المركز العربي للبحوث والدراسات : تصفير المشاكل: ما وراء التطبيع التركي الإسرائيلي (طباعة)
تصفير المشاكل: ما وراء التطبيع التركي الإسرائيلي
آخر تحديث: السبت 06/02/2016 03:40 م بشير عبد الفتاح
تصفير المشاكل: ما

وكأن التطورات والملمّات التي ألقت بظلالها على منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الخمس المنقضية، قد أبت إلا أن تحظى إسرائيل بنصيب الأسد من المغانم الإستراتيجية في وقت لا يتوقف نزيف الخسائر لدى غالبية دول محيطها الإقليمي. فما كادت أنقرة تتجرع مرارة التداعيات السلبية لما يعرف بالحراك الثوري العربي، وما طواه بين ثناياه من مساع للقوى الدولية، بدعم من حلفاء إقليميين، لإعادة هندسة المنطقة جيوستراتيجيًا، قادت بدورها إلى إفشال سياسة "صفر مشاكل" التركية على نحو ما تجلى في تدهور علاقات أنقرة بجوارها الإقليمي، حتى شرع أردوغان في الهرولة صوب إسرائيل متوسلا التطبيع معها، استجداءً للمزيد من التقارب والدعم من لدن واشنطن والناتو والاتحاد الأوربي، حتى إن اضطر إلى التخلي عن العقبة الكؤود أمام ذلك التطبيع والمتمثلة في شرط رفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة.

 أولاً: هرولة تركية

عديدة هي المعطيات الجيوستراتيجية، التي دفعت بالأتراك إلى تغيير قواعد التفاوض مع الإسرائيليين بشأن إعادة الدفء لعلاقاتهما بينهما، لعل من أبرزها:

أولاً: إبرام الاتفاق النووي بين إيران والسداسية الدولية في يوليو الماضي وما استتبعه من فتح الباب أمام طهران للخروج من نفق العزلة الدولية والعقوبات المفروضة عليها، مثلما تأتي في ارتفاع صادرات النفط والغاز الإيرانية ومشاركة طهران، بدعم روسي، في محاربة "داعش" في سوريا والعراق بالتوازي مع انخراطها في المفاوضات الجارية لتسوية الأزمة السورية سلميا.

ثانياً: تعقد الأزمة السورية بعد التدخل العسكري الروسي واندلاع الأزمة التركية الروسية على خلفية إسقاط مقاتلات تركية من طراز إف 16 لقاذفة روسية من طراز سوخوي 24 قبل نهاية شهر نوفمبر الماضي، وفرض موسكو إجراءات اقتصادية وعسكرية عقابية على تركيا، لا يستبعد أن تطال صادرات الغاز الروسية لها، ما دفع بالأتراك للبحث عن بدائل للغاز الروسي في أذربيجان وقطر وإسرائيل، في الوقت الذي أفضى نشر منظومة صواريخ إس 400 الروسية المتطورة في سوريا إلى تبديد آمال أنقرة في إقامة المنطقة الآمنة بشمال سوريا.

ثالثًا: إخفاق سياسة"صفر مشاكل" التركية بعد أن صارت تركيا تعيش وسط محيط من الأعداء والمنافسين والخصوم، إذ توترت علاقاتها مع إيران وروسيا والعراق ومصر واليونان وإسرائيل. بالتزامن مع تدهور علاقات أنقرة ببغداد بجريرة تموضع قوات تركية داخل الأراضي العراقية على غير رغبة بغداد، ولجوء الأخيرة إلى مجلس الأمن الدولي للفصل في الأمر.

رابعًا: استمرار الضغوط الأمريكية والغربية على أنقرة، بإيعاز من تل أبيب، لحمل أردوغان على تطبيع علاقات بلاده مع إسرائيل من دون تعنّت أو شروط مجحفة، في وقت يتزايد احتياج الأتراك للدعم الغربي في مواجهة التصعيد الروسي واللجوء العراقي إلى مجلس الأمن الدولي لإجبار تركيا على سحب قواتها من الأراضي العراقية.

لذلك، وعلي خلاف ما كان متبعا من سعي إسرائيل الحثيث لاسترضاء تركيا بغية التصالح معها وإعادة العلاقات معها إلى سيرتها الأولى، كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، هو الذي بدأ بمغازلة إسرائيل هذه المرة ودعوتها إلى المصالحة، مشيرا إلى أن الشرق الأوسط سيكسب كثيرًا من تطبيع العلاقات بين الجانبين. وكم كان لافتا للنظر أن تدير إسرائيل مفاوضات بلورة ورقة التفاهمات الأولية مع تركيا في سويسرا من خلال طاقم مخابراتي يترأسه يوسي كوهين، الذي لن يتسلم منصبه في رئاسة جهاز الاستخبارات العامة "الموساد" إلا بعد شهر من الآن، حيث فاوض الأتراك بصفته رئيسًا لـمجلس الأمن القومي، فيما غابت وزارة الخارجية الإسرائيلية، كما أشارت صحيفة "هاآرتس"، عن مسار التفاوض، ولم تعلم بالأمر برمته إلا عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي انفردت،دون سواها، بنشر تفاصيل وأسرار المفاوضات ومحتويات ورقة التفاهمات التي تمخضت عنها.هذا بينما كان يتفاوض عن تركيا وفد دبلوماسي يترأسه وكيل وزارة الخارجية التركية فريدون سينيرلي أوغلو.

أخفقت سياسة "صفر مشاكل" التركية بعد أن صارت تركيا تعيش وسط محيط من الأعداء والمنافسين والخصوم، إذ توترت علاقاتها مع إيران وروسيا والعراق ومصر واليونان

وبناء عليه، بدأت إسرائيل بتغيير موقفها والمطالبة بأن تتم المصالحة وفقا لشروطها، التي تبين بمرور الوقت ومع انكشاف تفاصيل التفاهمات الأخيرة، أن أنقرة رضخت لها بالكامل. فلقد تضمنت البنود المتفق عليها في ورقة التفاهمات الأولية بين الجانبين: رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بإعادة سفيري البلدين إلى أنقرة وتل أبيب، ومن جانبها، استجابت إسرائيل لشرطين تركيين: أولهما، الاعتذار، حيث قام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بالاعتذار لتركيا في مارس/ آذار 2013. وثانيهما، دفع تعويضات لأسر الضحايا الأتراك العشرة، حيث تعهّدت الحكومة الإسرائيلية بدفع 20 مليون دولار، عبر تأسيس صندوق خيري لمتضرري سفينة مافي مرمرة ، شهداء أسطول الحرية، مقابل سحب تركيا كافة الدعاوي القضائية المرفوعة أمام القضاء الدولي ضد العسكريين الإسرائيليين الذين قاموا بالهجوم، بموجب قانون سيتم تمريره في البرلمان التركي لاحقا.

ثانيًا: تضحية بالقضية الفلسطينية

ربما لم يكن توصل الإسرائيليين والأتراك لتفاهم بشأن الاعتذار والتعويض عن حادثة أسطول الحرية أمرا مفاجئا، خصوصا أن مفاوضات المصالحة بين الجانبين منذ العام 2010 قد قطعت أشواطا مهمة على هذا الدرب، مع استمرار الغموض حول شرط رفع الحصار الإسرائيلي عن غزة . غير أن الجديد من جانب إسرائيل في ورقة التفاهمات الحالية هو ما يتعلق بتقديم حوافز لتركيا فيما يخص أمن الطاقة، حيث سيتم الاتفاق على السماح بمرور خط للغاز الإسرائيلي عبر أراضي تركيا نحو أوربا، بينما ستنطلق المحادثات بين أنقرة وتل أبيب حول إمكانية استيراد الأولي للغاز الإسرائيلي وتعاون الإسرائيليين والأتراك سويا في التنقيب عن الغاز في بعض المناطق بشرق المتوسط.

أما جديد تركيا في المقابل، فكان تعهّدات فيما يخص موقع القضية الفلسطينية من مفاوضات التصالح التركي الإسرائيلى. حيث أوردت القناة العاشرة العبرية كما صحيفة "هاآرتس" وجود نص ضمن ورقة التفاهمات الأولية، يقضي بأن تلتزم أنقرة بمنع  انطلاق "الأنشطة الإرهابية" ضد إسرائيل من الأراضي التركية، ما يعني أن أنقرة وافقت على الشرط الإسرائيلي بمنع حماس من البقاء أو النشاط في تركيا بصورة عامة، كما قبلت أيضًا بطرد الناشط في الحركة، صالح العاروري، الذي تتهمه إسرائيل بتحريك وتمويل خلايا إرهابية في الضفة المحتلة والتخطيط لعملية اختطاف وقتل ثلاثة مستوطنين من مستوطنة غوش إيتزيون، ومنعه من دخول تركيا أو الإقامة فيها. أما الأمر الجلل بهذا الصدد، فكان خلوّ ورقة التفاهم بين الجانبين من أية إشارة إلى الشرط الأساسي الذي طالما تمسكت به تركيا للتطبيع مع إسرائيل وعطلت من أجله هذا الأمر طيلة السنوات الخمس الفائتة، وهو ضرورة إنهاء الحصار عن قطاع غزة.

