المركز العربي للبحوث والدراسات : تقييم أولي: برامج مكافحة التطرف بين الشباب في دول الخليج (طباعة)
تقييم أولي: برامج مكافحة التطرف بين الشباب في دول الخليج
آخر تحديث: الخميس 10/03/2016 12:51 م يوسف ورداني
تقييم أولي: برامج

اتبعت الدول الخليجية العديد من البرامج التي هدفت إلى وقاية الشباب من الأفكار المتطرفة خاصة ما يقترن منها بأفكار عنف. ومثّلت هذه البرامج استكمالاً للجهود التي قطعتها بعض الدول الخليجية في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، وخاصة السعودية، والتي شملت تعديل المناهج التعليمية، وإتباع عدد من السياسات لضبط الخطاب الديني، وإعادة تأهيل المتطرفين، والتوقيع على الاتفاقية الخليجية لمكافحة الإرهاب. وبالرغم من اتباع هذه البرامج، إلا أن فعاليتها لا تزال محدودة سواء في مجال وقف انضمام الشباب إلى التنظيمات المتطرفة أو الحد من قيامهم بتنفيذ أعمال إرهابية ذات بعد طائفي، وهو ما يستدعى إعادة تقييم هذه البرامج، وتكثيف التعاون الإقليمي والعربي من أجل المواجهة الشاملة للتطرف العنيف.

ويستعرض هذا المقال حجم اتساع ظاهرة التطرف العنيف (1) بين الشباب الخليجي، وأهم البرامج المتبعة لمواجهته، وتقييم أولي لها في ضوء حداثة تنفيذها، وعدم وجود تقييم علمي لها.

 

أولاً: حجم اتساع الظاهرة بين الشباب

قدّر المركز الدولي لدراسات التطرف والعنف السياسي بجامعة لندن عدد المقاتلين المنضمين لتنظيم داعش من الدول الخليجية في 26 يناير 2015 بحوالي 2600 مقاتل غالبيتهم من الشباب (2)، ويزيد هذا العدد إلى 5500 مقاتل وفقاً لتقديرات معهد الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (إنيجما) بدبى في مايو 2015(3). وتحتل السعودية المركز الأول مقارنة بباقي الدول الخليجية الأخرى من حيث عدد مقاتليها في تنظيم داعش بعدد يتراوح من 1500-200 مقاتل أي بنسبة 96% من إجمالي المنضمين للتنظيم، ولا يماثلها في الدول العربية إلا تونس بعدد يتراوح من 1500-3000 مقاتل، تليها الكويت (70 مقاتلاً)، والبحرين (12)، وقطر (15)، والإمارات (15)، ولا توجد بيانات عن سلطنة عمان(4).

وتشير البيانات الرسمية الصادرة عن الحكومتين السعودية والكويتية حول منفذي العمليات الإرهابية التي شهدتها كل من السعودية والكويت إلى انتماء عدد مهم منهم إلى جيل الشباب. فعلى سبيل المثال كشف بيان وزارة الداخلية السعودية عن أن ثلاثة من ضمن المعتقلين الـ 21 بتهمة تبني فكر تنظيم داعش والتستر على المطلوبين أمنياً في الحادث الإرهابي الذي وقع في بلدة القديح بمحافظة القطيف في 22 مايو 2015 يبلغ عمرهم أقل من 18 سنة(5)، وأن سن الشاب الذي قام بقتل خاله الذي كان يعمل في إحدى الكمائن الأمنية في الرياض في 16 يوليو 2015 هو 19 سنة،  وأن المتورط في تفجير مسجد الحسين بحي العنود في مدينة الدمام(6) يبلغ عمره 20 عاماً(7). كما بلغ عمر الانتحاري السعودي الذي فجر نفسه بجامع الإمام الصادق بمنطقة الصوابر في الكويت في يونيو 2015 سن 23 عاماً(8).

