المركز العربي للبحوث والدراسات : الهجمات الإرهابية في بريطانيا: المسلمون والمجتمع والتطرف (2-3) (طباعة)
الهجمات الإرهابية في بريطانيا: المسلمون والمجتمع والتطرف (2-3)
آخر تحديث: الثلاثاء 04/07/2017 03:07 م د. إبراهيم نوار
الهجمات الإرهابية

كيف اختطف الجهاديون علاقة المسلمين بالمجتمع

وقلبوا الموازين من الاعتدال إلى التطرف والإرهاب؟

أشرنا في الجزء الأول من هذه الدراسة إلى وضع الجالية الإسلامية في بريطانيا وأهميتها كواحد من المكونات الإجتماعية والثقافية الرئيسية التي يتكون منها المجتمع البريطاني. وأوضحنا كيف أن علاقة البريطانيين من أصول عربية وإسلامية عاشوا حياة هادئة آمنة في بريطانيا، لدرجة أن هذا البلد أصبح الوجهة الأولى المفضلة لدى المهاجرين العرب والمسلمين القادمين إلى أوروبا الغربية. وقد استمرت الحياة على هذا المنوال حتى أوائل الثمانينات، لكنها انقلبت رأساً على عقب بعد ذلك، وخلال عقدين من الزمان تحولت الجاليات الإسلامية في بريطانيا إلى مصدر من مصادر التهديد الداخلي والإزعاج الإجتماعي، وذلك بسبب تورط أفراد من هذه الجاليات في أعمال إرهابية على مستوى العالم وفي داخل بريطانيا نفسها. وذكرنا أن العلاقة بين البريطانيين من أصول إسلامية يتعرضون الآن لموجة متزايدة من الكراهية بسبب زيادة وتيرة الأعمال الإرهابية التي بلغت أوجها في العام الحالي ووصلت إلى مستوى غير مسبوق منذ الهجمات الإرهابية على محطات قطارات الأنفاق والباصات العامة في 7 يوليو عام 2005.

وقد وصلت مشاعر الكراهية ضد المسلمين بعد الأحداث الإرهابية الثلاثة التي وقعت منذ مارس حتى يونيو 2017 إلى مستوى غير مسبوق، بينما قالت رئيسة الوزراء تريزا ماي إن المتطرفين في بريطانيا ينعمون بحالة من التساهل يجب أن يتم وضع حد لها، وكررت ما قالته عندما كانت وزيرة للداخلية مؤكدة إنها على استعداد لإعادة النظر في تشريعات حقوق الإنسان وغيرها إذا ما تعارضت مع الرغبة في وضع حد لاستشراء الفكر المتطرف والنشاط الإرهابي بين البريطانيين المسلمين. وقد أكدت تقارير الأجهزة الأمنية أن منفذي العمليات الإرهابية هم من المواطنين البريطانيين إضافة إلى إيطالي من أصل مغربي شارك في العملية الأخيرة على جسر لندن بريدج. وكان مواطنون بريطانيون مسلمون أيضا هم الذين نفذوا عمليات الهجوم على محطات قطارات الأنفاق والباصات العامة في لندن في يوليو 2005.

وفي هذا الجزء نتتبع التغير الذي طرأ على العلاقة بين المواطنين البريطانيين من أصول إسلامية وبين المجتمع البريطاني بشكل عام، زنشير بشكل خاص إلى الدور الذي لعبته الأجهزة الأمنية والسياسية في تغيير التوجهات السياسية لقطاعات من المسلمين إلى التطرف بدلاً من الاعتدال، والدور الذي لعبته الجماعات الجهادية في تعبئة الشباب المسلم من خلال أيديولوجية متطرفة ضد المجتمع وضد الدولة التي احتضنتهم ووفرت لهم ملاذاً آمناً خارج بلدانهم التي هاجروا منها واستوطنوها أو ولدوا فيها. وسوف نشير هنا باختصار إلى تأثير عدد من العوامل الرئيسية التي أدت إلى زيادة التطرف بين المسلمين البريطانيين وخصوصا الشباب. وهذه العوامل هي:

1-  موجة التعبئة والتجنيد في أوساط الجاليات الإسلامية في بريطانيا التي رافقت نشأة "الجهاد الإسلامي في أفغانستان"، ثم حروب البوسنة والهرسك والشيشان.

