مركب، فمن ناحية هناك دول عربية مرت بثورات أو أزمات أو حرب أهلية في سياق الربيع العربي، وهناك دول عربية لم تمر بذات خبرة الثورات، وإن كانت قد تأثرت بها. ومعنى ذلك أن تأثير الربيع العربي على فرص الحركات والأعمال الإرهابية يختلف من دولة إلى أخرى وفقا للعامل سالف الذكر.
إن تنظيم القاعدة كان، وما زال، هو أكبر وأخطر التنظيمات الإرهابية الدولية العابرة للحدود
وفي ثلاث من حالات ثورات الربيع العربي، وهي حالات تونس ومصر واليمن، أثبتت الثورات أنه يمكن تحقيق التغيير الثوري الجوهري من خلال الثورات السلمية. وليس باستخدام العنف. وذلك توجه وفكر وحركة تعاكس نظيرتها المستقرة في فكر وتنظيم وحركة القاعدة، وذلك يعني أن دلالات الثورات وانعكاساتها بالنسبة للقاعدة ليست بالضرورة متجانسة ولا حتى متشابهة وفي نفس الاتجاه يمكن القول بأن القاعدة لم يكن لها وجود ولا تأثير ولا دور في الثورات العربية وإنما كانت تراقب الأوضاع عن بعد.
إن سقوط أنظمة بن علي في تونس، ومبارك في مصر، وتغيير النظام من الداخل في اليمن هي أمور تمت من دون استخدام العنف كوسيلة للتغيير، ومن ثم كان ذلك تحديًا لفكر القاعدة، وحركات الإرهاب عمومًا. ولكن من ناحية أخرى، فإن نظامي بن علي في تونس ومبارك في مصر كانا من الأنظمة التي تبنت سياسات فاعلة ضد جماعات وحركات الإرهاب، بما في ذلك القاعدة. ومن ثم فإن سقوط هذين النظامين كان يعتبر شيئًا جيدًا ورصيدًا إيجابيًا من منظور القاعدة والحركات والجماعات الجهادية. وربما يتعزز ذلك التقدير بالأثر الذي تحدثه حالة الاضطراب وعدم الاستقرار والتحديات الضخمة التي تواجهها دول الربيع العربي في إطار عملية الانتقال الديمقراطي، وهو ما قد يعطي لحركات وتنظيمات الإرهاب فرصة جيدة للتحرك واستخدام العنف وتبني منهج الإرهاب داخل بلاد الربيع العربي.
وفي هذا السياق، أدى تطور الربيع العربي في بلد مثل مصر إلى حالة صراع داخلي بين جماعة الإخوان المسلمين وكثير من القوى السياسية، بل وعملية التحول الناتج عن ثورة 30 يونيو 2013 التي أدت إلى الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين. وقبل ذلك وأثناء عام حكم الإخوان كانت قد قامت علاقات تعاون فيما بينهم وبين قائد القاعدة أيمن الظواهري، عن طريق شقيق الأخير محمد الظواهري. ونتج عن التفاعلات الصعبة والمعقدة في الحياة السياسية المصرية خارطة مستقبل رفضها الإخوان المسلمون في مصر بدعم من القاعدة. وترتب على ذلك احتدام المواجهة بين جماعة الإخوان المسلمين وبين الدولة المصرية، وهو ما قاد الأخيرة إلى تصنيف الأولى كجماعة إرهابية، وتلا ذلك اتباع نفس التصنيف من جانب المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وهكذا حتى في حالة مصر التي قامت ثورتها في يناير 2011، وتعززت في يونيو 2013 بتجمع ملايين المصريين في شوارع مصر، فإنه لم تستمر معادلة الثورة السلمية، وإنما حاول البعض تحويلها إلى عنف سياسي إرهابي فظيع فأصبح يعاني منه المواطن المصري أمنيا واقتصاديًا وسياسيًا. وبالطبع تعمل الجماعات الإرهابية على استغلال ذلك الوضع المضطرب لصب مزيد من الإرهاب والعنف على الحياة السياسية المصرية.
أما في حالة سوريا فقد تحولت الثورة التي بدأت سلمية، إلى أزمة معقدة وحادة تحولت إلى حرب أهلية دخلت، الآن، عامها الرابع، وأصبحت سوريا حالة خاصة دخلت إليها، وفيها تنظيمات وجماعات العنف والإرهاب السياسي، مثل جبهة النصرة وداعش وغيرها. وقد أعلن الظواهري قائد القاعدة أن جبهة النصرة التي كانت تصنف من قبل كامتداد لجماعة الإخوان المسلمين، وليس داعش، هي امتداد للقاعدة. وربما تكون جبهة النصرة هي من أقوى جماعات المعارضة التي تخوض صراعا عسكريًا ضد النظام السوري. ولكنها ليست قوة المعارضة الوحيدة بل تتعدد هذه الأخيرة، وهو أمر يصب في صالح النظام، لأن الصراع العسكري يدور، أيضًا بين قوي المعارضة وبعضها بعضًا. ويعني ذلك إن جماعات الإرهاب ليست قريبة من النصر في سوريا، وهو ما يخص من، ولا يضيف إلى، قوة هذه الجماعات. وفي كل الأحوال، فإن الأزمة الممتدة في سوريا قد تمتد طبقا لرئيس الأركان الأمريكي، إلى عشر سنوات من الآن، وهو ما يعني صعوبة قراءة الحالة السورية، الأمر الذي يمثل تحديا كبيرا لكل أطراف تلك الأزمة، بما في ذلك الجماعات والتنظيمات الإرهابية.
