المركز العربي للبحوث والدراسات : القوة العربية المشتركة: حلف أم قوة مشتركة أم محلك سر؟ (طباعة)
القوة العربية المشتركة: حلف أم قوة مشتركة أم محلك سر؟
آخر تحديث: الإثنين 16/11/2015 10:45 ص د. مصطفى علوي
القوة العربية المشتركة:
تشمل العلاقات الدولية علاقات التعاون وعلاقات الصراع فيما بين الفاعلين الدوليين من الدول وبعضها بعضًا، وفيما بين الدول والفاعلين الدوليين الآخرين، مثل المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية أو الشركات متعددة الجنسيات، وجماعات الإرهاب الدولي.
من شروط قيام حلف فاعل ومؤثر أن يكون هناك بين دوله الأعضاء اتفاق في المصالح وفي الأهداف الإستراتيجية
أولا- مستويات وأدوات الصراع والتعاون الدولي
لكل من الصراع الدولي والتعاون الدولي مستويات ودرجات وأدوات. فالصراع قد يبدأ بالتوتر وينتقل إلى النزاع ثم الصراع الذي قد يولد أزمات أو حروبًا. وقد يبدأ التعاون بالتشاور والتنسيق ثم ينتقل إلى التفاهم الذي قد يولد صورًا أعمق للتعاون تتمثل في التكامل ثم الاندماج.
والأحلاف بالنسبة لأعضائها من الدول، ولعلاقاتها مع بعضها بعضًا، تعد من أقوىصور التعاون، وهي ذاتها بالنسبة للأعداء والخصوم من أهم أدوات إدارة الصراع الدولي.
والحلف العسكري قد يكون إحدى أهم أدوات إدارة الصراع الدولي فيما بين الدول، ليس فقط في وقت الحرب، وإنما أيضا في إطار إستراتيجية "الردع" التي قد تبتغي تفكيك حلف آخر مضاد. والغرض من الحلف هو تحقيق أهداف تتمثل في النصر عسكريا وسياسيًا لدوله الأعضاء والدفاع عنها بفاعلية قد لا تتحقق بدون وجود ذلك الحف من أهداف الأمن القومي لدوله الأعضاء، أو إفشال خطط وسياسات ومواقف الأعداء الذين قد يكونون أعضاء في حلف آخر، أولا يكونون.
والحلف الدولي هو التزام تعاقدي بين دولتين أو أكثر يقوم علىالتزامات متبادلة لاتخاذ السياسات والتدابير العسكرية والسياسية اللازمة للدفاع عن تلك الدول الأعضاء، ولحماية مصالح أمنها القومي بفاعلية لم تكن لتتحقق باستخدام الدولة العضو لقدراتها المنفردة. وتلك السياسات والتدابير تتخذها الدول أعضاء الحلف مجتمعة ضد دولة، أو دول، أو جماعات إرهابية، أو حلف آخر يقوم بتهديد الحلف ودوله. والحلف الدولي ينشئ مؤسسات تعمل على تنفيذ أهداف الالتزام الذي يقوم عليه الحلف ضد أعدائه. والحلف إذا يقوم على علاقة تعاقدية رسمية، وعلى تعهدات متبادلة متماثلة فيما بين جميع أعضاء الحلف، وعلى إدراك مشترك من جانب الدول أعضاء الحلف للأطراف المعادية للحلف ولدوله، والمهددة لمصالحه ومصالح دوله الأعضاء ومن ثم يقوم أي حلف على الاستخدام المشترك للقدرات العسكرية والسياسية لدوله الأعضاء ضد العدو المستهدف.
ومن يراجع هذا التعريف للحلف الدولي سيدرك أن الأحلاف كانت عادة، أداة من الأدوات الفاعلة لسياسات قوىعظمىأو كبرى لتحقيق مصالح أمنهم القومي. أما الدول الصغيرة والضعيفة فتتمثل قدرتهم على بناء أحلاف دولية فاعلة أو نشطة.
إن للصراع الدولي وجودًا كبيرًا ومؤثرًا مع فاعلين من غير الدول، أن تنشئ حلفًا، أو أن تنظم إلى جهد دولي يستهدف إنشاء مثل ذلك الحلف
ومن شروط قيام حلف فاعل ومؤثر أن يكون هناك بين دوله الأعضاء اتفاق في المصالح وفي الأهداف الإستراتيجية. والمصلحة التي يسعىالحلف إلى تحقيقها هي كل قيمة ذات أهمية للدولة العضو التي تسعى إلى  تحقيقها والحفاظ عليها، أو العمل على زيادتها.
ويتحقق ذلك تبعًا لحجم القدرات والإمكانات التي تملكها الدولة في المجالات العسكرية والعلمية التكنولوجية والاقتصادية. وتتمثل دوافع الحلف في السعي إلى  زيادة قوة أعضائه وردع أعدائه وعندما تتعرض الدولة لعدوان أو لصراع يهدد أمنها القومي، من دون أن تقدر على ردع العدوان أو إدارة الصراع بنجاح باستخدام قدرتها الذاتية فقط. فإنها تتجه إلى  التحالف مع دول أخرىلدرء ذلك الخطر.
 وطالما ظلت العلاقات الدولية قائمة على تعدد مصادر التهديد والخطر نتيجة تعدد وتنوع الفاعلين الدوليين الكبار أو المؤثرين من الدول ومن غير الدول، فإنه يكون من مصلحة الدول أن تقيم حلفًا دوليًا، أو أن تنضم إلى  حلف إن لم تكن قادرة على قيادة حركة إنشاء مثل ذلك الحلف.
إن للصراع الدولي وجودًا كبيرًا ومؤثرًا ومن هنا يكون من مصلحة الدولة أطراف ذلك الصراع، حتي وأن كان مع فاعلين من غير الدول، أن تنشئ حلفًا، أو أن تنضم إلى  جهد دولي يستهدف إنشاء مثل ذلك الحلف. فإذا ما نشأ ذلك الحلف فإنه يزيد من قدرات دوله الأعضاء ويقلل من التهديدات التي تنتج عن سياسات ومواقف القوىالمعادية لها، سواء كانوا دولًا أم تنظيمات إرهابية دولية، فإذا ما نجح الحلف في ردع الأعداء كان ذلك مؤشرًا على زيادة قدرة الدولة العضو فيه على إدارة ناجحة وفعالة لإدارة الصراع بطريقة تحقق مصالح الأمن القومي لتلك الدولة. ويترتب على ذلك زيادة مستوىوقدرة وفعالية الردع ومصداقيته بحسابات المخاطر والمكاسب والخسائر. ويقوم الردع على عنصرين مهمين: هما توافر القوة والرغبة والقدرة على استخدامها فعلًا، وهو ما تزيد فاعليته بوجود التحالف الدولي مقارنةً بالوضع على مستوىكل دولة على حدة.
ورغم أنه قد يبدو، نظريًا، أن الدول الأصغر أو الأضعف في أي حلف عسكري قد تكون هي الأكثر استفادة منه، نتيجة لعدم أو محدودية قدراتها، مقارنة بالدول الأعضاء الأكبر في ذات الحلف، فإن الخبرة العملية، خصوصًا في مرحلة الحرب الباردة وما بعدها، تشير، على العكس، إلى  أن القوىالكبرىالتي تقود الأحلاف العسكرية هى، في النهاية من يحدد فاعلية الحلف وجدواه وقدرته على تحقيق أهدافه.
وفي هذا السياق، يصبح منطقيًا أن نتساءل عن حقيقة مواقف القوي الكبري من مسألة التهديد الإقليمي والدولي الذي تمثله "داعش" لإقليم الشرق الأوسط، بل وللعالم ككل، وهل تنتهي تلك التجربة الكبيرة والخطيرة والصعبة إلى  تأكيد نفس المقولة، أو النتيجة، في علاقة المستقبل فيما بين داعش من ناحية والقوى الدولية الكبرىوالدول المهمة والمهددة، على السواء، في المنطقة العربية، وفي منطقة الشرق الأوسط.
ويمثل سعي الدولة إلىزيادة قوتها العسكرية دافعًا أو مبررًا أو هدفًا لإنشاء الحلف الدولي الذي يمثل في هذه الحالة إحدى الأدوات المهمة لزيادة القدرات العسكرية لكل من الدول الأعضاء، من دون أن يكلفها ذلك ذات القدرة من التكلفة الاقتصادية اللازمة لامتلاك ذات القدرات التسليحية والعسكرية.
ويضاف إلىذلك أن وجود عقيدة عسكرية، ومنظومات قيادة عسكرية، وخطط عمليات، ومنظومات تدريب متشابهة أو متماثلة يمثل أحد أهم عناصر نجاح الحلف. فالحلف دون وجود تلك القدرات المذكورة، على مستوىكل من الدول الأعضاء في الحلف، وأيضًا، على مستوي كل من دوله الأعضاء، قد لا يكون، في النهاية، إضافة حقيقية إلى  القدرات المحتملة في التعامل مع مصادر التهديد التي يكون على الحلف ودوله مواجهتها بفاعلية ونجاح.

ثانيا- أنماط الأحلاف الدولية
 وتتعدد أنماط الأحلاف الدولية وفقا للمعايير المستخدمة في تصنيفها. ومن بين هذه المعايير مدىقانونية الحلف، وإطاره الزمني، والبعد الجغرافى، والهدف من الحلف، وعدد أعضاء الحلف، ومدىعلانيته.
ومن حيث قانونية الحلف توجد أحلاف رسمية وأخرىغير رسمية، والحلف الرسمي يستند إلى  معاهدة دولية يتحمل أعضاء الحلف بمقتضاها الالتزامات قانونية صريحة تتعلق بموضوع التعاون العسكري واستخدام القوة لحماية مصالح الأمن القومي للدول الأعضاء. أما الحلف غير الرسمي فلا يتطلب تعهدًا رسميًا بالتعاون من أجل ردع أو مقاومة عدوان محتمل من عدو مشترك، ومن حيث الإطار الزمني للحلف إما أن يكون الحلف دائمًا لا يحدد له أجل زمني لانقضائه، أو أن ينقضي الحلف بعد مدة زمنية معينة، طالت أم قصرت.
ووفقًا للمعيار الجغرافى، إما أن يكون أعضاء الحلف دولا متجاورة أو غير متجاورة. وبالطبع يكون عامل الجوار الجغرافي أحد العوامل التي تيسر على الحلف القيام بمهامه.
ومن حيث الهدف توجد أحلاف دفاعية وأخرىهجومية. ولأحلاف الدفاعية هي النمط الأكثر شيوعًا وانتشارًا، وهي تنشأ بسبب الخوف من خطر مشترك يهدد الدول الحليفة، وهو ما يدفعها إلىالتحالف للمساهمة في الدفاع عن أمنها القومي. أما الأحلاف الهجومية، على قلتها، تنشأ للإعداد للهجوم على دولة، أو دول، معينة، أو انتهاج سلوك عدائي ضدها، وغالبًا ما تكون تلك الأحلاف الهجومية سرية.
ووفقًا لعدد أعضاء الحلف يكون الحلف جماعيًا واسع العضوية، أو ثنائيًا. وفي الغالب يكون الحلف الثنائي بين دولتين ذواتي نظام استبدادي، وبالتالي لا تقدر على إنشاء حلف واسع العضوية ومن حيث العلانية يمكن أن يكون الحلف علنيًا، وهذا هو الأصل، أو ما يجب أن يكون، أو أن يكون حلفًا سريًا ذا طبيعة عدوانية هجومية.
وتمثل الأحلاف خيارًا متاحًا أمام صناع قرار السياسة الدفاعية والسياسة الخارجية. ولسياسة الحلف أساليب تطبيقية متنوعة. وربما يتأثر أداء الحلف والحلفاء، ليس فقط بأهداف الحلف، وإنما أيضًا يتطور الحلف وما إذا كان يمر بمرحلة تأسيس، أو مرحلة نمو واتساع، أم مرحلة انخفاض، أم مرحلة تدهور وزوال.
ومن أساليب الممارسة التي تتبعها الأحلاف الدولية العمل على عرقلة قيام أحلاف مضادة، والحيلولة دون اكتساب الأعداد لحلفاء جدد، وذلك عن طريق التأثير على حسابات الأعداء للمكاسب والخسائر المحتملة.