2-  تأثير استراتيجية "تغيير الأنظمة" في الشرق الأوسط تحت غطاء تحقيق الديمقراطية.

3-  تأثير الحرب في سورية والعراق واستخدام "الجهاد" كمحرك لتعبئة الشباب وتجنيدهم للتنظيمات الإرهابية.

1- تأثير حروب أفغانستان والبوسنة والهرسك والشيشان

لقد رحل عن العالم في 26 مايو 2017 الأب الروحي للجهاد الإسلامي زبجنيو بريجنسكي، لكن الجهاد الإسلامي لم يرحل معه. كان برييجنسكي هو صاحب فكرة جرجرة الروس إلى مستنقع أفغانستان عسكرياً، واستنزافهم هناك باستخدام كتائب من المقاتلين تتكفل السعودية وباكستان ومصر بتجنيدهم والإنفاق على تدريبهم وتسليحهم تحت إشراف الولايات المتحدة الأمريكية. وطبقاً للخطة التي وضعها بريجنسكي، جرى تنسيق الجهود بين وزارة الخارجية الأمريكية، والمخابرات المركزية والأجهزة المعنية في الدول الثلاث على بدء حملة التعبئة والتجنيد في العام 1979، فانطلقت حملة الدعوة إلى "الجهاد" في المساجد وفي أجهزة الإعلام، كما امتدت أيضاً إلى بعض الجاليات الإسلامية في الخارج وأهمها الجالية الإسلامية في بريطانيا. وقد تطوع للجهاد في أفغانستان عشرات الشباب من بريطانيا، بينما كان الشيخ عبد الله عزام يشرف بنفسه على اختيار العناصر التي ستذهب للتدريب في باكستان على الحدود مع أفغانستان.

وتوضح دراسة حالة الإرهابي مصطفى كامل المكني جهادياً باسم أبو حمزة المصري، كيف تم تجنيد شباب مسلمين تحت راية الجهاد في أفغانستان. أبو حمزة هو مصري المولد (1958) حاصل على بكالوريوس الهندسة (مدني) من جامعة الإسكندرية، جاء إلى بريطانيا عام 1979. وعمل حارسا (فتوة) في الملاهي الليلية في حي سوهو وهو حي البغاء في لندن. في عام 1987 التقاه عبد الله عزام أحد مؤسسي تنظيم القاعدة واستمر في التواصل معه حتى أقنعه بالذهاب إلى أفغانستان للجهاد ضد الشيوعيين الكفار وإقامة دولة إسلامية هناك. وقد أبو حمزة فعلاً إلى أفغانستان وعمل في مجال تصنيع المتفجرات في معسكر على الحدود الباكستانية الأفغانية. وأثناء عمله انفجرت فيه قنبلة كان يقوم بتصنيعها، ففقد يديه وإحدى عينيه. عاد إلى لندن للعلاج (1993)، وتم تركيب يدين صناعيتين له، وجرت ترتيبات لإعداده لمواصلة الدعوة إلى الجهاد في بريطانيا.