وفي حالة الأزمة الليبية استخدمت القوة العسكرية ضد النظام السابق، نظام القذافي، بقرار من مجلس الأمن الدولي، وبتأييد من جامعة الدول العربية. وقد ساعدت أوضاع ليبيا الجيو سياسية والسكانية على حسم الأزمة الليبية في أقل من عام علي عكس الحالة السورية. وكان استخدام القوة من جانب حلف شمال الأطلنطي (الناتو). ونتيجة لحالة اللا دولة، أو الدولة الفاشلة، في ليبيا أصبح ممكنًا شراء أو السيطرة، على قوة سلاح ليبيا القذافي، ووصلت الملايين من الأسلحة إلى أيادي الجميع في ليبيا، وبالذات ميلشيات التنظيمات الإرهابية (الإسلاموية). ووصلت تلك الأسلحة، ومنها ثقيلة ومتطورة إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، بل وإلى العديد من الأفراد والحركات في مصر.
وفي حالة اليمن تم علاج الأزمة على نحو مختلف أتاح تغيير النظام من الداخل وعدم الدخول في حرب أهلية. ومن المعروف أن القاعدة موجودة في اليمن منذ ما قبل الثورة اليمنية، وكذلك فإن ثمة خلافًا أو صراعًا داخليًا بين الشمال والجنوب، وبين الحوثيين والدولة، وأن القاعدة هناك تنسق مع الحوثيين. وثمة مشروع لإقامة كيان اتحادي يضم ست وحدات، أو أقاليم، في الدولة اليمنية. وكما أن وجود القاعدة يمثل عنصرًا مستمرًا في الكيان اليمني، فإن مواجهة عناصر القاعدة واعتداءاتها يتم بالأساس من جانب الولايات المتحدة من خلال الطائرات دون طيار الأمريكية، وهو ما كان يتم قبل ثورات الربيع العربي، وما استمر بعدها كذلك. ومع استمرار حالة الصراع في اليمن تتجه القاعدة إلى محاولة السيطرة على قرى ومدن بهدف إنشاء إمارات إسلامية.
وخارج دول الربيع العربي، زاد الهجوم الإرهابي على بلاد المغرب "الإسلامي"، وانطلاقا من دول الساحل والصحراء، وبالذات مالي. وكانت الجزائر أكثر دول المغرب العربي استهدافا من ذلك الهجوم، وبخاصة المناطق الحدودية فيها، وهو ما يستلزم تجهيز هذه المناطق، إستراتيجيًا واقتصاديًا، لمواجهة هذه الهجمات بفاعلية والحيلولة دون تحقيق أهدافها.
ومن الطبيعي أن تحاول القاعدة، بعد مقتل بن لادن وتولي الظواهري قيادة الجماعة، تصعيد أنشطتها الإرهابية في دول المنطقة العربية لإعادة تأكيد وجودها وأهميتها وتأثيرها. وفي هذا السياق، ربما تكون قيادة الظواهري لتنظيم القاعدة خطوة في اتجاه تضييق الفجوة بين القاعدة وجماعات الإسلام السياسي في البلاد العربية مثل جماعة الإخوان المسلمين، وجماعة حماس الفلسطينية، بل وربما التنسيق الأنجح للاستفادة من حالة الاضطراب، أو عدم الاستقرار، المساندة في المنطقة العربية في مرحلة ما بعد الربيع العربي.
ولدي القاعدة، لا فرق بين الديمقراطية العلمانية والديكتاتورية العلمانية، فكلاهما غير إسلامي، أو غير جهادي، ومن ثم فإن الهدف لديها هو بناء نظام إسلامي جهادي غير علماني، وهو ما قد لا يتحقق في دول الربيع العربي، أو في بعضها، ولدي القاعدة، أيضًا، لا يتحقق الهدف بوسائل سلمية، بل لابد من استخدام العنف الإرهابي لتحقيق الهدف، وهاتان الفكرتان هما من الأفكار التي يمكن للدول العربية، وخاصة دول الربيع العربي، أن توظفها في التواصل مع جماهيرها للابتعاد عن نموذج القاعدة سياسيًا وثقافيا وإعلاميًا.