في مجال التكامل الاقتصادي فإن الاتحاد الأوربي هو أهم صور التكامل في العالم. وكذلك فإن رابطة جنوب شرق آسيا تعد نموذجًا مهمًا أيضًا
ومن أساليب الأحلاف أيضًا السعي إلى تجزئة أو تفتيت الأحلاف المضادة، وذلك عن طريق التفريق بين أعضائها الذين قد يرون أنه ليس بمقدورهم التصدي للأخطار والتهديدات الخارجية التي تتعرض لها فتسعى إلىاكتساب حلفاء إلى جانبها. وهنا، عندما تدرك الدولة أن قدراتها غير كافية لتحقيق أهدافها في مجال الأمن القومي، أو للدفاع ضد أخطار تحيط بها، فإنها تتجه إلى  التحالف مع آخرين حتىتضمن أداء مهمتها في الحفاظ على أمنها القومي بمزيد من الفاعلية عن طريق الحلف الذي تقيمه أو تنضم إليه. وإذا كانت الدولة من القوىالكبرىأو العظمىفإنها تلجأ إلى  سياسة التحالف حتىتطمئن إلى  قدرة أفضل على الإمساك بميزان النظام الدولي والتأثير في حركته.
ويؤثر حجم الحلف على فاعلية أدائه لوظيفته. فزيادة عدد أعضاء الحلف تفضي زيادة للقدرات الكلية للحلف، ومن ثم زيادة فرص نجاحه في تحقيق أهدافه بفاعلية كافية.. وفي المقابل، فإن زيادة عدد أعضاء الحلف وكبر حجمه، وإن كان يمثل مصدر قوة لقدراته، فإنه يمثل، أيضًا تحديًا يتمثل في زيادة الأعباء والالتزامات الملقاة على عاتق المتحالفين، وهكذا فإن مسألة الحجم الأمثل للأحلاف تظل مفتوحة لمزيد من الاجتهادات والدراسات العلمية.
ويترتب على قيام الحلف الدولي التزامات دفاعية، أو هجومية، تتباين من حيث صورها ومضمونها وطبيعتها، تبعًا لنص المعاهدة المنشئة للحلف والوثائق والأوراق الرسمية التي تصدر دوريًا عن إستراتيجية الحلف، ومن أهم الالتزامات التي تقع على عاتق المتحالفين، تجاه بعضهم البعض، الدعم العسكري الذي يأخذ أشكالًا متعددة، منها المشاركة المباشرة في حرب إلى  جانب الحليف، وضد العدو ودعم الحلف تقنيًا وفنيًا، وتزويده بالمعلومات الاستخبارية. وإجراء مناورات مشتركة مع الدول الأعضاء في الحلف، ونصب محطات للتصنت ومراكز للتجسس.. إلخ.
وتمر الأحلاف الدولية بمراحل النمو والاتساع ثم التدهور والانقضاء، ومرحلة النمو والانتفاع تعني تنامي قدرات الحلف، وانضمام المزيد من الدول إلىعضويته، بما يعنيه ذلك من الحصول على مكاسب استراتيجية، فضلًا عن تنمية قدراتهم العسكرية من خلال زيادة مستويات تسليحهم وتدريبهم، ورفع كفاءة عمليات التنسيق فيما بينهم.
أما مرحلة التدهور فقد تنتهي إلىانسحاب بعض الدول أعضاء الحلف منه، أو، على الأقل تراجع مستوىالتزام الدول الأعضاء، بواجباتها تجاه الحلف، وانخفاض مستوىمشاركتهم في أنشطته. وينتهي الحلف عند تحقيق أهدافه بالكامل ما لم يتبنأهدافًا جديدة، كما فعل حلف شمال الأطلنطي (الناتو) بعد انهيار حلف وارسو في عام 1990 وينتهي الحلف أيضًا، بزوال العدو المشترك، أو بتغيرات جوهرية داخل دول الأعضاء. كذلك ينقضي الحلف عند عجزه عن تحقيق هدفه، أو عن التصدي لمشكلات تواجهه أو من التكيف مع تغيرات جوهرية تطرأ على بيئته. كما ينقضي الحلف وإذا حدثت تحولات جوهرية في أهداف أعضائه أو مصالحهم.