وقد وفرت له الحكومة البريطانية أن يتخذ من مسجد فنسبيري بارك في شمال لندن مقراً له (1997) فأصبح إماماً للمسجد. وخلال فترة علاجه وعمله في المسجد سافر أبو حمزة إلى البوسنة وشارك في حرب البلقان. وقد ارتبط أبو حمزة بتنظيم القاعدة، وأيد تفجيرات 11 سبتمبر، وتولى أعمال تجنيد وتدريب للمجاهدين في بريطانيا وخارجها، وشكل مجموعة من المقاتلين توجهت لتنفيذ عمليات في جنوب اليمن، وتم القبض على أحد أبنائه هناك بتهمة التخطيط للقيام بأعمال إرهابية (1998) وحٌكم عليه في اليمن بالسجن 3 سنوات. وقد استمر أبو حمزة في عمله إماماً لمسجد فنسبري بارك وممارسة الدعوة إلى التطرف وحمل السلاح حتى ألقي القبض عليه في بريطانيا (2004) بتهمة الضلوع في عمليات إرهابية وصدر عليه حكم بالسجن (2006) لمدة 7 سنوات. وفي الوقت نفسه فإن أبو حمزة صدرت ضده اتهامات في الولايات المتحدة تتعلق بضلوعه في محاولة إقامة معسكرات لتدريب المجاهدين هناك، وحوكم غيابياً في الولايات المتحدة، وصدر عليه حكم بالسجن مدى الحياة. وبناء على ذلك طلبت السلطات الأمريكية من بريطانيا تسليمه، وتم تسليمه بعد جدل قضائي طويل في العام 2012، حيث تمت محاكمته حضورياً هناك وصدر عليه حكم بالسجن مدى الحياة. من المعروف لدى الدوائر الأمنية في بريطانيا أنه كان على اتصال مع المخابرات البريطانية إم آي -5 خصوصاً بعد مجزرة السياح في الأقصر، وخلال فترة وجوده في البوسنة.

إن قصة مصطفى كامل (أبو حمزة) تكشف بوضوح كيف أن بريطانيا خلال الفترة منذ نهاية الثمانينات تحولت إلى أرض خصبة للدعوة إلى التطرف وممارسة الإرهاب. وما تزال بريطانيا حتى الآن تعاني مما حدث في الثمانينات والتسعينات وما بعدها من استشراء ظاهرة الإرهاب بين شباب الجاليات البريطانية ذوي الأصل الإسلامي.

2-تأثير استراتيجية "تغيير الأنظمة" في الشرق الأوسط تحت غطاء تحقيق الديمقراطية

منذ مطلع القرن الواحد والعشرين تبنت الولايات المتحدة سياسة خارجية تستهدف "تغيير الأنظمة" (regime change) في الشرق الأوسط. وطبقا لتقارير السفارات الأمريكية وسفارات حلفائها في منطقة الشرق الأوسط، والتقارير الاستخباراتية المتعلقة بالمنطقة، فإن أجهزة صناعة القرار في الولايات المتحدة وفي بريطانيا توصلت منذ بداية القرن الحالي إلى أن الإسلام السياسي يمثل البديل للإيديولوجية القومية وللأنظمة العسكرية في منطقة الشرق الأوسط. وقد لاحظت هذه التقارير أن القوى المدنية الليبرالية هي من الضعف بما يستبعد قدرتها أن تقوم بدور استراتيجي في عملية التغيير وبناء أنظمة جديدة على أنقاض الأنظمة المنهارة التي كانت تعاني فعلا من كراهية شعبية ومن ضعف مؤسسي داخلي بسبب الفساد وانعدام الكفاءة. وامتداداً لهذه التقديرات فإن الولايات المتحدة وبريطانيا سارعتا إلى تبني استراتيجية لمساندة الجماعات والتنظميات الإسلامية للوصول إلى الحكم. ويجب التأكيد هنا على أن هذا الاختيار كان مبنيا على أساس ترويج "أيديولوجية إسلامية معتدلة" وسط التيارات الإسلامية في العالم العربي خصوصا جماعة الإخوان المسلمين.

وقد لعب الشيخ راشد الغنوشي، الذي هرب من تونس إلى الجزائر (ابريل 1989) ثم إلى السودان، ثم إلى لندن (1991) دوراً مهما في التواصل بين الجماعات الإسلامية التي توصف بأنها معتدلة من خلال دوره في التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين. وكان منزله في إحدى ضواحي لندن مركزاً رئيسياً من مراكز الدعوة والتواصل التنظيمي خصوصاً بين التنظيمات الإسلامية من دول شمال أفريقيا.

وساعدت بريطانيا على تشجيع "التيار الإسلامي المعتدل" من خلال عقد دورات تدريبية وورش بحثية بالمشاركة مع غيرها من دول الإتحاد الأوروبي تركز على موضوع "تجديد الخطاب الإسلامي"، كما دعمت كل ذلك بمجهود إعلامي تضمن إنشاء قناة تليفزيونية (الحوار) وحلقات نقاش للتقريب بين قيادات التيار الإسلامي من بلدان عربية مختلفة. ومع أن الغنوشي كان متهما بالضلوع في عمليات إرهابية في تونس، إلا أن وجوده في لندن لم يسفر عن تشكيل صف جديد من الجهاديين المتطرفين الذين يميلون إلى العنف وتكفير المجتمع.  

وامتدت جهود الأجهزة البريطانية المعنية إلى دائرة القيادات الجهادية التي تلقت تدريباً وخبرة قتالية وسياسية كافية في أفغانستان، أملاً في أن يقوم بعض هؤلاء بدور مهم في عملية التغيير السياسي المستهدفة في الدول العربية في إطار استراتيجية تغيير الأنظمة. وقد تعاونت الأجهزة البريطانية مع أشخاص من هذه الدائرة أهمهم الأردني (من اصل فسطيني أبو قتادة) كما أنها غضت الطرف عن أنشطة شخصيات أخرى لم تكن قد شاركت في حرب أفغانستان مثل عمر بكري محمد (سوري) الذي جاء إلى لندن طالباً اللجوء، وأسس فرعاً لـ "حزب التحرير الإسلامي" في بيطانيا، وبعد ذلك بسنوات رحل عن الحزب وأسس حركة "المهاجرون"، التي لعبت وما تزال دوراً مدمراً في أوساط الشباب أيديولوجياً وحركياً. وسوف نلقي الضوء باختصار هنا على دور كل من أبو قتادة وعمر بكري في تغذية تيار التطرف الإيديولوجي الإسلامي وتجنيد الشباب للانضمام إلى منظمات إرهابية والقيام بعمليات إرهابية في داخل وخارج بريطانيا.

-         أبو قتادة

        هو عمر عثمان المكنى جهادياً باسم (أبو قتادة) وهو أردني (من أصل فلسطيني)، هرب من الأردن إلى بريطانيا بحجة خوفه من التعرض للبطش والتعذيب في بلده. وصل إلى بريطانيا عام 1993 بعد سنوات أمضاها في الحرب الأفغانية ضد القوات السوفييتية، طلب الإقامة كمهاجر وحصل عليها في العام التالي. عاش في بريطانيا حتى تفجيرات 2005، ثم طلبت وزارة الداخلية البريطانية ترحيله، رفض الترحيل وخاض معركة قضائية طويلة استمرت حتى مايو 2013 ثم ترحيله إلى الأردن في يوليو عام 2013 بعد صدر حكم نهائي بترحيله. خضع للتحقيق في الأردن بتهم الضلوع في أعمال إرهابية في البلاد عام 1998، لكن تم الإفراج عنه بعد أقل من عام في ظروف غامضة. 

        وفرت السلطات البريطانية لأبي قتادة فرصة تاريخية للتواصل مع الجاليات الإسلامية في لندن من خلال ما يعد أكبر مركز إسلامي في البلاد، يتميز بتنوع أنشطته خصوصاً بين الشباب. وقد استخدم أبو قتادة استخدم المركز الإسلامي (Fourth Feathers community center) بالقرب من ريجنت بارك مقراً لدعوته، وأصبح بيته ملاذاً ومقراً للإسلاميين المهاجرين إلى بريطانيا من البلاد العربية. وكانت له علاقات قوية مع الجماعات الإسلامية في مصر ودول شمال أفريقيا، وكثيرا ما لجأ إليه جهاز الأمن الداخلي البريطاني إم آي -5 لإجراء ترتيبات أمنية تتعلق بحماية مصالح بريطانية أو الإفراج عن مختطفين وغيره. وقد أيد أبو قتادة اعتداءات سبتمبر 2001 في خطبه وفي لقاءاته التليفزيونية وفي لقاءاته مع الشباب.

وقد عثرت الشرطة الألمانية على نسخ من خطب أبوقتادة ومنشوراته في شقة في مدينة هامبورج كان يستخدمها أحد منفذي تفجيرات نيويورك، وبناء عليه تم إبلاغ الشرطة البريطانية. وعندما اقتحمت الشرطة في لندن منزله عثرت على مبلغ نقدي مقدارة 170 ألف جنيه إسترليني، وعلى مظروف مغلق موجه باسم "المجاهدين في الشيشان" به 800 جنيه استرليني. وهو ما يعني أن الداعية المتطرف كان يقوم أيضاً بترتيب عمليات تمويل لتنظيمات إرهابية في مناطق مختلفة. بعد ذلك بدأت سلطات الأمن البريطانية في مطاردته، وألقي القبض عليه قبل صدور قانون يسمح باعتقال المشتبه في صلتهم بأعمال الإرهاب. وعند تقديمه للمحاكمة تم الإفراج عنه لعدم قانونية إجراءات القبض عليه، وأفرج عنه. ثم ألقي القبض عليه مرة أخرى في عام 2005 نظراً لعلاقته بمنفذي تفجيرات 7 يوليو في لندن. وطلبت الحكومة ترحيله إلى الأردن. وخلال المعركة القضائية التي خاضها أبو قتادة ضد ترحيله خرج من السجن أكثر من مرة ولكنه خضع للمراقبة الأمنية وفرضت عليه الإقامة الجبرية في منزله. ومع ذلك فإنه كان يتعاون مع أجهزة المخابرات في العديد من القضايا ذات العلاقة بالمصالح البريطانية في الشرق الأوسط.

-         عمر بكري محمد

هو عمر بكري فستق، سوري مولود في حلب، إنضم لجماعة الإخوان المسلمين في سورية، وشارك في أحداث حماة عام 1982، ثم انتقل إلى لبنان وانضم إلى حزب التحرير الإسلامي الذي يدعو إلى إقامة "دولة الخلافة"، لكنه لم يمكث طويلا في لبنان، إذ انتقل إلى السعودية وأسس هناك حركة باسم "المهاجرون" وطرد من السعودية عام 1985 فلجأ إلى بريطانيا. وأسس في لندن فرعاً لـ  "حزب التحرير الإسلامي" ، ولكنه ترك الحزب فيما بعد وأسس جماعة "المهاجرون". أقام في بريطانيا حتى 2005 وهرب بعد أسابيع قليلة من تفجيرات يوليو في ذلك العام.  

تم إلقاء القبض عليه في لبنان في مايو 2014، وحكمت عليه محكمة لبنانية بالأشغال الشاقة المؤبدة في نوفمبر 2014، لكن بكري أفرج عنه مؤقتاً بكفالة بعد الاستئناف على الحكم، وخرج من السجن ليذهب إلى طرابلس ويعمل في تجنيد وإدارة معسكرات تابعة كل من القاعدة وتنظيم جبهة النصرة. وقد تم اعتقاله من جديد بتهم تتعلق بدوره في عمليات إرهابية داخل لبنان، وحكم عليه للمرة الثانية بالسجن مع الأشغال الشاقة لمدة 6 سنوات في اكتوبر 2015. قتل اثنان من أولاده في الحرب على الإرهاب، محمد قتل في حلب (سورية) وبلال قتل في (تكريت) العراق. وقد تضمنت بعض الوثائق التي تم الحصول عليها من سورية أن بكري كان خلال فترة إقامته في لندن يقوم بتجنيد الشباب للسفر والقتال مع القاعدة ومع جبهة النصرة في سورية. 