أثبتت الثورات أنه يمكن تحقيق التغيير الثوري الجوهري من خلال الثورات السلمية. وليس باستخدام العنف
ثالثا- الفرق بين داعش والقاعدة
ويتبين من دراسة حالتي القاعدة وداعش أن القاعدة هي الأقدم، وكانت هي أقوي تنظيمات الإرهاب الدولي قبل الربيع العربي، ولكن مع ذلك الربيع وما ترتب عليه من نتائج سياسية وإستراتيجية فإن داعش تتحول الآن إلي التنظيم الإرهابي الأكبر والأوسع والأقوى والأكثر تأثيرا في المنطقة العربية، أو في منطقة الربيع العربي أكثر من غيرها، حتى إذا قورنت بتنظيم القاعدة.
والمركز الرئيسي لوجود داعش وتأثيرها هو شمال شرق سوريا وشمال غرب العراق، وهما منطقتان متجاورتان ويشهدان غيابًا للدولة أو ضعفًا لوجودها، أو صراعًا تاريخيًا مؤثرًا بين القوى الدينية الإسلامية من سنة وشيعة وبعضهم بعضًا، أو غيرهما من الطوائف الدينية أو الجماعات العرقية.
ولأن عناصر داعش لم يكونوا في الصورة من قبل، ولأن قياداتهم توجد على الأرض العربية في العراق أو سوريا أو ليبيا، بينما قادة القاعدة يقيمون في باكستان أو أفغانستان، ولأن الدول العربية التي وقعت فيها ثورات الربيع العربي غابت فيها الدولة أو تفككت أو ضعفت فلم يعد نظامها السياسي قويًا ولا فاعلًا، وذلك كما هي الحال في ليبيا والعراق وسوريا واليمن، وكلها دول تحيط بمركز المنطقة العربية، أو توجد فيها، فإن ذلك كله قد أسهم في إعادة تشكيل المنطقة، وذلك على نحو ساند داعش.
وكان لدور تركيا في التعامل مع الثورات العربية، ونجاحه في حالة سوريا تأثير مهم نتج عن وصول عناصر داعش المنتمين إلى دول عربية، بل وأوربية، إلى دول الربيع العربي، وبخاصة سوريا والعراق، كل لكل ذلك دورًا في مساندة داعش وعناصرها، وحتى لو قيل إن تركيا الآن تشارك في ضرب مناطق يوجد بها داعش في المنطقة العربية، وربما بتنسيق مع دول غربية أوربية أو أمريكية، فإن ذلك لا يعني أن موقف تركيا من مسألة داعش كانت من قبل كما أصبحت عليه الآن، وهو ما يشير إلى تفسير لتغيرات في السياسات والمواقف الغربية، وبالذات الأمريكية، وإن كانت تتم كلها في إطار تحرك إستراتيجي من جانبهم مستهدف تقسيم أو إضعاف أو تفكيك تلك الدول العربية، أو تقسيمها بحيث ينتهي تأثيرها ولا يعود للظهور.
والتأثيرات السلبية والخطيرة الناتجة عن داعش الإرهابية ربما لا تقتصر على الدول العربية المذكورة في الفقرة السابقة. فلا شك أن ما يحدث هناك لا بد وأن يؤثر في دولة القلب أو المركز العربي، أي مصر التي تحيطها بشكل مباشر أو غير مباشر، ولكنه يؤثر على الدول العربية التي فيها وجود ملحوظ لداعش، أي ليبيا وسوريا والعراق واليمن.
إن المواجهة الناجحة والفاعلة لداعش والإرهاب تقوم على عديد من السياسات والمواقف الإستراتيجية العسكرية والسياسية والاقتصادية والفكرية، وذلك من خلال تحالف حقيقي غير وهمي. والمواجهة العسكرية والأمنية لا بد وأن تقوم على تحالف دولي حقيقي تنشئه الأمم المتحدة ودولها الأعضاء وبخاصة الخمس دائمو العضوية في مجلس الأمن الدولي، بالإضافة إلى الدول التي تمثل قوى إقليمية رئيسية ومهمة مثل مصر والمملكة العربية السعودية والجزائر والمملكة المغربية والمملكة الأردنية الهامشية، وربما سوريا والعراق مستقبلا، وإن كانت تمثل أرضية مهمة لمواجهة قوى الإرهاب الدولي علي أراضيهما الآن. ولا بد وأن يقوم ذلك التحالف على مهام محددة تنفذها بفاعلية الدول الأعضاء بتحالف حقيقي يقوم على تحديد دقيق للحقوق والواجبات.
فإذا تم ذلك، فإنه سوف يقود إلى تصور سليم دقيق فاعل ومتكامل لجماعات وتنظيمات الإرهاب على المستوى الدولي أو العالمي، وهو ما سيضع نهاية لتلك السياسة النظرية وغير الفاعلية وعالية الثمن والتكلفة والتي تؤدي إلى إنهاك وإضعاف وعدم الحسم في مواجهة ذلك الإرهاب الذي كان يأخذ في التمدد والتهديد خلال الفترة الماضية، وبخاصة في العامين الماضيين.