وخطورة ذلك التراجع التركي أنه يصيب في مقتل صدقية أردوغان فيما يخص موقفه من القضية الفلسطينية أمام مؤيديه داخل بلاده من المحافظين والمتدينين، وفي خارجها على مستوي العالمين العربي والإسلامي، الأمر الذي قد يحمل في طياته عواقب وخيمة على شعبية أردوغان وصورته في الداخل والخارج. فلطالما تغنى الرجل وتباهى بدعمه للقضية الفلسطينية وعدم استعداد بلاده للتخلي عن هذا الدعم مهما كانت الظروف، ففي أعقاب حادث أسطول الحرية عام 2010، خطب أردوغان غير مره في شعبه غير متجاهل العالم أجمع، في البرلمان التركي، وفي مدينتي "قونيا" و"بورصة"، مؤكدا أن غزة بالنسبة لبلاده قضية تاريخية ولن تتراجع أنقرة عن رفع الحصار المضروب عليها. كما سبق لأردوغان أن أثار حفيظة الأمريكيين والإسرائيليين والمعارضة التركية حينما أعلن أنه لا يقبل بتصنيف حركة حماس على أنها منظمة إرهابية، معتبرا إياها حركة مقاومة تقاتل للدفاع عن أرضها، وأن الكثير من أعضائها معتقلون في السجون الإسرائيلية مع أنهم فازوا في انتخابات ديمقراطية وحرموا من حقهم في الحكم، وطالب بضرورة إشراك حركة حماس في عملية السلام. الأمر الذي جعل من أردوغان بطلا شعبيا بين المسلمين في تركيا وخارجها على نحو مهد الأجواء في حينها لما يمكن أن يطلق عليه ظاهرة "الأردوغانية" أو "الترك فوبيا".

ولقد أوجدت التسريبات الخاصة بمحتويات ورقة التفاهم الأولية بين تل أبيب وأنقرة في سويسرا منتصف شهر ديسمبر وما تضمنته من تخلٍّ تركي واضح عن شرط رفع الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة والتزام أنقرة بحظر إقامة ونشاط كوادر حركة"حماس" الفلسطينية على الأراضي التركية، حالة من القلق لدى قيادة الحركة، وضحت جلية في الزيارة العاجلة والمفاجئة التي قام بها رئيس المكتب السياسي لـ حركة  المقاومة الإسلامية "حماس" خالد مشغل إلى تركيا في اليوم التالي مباشرة للإعلان عن التفاهمات التركية- الإسرائيلية، ولقائه برئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو ثم بالرئيس التركي  رجب طيب أردوغان  في  قصر يلدز الرئاسي بإسطنبول، وإجرائه مباحثات موسعة معهما.

كان الرئيس التركي، هو الذي بدأ بمغازلة إسرائيل هذه المرة ودعوتها إلى المصالحة، مشيرا إلى أن الشرق الأوسط سيكسب كثيرًا من تطبيع العلاقات بين الجانبين

وبينما رفضت قيادات في حركة "حماس" التعليق على زيارة مشعل لتركيا ومباحثاته مع المسؤولين هناك ، أو حتى الحديث عن الاتفاق الإسرائيلي ــ التركي للمصالحة، استنادا إلى وجود قرار في الحركة بعدم الخوض في تلك القضية إلى حين اتضاح كل تفاصيلها من مصادر رسمية تركية، أكدت مصادر تركية أن مباحثات مشعل مع أردوغان وداود أوغلو انطوت على تطمينات تركية رسمية لحركة المقاومة الفلسطينية، بأنّ تحسّن العلاقات التركية مع الاحتلال الإسرائيلي لن يكون على حساب قطاع غزة، كما هدفت المباحثات إلى وضع قيادة الحركة في أجواء المفاوضات التركية ــ الإسرائيلية لناحية الحصار على غزة، فيما لم يستبعد مراقبون أتراك أن تشمل المباحثات طلب الجانب التركي ضمانات من التنظيم الفلسطيني مرتبطة بما وصلت إليه المحادثات بين أنقرة وتل أبيب حول تخفيف الحصار البحري خصوصًا، وهو ما تعمل عليه القيادة التركية منذ فترة طويلة. وأفادت المصادر ذاتها بأن الرئيس التركي ذكر مشعل بأنه أكد، مرارًا، منذ عدوان 2009 حتى اليوم، وقبل أن يصبح رئيسًا للجمهورية، بأنه لن يتخلي عن مشروع تخفيف الحصار وحتى رفعه عن قطاع غزة، وهو قد طرح لهذه الغاية، مجموعة أفكار مع شركاء أوروبيين حول آليات التدقيق بما يدخل إلى القطاع بحرًا وبرًا بما يحسّن من الأوضاع المعيشية للفلسطينيين المحاصرين.