،، قدّر المركز الدولي لدراسات التطرف والعنف السياسي بجامعة لندن عدد المقاتلين المنضمين لتنظيم داعش من الدول الخليجية في 26 يناير 2015 بحوالي 2600 مقاتل غالبيتهم من الشباب

ويلاحظ أن سن هؤلاء الشباب أصغر من سن مرتكبي العمليات الإرهابية في الفترة التي أعقبت الاحتلال الأمريكي للعراق، فقد تراوحت غالبية أعمار قائمة الـ 26 قيادياً التي أعلنت عنها السعودية بعد مداهمة خلية أشبيلية في 8 مايو 2003، وتفجير 3 مجمعات سكنية في غرناطة وأشبيلية والحمرا بعدها بأيام بين 26 سنة و39 سنة، وذلك باستثناء قياديين، بلغ سن الأول – عبد الله سعود أبو نيان السبيعي – 22 سنة، وبلغ سن الثاني - بندر عبد الرحمن عبد الله الدخيل  - 23 سنة(9).

كما تشير المشاهدات أيضاً إلى تزايد انضمام الشباب إلى الخلايا الإرهابية صغيرة العدد، والتي تعمل أحيانًا تحت اسم الدواعش المحلية، خاصة في السعودية التي لا تعلن وزارة الداخلية فيها عادة عن أعمار المقبوض عليهم. وشملت هذه الأحداث في السعودية القبض في 8 ديسمبر 2014 على 135 متهمًا بتهمة انتمائهم للتنظيمات المتطرفة، كونوا خلايا متعددة لتنفيذ عمليات متفرقة في الدولة، منهم 109 سعوديًا و26 أجنبيًا غالبيتهم من سوريا، واعتقال خليتين مكونتين من 80 شخصًا جميعهم يحملون الجنسية السعودية باستثناء أربعة أحدهم يمني والآخر فلسطيني و2 من حملة البطاقات (من البدون) في 29 أبريل 2015، والقبض في 18 يوليو على أربعة خلايا تنتمي لتنظيم داعش وتضم 431 سعوديًا بخلاف عدد من الأجانب.

ولا تقتصر خطورة انتشار الأفكار المتطرفة بين الشباب في دول الخليج على انضمامهم كمقاتلين عاديين لتنظيم داعش أو عملهم كدواعش محليين، وإنما على استخدام داعش بعض هؤلاء الشباب للعمل كمنظرين فقهيين للتنظيم، وأبرزهم تركي البنعلي الداعية البحريني الذي يبلغ من العمر 30 سنة، وكان قد قد حصل على تعليمه الديني من الإمارات ولبنان، وانضم لتنظيم داعش في 2014 ليصبح مسئولاً عن تجنيد قيادات دينية من شمال أفريقيا لتنظم لداعش. وبعد مغادرته البحرين، سافر معظم طلابه الى سوريا للانضمام إلى داعش أو إلى جبهة النصرة(10). 

وتنبع خطورة ما سبق من اتساع حجم شريحة الشباب من إجمالي عدد السكان، وتزايد استخدامهم لتكنولوجيا الاتصالات الحديثة وتعرضهم إلى الرسائل السياسية والإعلامية التي تبثها التنظيمات المتطرفة، والتي تستخدم الانترنت كـ "جامعة" لتدريب الشباب وتجنيدهم على القيام بأعمال إرهابية. فمن ناحية أولي، يمثل الشباب في الشريحة العمرية 15-29 سنة ما يقرب من ثلث عدد المواطنين في البحرين وعمان وقطر، وربع العدد في الكويت والإمارات، و17.2% في الشريحة العمرية 15-24 سنة في السعودية في  2010(11). ومن ناحية ثانية، فإن هؤلاء الشباب ينشطون بكثافة على الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي وفي استخدام الهواتف المحمولة(12)، وهو ما يزيد من تعرضهم لخطر التجنيد الالكتروني، والعمل كذئاب منفردة دون الانتماء إلى تنظيمات أو خلايا محلية.

إزاء هذه التطورات، تصاعد تحذير النخب الحاكمة الخليجية من خطورة انتشار أفكار التطرف بين الشباب وأهمية تحصينهم ووقايتهم منها قبل أن تقترن بأعمال عنف وإرهاب، فأشار الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر في افتتاح قمة دول مجلس التعاون 2014 إلى أهمية الجانب الوقائي لتجنيب الدول العربية آفة الإرهاب "فالشباب الذين ينجذبون إليه لا يولدون متطرفين"، ودعا الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات ورئيس مجلس الوزراء علماء الدين في يونيو 2015 إلى أن يكونوا "أطباء نطاسيين (حاذقين) في علاج واجتثاث آفة الإرهاب والأفكار المتطرفة المتفشية في بعض أوساط الشباب المسلم"(13). ووجه الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت بعد حادث الصوابر في الشهر التالي إلي ضرورة "تحصينهم (أى الشباب) من الأفكار الضالة والسلوك المنحرف والعمل على تمسكهم بديننا الإسلامي الحنيف الداعي إلى الوسطية والاعتدال"(14).

وفي نفس الاتجاه سار العاهل السعودي الملك سلمان في كلمته في افتتاح مؤتمر مكة المكرمة في 16 سبتمبر من العام نفسه حين أكد على ضرورة تأهيل الشباب و"تحصين مسيرتهم عقائدياً" من خلال نبذ التطرف والغلو والمغالاة محذراً من الدور السلبي الذي تلعبه وسائل الإعلام الجديد في التأثير على "قليلي العلم والخبرة" منهم والعمل على "استقطابهم واختطاف عقولهم والتغرير بهم إما لانتهاج التطرف في دينهم أو الانسلاخ عنه"، وموضحاً أن ذلك قاد بعض الشباب في عمر الزهور " إلى تفجير أنفسهم في أكثر من موقع لبيوت الله"(15). وكان وزير الدولة للشئون الخارجية الإماراتي قد حذر في يونيو 2014 من قيام التطرف بتوفير "الأرضية لاستقطاب الشباب لمعارك عبثية"(16).

تحتل السعودية المركز الأول مقارنة بباقي الدول الخليجية من حيث عدد مقاتليها في تنظيم داعش بعدد يتراوح من 1500-200 مقاتل أي بنسبة 96% من إجمالي المنضمين للتنظيم

وعلى المستوى الجماعي الخليجي، دعا البيان الختامي للدورة السادسة والثلاثين للمجلس الأعلى لقادة دول مجلس التعاون في 10 ديسمبر 2015 الشباب العربي والإسلامي إلى " إعمال صوت العقل وعدم الانجرار وراء قوى الظلام والإرهاب"(17)، وفي نفس الشهر نظمت الكويت في إطار أنشطة مجلس وزراء الشباب والرياضة العرب "ملتقى التطوع الشبابي لمحاربة التطرف"، وشارك فيه 9 من وزراء الشباب العرب.

 

ثانياً: برامج مكافحة التطرف

توجه دول الخليج برامج مكافحة التطرف فيها إلى سائر فئات المواطنين دون تمييز بسبب الشريحة المستهدفة، ولعل الاستثناء الأبرز على ذلك هو برنامج "فطن" الذي أطلقته وزارة التعليم السعودية في يوليو 2015 بالتعاون مع وزارات الداخلية، والشؤون الاجتماعية، والشؤون الإسلامية، والصحة، والرئاسة العامة لرعاية الشباب، والجامعات لتوعية طلاب المدارس بالمهددات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والتقنية والعمل على حلها، ووفقاً للقائمين على إدارة البرنامج فإن البرنامج يختص من ضمن مجالات اهتمامه بالتعريف بالانحرافات السلوكية والفكرية وماهيتها وأضرارها المختلفة(18).

وللسعودية خبرة كبيرة في استخدام الأدوات الناعمة لمواجهة التطرف بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وشمل ذلك على سبيل المثال قيامها بتنظيم مئات البرامج الحكومية التي هدفت إلى توفير بدائل للفكر المتطرف لدى الشباب، فتوسعت في تنظيم المناسبات الرياضية، وسباقات السيارات والجمال، والنزهات في الصحراء بواسطة سيارات الدفع الرباعي لمنافسة المعسكرات الصيفية والخلوات الدينية التي كانت تنظّمها الجماعات المتطرفة كأداة لنشر أيديولوجيتها. وخشية من انتشار التطرف في فئات عمرية أصغر سناً، منعت وزارة التربية في يوليو 2007 مشاركة المتطوعين غير المعروف انتمائهم في تنظيم الحلقات الدراسية للشباب في المعسكرات الصيفية، كما نظمت العديد من حملات التوعية في المدارس شملت توزيع مطبوعات عن مخاطر التطرف وآثار العنف والإرهاب، ووضعت برامج لتأهيل المدرسين المشكوك في انحراف أفكارهم عن الخط الوسطي المعتدل وتحويلهم إلى أعمال إدارية في حالة عدم تحقق ذلك(19).

أضف إلى ذلك استمرار عمل برنامج المناصحة الذي بدأ عمله في 2006 ضمن أعمال مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، وشارك فيه حتى يناير 2015 من موقوفي الداخل حوالي 2820 سجيناً تخلى منهم 2452 شخصاً عن قناعاتهم السابقة بنسبة نجاح قدرها 87%.(20) وهدف البرنامج إلى إثناء الشباب عن "الفكر الضال"، والعودة الى الفكر الوسطى المعتدل. وبرز في إطار هذا الجهد برنامجاً فرعياً للمناصحة النسائية تقوم بمقتضاه لجان المناصحة بزيارات منزلية للأسر التي يلاحظ على أحد أبنائها اعتناق أفكار خاطئة.

وفي حين تركز السعودية على الأنشطة الميدانية في مجال محاربة الأفكار المتطرفة، تقدم الإمارات نفسها كقائدة في مجال العمل الالكتروني وإنشاء مراكز التميز التي تعمل كبيت خبرة للتصدي للأفكار التي تبثها التنظيمات المتطرفة بين الشباب. وفي هذا السياق، أنشأت الإمارات مركز هداية في 14 ديسمبر 2012 ليكون مركزاً دولياً للتميز في محارية التطرف العنيف في مجالات الحوار والتدريب والبحث، وأطلقت في يوليو 2015 بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في إطار الحرب ضد تنظيم داعش موقع "صواب: متحدون ضد التطرف"، والذي هدف إلي محاربة  أفكار تنظيم داعش من خلال "استخدام الاتصالات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي لتصويب هذه الممارسات وإعادتها إلى مسارها الصحيح ووضعها السليم، والعمل على نشر وزيادة حجم أصوات الاعتدال التي يطغى عليها ضجيج المتطرفين"(21). واتسم تصميم الموقع بالطابع التفاعلي، وبالتصميم الجذاب الذي يعتمد على استخدام الصور الكبير الجذابة للجمهور، ووضعها تحت عناوين براقة مثل "اسمعهم صوتك، وإيقاف ودحر داعش، واسكات المتطرفين كلياً، وقنواتنا، وقم بدورك (بلغ عن محتوى داعش، ولا تمرر ولا تروج أي محتوى من انتاج داعش، وريتويت، وتابعونا على تويتر)، واتصل بنا.

تصاعد تحذير النخب الحاكمة الخليجية من خطورة انتشار أفكار التطرف بين الشباب وأهمية تحصينهم ووقايتهم منها قبل أن تقترن بأعمال عنف وإرهاب

وبالرغم من عدم احتواء المواقع الالكترونية المعنية بمكافحة التطرف في السعودية (موقع السكينة)(22) والإمارات (موقع صواب) ما يشير إلى طابعها الشبابي سواء في نوعية القائمين على تصميمها أو المستهدفين من تنفيذها، إلا أن هناك ارتباط شرطي بين ارتفاع نسبة الشباب في المجتمعات الخليجية وزيادة اتصالهم بالانترنت وهذه البرامج التي تركز على استخدام المواقع الالكترونية كأداة للتواصل والتفاعل وتفنيد الأفكار المتطرفة.

وقامت الكويت بتطوير جهودها في مجال مكافحة الفكر المتطرف في أعقاب تفجير مسجد الإمام الصادق في منطقة "الصوابر" الكويت، فوافق مجلس الوزراء الكويتي في 13 يوليو على تشكيل لجنة دائمة لمكافحة التطرف والإرهاب تكون مسئولة عن "التنسيق فيما بين الجهات المختلفة للعمل على استتباب الأمن ومكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره والقضاء على مصادر تمويله وتكثيف برامج التوعية، وتعزيز الوسطية ونبذ التطرف"(23). وأعلن وزير الأوقاف والشئون الإسلامية  عن وضع خطتين قصيرة وطويلة المدى لمكافحة التطرف والإرهاب، وأنه في هذا الإطار تم بالفعل تعديل بعض المناهج الدراسية لنشر قيم الوسطية منها قيام الوزارة بتعديل مادة العقيدة للعام الدراسي 2015/2016 بحيث تتضمن كيفية التعامل مع الحكام وقضية التكفير(24). 

وكانت الخطط السنوية لوزارات التربية والأوقاف والشئون الإسلامية والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وجامعة الكويت قد تضمنت برامج لمكافحة التطرف خلال الفترة 2010-2014 بتكلفة تبلغ 30 مليون دينار كويتي أي بما يعادل 110 مليون دولار(25).  فتضمنت خطة جامعة الكويت تنفيذ مشروع لنبذ أفكار التطرف والغلو بين الطلبة تضمن 14 بنداً في مجال عقد مؤتمر وورش عمل ودورات تدريبية وإصدار مطبوعات عن موضوع التطرف، كما تضمنت خطة وزارة الأوقاف في نفس العام عقد مؤتمر وتنظيم 72 ندوة لمواجهة التطرف ونشر الوسطية والاعتدال في المساجد(26).

 

ثالثاً: نحو تقييم أولي لهذه البرامج

تواجه برامج مكافحة التطرف صعوبات كبيرة في التقييم بسبب حداثة بعضها وعدم وجود وقت كاف لقياس فعاليتها كما في حالة مركز هداية أو موقع صواب في الإمارات، وكذلك بسبب عدم جود دراسات تقييمية من مكاتب استشارية متخصصة في تحديد خط الأساس المرتبط بها، وفعاليتها وكفاءتها في تحديد المستهدف منها، وتحقيق الأثر منها. ومع ذلك، يمكن رصد خمس سمات رئيسية في مجال التقييم الأولي لهذه البرامج:

 أولها، تفاوت اهتمام الدول الخليجية بمحاربة التطرف، وتحتل الصدارة فيه كل من السعودية والإمارات. الأولي بسبب احتياج محلي حقيقي نتيجة لتزايد وتيرة تطرف الشباب ولجوئهم إلى العنف والإرهاب. والثانية بغرض بلورة نفسها كمنصة انطلاق لمحاربة الأفكار المتطرفة في المنطقة، سواء من خلال مركز هداية الذي يتألف من عشرة خبراء دوليين منهم اثنان من كبار المسئولين الإماراتيين، أو مركز صواب. وتتضاءل برامج مكافحة التطرف، إلى حد الاختفاء، في باقي الدول الخليجية.
يهدف برنامج المناصحة، الذي بدأ عمله في 2006 ضمن أعمال مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، إلى إثناء الشباب عن "الفكر الضال"، والعودة إلى الفكر الوسطى المعتدل

