المركز العربي للبحوث والدراسات : تلوّن الخطاب: الهواية السياسية للدعوة السلفية السكندرية (طباعة)
تلوّن الخطاب: الهواية السياسية للدعوة السلفية السكندرية
آخر تحديث: الأحد 07/02/2016 02:29 م محمد عبد العال عيسى
تلوّن الخطاب: الهواية

تتناول الورقة نموذج "الدعوة السلفية السكندرية" التي تُعد من قبيل نمط التدّين الوافد من المنهج الوهابي السعودي المتمركز حول العقيدة وعلوم الحديث، مهمشًا أصول الفقه والاجتهادات المذهبية المُغايرة، منتصرًا لصالح المذهب الحنبلي ذي الفرع التيمي. فضلاً عن كونها أحد تجليات التبشير الوهابي في مصر منذ مطلع القرن العشرين. فهي سلفية تقليدية تعيد إنتاج أفكار القرون الوسطي، مُخاصمة الواقع والتجديد، مُحاولة نقل كل إشكالات الفقه البدوي، ومزاحمة ومحاربة بذلك نمط التدّين المحلي الأشعري الصوفي الذي استقر في صيغة مؤسسة رسمية، وفي نفوس كثير من المصرين لعقود وربما لقرون. سنحاول التركيز على تقلبات وتحولات الدعوة السلفية السكندرية بعد ثورتي الخامس والعشرين منذ 25 يناير 2011، وترتيبات خارطة المستقبل 2013، ثم سؤال ما بعد السلفية السكندرية في ضوء نتيجة انتخابات برلمان 2015. كل ذلك في ظل تغيرات ومستجدات وأزمات تكاد تكون يومية، وهو الأمر الذي يحتاج إلى "مهرة"، و"متخصصين"، و"فنيين"، لا "هواه".

 

1- تحولات الدعوة السلفية السكندرية: الثابت والمتغير منذ 25 يناير 2011

استثمرت الدعوة السلفية مناخ الحرية والانفتاح الذي وفرته ثورة 25 يناير 2011، وتوعدت بمزيد من المد والانتشار(1). فقد أعادت الدعوة السلفية ترتيب هياكلها الإدارية والتنظيمية" (2).

في حوار له كاشف عن التغيرات السياسية والفكرية بعد 25 يناير 2011 يقر الطبيب ياسر برهامي بأن الواقع تغير، وأنه بحاجة إلى خطاب ملائم له، وأن ما كان موجود هي أحزاب علمانية، ولكن أصبح بالإمكان وجود أحزاب سياسية إسلامية "لذلك قلنا سوف ننشئ حزبا، الانتخابات كلها كانت تنتفي منها المصالح، فأصبح يرجى منها مصالح، قلنا نشارك في الانتخابات" (3). وهنا نتساءل عن غايات الدعوة السلفية، أهي الدولة أم المجتمع أم كليهما؟ أهي الدعوة أو السياسة؟

كان موقف الدعوة السلفية رافضًا لثورة 25 يناير وغير مُشارك فيها، وهو في ذلك امتدادًا لمدرسة أهل السنة الفرع الأثري (4). ففي فتوي بتاريخ 21 يناير 2011 عن حكم المشاركة في ثورة 25 يناير كان رأيهم عدم المشاركة فيها (5). مع 29 يناير طالبت الدعوة المواطنين بالتعاون مع قوات الجيش وحماية المؤسسات العامة، وفي 31 يناير أصدروا بيانا مشابها، ثم بعد تطورات الأوضاع السياسية بدأت تُصدر بيانات، منها في الأول من فبراير الذي استمر على نهج رفض الثورة، ثم مع حلول الثاني من فبراير أصدروا بيانا طالبوا فيه الحفاظ على هوية مصر ومرجعيتها الإسلامية، فضلا عن بعض المطالب السياسية الأخرى كفترة انتقالية يكون فيها انتخابات حرة، وإلغاء قانون الطوارئ، ومنع التعذيب والاعتقالات. في الثامن من فبراير (6) بدأ موقف الدعوة يتغير نوعا ما، وظهرت عملية المشاركة في العمل السياسي بثقل أكبر، حتى إن برهامي غير رأيه، وقال عكس ما كتبه في أوائل التسعينيات عن المشاركة في المجالس النيابية (7)، وتزحزح قليلا في موقفه من الآليات الديمقراطية. وتغير موقفهم إزاء ترشيح المرأة في الانتخابات البرلمانية، بعد أن كان رأيه عدم جواز ترشيح المرأة في المجالس النيابية قبل الثورة أباح جواز ذلك بعد الثورة (8)  بتخريجات أن هذا من جنس إباحة المحظور عند الضرورة! ومن ثم لا يتغير الحكم العام عن كونه محظورًا محرمًا أبيح عند الضرورة! حيث أصدرت الدعوة في 22 مارس 2011 بيانا جاء بعنوان "المشاركة الإيجابية في العملية السياسية". وهذه التقلبات والتغيرات الفكرية وإن كانت في حدها الأدنى مؤشرا إيجابيًا فإنها تثير الشك والريبة حول مصداقيتها، فهل هناك اقتناع حقيقي، وتأصيل شرعي وفقهي لهذا التغيير يصل إلى القواعد الدعوية السُفلى التحتية التي تربت لعقود على غير ذلك؟ أو أن هذا من باب البراجماتية السياسية؟ ثم لماذا التحول الآن وإهدار المراجعات الفكرية لسنوات طويلة؟

استثمرت الدعوة السلفية مناخ الحرية والانفتاح الذي وفرته ثورة 25 يناير 2011، وتوعدت بمزيد من المد والانتشار

ساروا في المشاركة مع المسار الدستوري والقانوني الذي كان الخلاف فيه غالبًا بين الإسلاميين والعلمانيين، وانتقدوا نائب رئيس الوزراء د.يحيى الجمل في حكومة د.عصام شرف الأولي عندما ألمح إلى إمكانية تعديل المادة الثانية من الدستور، ورفضوا مبدأ "الدستور أولا"، وصوتوا ب "نعم" للاستفتاء على الإعلان الدستوري في 19 مارس 2011 والذي بموجبه تم تشكيل لجنة لتعديل دستور 1971، كما رفضوا ما سُمِّيَ بـ"المبادئ فوق الدستورية" التي كان يقودها د.علي السلمي في حكومة د.عصام شرف الثانية ومعه مجموعة من التيار المدني (9). وشكلوا لجنة لجمع الأدلة خاصة المتعلقة بجرائم النظام السابق وتوثيقها (10)، وكان هناك ما يشبه الترقب من بعيد والعزلة عن المشاركة في المليونيات التي كان أفراد التيار المدني أو الإسلامي يُعلنون عنها إلا ما ندر (11). ثم جاء تأسيس حزب النور (12) كذراع سياسية للدعوة السلفية السكندرية (13). ويعتبر مولده أهم تطور تنظيمي يطرأ عليها، فرغم أن قادة الحزب يؤكدون على ضرورة عدم الربط الآلي بين الحزب والدعوة فإن الصلة بينهما تظل وثيقة وغير قابلة للتجاهل حتى إن الطبيب ياسر برهامي قال "حزب النور أسسه أشخاص من الدعوة..أبناء الدعوة هم من أسس الحزب، وهل يخرج الابن عن طاعة أبيه؟ هؤلاء أبناء الدعوة" (14).