وبرغم قلقها البالغ من ملابسات التطبيع المفاجئ والاضطراري بين تل أبيب وأنقرة ،لا تريد قيادات "حماس" أن تتعاطى مع ذلك التطبيع وكأنه نقمة على علاقاتها بالأتراك، أو أنه سيكون وبالا على دور الوساطة الذي تقوم به تركيا على صعيد القضية الفلسطينية. فلا زالت هناك قناعات لدى مراقبين فلسطينيين وأتراك على السواء بأن تركيا ليست مستعدة للتخلي كلية عن مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية، التي طالما أكد عليها أردوغان، حرصا منه على استبقاء الدور البارز لبلاده في تسوية تلك القضية التي تعد محور الاهتمام العربي والإسلامي، بما يرسخ من دعائم الدور الإقليمي التركي في نهاية المطاف. وبدورها، تحرص القيادة السياسية لـ"حماس" في المقابل على الاحتفاظ بتلك الوساطة التركية أملا في التوصل لاتفاق تهدئة مع الإسرائيليين يفضي إلى رفع الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ عشر سنوات، ويمنع أي عدوان إسرائيلي جديد على القطاع، فضلا عن إعادة فتح ملف الجنود الأسرى المفقودين في غزة. وبناء عليه، ستحاول "حماس" استثمار التطبيع الحاصل بين أنقرة وتل أبيب لتحقيق عدد من المكاسب السياسية، في ظل الوضع الإقليمي المضطرب واستمرار توتر علاقات الحركة مع القاهرة منذ العام 2011. ولما كانت المساندة السياسية التي تحظى بها حركة "حماس" من تركيا، لا تقل أهمية، من الناحية الإستراتيجية، عن الدعم المالي والعسكري الذي تتحصل عليه الحركة من أطراف إقليمية أخرى، فإن قيادات الحركة لا تريد لهذه المساندة أن تتوقف.

وهكذا، يفصح تأمل مواقف أنقرة وقيادات حركة "حماس" حيال إسرائيل، عن حقيقة مؤداها أن البراجماتية ستكون سيدة اللحظة، ذلك أن براجماتية أردوغان المفرطة في التعاطي مع إسرائيل من خلال الهرولة نحو التطبيع معها بأي ثمن، قد تقابلها براجماتية أخرى من قبل حركة "حماس"، التي ربما لن تجد بدا من تقبل ما يجري على مضض، مع محاولة استثماره قدر المستطاع لتقليل الخسائر المتوقعة وتحقيق أية مكاسب ممكنة.

وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات التركية الإسرائيلية لم تتأثر بشكل ملموس جراء تعرض سفينة مرمرة الزرقاء، التي كانت تحمل مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة المحاصر، لهجوم من قبل جنود إسرائيليين في المياه الدولية، يوم 31 مايو 2010، أسفر بدوره عن سقوط عشر ضحايا أتراك وجرح عشرين آخرين. فبينما انحصرت الإجراءات التركية العملية التي اتخذت على أرض الواقع، في استدعاء أنقرة السفير التركي من تل أبيب وإلغاء حكومة العدالة والتنمية ثلاث مناورات عسكرية مشتركة كانت مقررة مع الجيش الإسرائيلي، فضلا عن مباراة في كرة القدم بين المنتخبين التركي والإسرائيلي، كما أصدر البرلمان التركي قرارا بالإجماع يدعو إلى مراجعة العلاقات مع إسرائيل، أخذت نبرة المسئولين الأتراك تشهد خفوتا تدريجيا ملحوظا خلال الأيام القليلة التالية فيما يخص الإجراءات العقابية الممكنة ضد تل أبيب، حيث تبارى الرئيس التركي ورئيس وزرائه في التحذير من التداعيات السلبية التي قد تترتب على تقليص العلاقات مع تل أبيب إلى حدها الأدنى وتجميد مشاريع متعددة للتعاون على أكثر من صعيد.

لا تزال هناك قناعات لدى مراقبين فلسطينيين وأتراك على السواء بأن تركيا ليست مستعدة للتخلي كلية عن مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية

وبدوره، فاجأ وزير الدفاع التركي الجميع بتأكيده على أن أزمة أسطول الحرية لن تدفع بلاده إلى تجميد أي اتفاق للتعاون العسكري مع إسرائيل، لا سيما ذلك الذي أبرم مطلع العام 2010 والمتعلق بتصنيع معدات عسكرية يستخدمها الجيش التركي لقصف مواقع حزب العمال الكردستاني، فضلا عن مشروع آخر بقيمة 183 مليون دولار يشمل تصنيع عشر طائرات بدون طيار من طراز "حيرون" وما يتصل بها من معدات عسكرية يعتمد عليها الجيش التركي في عمليات المراقبة والاستطلاع.

وعلى صعيد التعاون الاستخباراتي، وبعد أن أشار نايجل إينكستر خبير المخاطر عبر الحدود بالمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن إلى خصوصية العلاقة الوثيقة بين المخابرات الإسرائيلية "الموساد" ووكالة المخابرات التركية "أمايتي"، حتى في عهد حكومة أردوغان، استند الخبير البريطاني على تصريحات مسئولين أمنيين وعسكريين أتراك، لاستبعاد احتمالية أن ينعكس أي تأزم محتمل في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب بجريرة حادثة أسطول الحرية، بالسلب على التعاون الوثيق بين الحليفين الإستراتيجيين في المجال الاستخباراتي، خصوصا بعدما أكدت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية عدم إقدام تركيا على إغلاق القاعدة التي أقامها الموساد الإسرائيلي شرق الأراضي التركية لأغراض التجسس على إيران وغيرها .

ووسط أجواء من الترقب الحذر المشوب بالقلق، استقبل الأتراك أنباء التفاهمات الجديدة بين حكومة بلادهم وإسرائيل، وقد بدا جليا أن المعسكر المؤيد لأردوغان وحزب العدالة لم يستسغ تلك الصفقة المشبوهة، حيث نشر حساب هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH) ، التي أدارت تنظيم حملة "أسطول الحرية" لفك الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة، على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، عدة تغريدات علق فيها على الأخبار التي تحدثت عن قرب توقيع اتفاق لإعادة تطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية، واعتبرت الهيئة أن هذا الاتفاق، وعلى عكس ما يدعي أردوغان، "سيكون ضد مصالح الشعبين التركي والفلسطيني كما شعوب الشرق الأوسط قاطبة". وتعقيبا على خلو ورقة التفاهمات الأولية للتطبيع بين أنقرة وتل أبيب من شرط رفع الحصار المفروض على قطاع غزة، قالت الهيئة: "لا يوجد أي تغيير في موقف الوقف في ما يخص أزمة سفينة مرمرة ورفع الحصار عن قطاع غزة، حيث إننا سنستمر بالعمل لحين رفع الحصار عن القطاع، وإن الحصار والعقوبات ليسا شيئا واحدا، فالأمر هنا هو مسألة حصار واحتلال".

 وفي تعليق منها على التزام تركيا إنهاء كل الدعاوى القضائية المرفوعة ضد الجنود والضباط الإسرائيليين المتورطين في الهجوم على السفينة مافي مرمرة عام 2010، شددت الهيئة على أنه لن يتم التراجع عن أي من الدعاوى التي تم رفعها ضد المسئولين الإسرائيليين، ولا بد من إرسال قرار المحكمة التركية في الدعوى الجنائية إلى الإنتربول ليتم تنفيذه. وفيما يخص التسريبات التي تتحدث عن أن التعويضات التي ستدفعها إسرائيل إلى ضحايا وجرحي الهجوم ستكون عشرين مليون دولار، أكدت الهيئة أن هذه التعويضات لا بد أن تصل إلى المليار دولار على أقل تقدير. واعتبرت الهيئة أن وضع استيراد أنقرة للغاز الطبيعي من إسرائيل على بنود التفاوض مقابل تخلي تركيا عن رفع الحصار عن غزة، إنما هو تجاوز على حقوق الفلسطينيين ونصيبهم في غاز شرق المتوسط، وأضافت "لا يجب أن تحتوي هذه الاتفاقيات على أي شيء له علاقة بالغاز الطبيعي، إن هذا الغاز هو غاز شرق المتوسط، وهو حق للشعب الفلسطيني". وأشارت إلى أن قضية سفينة مرمرة ليست فقط قضية تركية، بل هي قضية 37 دولة شارك مواطنوها بتلك الحملة.

ثالثًا: العودة إلى أحضان الغرب

مع تعقد الأزمة السورية على إثر التدخل العسكري الروسي، ثم اندلاع أزمة إسقاط أنقرة للقاذفة الروسية من طراز سوخوي 24 ، بدأت تلوح في الأفق مساعي تركيا إلى الاستقواء بحلفائها الغربيين عبر العودة للارتماء في أحضانهم. وقد ظهرت ملامح أو بوادر تلك العودة جلية على صعيدي الاتحاد الأوربي والحلف الأطلسي.

ففيما يخص الاتحاد الأوربي، أثمرت القمة الأوربية التركية التي عقدت ببروكسيل نهاية شهر نوفمبر الماضي، عدة اتفاقات مبشرة لتركيا فيما يخص حلمها الأوربي، حيث قضت برفع تأشيرة الدخول عن المواطنين الأتراك أثناء الدخول إلى دول اتفاقية شينغن اعتبارا من نهاية العام المقبل، علاوة على إحياء ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي، وفتح فصل جديد في المفاوضات حول الفصل رقم 17 والخاص بالسياسات المصرفية والنقدية. وذلك بعد توقف دام عامين، مع وعود بفتح خمسة فصول أخرى. كما تم توقيع اتفاقية خطة عمل لوقف تدفق اللاجئين والمهاجرين عبر تركيا إلى الاتحاد الأوربي، تضمنت تقديم دعم يبلغ ثلاثة مليارات يورو كمساعدات للاجئين السوريين في تركيا ونقل عدد منهم إلى الدول الأوربية، وذلك في حال التزمت تركيا بوقف تدفق اللاجئين إليها. وفي اليوم التالي مباشرة، أفاد وزير الشئون الأوربية وكبير المفاوضين في الحكومة التركية "فولكان بوزكير"، أنّ المفاوضات الجارية بخصوص الأزمة القبرصية، باتت أقرب إلى الحل، أكثر من أي وقت مضى، بما سيفتح فرصًا إيجابية جديدة لكلا الطرفين. الأمر الذي دفع رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو منتصف الشهر الجاري، إلى القول إن بلاده حققت خلال المفاوضات الأخيرة مع الاتحاد الأوربي نتائج هامة وملموسة تفوق ما تم تحقيقه خلال مفاوضات الـ 14 عاما الماضية". 

أشار نايجل إينكستر إلى خصوصية العلاقة الوثيقة بين المخابرات الإسرائيلية "الموساد" ووكالة المخابرات التركية "أمايتي"، حتى في عهد حكومة أردوغان

وفيما يتصل بحلف شمال الأطلسي، فقد أعلن أمينه العام منتصف ديسمبر الجاري عن استجابة الحلف لمطلب تركيا بتمديد نشر بطاريات صواريخ "باتريوت" في ثلاث محافظات تركية هي قهرمان مراش، غازي عنتب، وأضنه، لعام جديد، وكان من المقرر أن تنتهي مدة عمل تلك المنظومات في 26 يناير المقبل. وقبل أيام، أعلن الأمين العام لـلحلف ينس ستولتنبرغ إن الحلفاء اتفقوا على إرسال طائرات وسفن حربية وأجهزة إنذار مبكر متطورة إلى تركيا، بعد إرسال فرقاطات ألمانية وطائرات "تورنيدو" بريطانية في السابق، بغية تقوية الدفاعات الجوية لأنقرة على حدودها مع سورية، ضمن إجراءات وصفها بالدفاعية تهدف إلى تفادي تكرار حادث إسقاط تركيا طائرة حربية روسية، كما ستتيح للحلف فهما أفضل للوضع، مزيدًا من الشفافية ومزيدًا من إمكان التنبؤ، ما من شأنه أن يسهم في تحقيق استقرار الوضع بالمنطقة وفي تهدئة التوترات.