-         هاني محمد يوسف السباعي

هو مدير مركز القريزي في لندن الذي صدر قرار بإغلاقه  عام 2015، مولود 1961، كان عضواً في جماعة الجهاد الإسلامي. يعيش في بريطانيا كلاجئ سياسي. شارك في حرب المجاهدين في أفغانستان. حوكم في مصر غيابياً (1999) في قضية العائدين من ألبانيا، وعوقب بالسجن لمدة 15 عاماً، لجأ إلى بريطانيا عام 1998 وهو العام الذي أعلن فيه بن لادن تأسيس الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين. في عام 2001 أعلن تأييده لهجمات 11 سبتمبر، كما أيد هجمات 7 يوليو 2005 في لندن واعتبرها انتصاراً للإسلاميين المجاهدين. بعد ذلك بأشهر قليلة (سبتمبر 2005) ورد اسمه في قائمة أصدرتها الأمم المتحدة تشمل الأشخاص الخاضعين للحظر الدولي بسبب علاقتهم بالإرهاب، كما يخضع أيضاً للرقابة المالية بواسطة اللجنة المختصة بتتبع تمويل الإرهاب التابعة لوزارة الخزانة الأمريكية.

تم إغلاق مركز المقريزي ومنع السباعي من الظهور في البرامج التليفزيونية، ولكنه الآن يستخدم قنوات اليوتويوب في مواصلة دعايته المتطرفة. معروف بارتباطه بالقاعدة والتنظيمات الموالية لها بما في ذلك الجهاد الإسلامي في مصر وأنصار الشريعة في تونس. وأشارت التحقيقات في الحادث الإرهابي الذي وقع في مدينة سوسة التونسية في يونيو 2015 إلى وجود علاقة بين السباعي وبين منفذي الحادث، كما يرتبط السباعي أيضاً بعلاقات قوية مع جماعة أنصار الشريعة المتطرفة الموالية للقاعدة في تونس وبلدان المغرب العربي.

-         الشيخ صادق الغرياني

استضافت بريطانيا عدداً من الشخصيات الليبية بعد سقوط القذافي، وكان من أهم تلك الشخصيات الشيخ صادق الغرياني مفتي الجماعات والميليشيات الإسلامية في ليبيا، ولعب الغرياني دوراً مهماً في تشكيل ميليشيات مصراتة وإرشاد قادتها دينياً، كما استضافت أيضاً رمضان عبيدي الذي كان على علاقة وثيقة بتنظيمات موالية للقاعدة في ليبيا. ورمضان عبيدي هذا هو والد سلمان عبيدي منفذ عملية مانشستر الإرهابية. وتتضمن قائمة الأشخاص المتطرفين المقيمين في بريطانيا والذين تصنفهم الأجهزة الأمنية على إنهم "إرهابيون محتملون" ما يقرب من 10 آلاف شخص، من أصول مختلفة عربية وإسلامية. وقد أظهرت الأحداث الإرهابية الأخيرة أن منفذي الهجوم على جسر لندن في يونيو 2017 (ثلاثة أشخاص) من بينهم إيطالي من أصل مغربي اسمه يوسف زغبة ويبلغ من العمر 22 عاما ويقطن شرق لندن، وكانت صحيفة كورير ديلا سيرا الإيطالية قد ذكرت إن الأجهزة الأمنية الإيطالية قد حذرت نظيرتها في بيطانيا من أن زغبة أوقف في مطار إيطالي لأن السلطات اعتقدت أنه في طريقه إلى سوريا، وهو متشدد له ميول إرهابية. أما الإرهابيين الآخرين فهما خورام شاه زاد بات (27 عاما) وهو مواطن بريطاني من أصل باكستاني ورشيد رضوان (30 عاماً) والذي يطلق عليه أيضا رشيد الخضر، وهو بريطاني من أصول مغربية وليبية.

3- تأثير الحرب في سورية والعراق واستخدام "الجهاد" كمحرك لتعبئة الشباب وتجنيدهم للتنظيمات الإرهابية

من المعروف أن الحرب في سورية والعراق كانت من المحفزات الرئيسية في تجنيد الشباب البريطانيين والأوروبيين للتطوع بغرض القتال والمساندة اللوجيتسية في هذين البلدين، سواء في صفوف ميليشيات الدولة الإسلامية (داعش) أو في صفوف التنظيمات الموالية للقاعدة مثل جبهة النصرة. ويتم التجنيد عادة بواسطة مشايخ ودعاة متشددين في عدد من المساجد المنتشرة في كثير من الأحياء في لندن التي تقطنها جاليات مسلمة كبيرة العدد. كما يتم التجنيد للقاعدة وداعش في مناطق أخرى خارج لندن، خصوصا حيث تقيم جاليات إسلامية كبيرة مثل برمنجهام ومانشستر. وفي العادة تتم عمليات التجنيد بشكل سري تحت غطاء الدعوة الإسلامية وهو ما يتسبب في خلق صعوبات أمام جهات التحقيق في إثبات تهمة ترويج أو الدعوة للإرهاب على المشتبه بهم، وغالباً ما ينتهي الأمر في حالات كثيرة إلى اتخاذ قرارات إدارية بترحيل المشتبه بهم، يتم الطعن فيها أمام المحاكم.

وتشير التقديرات المتوفرة حتى الربع الأول من العام الحالي 2017 إلى أن عدد البريطانيين الذين سافروا للقتال في صفوف تنظيم داعش منذ أعلن التنظيم قيام دولة الخلافة عام 2014 يبلغ ما يقرب من 760 شخصاً. ومن المعتقد أن نسبة لا تقل عن 50% منهم قد عادوا إلى بريطانيا بطرق مختلفة، وأن ما يقرب من 50 شخصاً منهم قد قتلوا في ساحات المعارك في سورية والعراق.

ومن الشخصيات التي لعبت دوراً مهماً في تجنيد شباب المسلمين للقتال في صفوف داعش داعية إسلامي يدعى أنجم جودري وهو بريطاني المولد من أصول باكستانية، تدرج في منظمات الدعوة الإسلامية، وأعلن تأييده لتفجيرات 11 سبتمبر وحرب أفغانستان، وأعلن تأييده للقاعدة ثم لداعش. وهو يمثل حالة نموذجية لكيفية تدرج بعض شباب الدعوة الإسلامية من الاعتدال إلى التطرف العقيدي، ثم إلى العمل مع التنظيمات الإرهابية يداً بيد. وقد عمل جودهري (أو تشودري) مع عمر بكري محمد في إنشاء تنظيم "المهاجرون"، ثم أسس تنظيم "الغرباء". وقد حوكم تشودري في بريطانيا وصدر ضده حكم بالسجن لمدة 5 سنوات و6 أشهر في 28 يوليو 2016. وفي 30 مارس من العام الحالي 2017  أضافت الولايات المتحدة اسمه إلى قائمة  الشخصيات الإرهابية العالمية، وهو ما يعني فرض الحظر على ممتلكاته ومنعه من المعاملات المالية مع أشخاص أمريكييين أو منظمات ومؤسسات رسمية وغير رسمية في الولايات المتحدة.

ويتضح مما سبق أن التنظيمات الجهادية والدعاة المتطرفين لعبوا دوراً رئيسياً في اختطاف العلاقة السليمة والسلمية بين الجاليات العربية والإسلامية وبين المجتمع، وأقامت بدلاً منها علاقة عداء وصلت إلى حل استحلال الدماء والقتل. وقد ترك هذا التحول في العلاقة بين المسلمين ومجتمع المهجر آثاراً سلبية واسعة النطاق، من المتوقع أن تزداد حدتها في السنوات المقبلة إذا استمر التيار المتطرف في أداء وظيفته التدميرية للعلاقات السليمة بين الأفراد والمجتمع، وخصوصاً الشباب. وقد وجدت التنظيمات الجهادية والدعاة المتطرفون في حروب أفغانستان والعراق وسورية محفزات رئيسية لزيادة نفوذهم في أوساط السباب المسلم، وفي أوساط الجاليات العربية والإسلامية بشكل عام.

وسوف نناقش في المقال التالي التطورات المتوقعة في علاقة تلك الجاليات بمجتمع المهجر في بريطانيا على ضوء الهزيمة المتوقعة لتنظيمي داعش والقاعدة والتنظيمات الموالية لهما في العراق وسورية.