وهنا تثور المشكلة في عملية الخلط الخطير بين الدعوة والسياسة، بين المطلق والنسبي، حيث تغلب على الدعوة السلفية منطق الفتوى والحلال والحرام، بينما تغلب على منطق السياسة المصلحة وآليات الواقع المعاش، "العمل الدعوي ومتطلباته يختلف كلية عن العمل السياسي واستحقاقاته، والذي قد يدفع إلى براجماتية عالية والانتقال في الخطاب من الخطاب الدعوي إلى الخطاب السياسي، ووضع السياسات الاقتصادية والسياسة والاجتماعية"(15). فضلا عن الثنائيات الخطيرة التي يمكن أن يثرها مثل "ثنائية الثقافة الشرعية والثقافة الحديثة: وهي تشير إلى ثقافة الفتوى إزاء ثقافة القانون، ثقافة الدعوة إزاء ثقافة الأمر الواقع، ثقافة الشيخ إزاء ثقافة الخبراء، فالواقع السياسي يتطلب الانفتاح المستمر على المعارف والعلوم وعلى الخبرات الخارجية وبالتالي إمكانية الاستعانة بالخبراء من خارج الجماعة السلفية" (16). كما أن ثنائية جمهور الدعوة أو مواطنوا الدولة أمر له اعتباره، فالعمل السياسي يُعنَى بتوجيه الخطاب لكافة الناس مهما اختلفت مشاربهم وتنوعت اتجاهاتهم الدينية والمذهبية والعرقية والثقافية والاجتماعية. كما يُعني بقضايا بخلاف القضايا التي يتطرق لها الدعاة الدينيون، وهذا يستدعي الاجتهاد في طرح مفاهيم وأفكار متصالحة مع الجميع، ومن ثم خطابات متطورة سياسيًا واقتصاديًا وثقافيا ومتعايشة دينيا ومذهبيا.

كما أن الدخول إلى الحياة السياسية بحزب سياسي على أساس ديني يثير شكوكا حول تكرار تجربة الإسلام السياسي وما ناله من إخفاقات! وما يسعى له – إجمالًا - من محاولة تأسيس دولة ومجتمع إسلامي، ثم عودة الخلافة مرة أخرى!

ثم ماذا يعني تأسيس حزب سياسي بظهير دعوي سوى محاولة ل"سلفنة" المجتمع المصري، وإشاعة وترويج المظاهر الدينية السلفية الوهابية الوافدة في اللباس (كالنقاب للنساء، والثياب للرجال) والعادات والتقاليد والممارسات اليومية الحياتية الاجتماعية والثقافية!
تغير موقفهم إزاء ترشيح المرأة في الانتخابات البرلمانية، بعد أن كان رأيه عدم جواز ترشيح المرأة في المجالس النيابية قبل الثورة أباح جواز ذلك بعد الثورة

مع إجراء الانتخابات البرلمانية في 2012 حصل حزب النور على 7 ملايين صوت، أي ربع مقاعد البرلمان مع شريكيه في الكتلة الإسلامية (حزب البناء والتنمية - حزب الأصالة السلفي) بنسبة 22% تقريبا، وهو ما مثل الكتلة الثانية بالبرلمان. خلال فترة حكم مرسي كان الحزب يأخذ عليه جملة من القضايا (الأخونة "وثيقة أخونة الدولة"- استبعادهم من المناصب العليا- تعيين أهل الثقة- العلاقات مع الشيعة) (17). وهو ما وُوجه بهجوم من بعض القيادات السلفية الأخرى كالشيخ محمد عبد المقصود الذي نعت الحزب ب "مُعسكر المنافقين". واتسمت العلاقة بين حزب النور وحزب الحرية والعدالة بالالتباس والتشابك حينًا، والتوافق حينًا آخر خصوصًا على مواد الدستور كالشريعة، والتنافس والمزاحمة أوقاتًا أخرى.

2- المشاركة في ترتيبات خارطة المستقبل 3 يونيو 2013

كان موقف الدعوة السلفية من دعوات ثورة 30 يونيو متذبذبًا، بدأت برفض الخروج والتظاهر بحكم أن الرئيس مرسي هو الرئيس الشرعي المنتخب، مع إصرارهم على أن الصراع ليس بين معسكر إسلامي وغير إسلامي. وبعد الإعلام الدستوري لمرسي، وتشكيل جبهة الإنقاذ، وتفاقم الأزمة السياسية، طرح الحزب مبادرته للأزمة في فبراير 2013.

بعد بيان وزير الدفاع – آنذاك السيسي – وحضور الأمين العام لحزب النور م.جلال مرّة في ترتيبات خارطة المستقبل، طالبوا بانتخابات رئاسية مبكرة، وإنشاء لجنة لتعديل بعض مواد الدستور مع الحفاظ على مواد الهوية والشريعة الإسلامية، وتشكيل حكومة مُحايدة تكنوقراطية. 

شارك الحزب في العملية السياسية الجديدة، وأسهم مع لجنة الخمسين في التعديلات المقترحة لدستور2013 (18). ودعا إلى التصويت بالاستفتاء على الدستور الجديد في 14 و 15 يناير2014 وقام بعمل جولات مكوكية في محافظات مصر للحشد (19).

 

3- الصراع السلفي السلفي داخليًا وخارجيًا بعد 30 يونيو 2013

قوبل موقف حزب النور من الأحداث التي تلت أحداث الثالث من يوليو 2013 وما أعقبها بنقد من بعض الرموز والدعاة السلفيين، وكان رد الدعوة السلفية "إن بعض الدعاة السلفيين يخاطبوننا بخطاب شرعي كالوفاء ببيعة الإمام، وكالحرص على تطبيق الشريعة في حين أن منصة رابعة تتحدث عن الرئيس المنتخب والمشروع الديمقراطي، وأن القضية ليست عودة الرئيس مرسي؛ مما يعني أن القضية ليست قضية بيعة، وإنما القضية هي تثبيت التجربة الديمقراطية..إن منصة رابعة لا تفتأ تعلن أن اعتصامهم ليس للإسلاميين، وأن فيه نصارى وعلمانيين وليبراليين، وأن القضية مَن مع الانقلاب، ومَن ضد الانقلاب! (20)"

جاء وصف النور لما حدث من تحرك الجيش في 30 يونيو بأنه "حكم المتغلب" الذي تجب طاعته

كما جاء وصفهم لما حدث من تحرك الجيش في 30 – 6- 2013 بأنه "حكم المتغلب" الذي تجب طاعته "إن كان قد وصل للرئاسة بالانتخابات، فهي وسيلة يمكن تخريجها شرعًا على التغلب، ومِن ثَمَّ يمكن اعتباره إمامًا متغلبًا، ويكون تغلبه قد حصل لطاعة الجيش والشرطة له بصفته الرئيس الأعلى لهم، ومِن ثَمَّ يزول عنه وصف التغلب إذا خرج الجيش والشرطة عن طوعه؛ وهذا الأمر يجعل خروج الجيش والشرطة عن طوعه - وإن أنكرتَه ابتداءً-، لكن في حالة حدوثه واستمراره فيكون حكم المتغلب حينئذٍ من نصيبهم. في حالة تغلب متغلب وأسره للحاكم الذي قبله" (21). وأنهم ما وجدوا "إلا للحفاظ على الهوية الإسلامية في الدستور، وبقاء حزب سياسي إسلامي يمكن أن يحافظ على مكاسب التيار الإسلامي ككل" (22). كما أصدر ما يسمى بمجلس شوري العلماء بيانًا رفض فيه ما حدث، وطالب بعودة مرسي.

وما يلفت النظر أن سجالًا سلفيًا سلفيًا وقع بين أحد مشائخ الفكر السلفي وهو الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق على مراحل عدة، ففي الأول من ديسمبر 2013 وبسبب الجدل على المادة 219 من الدستور أصدر عبد الخالق بيانًا كان بعنوان "ياسر برهامي والقاعدة الجهنمية" أبدي اعتراضه على برهامي لقبوله أن يكون الحكم للنصوص قطعية الدلالة قطعية الثبوت، وأن هذا القيد للنصوص الشرعية يمنع من الاستدلال في أي حكم شرعي بنص من القرآن والسنة (23). ثم في العاشر من نفس الشهر أصدر بيانًا بعنوان "ياسر برهامى وجنايته على الشعب المصري وأمة الإسلام" اتهمه بأنه مُحلل الانقلاب، وأنه كبلعم بن باعورا (24). ثم في 5 يناير 2014 أصدر رسالة إلى برهامي يحذره فيه من الدستور الذي سماه بالإجرامي قائلا "كيف تحولت الأمة المصرية إلى أسلوب التغلب بالسلطان الجائر وفرض إرادة طائفة على طائفة أخرى..إن هذا الدستور هو أسوأ دستور وضع للأمة المصرية فقد جعل هوية الأمة المصرية فرعونية نصرانية وأقصى شريعة الإسلام..لقد دمرتم المشروع الإسلامي في مصر والعالم، وجعلتم الانتساب إلى السلفية سُبَة، ودمرتم جماعة حزب النور التي كان يرجى لها مستقبلا في العمل الإسلامي، وأصبحتم عند الناس رمزا للجبن والخيانة"(25). وفي 14 يناير من نفس الشهر أصدر بيانا بعنوان "لا يسعكم السكوت ولا البقاء في حزب النور الذي سعى في دمار الأمة المصرية" وجهها إلى قادة الدعوة السلفية وخصوصًا إلى كل من الطبيبين إسماعيل المقدم، وأحمد فريد، حول سكوتهما على الأحداث الجارية في مصر، بعد عزل د.مرسي، ووصف حزب النور بـ"حزب الظلام"، واختتم رسالته لمن بقي في الحزب "..الذي خان الأمة لا يحل لكم البقاء في هذا الحزب، وأما من يذهب منكم غدًا ليدلي بصوته في صندوق الانتخاب، فليسأل عن حكم كل من يقر كل هذا الباطل والزور والخراب" (26). بل وصل الأمر عند البعض إلى تكفير رموز الدعوة السلفية والتبرؤ منهم بأعينهم.

 

4- سؤال ما بعد السلفية السكندرية في ضوء نتيجة انتخابات برلمان 2015

جاءت نتيجة الانتخابات التي أجريت على مرحلتين في 17 أكتوبر حتي 4 ديسمبر 2015 متوقعة لكثير من المراقبين لأداء وسلوك حزب النور السلفي. فقد حصل على 11 مقعد فقط! وهو ما يثير علامات استفهام حول هذا التراجع. فبينما يعزيه البعض إلى الهجوم الحاد من قبل المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة على الحزب وصورته وأفكاره ومحاولة تصيد أخطائه، وهجوم تيارات الإسلام السياسي الأخرى على الحزب الوليد من جانب آخر أحد الأسباب. في حين يرى آخرون أن المزاج العام للشعب المصري تغير خاصة بعد السقطات الأخلاقية التي ارتكبها بعض نواب حزب النور، واستفزاز الجمهور بآراء وأقوال دينية صادمة للمجتمع. إلا أن تعامل الحزب ومن قبله الدعوة مع الأزمات تشي بغياب الخبرة السياسية سواء في بناء تحالفات سياسية أو التعامل مع مستجدات الأمور أو الطرح السياسي الأيديولوجي.

شارك الحزب في العملية السياسية الجديدة، وأسهم مع لجنة الخمسين في التعديلات المقترحة لدستور2013. ودعا إلى التصويت بالاستفتاء على الدستور الجديد

في ضوء كل تلك المعطيات هل ستشهد الأيام القادمة أفول الدعوة السلفية السكندرية سياسيًا ودعويًا؟ لنتحدث عمّا بعد السلفية السكندرية؟ أو تعود من حيث بدأت دعوية لا سياسية؟ أو تستمر على ذات النهج ظهير جماعة دعوية، وحزب سياسي؟ أو تُصاب بالتفتت والتشرذم والتشظي كحال كثير من الحركات والجماعات؟

 