وثانيها تركيزها، باستثناء برنامج المناصحة السعودي، على جانب التوعية والوقاية، وعدم الاشتباك المباشر مع المتطرفين -سواء كانوا سجناء أو تم الإفراج عنهم – وكذلك مع من هم عرضة للتطرف سواء من المتعاطفين مع أفكار التطرف العنيف أو الذين لا يشجبونه، والذي يكون هناك صعوبة كبيرة في تحديدهم بالنظر إلى عدم وجود دراسات ميدانية وغياب خرائط تحدد أماكن هؤلاء المتطرفين وسماتهم. وربما يرجع ذلك إلى عدم بروز قضية التطرف العنيف بشكل كبير في الدول الخليجية الأخرى، وإن كانت هناك مؤشرات تشير إلى تصاعد تبني الجماعات الإسلامية المحلية في الإمارات لخطاب إسلامي متشدد، كما أوضحت تحقيقات القضية المعروفة باسم "خلايا الإخوان في الإمارات"، وتصاعد التطرف المرتبط بأبعاد طائفية في الكويت كما يبرز في عدد الحوادث الطائفية التي شهدتها الكويت في السنوات الخمسة الأخيرة وتصاعد خلط الدين بالسياسة(27).

وثالثها، إن تصميم هذه البرامج لا يتضمن التطرف الطائفي الذي عبر عنه مؤخراً حادث الصوابر في الكويت، وحادثي القطيف والدمام في السعودية، وهو ما يشير إلى تعدد أشكال التطرف وتمحورها على مدى الزمن، وعدم اقتصارها فقط على الإرهاب والتطرف الشيعي، فقد كشفت الأحداث خطورة التطرف السني وقدرته على تفجير المجتمعات من داخله إذا تم التغاضي عنه.

في حين تركز السعودية على الأنشطة الميدانية، تقدم الإمارات نفسها كقائدة في مجال العمل الالكتروني وإنشاء مراكز التميز التي تعمل كبيت خبرة للتصدي للأفكار التي تبثها التنظيمات المتطرفة

ورابعها، أن هذه البرامج تركز على مجال العمل الالكتروني ومحاربة الأفكار المتطرفة على الإنترنت في مقابل الأنشطة الميدانية التي تعمل على وقاية الكتل السائلة من مخاطر التطرف. ويأتي ذلك في ضوء تزايد استخدام الشباب الخليجي للإنترنت، واستحواذه على حيز كبير من أوقات فراغهم.

وخامسها، حاجة الدول الخليجية إلى تطوير هوية وطنية جامعة تتخطى الاختلافات المذهبية والسياسية، وتطوير سياسات فعالة للتعامل مع فئة الشباب، والتي أصبحت تلعب دوراً واضحاً في العمليات التي شهدتها هذه الدول مؤخراً، وهي قضية تم إغفال الإشارة إليها بعد نشوب الثورات والانتفاضات الشعبية التي شهدتها عدة دول منذ نهاية ديسمبر 2010 في ظل شيوع اتجاه أكثر بريقاً بين الأكاديميين المهتمين بالخليج، تمحور حول أن الشباب هو محرك التغيير والإصلاح السياسي في هذه الدول(28).

إن تصاعد خطر التطرف العنيف بين الشباب في الخليج، وتحول عدد من دوله إلى وعاء يجند تنظيم داعش من خلاله الشباب يفرض إسراع الدول الخليجية في تبني استراتيجيات وطنية لمكافحة التطرف، والاستفادة من التجارب الدولية في هذا السياق، والتنسيق مع الدول العربية الأخرى للاستفادة من ميزاتها النسبية في هذا المجال. ويأتي توقيع مشيخة الأزهر في 25 نوفمبر 2015 لاتفاقية مع الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بالإمارات تتيح لها إنشاء أول فرع بها بمثابة خطوة رائدة يمكن البناء عليها في هذا الإطار(29).

الهوامش:

1- يُقصد بالتطرف العنيف في نص القانون الاتحادي رقم 7 لسنة 2013 المنشي لمركز  هداية في الإمارات " كل عمل يقوم به شخص أو أكثر أو جماعة بدافع أفكار، أو أيديولوجيات، أو قيم، أو مبادئ تخل بالنظام العام، أو تعرض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، أو تلحق ضرراً بالبيئة، أو بالاتصالات والمواصلات، أو بالأموال العامة أو الخاصة، أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها أو تعطيل تطبيق الدستور والقوانين واللوائح، ويكون لمجلس إدارة المركز إضافة مفاهيم أخرى لبيان المقصود من التطرف العنيف".

2- Foreign fighter total in Syria/Iraq now exceeds 20,000; surpasses Afghanistan conflict in the 1980s, ICSR, January 26, 2015. Available at:http://icsr.info/2015/01/foreign-fighter-total-syriairaq-now-exceeds-20000-surpasses-afghanistan-conflict-1980s/

3- “5,500 Gulf citizens fighting with ISIS", Gulf Daily News, May 18, 2015.

4- Peter R. Neumann, "Foreign fighter total in Syria/Iraq now exceeds 20,000; surpasses Afghanistan conflict in the 1980s", International Centre for the Study of Radicalization and Political Violence, Jan 26, 2015

5- تصريح إلحاقي حول الحادث الإرهابي الذي وقع في بلدة القديح بمحافظة القطيف، موقع وزارة الداخلية السعودية، 24 مايو 2015.

6- " قتلى في تفجير انتحاري بالقرب من مسجد للشيعة بالمنطقة الشرقية بالسعودية "، الإذاعة البريطانية، 29 مايو 2015:

 http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2015/05/150529_saudi_explosion

7-  المتحدث الأمني لوزارة الداخلية: التعرف على هوية منفذ الجريمة الإرهابية بمسجد حي العنود بمدينة الدمام، موقع وزارة الداخلية السعودية، 3 يونيو 2015.

8- "الرياض: لم يسجل على القباع نشاط إرهابي سابق"، موقع سكاى نيوز عربية، 28 يونيو 2015:

http://www.skynewsarabia.com/web/article/756178/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B6-%D8%AA%D8%B3%D8%AC%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%A7%D8%B9-%D9%86%D8%B4%D8%A7%D8%B7-%D8%A7%D9%95%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8%D9%8A-%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D9%82%D8%A7

9- السعودية: الملف الكامل لمطلوبي القاعدة، موقع قناة العربية، 22 يوليو 2004. متاح على رابط

http://www.alarabiya.net/articles/2004/07/22/5194.html

10- إيمان رجب ويوسف ورداني، رمال متحركة: تزايد تهديد التطرف العنيف للاستقرار في دول الخليج، الموقع الالكتروني للمركز العربي للبحوث والدراسات، 28 يوليو 2015. متاح على رابط http://www.acrseg.org/39217

11- The demographic profile of Saudi Arabi, Economic and Social Commission of Westermn Asia. Available at http://www.escwa.un.org/popin/members/SaudiArabia.pdf

12- لمزيد من المعلومات حول نسب استخدام الشباب لهذه الوسائط الالكترونية، انظر يوسف ورداني، الشباب العربي: قوة مؤثرة في المستقبل العربي، في على الدين هلال (محرر)، حال الأمة العربية 2014-2015. الإعصار: من تغيير النظم إلى تفكيك الدول (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2015)، ص ص 333 – 391.

13-  محمد بن راشد للعلماء ضيوف الدولة: كونوا أطباء نطاسيين في اجتثاث التطرف، جريدة البيان الإماراتية، 30 يونيو 2015. متاح على رابط

http://www.albayan.ae/across-the-uae/news-and-reports/2015-06-30-1.2406460

14-  "الأمير: الاحتقان الطائفي البغيض يهدد كيان الأمة ويفتت وحدتها"، جريدة القبس الكويتية، 10 يوليو 2015.

15- الملك سلمان: الشباب ثروة وأغلبية وطاقة نشطة وعلينا تحصين مسيرتهم عقائدياً، جريدة الشرق السعودية، 17 سبتمبر 2015. متاح على رابط  https://www.alsharq.net.sa/lite-post?id=1406594

 

16-  قرقاش: استشعرنا خطر التطرف والإرهاب وحذرنا منه مبكراً، الاتحاد الإمارتية، 7 سبتمبر 2014.

17- البيان الختامي للدورة السادسة والثلاثين، مجلس التعاون لدول الخليج العربية، 10 ديسمبر 2015. متاح على رابط

https://www.gcc-sg.org/index52e3.html?action=Sec-Show&ID=800

18- #فطن برنامج التعليم للوقاية من التطرف، موقع السكينة، 21 يوليو 2015ـ متاح على رابط

http://www.assakina.com/news/news2/74190.html

19- كريستوفر بوشيك، الاستراتيجية السعودية اللينة في مكافحة الإرهاب، مركز كارنيجي للشرق الأوسط، 11 أغسطس 2009. متاح على رابط http://carnegieendowment.org/files/saudi.pdf

20- 3329 موقوفاً بسجون المباحث السعودية .. تجربة تائبين، موقع السكينة، 14 يناير 2015. متاح على رابط

http://www.assakina.com/news/news2/61662.html

21- من نحن، موقع صواب: متحدون ضد التطرف، متاح على رابط http://www.sawabcenter.org/

22- موقع السكينة هو "حملة إلكترونية تطوّعية مستقلة تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية " انطلقت في 2003 بهدف التصدّي للأفكار والمناهج المنحرفة المؤدية إلى العنف والغلو، ونشر المنهج المعتدل وتكريس قواعده وضوابطه ومفاهيمه، وبناء شخصية إسلامية متوازنة مُنتجه وإيجابية وواعية، وتعميق مفاهيم الولاء والانتماء. انظر من نحن، على رابط http://www.assakina.com/about-php

23- الكويت تشكل لجنة دائمة لمكافحة الارهاب والتطرف، جريدة الشرق الأوسط، 13 يوليو 2015.

24- وزير الأوقاف الكويتي: قطعنا شوطا كبيرا في معالجة التطرف، موقع البوابة نيوز، 7 يوليو 2015. متاح على رابط

http://www.albawabhnews.com/1388381

 

25- أحمد أبو زيد، مساع حذرة: سياسات مكافحة التطرف في دول الخليج، سلسلة حالة الإقليم، المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، أغسطس 2014، ص ص 10-13.

26- تقرير حول مشروع الدولة لمكافحة التطرف والإرهاب في إطار الخطة الخمسية للتنمية 2010-2014، موقع مجلس الأمة الكويتي، مارس 2011. متاح على رابط:

   http://www.kna.kw/clt/run.asp?id=1694#sthash.wHbwDwy7.dpbs

27- أحمد أبو زيد، مرجع سابق.

28- حول هذا الاتجاه، انظر على سبيل المثال: مي يماني، هويات متغيرة: تحدي الجيل الجديد في السعودية، ترجمة إبراهيم درويش (بيروت: رياض الريس للكتب والنشر، ط2، 2010)؛ ويوسف ورداني، "مسارات قلقة: السياسات الخليجية في التعامل مع الشباب بعد ثورات وانتفاضات الربيع العربي"، مجلة آفاق سياسية، المركز العربي للبحوث والدراسات بالقاهرة، العدد 11، نوفمبر 2014.

29- للمرة الأولى.. جامعة الأزهر تفتتح فرعاً في الإمارات، جريدة البيان الإماراتية، 26 نوفمبر 2015.