المركز العربي للبحوث والدراسات : مصر .. وخطأ ما يحدث وخطر ما سيحدث «1» (طباعة)
مصر .. وخطأ ما يحدث وخطر ما سيحدث «1»
آخر تحديث: السبت 02/07/2016 11:36 ص
د. رفعت السعيد د. رفعت السعيد

هل البعض لا يشعر بثقل ما نحن فيه؟ وهل احتاج إلي وصف لما نفعله بأنفسنا؟ وقبل أن ابدأ استحضرت ملفا بالأرقام فوجدته أكثر وحشية من مسلسلات رمضان وحلقات المقالب التي نرتكبها ويتفرج عليها الناس والأجدر أن يتفرجوا علي انفسهم وعلي ما هم فيه وما هم مقبلون عليه من مقالب. ولكنني التقطت فقط أرقام الدين العام. وتأملوا معي بعقل واع لنعرف معا ما نحن مقبلون عليه. في تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات وهو جهاز مشهود له بالدقة والشفافية نقرأ وصل اجمالي الدين الداخلي 2.5 تريليون جنيه. وهو يزيد في العام بمقدار 480.1 مليارا أي بمعدل 120 مليارا كل ثلاثة أشهر. ويقول البنك المركزي أن حجم الدين الخارجي قد بلغ 53.4 مليار دولار، بما يعني أن اجمالي الدين العام يتجاوز نسبة الـ99.1 % من الناتج المحلي الاجمالي بما يعنيه ذلك من زيادة مصروفات خدمة الدين ومن ثم زيادة عجز الموازنة وزيادة التضخم وزيادة الأسعار وباختصار زيادة الافقار وما قد يترتب علي ذلك منذ تداعيات. وأنا أعرف تماما أن المشاريع العملاقة تبني لمصر مستقبلا باهراً ولكن ما حيلة من لا يستطيع الانتظار؟ وما حيلتنا معه إذ لم يستطع؟ وقد استمعت إلي الرئيس في حفل الافطار ورأيت بشكل مباشر تقاسيم وجهة ونظراته وهو يؤكد أعرف أن المعاش لا يكفي ولكن من أين؟ وكأن في الأمر لغزا لا حل له، وأنا ممن يعتقدون أن الرئيس يتعامل مع الازمات بحسم ومع صناع الازمات بحنان لا يستحقونه. فأزمة الدولار مثلا تخنق مفاصل الاقتصاد ومع ذلك لازالت مصر تهدر ملايين من دولاراتها علي مأكولات شديدة الارستقراطية لتعطي للمليارديرات مزيدا من النعيم ولكلابهم وقططهم طعاما فاخرا. ومازالت فواتير المياه تفزع الفقراء ومازالت المياه تقطع عمن لا يستطيع السداد بينما حدائق وبيسنات الكمبوندات تستهلك اضعاف اضعاف كل ما يستهلكه كل الفقراء ومازالت محاسبتهم تجري هي ايضا بحنان، وهناك ملاعب الجولف وغيرها. ومازالت الملابس المستوردة من اشهر وأغلي الماركات العالمية تغرق محلات الزمالك والمعادي وتتمدد حتي شقق في مدينة نصر دون أن يجرؤ أحد أن يسأل كيف دخلت إلي مصر؟ ولا كم تكلفت؟ ونحن نشكو من المؤامرات التي تضرب السياحة بينما آلاف من المصريين يسافرون للسياحة في الخارج صيفا وشتاء وربيعا دون مراعاة للخريف الذي يستجلبونه لنا بما ينفقونه من دولارات علي رحلاتهم المترفه وأنا لا أقصد السادة الملياديرات فلهم طائراتهم ويخوتهم وقصورهم المتناثرة في أجمل بقاع الأرض. وفيم يتعثر التعليم عندنا بسبب نقص الموازنات الحكومية وجشع أصحاب المدارس والجامعات الخاصة، فإننا نكتشف عديدا من الجامعات الاجنبية وبمصروفات خرافية تجتذب ابناءنا حيث يتناسون أو ينسوا بالفعل اللغة العربية ويغرقوا في غمار حياة بعيدة تماما عن المشاعر والتقاليد والاخلاقيات وآليات التعبير المصرية ولو تواصلنا لعدة سنوات مع هذا الحال حيث التعليم المصري يتدهور بمستواه وطلابه بحيث يتخرجون وهم لا يعرفون شيئا تقريبا وتعود الدولة لتنفق عليهم بهدف إعادة تأهيلهم بحيث يتدرب خريج العلوم أو الزراعة أو الحقوق والآداب للعمل كسباك أو نجار مسلح بينما يأتي شبابنا المستورد من الجامعات الأجنبية (أمريكية- فرنسية- ألمانية- انجليزية- روسية- يابانية – صينية ..إلخ) وهي جامعات مقيمة في مصر لكنها تحيط نفسها بكهنوت يحميها من “وباء” التمصير .

وفي الصحة الحال أسوأ وقد كشفت لنا الأيام الاخيرة أن مستشفي مليارديري يزعم انه خيري ويعالج الناس مجانا فإذا به يجد ما يكفي من نخوة وإنسانية إلي درجة القاء طفل مريض في الشارع لأن الأسرة تأخرت في سداد مبلغ يتنامي كل يوم بحيث لا يحتمله أحد. وإذا تلامسنا مع هموم الفقراء (اقصد الفقراء حقا) وجدنا فقرا لا يمكن تخيل ان انسانا يحتمله لنفسه أو لأولاده. وحتي عندما تتطوع سيدة فتعطي آخر ما تمتلك وهو حلق ورثته عن جدتها من أجل مصر. واعتقد أن الرئيس كرمها كسبيل لتكريم عطاء حميم وربما كسبيل لتقديم نموذج لعله يهز مشاعر المليارديرات المصنوعة من بازلت أسود لا تتسرب إليه أية أحاسيس. حتي سيدة كهذه تسلطت عليها الابواق الاعلامية التي يمتلكونها لتقلل من شأنها ولتمنع المصريين من المقارنة بين من تتبرع بآخر قرش تمتلكه لوطنها وبين من تظل علاقتهم بالوطن هي مجرد امتصاص كل ما في عروقه من دماء.

وإذا جئنا إلي حال آخر “معووج” هو الآخر ويتمثل في الموقف من بوتيكات الدفاع عن حقوق الإنسان وعن الحريات والديمقراطية بينما الكثير منها- وليس كلها- ارتزاق بمال حرام آت من عدو لا يدفع مليما إلا يكسب من ورائه نفوذا وهم يستمتعون بدعم ممن يمولون ويمتلكون من الصفاقة قدرا يمكنهم من المجاهرة بحقهم في تسول التمويل من العدو ومن رفض محاسبتهم من أين؟ ولا في ماذا انفقتم فإن سيقوا للمحاكمة أتوا بعديد من سفراء السادة ليحتموا بهم بل واستميح الكثيرين عذرا فإن كلاما كثيرا يقال عن تمول قيادات نقابية مهنية (الاطباء والمحامين والصحفيين) من الخارج عبر بوتيكات معلومة.

ومهما أتينا بكراسات وكشاكيل وبوبينات أوراق فإنها لا تكفي ما تختزنه مصر في قلوب ابنائها من ملاحظات علي مسار يتسم بالاعوجاج. نقلا عن الأهرام

.. ولهذا سنواصل الكتابة فإلي لقاء.