ثالثا- مستقبل القوة العربية المشتركة
وكما يتضح من عنوان هذه الورقة فإننا منشغلون بدراسة حاضر ومستقبل التكامل في المنطقة العربية، وبخاصة التكامل العربي في المجال الأمني. والتكامل ليس فقط أمنيًا، وإنما يشمل أيضًا صور التكامل الاقتصادية، والتكامل الاجتماعي، والتكامل السياسي. وبطبيعة الحال، فإن وجود أحد أنواع التكامل، والنجاح فيه، يساعد على فتح مجالات لأنواع أخرىمن التكامل، وهو ما تهتم به هنا على المستوي العربي. وعلى المستوىالنظري مجددًا، فإن الأحلاف العسكرية التي عرضنا لها، في الصفحات السابقة، بقدر من التفصيل، هي من أقوىوأنجح صور التكامل الأمن والعسكري. وإذا لم تستطع دول أن تدخل مجال الأحلاف العسكرية، فإنها قد تلجأ إلى مستوىمهم، ولكنه أقل في القدرة والقوة الدولية أو الإقليمية التي ينتجها الحلف العسكري، وهو، أي ذلك البديل، ما يطلق عليه عربيًا القوة المشتركة. ورغم أن عناصر التكامل تتوافر نظريًا على المستوىالعربي بقدر أكبر مما هو متاح في مناطق أو أقاليم أخري في جنوب شرقي آسيا، أو حتىفي غرب أوربا، فإن هاتين المنطقتين نجحتا في صياغة وبناء تكامل على المستوىالعسكري، متمثلًا في حلف شمال الأطلنطى، والذي أصبح يجمع بين دول وسط أورىبا وشرق أوربا، إلى  جانب الدول المنشئة لحلف شمال الأطلنطي في قارتي أوربا وأمريكا الشمالية. وفي مجال التكامل الاقتصادي فإن الاتحاد الأوربي هو أهم صور التكامل في العالم. وكذلك فإن رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان) تعد نموذجًا مهمًا، أيضًا، للتكامل الاقتصادي، أما على المستوىالعربي، فإن محاولات بناء نماذج للتكامل جميع أنواعه قد باءت بالفشل الكبير. فلم ينشأ حلف عسكري عربي. ولم تحقق منطقة التجارة العربية الحرة أهدافها بعد، وليس من المتوقع أن يحدث ذلك في الأجل المنظور. ومن ثم، فإنه يصبح طبيعيًا أن تظل المنطقة العربية بعيدة عن أي من صور التكامل. وبخاصة في المجال الأمني الذي يشمل الأحلاف العسكرية والقوة العربية المشتركة.

على المستوى العربي، فإن محاولات بناء نماذج للتكامل جميع أنواعه قد باءت بالفشل الكبير
وفي عام 1950، أي بعد 5 سنوات من نشأة جامعة الدول العربية تم توقيع معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى. وفي حينه نظر العرب إلى  تلك المعاهدة بتقدير إيجابي ورؤية مستقبلية إيجابية. ولكن رغم مرور 65 عاما على توقيع تلك المعاهدة فإن الناتج يساوي، حتىالآن صفرًا، وبخاصة على مستوىالتطبيق. وبعيدًا عن مستوي التنفيذ، على أهميته العظمى، فإن تلك المعاهدة جمعت حتى على المستوىالنظري، بين مفهومين وعنصرين مختلفين، وذلك من منظور آليات وأدوات وأهداف عملية التكامل. فالتعاون هو أول وأدنىصور التكامل. والعمل المشترك يعد أقوىمن مجرد التعاون. ومع وضوح الفارق المفاهيمي فإن الذين صاغوا نص تلك المعاهدة لم ينتبهوا إلى أن مجرد التعاون الاقتصادي لا يتوافق مع الغاية الأكبر المتمثلة في الدفاع المشترك.
وعلى مستوى الدفاع لم تتشارك الجيوش العربية على مستوى أي من صور العمل المشترك، وكان التخطيط والتنفيذ المشترك لمصر وسوريا في الإعداد والأداء لحرب أكتوبر 1973 استثناءً على هذا الكلام. ولكن تأثيره كان مرتبطًا بالحالة المذكورة، وكانت العراق قد لعبت دورًا عسكريًا في التعاون مع سوريا في تلك الحرب. ولكن تلك المشاركة لم تتحول إلى  نمط سائد أو متكرر أو أوسع تاريخيًا ومكانيًا.
وكانت الحالة الثانية في عام 1991 حينما تشاركت مصر والسعودية وسوريا في التحالف الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية لشن حرب ضد العراق لإنهاء حالة الغزو والاحتلال العراقي لدولة الكويت. وبطبيعة الحال، فإن تلك الحالة كانت حالة تحالف دولي يتجاوز المستوىالعربي لمشاركة أطراف دولية غير عربية مثل الولايات المتحدة ودول غربية أخرىمثل بريطانيا. وكذلك فإن عنصر الإطار الزمني المحدود لوجود تلك التحالفات أو القوىالمشتركة المؤقتة لم تتحول إلى  ظاهرة ممتدة عميقة في تأثيرها الإستراتيجي.
وفي المقابل عانت المنطقة العربية من صراعات إستراتيجية عربية- عربية استخدمت فيها دول عربية السلاح ضد دول عربية أخرى: مثل التدخل السوري في لبنان ولسنوات في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين وكان العراق قد استخدم جيشه لاحتلال الكويت عام 1990 في محاولة لضم الكويت إليها. وكان ثمة صراع عسكري أيضًا بين المملكة المغربية ودولة الجزائر فيما يتعلق بما يسمىقضية الصحراء الغربية. وفي أفريقيا العربية كان ثمة مشكلات وصراعات عسكرية أخرىوأنشطة إرهابية سواء في دولة الصومال، أو الانعكاسات الناتجة عن تنظيمات إرهابية مثل بوكو حرام في نيجيريا، وامتداداتها في مالي والنيجر، وتأثيراتها على الجزائر أيضًا، أو تنظيم القاعدة في بلاد المغرب "الإسلامي"، وتنظيم القاعدة في بلاد الجزيرة العربية ومركز عمليات ذلك التنظيم في اليمن.
وهذه الصراعات الحادة والمعقدة والكثيرة كانت ذات تأثير واضح في عدم وجود، أو غياب، تصور إستراتيجي عربي موحد يجمع البلاد العربية، ويجعل، بالتالي من الممكن صياغة توجهات أو نظريات أو آليات مؤسسات وأدوات لمكافحة الإرهاب الذي أصبح أ على وأخطر وأهم مصادر التهديد التي تحتاج تنسيقًا، بل وعملًا مشتركًا فيما بين الدول العربية وبعضها البعض في تحالف إقليمي نشط وفاعل مهم، ومن دون أن ينفي ذلك، أو يلغى، إمكانية التعاون مع قوىدولية مهمة مثل روسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي في مواجهة ذلك التهديد الإرهابي.
ولعل أوضح "التحالفات المؤقتة" الراهنة والموجودة على الساحة العربية ذلك التحالف العربي في الجزيرة العربية، الذي تقوده المملكة العربية السعودية وبمشاركة فعلية وعملية عسكريًا وسياسيًا من جانب دول الإمارات العربية المتحدة، وبمستوىأقل من جانب دولة الكويت ومملكة البحرين والمملكة الأردنية وجمهورية مصر العربية. ويستهدف ذلك التحالف إنهاء سيطرة حوثيين اليمن، وبمساندة إيرانية، على أجزاء كبيرة ومهمة من أرض دولة اليمن.
إن الدور الروسي المهم والمؤثر والفاعل لروسيا في إدارة الأزمة السورية المعقدة والحادة، وبدء استخدام القوات الجوية الروسية التي دخلت سوريا بطلب سوري يمكن، نظريًا، أن يؤدي إلىنتائج غير متناسقة. فإذا ما أدت أدوار روسيا الحالية إلىتغيير موازين القوىالحالية في سوريا والمنطقة، ومن ثم إضعاف داعش والإرهاب الدولي، فإن ذلك يمكن أن يحسن فرص قيام قوة مشتركة عربية. ومما يجب ذكره في هذا المجال أن تعقد وحدة وتعدد أزمات المنطقة العربية وسوف تستمر في فرز وإنتاج أوضاع أمنية وسياسية بالغة الصعوبة، ولفترة غير قصيرة. ولذلك فشلت محاولة جامعة الدول العربية لتأسيس قوة عربية مشتركة. نحن. إذًا. مازلنا بعيدين عن نموذجي الحلف العربي والقوة العربية المشتركة. نحن هنا مازلنا "محلك سر".
*أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة