المركز العربي للبحوث والدراسات : أزمة الخليج والعلاقات القطرية الإيرانية (طباعة)
أزمة الخليج والعلاقات القطرية الإيرانية
آخر تحديث: الجمعة 09/06/2017 12:52 ص أحمد أمير محمد*
أزمة الخليج والعلاقات

أثار خبر قطع العلاقات بين دول الخليج العربي الثلاثة؛ السعودية والإمارات والبحرين إلى جانب مصر، موجة جديدة من الجدل والتوتر الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط، وأثار تساؤلات عديدة حول سبب هذه المقاطعة الدبلوماسية وهل يرتكز السبب الرئيسي على إيران، محور الحديث هذه الآونة أم لا؟ ومن أجل الإجابة على هذا السؤال، يجدر النظر بتمعن في العلاقات القطرية الإيرانية أولًا واستنتاج هل رؤية قطر بالتخلي عن دول جوارها العرب، لصالح جارتها الشمالية الفارسية، أمر مستحدث أم له جذور وشواهد سابقة، دعت الأمير القطري إلى إثارة غضب جيرانه. وتسعى هذه المقالة أن تلقي الضوء على العلاقات الإيرانية القطرية لاستبيان تفاصيل الوضع الحالي وتوقع القادم على الصعيدين الإقليمي والدولي وإلام ستؤول ردود الأفعال.

في خضم المنافسة الإقليمية مع الدول العربية، استغلال اختلاف وجهات النظر بين العرب بهدف تنمية العلاقات الثنائية مع الدول الجنوبية في الخليج العربي، مثل إمارة قطر، هو أكثر نقاط الارتكاز المؤثرة لإيران.

فالأهمية الاقتصادية والأمنية لأكبر حقل غاز في العالم والذي يعد ملكية مشتركة بين الدولتين، وبالإضافة إلى وجود علاقات لا مفر منها بين إيران وقطر، بلورت السياسة التي تضمن الحفاظ على العلاقات الثنائية في ظل أصعب الظروف بين طهران والدوحة.

كما أن حضور أكثر من 30000 إيراني في قطر، عامل آخر لتعزيز وتنامي العلاقات الثنائية على خطى المصالح القومية للبلدين، هذا بالإضافة إلى استعدادات تطوير العلاقات السياسية الإيرانية مع قطر-تلك الدولة الثرية وذات التعداد السكاني القليل في الخليج العربي-جاءت متلازمةً وجنبًا إلى جنب مع استعدادات عمان والكويت من قبلها.

فمن الحظ العالي لحكومة روحاني، رجل الدين المعتدل الذي ترمي توجهاته إلى المصالحة والانفتاح مع المجتمع الدولي وتقريب الأفكار الحضارية لخروج إيران من الانزواء الذي تعيش فيه على مدار عقود بسبب أهداف نظامها الثيوقراطي؛ هو بقاء العلاقات بين طهران والدوحة بعيدة عن دائرة نفوذ واهتمامات الحرس الثوري، حتى يجد لنفسه دعامة بين دول الخليج ودليلًا على أن تقارب إيران من الدول العربية يمكن أن يبتعد عن الأيدولوجية المذهبية للنظام الإيراني، من باب أن حضور الحرس الثوري في أي مشهد على الساحة العربية معروف أن وراءه تحقيق أهداف أيدولوجية. عل كل حال، قطر باعتبارها إمارة عربية، لديها قواسم مشتركة لا مفر منها مع بقية الدول العربية بالأخص في منطقة الخليج العربي.