خاتمة

وبعد فإن ما سبق يدعونا إلى التفكير في بعض الإشكالات الفكرية والسياسية فبينما تحاول السلفية السكندرية - سيرًا على نهج الوهابية وابن تيمية والمذهب الحنبلي - نزع التقليد من الأئمة والفقهاء الذين جاءوا في العصور الإسلامية، فإنهم يتجهون بهذا التقليد الصارم إلى الرسول والصحابة والتابعين، ويقفون عند هذه المرحلة من التقليد. ويصبحون في حالة "إرتهان للتاريخ" وهو ما يثير تساؤلات كبيرة بقدر ما يطمئن العقل السلفي الرافض للواقع والخائف من التغيير تحت سوط ما يسمونه ب"البدعة". فطريقة الاتباع "انتقائية"، لأن فكرة الإتباع بالدقة المتناهية المُعتبرة تكاد تكون "مُستحيلة" سواء للنبي أو للصحابة أو التابعين. فالهياكل والبنى الاقتصادية والاجتماعية التي كانت في المجتمع العربي القديم في النصف الأول من القرن 7م تختلف تمامًا عن ما نعيشه. وهذا ما دعا الشهرستاني لأن يقول "وبالجملة نعلم قطعًا ويقينًا أن الحوادث والوقائع في العبادات والتصرفات مما لا يقبل الحصر والعد. ونعلم قطعًا أيضا أنه لم يرد في كل حادثة نص، ولا يتصور ذلك أيضًا. والنصوص إذا كانت متناهية، والوقائع غير متناهية، وما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهي، علم قطعًا أن الاجتهاد والقياس واجب الاعتبار حتى يكون بصدد كل حادثة اجتهاد" (27). ومن ثم ستكون أمام الدعوة السلفية تحديات جمّة في ظل غياب الخبرة السياسية-  بخلاف الانتشار، وتجنيد مزيد من الأتباع كما هو واضح في حواراتهم (28)،- من قبيل موقفهم من: الآخر الإسلامي وغير الإسلامي ومن المرأة والأقليات، ومن الدولة الحديثة التي تختلف عن دولة الخلافة. والموقف من مفاهيم كالتسامح والتعايش وقبول الآخر والتعددية الثقافية والدينية والمذهبية، ورؤيتهم للشرق وللغرب ثقافيًا وفكريًا بخلاف السياسي وغيرها من القضايا. وتبقى الأيام القادمة لتنبئنا عن السلوك السياسي للدعوة السلفية وحزبها بعد تراجعها الانتخابي. وهل تكون إضافة للحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في مصر بتجديد نفسها أو تستمر كجماعة دعوية ترى نفسها الوريث الشرعي للدين ولجماعات الإسلام السياسي وتزاحم المؤسسة الدينية الرسمية، وتحاول سحب البساط من تحت قدمها؟

الهوامش

1- راجع حوار الطبيب أحمد فريد،  جريدة الشروق، العدد 763، في 5 مارس 2011،

2- راجع حوار م.محمد عبد الفتاح أبو إدريس بتاريخ 29 مايو 2012 على الرابط التالي: http://www.anasalafy.com/play.php?catsmktba=34337

3- راجع لقاء الطبيب ياسر برهامي في 19 أكتوبر 2011 بعنوان "ياسر برهامي: حزب النور ابن السلفية ولن يخرج عن طاعتها"، على رابط موقع إسلام أون لاين الرابط التالي: http://islamonline.net/discussion/1877

4- راجع: محمد عمارة، الإسلام وفلسفة الحكم، القاهرة، دار الشروق، ط2، 2005، ص ص 488- 490.

5- راجع الفتوى على رابط موقع صوت السلف، على الرابط التالي: http://www.salafvoice.com/article.php?a=5115
أو الرابط التالي:
http://www.anasalafy.com/play.php?catsmktba=23680

6- للمزيد انظر الرابط التالي: http://www.al-fath.net/artical.php?request=345

7- راجع رابط موقع إسلام أون لاين، الرابط التالي: http://islamonline.net/discussion/1877

وكذاك مقالة عبد المنعم الشحات التي بعنوان: منطلقات شرعية للدعوة السلفية، بتاريخ 22 يونيو 2013، على الرابط التالي: http://www.anasalafy.com/play.php?catsmktba=41400

8- انظر فتوى ياسر برهامي حول حكم مشاركة المرأة في المجالس النيابية، 11 أكتوبر 2011، على الرابط التالي: http://www.anasalafy.com/play.php?catsmktba=30126

راجع فتوي بتاريخ 11 ديسمبر 2011 وطلبه تغطية صورة المرشحات على قائمة حزب النور! الفتوى بتاريخ 17 ديسمبر 2011، على الرابط التالي: http://www.anasalafy.com/play.php?catsmktba=31508

9- التفاصيل على جريدة: المصري اليوم، الأربعاء 2 نوفمبر 2011، على الرابط التالي: http://today.almasryalyoum.com/article2.aspx?ArticleID=315990

10- راجع الرابط التالي: http://www.islammemo.cc/akhbar/arab/2011/07/13/129513.html

1[1]- راجع: http://today.almasryalyoum.com/article2.aspx?ArticleID=318441

2[1]- المصري اليوم، الأربعاء 15 يونيو، 2011، للمزيد على الرابط التالي: http://today.almasryalyoum.com/article2.aspx?ArticleID=300383

3[1]- راجع حوار أبو إدريس على الرابط التالي: http://www.anasalafy.com/play.php?catsmktba=34337

4[1]- راجع لقاء الطبيب ياسر برهامي في 19 أكتوبر 2011 على موقع إسلام أون لاين الرابط التالي: http://islamonline.net/discussion/1877

5[1]- انظر: نجوان الأشول، الجماعات الإسلامية والثورة المصرية، المرجع السابق، ص 108.

6[1]- المرجع السابق، ص 110.

7[1]-. راجع مقالة عماد مهدي بعنوان"حزب النور ‏هل خان التيار الإسلامي" في 25 يوليو 2013، على الرابط التالي: http://www.anasalafy.com/play.php?catsmktba=42077

8[1]-  راجع بيان لحزب النور بتاريخ 25 أغسطس 2013. على الرابط التالي: http://www.anasalafy.com/play.php?catsmktba=42562

9[1]-  راجع تصريح م.صلاح عبد المعبود، عضو الهيئة العليا لحزب النور عن حشد الناخبين للتصويت بنعم على الدستور. الخبر على الرابط التالي:

http://www.akheralanbaa.com/ar/news/57963/%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A8%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%88%D8%B1-%D8%AD%D8%B4%D8%AF-%D8%A8%D9%82%D9%88%D8%A9-%D9%81%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%81%D8%AA%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D9%84%D8%A7-%D8%B5%D8%AD%D8%A9-%D9%84%D9%85%D8%A7-%D9%8A%D8%B1%D8%AF%D8%AF%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B9%D8%B6-%D8%B9%D9%86-%D8%B9%D8%AF%D9%85-%D9%85%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%AA%D9%87

20- راجع: هل خذل حزب النور د.مرسي، على الرابط التالي: 

http://www.anasalafy.com/play.php?catsmktba=42027

[1]2- المرجع السابق.

22- المرجع السابق.

23- راجع الرابط التالي: http://elshaab.org/thread.php?ID=85266

24-. راجع الرابط التالي: http://elshaab.org/thread.php?ID=86848

25- راجع الرابط التالي: http://elshaab.org/thread.php?ID=92028

26-  انظر الرابط التالي: http://elshaab.org/thread.php?ID=93022

27- محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني، تحقيق: أمير على مهنا، وعلي حسن فاعور، مرجع سابق، ص 236.

28- راجع حوار جريدة الوطن مع أبو إدريس، على الرابط التالي:

http://www.anasalafy.com/play.php?catsmktba=34337

- في تسجيل مصور قام هاني السباعي بتكفير رموز حزب النور بأعيانهم، ووصف الحزب بالشركي، وأعضاءه بالمرتدين، وبأوصاف أخرى. للمزيد على الرابط التالي: https://www.youtube.com/watch?v=BRyQTgDhRp4