وفيما يتعلق بالجزر الإماراتية الثلاثة، طنب الصغرى والكبرى وأبو موسى، على الرغم من اتخاذ قطر مواقف أكثر انحيازًا لإيران من بقية العرب، إلا أن هذه الدولة مقيدة بتوقيع البيانات السنوية لمجلس التعاون الخليجي وبالتالي إذا حلت العقدة وآل سوء الأوضاع إلى خروج قطر من مجلس التعاون الخليجي، ستكون فرصة جيدة لتأييد مزاعم الآخر الإيراني بانتساب هذه الجزر له. وباعتبارها حليفة عسكرية للولايات المتحدة الأمريكية، وتستضيف قاعدة "العديد" القاعدة التي تعد مقرًا للمجموعة 319 الاستكشافية الجوية التي تضم قاذفات ومقاتلات وطائرات استطلاعية إضافة لعدد من الدبابات ووحدات الدعم العسكري وكميات كافية من العتاد والآلات العسكرية المتقدمة، وتشتمل على مدرج للطائرات يعد من أطول الممرات في العالم، واستعدادات لاستقبال أكثر من 100 طائرة على الأرض، ما جعل بعض العسكريين يصنفونها أكبر مخزن استراتيجي للأسلحة الأمريكية في المنطقة، حتى أنها في عام 2016م استُخدمت كنقطة انطلاق ضربات القصف الجوي التي نفذتها طائرات "B-52" ضد أهداف تابعة لتنظيم "داعش" في العراق وسوريا. وفي بداية الحملة الأمريكية بأفغانستان اتخذت طائرات "F-16" وطائرات المراقبة "E-8C Joint Stars" هذه القاعدة مقراً لها، ومحطة رئيسية لإعادة تعبئة الوقود. الأمر الذي يجعلنا نستنبط أنه في حالة وقوع اشتباك عسكري ضد إيران، دور قطر سواء في صالح أو ضد إيران يمكن أن يكون حاسمًا. فيمكن لقطر أن تعطي الضوء الأخضر أو الأحمر لاستخدام أمريكا معداتها العسكرية المستقرة في أراضيها ضد إيران.

على الرغم من أن قطر تبعد مسافة جغرافية قليلة عن الأراضي الإيرانية، إلا أن المعاملات التجارية بين البلدين قليلة والاستعداد الموجود لتعزيز هذه المعاملات عالي للغاية. مع الأخذ في الاعتبار حاجة قطر لاستيراد المواد الغذائية والعمالة الرخيصة، فإن إيران قادرة بكل سهولة على مضاعفة صادرات أقل من مئة مليون دولار حاليًا إلى تلك الدولة.

ومن ناحية أخرى، يحتاج الرئيس الإيراني "حسن روحاني" خلال فترته الرئاسية الثانية، إلى تثبيت الفوز في عدة النطاقات الداخلية والخارجية. وفي الوضع الحالي الذي يصل إليه تصعيد التوتر في العلاقات الإيرانية السعودية إلى أعلى مستوى خلال الأعوام الستة الماضية، فإن سياسة التقارب مع الرياض في فترة قصيرة، لن يصل إلى نتيجة.

في المقابل، إيجاد توازن في العلاقة مع الدول العربية الأصغر واستغلال الإيرانيين للخلافات السياسية، هو أقل تكلفةً وأكثر تأثيرًا.

وإذا عدنا بالتاريخ إلى ما بعد نهاية حرب السنوات الثمانية مع العراق، التي كانت قطر خلالها تقدم المساعدات المالية للرئيس العراقي السابق "صدام حسين"، حظيت إيران بفرصة الموائمة مع الكويت وعمان وتطوير العلاقات مع هاتين الدولتين العربيتين.

وقد أعطى هجوم صدام على الكويت عام 1990م واحتلالها، الفرصة لإيران أن تقترب أكثر من الدول العربية الصغرى في منافستها مع السعودية.

وكانت سوريا وقرار الحرس الثوري بالتدخل العسكري في تلك الدولة بهدف الحفاظ على الأسد، تعتبر أول خطوة كبرى في تراجع العلاقات بين طهران والدوحة.

كما أن اقتحام السفارة السعودية في طهران 2 يناير 2016م، على إثر اعدام رجل الدين الشيعي السعودي والذي يدعى نمر باقر النمر، لم يأزم العلاقات بين طهران والرياض فحسب، بل أثّر على علاقات إيران وجميع الدول أعضاء اتحاد التعاون الخليجي وبما فيهم قطر.

النقطة الجديرة بالاهتمام، هي أن الاتصال الهاتفي للشيخ تميم بن حمد أمير قطر مع حسن روحاني، بعد إعلان فوزه في الانتخابات الأخيرة، هيئ مجال جديد لتنامي العلاقات الإيرانية القطرية حيث باستغلال ذلك، يمكن لطهران أن تستمر في منافستها لنفوذ الرياض في نطاق آمن وأقل تكلفة؛ الفرصة التي لم تحظى بها في دولة فقيرة ومتضررة من الحرب مثل اليمن.

لماذا تقربت قطر لإيران؟

لقد تصاعد التوتر بين قطر ودول الخليج العربي الأخرى، خاصةً السعودية والإمارات، بصورة غير مسبوقة. بعد قمة الرياض الأخيرة التي استضافت الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" في أولى زياراته الخارجية، اعتبر أمير قطر، منتقدًا سياسات السعودية، أن العداوة مع إيران باعتبارها قوة إسلامية لا طائل منها ووصف حماس وحزب الله بأنهما جماعات المقاومة (مع ملاحظة أنه الوصف الإيراني لهذه الجماعات). لكن ما هي الأسباب التي أجبرت أمير قطر أن يتخذ مثل هذا الموقف ويدلي بهذه التصريحات؟ حقيقة الأمر هي أن القطريون خشوا القوة العسكرية التي تعمل على تناميها جارتهم خادمة الحرمين الشريفين، خاصةً أن لديها خلافات حدودية قديمة مع الرياض. هذا في حين أن القطريين والكويتيين، قاموا ولا زالوا يقومون بمشتريات عسكرية ضخمة تشمل مقاتلات متطورة وأنظمة دفاع جوي، لكنهم لا يضعون إيران وجهتهم الأولى. لأنهم يروا أن مصلحتهم مع جارتهم الشمالية.

هاتان الدولتان –السعودية وقطر-على الرغم من الخلافات الحدودية التي تمت الإشارة لها مسبقًا، لهما اختلافات حادة في وجهات النظر أيضًا حول القضايا الإقليمية بما فيها موضوع سوريا وموضوع الإخوان المسلمين. لقد دخلت قطر الساحة في غرب آسيا عمليًا باقتدار خلال الربيع العربي، باعتبارها لاعب فعال وداعمة للعديد من الحركات التي ظهرت في الدول العربية والتي أغلبها كان لها نهج اخواني، خاصةً مع استخدامها لقناة "الجزيرة" على أنها ذراعها الإعلامي القوي. بعد تطورات عام 2011م، أدى دعم قطر للإخوان المسلمين من ناحية وسعي المملكة العربية السعودية وراء وضع هذه الجماعة في قائمة المنظمات الإرهابية، إلى نشوب اختلافات جادة بين الطرفين خلال قمة مجلس التعاون الخليجي في مارس 2014م. وآلت هذه الاختلافات في النهاية إلى خروج سفراء السعودية، الإمارات والبحرين من قطر حيث بعد فترة، تم حل هذه الخلافات بشكل مؤقت وعاد سفراء هذه الدول إلى قطر وتعهدت الدوحة كذلك بألا يكون لديها سياسات ومناهج منحرفة مع بقية أعضاء هذا المجلس واتخذت إجراءات أيضًا في الظاهر على هذا الأساس ولكن لم يتسبب هذا الأمر في إعادة علاقات هذه الدولة مع مصر التي كانت تدعم فيها الإخوان المسلمين، إلى مستواها السابق من الحميمية.

سعت قطر منذ بداية الأزمة السورية، باتخاذها نهج مستقل وعن طريق دعمها المالي والعسكري للمعارضين من ناحية وتعليق عضوية سوريا في مجلس التعاون الخليجي من ناحية أخرى، أن تقدم مبادرة عملية للمعارضين على المستويين الميداني والسياسي في سوريا. وتسعى قطر في الوقت الحالي أن تعيد تعريف دورها عبر تشكيل تحالفات جديدة في المنطقة. كما أن العلاقات الجيدة لهذه الدولة مع تركيا وأيضًا علاقاتها مع روسيا وجهود هذه الدولة في التقرب كلما أكثر من إيران، يمكن تقييمه على هذه الخطى. ومن هذا المنطلق، كان أمير قطر من بين زعماء الدول العربية، الوحيد من هنأ الرئيس الإيراني حسن روحاني بفوزه في الدورة الثانية من انتخابات رئاسة الجمهورية، وطالب بتعزيز العلاقات مع إيران. كما اعتبر أمير قطر خلال اتصاله الهاتفي مع الرئيس الإيراني، أن العلاقات بين الجمهورية الإيرانية وقطر قديمة، تاريخية وقوية.

وقد توضح كل هذه الخطوات والتحركات أن قطر ترى أن مصلحتها مع إيران وليست دول الجوار. فهل يقبل التحالف العربي بانشقاق قطر عن صفوفه؟  



باحث في الشئون الإيرانية بمركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية