المركز العربي للبحوث والدراسات : الأزمة النووية بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية (طباعة)
الأزمة النووية بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية
آخر تحديث: الثلاثاء 11/07/2017 11:50 ص
د. طارق ثابت د. طارق ثابت
لم يتبق من عقد الشيوعية فى العالم سوى كوريا الشمالية وهو ما يقلق الولايات المتحدة الأمريكية التى لم تدخر جهداً للقضاء على المعسكر الإشتراكى منذ أن بدأت تلك الحقبة وقت أن كان الإتحاد السوفييتى السابق هو زعيم الكتلة الشرقية ومعه الصين التى انسلخت عن ذلك المعسكر وخلعت عن نفسها عباءة الإشتراكية منذ نهاية الحرب الباردة واتجهت لنظام السوق وأصبحت قوة إقتصادية وعسكرية عظمى فى العالم .
وقد تفرغت الولايات المتحدة لإسقاط النظام الكورى الشمالى من خلال محاصرته إقتصادياً وعزله دبلوماسياً على مستوى العالم وتحريض حلفائها فى جنوب شرق آسيا على وقف المساعدات الغذائية والمالية للنظام الكورى الشمالى وخاصة من جانب كوريا الجنوبية واليابان .
وبعد أن هيأت الولايات المتحدة نفسها بشكل أساسى إعلامياً وعالمياً لتوجيه ضربه عسكرية لبعض المواقع النووية فى كوريا الشمالية بسبب تجاربها الأخيرة على صواريخ باليستية فى سبتمبر 2016 إلا أنها فوجئت بظهور ما يقرب من خمسين غواصة للنظام الكورى الشمالى لم تكن الولايات المتحدة تعلم عنها شيئاً ولم تكتشفها الرادارات الأمريكية مما جعلها تتراجع عن مخططها وتعلن على لسان الرئيس الجديد ترامب أنه يسعده لقاء الرئيس الكورى الشمالى كيم جونج أون فى لهجة لم نسمع بها من قبل من الجانب الأمريكى تجاه كوريا الشمالية وأصبحت تصريحاتها تطالب فقط كوريا الشمالية بعدم التصعي والوفاء بإلتزماتها الدولية وهو ما يدل على أن الولايات المتحدة قد فوجئت تماماً بالقوة الكورية الشمالية وأصبحت فى مرحلة جديدة لترتيب الأوراق لصياغة موقف جديد للتعامل مع الوضع القائم مع كوريا الشمالية .
وتهدف الولايات المتحدة من القضاء على النظام الكورى الشمالى إلى التفرغ لمواجهة الصعود الصينى الإقتصادى والعسكرى فى شرق آسيا والعمل على تحجيم تمدد نفوذها فى المنطقة .
سبب الأزمة
بدأت الأزمة النووية الحالية بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة عام 1994 عندما قامت الدولتان بتوقيع " إتفاق الإطار " الذى تقوم بموجبه الولايات المتحدة بتزويد كوريا الشمالية بحـاجتها مــن النفـــط والغـــــذاء وبناء مفــــاعـــلات للطاقة تعمل بالماء الخفيف بدلاً من الماء الثقيل ( الذى يمكن معه إنتاج اليورانيوم المخصب الذى يستخدم فى صناعة السلاح النووى ) وذلك مقابل تخلى كوريا الشمالية عن برنامجها النووى وقد وافقت كوريا الشمالية على ذلك نظراً لمتاعبها الاقتصادية الخانقة وأزمات الغذاء الطاحنة التى تعانى منها وعدم إستطاعتها تلبية متطلبات الشعب من الغذاء .
إلا أن الولايات المتحدة أخَلَّت بذلك الإتفاق حيث أوقفت إمدادات النفط لكوريا الشمالية مما استفزها ورأت أن الولايات المتحدة قد خدعتها بأن وعدتها بتعويضها عن نقص إمدادات الطاقة والغذاء ثم تراجعت عن ذلك بهدف تجريدها من الورقة الوحيدة الرابحة لديها وهى السلاح النووى  مما حدا بها أن تعلن إنسحابها من معاهدة حظر الإنتشار النووى وقامت بطرد خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذين كانوا يشرفون على وقف البرناج النووى لكوريا الشمالية وقتئذٍ وأعلنت عزمها على المضى قدماً فى إستئناف برنامجها النووى .
المسلك الكورى الشمالى فى الأزمة
تعاملت كوريا الشمالية فى تلك الأزمة التى نشبت بسبب برنامجها النووى مع الولايات المتحدة  بأسلوب حافة الهاوية والمواجهة المباشرة معها من خلال التصعيد والوصول إلى مرحلة الصدام المؤكد وإطلاق تصريحات نارية تؤكد فيها قدرتها على تدمير الولايات المتحدة وإزالتها من الوجود كما أبدت إستعدادها لأن تكون المواجهة نووية وليست تقليدية حيث تعلم أنها لا قبل لها بآلة الحرب الأمريكية التقليدية كما أعلنت أنه سيكون فى مقدمة أهدافها القواعد الأمريكية فى كوريا الجنوبية كما استأنفت كوريا الشمالية تجاربها على الصواريخ البالسيتية فى رسالة للولايات المتحدة تفيد عدم اكتراثها بالقوة الأمريكية .
إن كوريا الشمالية ليس لديها ما تخسره سوى أن تحافظ المجموعة الحاكمة على مقاعدها فى الحكم كما أن تمرد كوريا الشمالية على السياسة الأمريكية فى جنوب شرق آسيا يعطيهم إحساساً بوجود كيانهم المهتز بسبب ضعف الإقتصاد وعدم قدرة الدولة على تلبية مطالب الشعب الأساسية من غذاء ووقود التدفئة واعتمادهم على المساعدات الخارجية من الصين وكوريا الجنوبية واليابان إلا أن المساعدات توقفت من جانب اليابان وكوريا الجنوبية انصياعاً لمطالب الحليف الأمريكى كما ترى كوريا الشمالية ترى أن حيازتها لقدرات نووية يدعم كيانها الهش مما يمكن أن يجعل لها مكاناً فى شرق آسيا .
التحدي الكوري الشمالي للإدارة الأمريكية
إن القوة العسكرية وحدها لا يمكنها أن تحافظ على كيان أمة وأمامنا الإتحاد السوفييتى مثال حى على ذلك إذ لابد من وجود قوة إقتصادية تحمى الكيان السياسى للدولة وامدادتها بالإحتياجات اللازمة لبقائها وعلى أرض الواقع نجد أن هناك شكوكاً حول المقدرة الحقيقية لكوريا الشمالية على تنفيذ تهديداتها أو المدى الذى تستطيع أن تصل إليه فى الوقوف أمام الولايات المتحدة كما أن الصين التى تركن إليها كوريا الشمالية لن تتمادى فى دعم كوريا الشمالية إلا فى نطاق الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية فى علاقاتها مع الولايات المتحدة بعد القفزة الكبيرة التى حققتها إقتصادياً حيث تعمل الصين حالياً على تمديد نفوذها الإقتصادى والعسكرى جنوب شرق آسيا بشكل خاص وآسيا بصفة عامة وفرض سيطرتها على طرق الملاحة الإستراتيجية فى تلك المنطقة وتحجيم النفوذ الإقتصادى لليابان فى آسيا كما تعمل الصين على الإستفادة من تلك الأزمة بالضغط على الولايات المتحدة من خلال تعطيل تمرير أى قرار لمجلس الأمن الدولى لإدانة ومعاقبة كوريا الشمالية من أجل وقف المساعدات العسكرية التى تقدمها الولايات المتحدة لتايوان التى تعتبرها الصين جزءً منها .
ومن ناحية أخرى فكوريا الشمالية ليس لديها المقدرة الإقتصادية لتمويل الحرب ولكنها تنتهج مبدأ هدم المعبد فيمكنها إطلاق قذيفة نووية على الولايات المتحدة ولكنها لن تضمن العواقب حيث ستقوم الولايات المتحدة بالرد من خلال إطلاق قذائف نووية تكتيكية نظراً لصغر مساحة كوريا الشمالية وتجنباً للآثار البيئية المترتبة على ذلك على حلفائها الرئيسيين وهما اليابان وكوريا الجنوبية حيث يتمركز بهما عدة آلاف من الجنود الأمريكيين كما ستجدها الولايات المتحدة الفرصة فرصة سانحة للقضاء على النظام الكورى الشمالى وهو ما يمكن أن يؤدى لإنهيار الدولة والتعجيل بتوحيد الكوريتين يساعد على ذلك الحالة المعيشية السيئة التى يعانى منها الشعب فى كوريا الشمالية .
لقد كانت كوريا الشمالية تريد خلال فترة الحوار سداسى الأطراف ( الولايات المتحدة والصين واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية والشمالية ) بشأن برنامجها النووى أن يكون هناك حوار مباشراً مع الولايات المتحدة بغية الحصول على اعتراف ضمنى من الولايات المتحدة بالكيان الكورى الشمالى وهو ما حدث الآن بالفعل حيث صرح الرئيس الأمريكى ترمب أنه يمكنه لقاء الرئيس الكورى الشمالى وأن ذلك سيكون من دواعى سروره وهو تحول كبير للغاية فى المسلك الأمريكى تجاه كوريا الشمالية حيث ترمى من ذلك لتهدئة التوتر القائم وتحسباً لما يمكن أن تكون كوريا
الشمالية تخفيه من أسلحة لا تعلم الولايات المتحدة عنها شيئلً مثل واقعة الغواصات الكورية الشمالية التى فرجئت بها الولايات المتحدة بعد أن كانت تعد نفسها لمواجهة عسكرية مع الكوريين الشماليين .
وتبقى أزمــــــة الثقة بين كوريــــــــــــا الشمالية والولايات المتحدة حيث نقضت الولايات المتحدة اتفاقها ( خلال عام 2003 ) بتزويد كوريا الشمالية بالنفط اللازم لتشغيل محطات توليد الطاقة لديها وأوقفت تلك المساعدات دون سابق إنذار وهو ما يؤكده مقال لسفير مصر الأسبق فى كوريا الشمالية نشر بجريدة الأهرام فى 29/4/2003 حيث قال " لقد داهمت أمريكا كوريا الشمالية بوقف مساعدات النفط لتشغيل محطاتها لتوليد الطاقة وهو ما فجر الموقف الكورى وقضى على أى ثقة تجاه الجانب الأمريكى " .
الموقف الصينى من الأزمة والوحدة الكورية
الصين هى الحليف الأول لكوريا الشمالية كما أنها تساعدها فى برنامجها النووى ولا يمكن إستبعاد الصين من أية ترتيبات أمنية فى المنطقة كما أن الصين لا تريد انهيار الحليف الأخير فى المعسكر الإشتراكى فهى تستخدم كوريا الشمالية كرأس حربة لمواجهة الهيمنة الأمريكية .
وتنتهج الصن موقفاً مرناً غير متشدد من مطالب الولايات المتحدة بتخلى كوريا الشمالية عن برنامجها النووى حيث تحث الصين كوريا الشمالية بالتخلى عن برنامجها النووى ولكن لا يمكن الركون لتلك المرونة فليس من مصلحتها تفكيك البرنامج النووى لكوريا الشمالية حيث لا يوجد خطر يتهددها من حليفتها الوحيدة بالمنطقة كما أن الموقف الصينى ينظر للأمر من زاوية عدم الرغبة فى تعرضها للتعرض للإنتقادات لإنفرادها بموقف مؤيد لكوريا الشمالية حيث من المعروف عن الصين إنتهاجها لأسلوب الدبلوماسية الهادئة كما لا تريد الصين أن تكون منفردة فى مواجهة النفوذ الأمريكى الممتد فى كوريا الجنوبية واليابان فمن مصلحتها وجود مساعد لها لزيادة مجال نفوذها فى المنطقة لمواجهة محاولات الولايات المتحدة تحجيم النفوذ الصينى وكبح انطلاقها الإقتصادى وعلى ذلك فمن مصلحة الصين دعم كوريا الشمالية من أجل تشتيت الجهد الأمريكى وعدم تركيزه على الصين وحدها حيث استطاعت الولايات المتحدة استقطاب جمهوريات آسيا الوسطى ( السوفييتية السابقة ) إضافة إلى إرتماء الهند فى أحضان الولايات المتحدة بعد تفكك الإتحاد السوفييتى السابق وعلى ذلك فليس من المنطقى تأييد الصين لتوحيد الكوريتين والذى
سيؤدى بدوره لزيادة الحصار الرأسمالى لها وزيادة حجم التحالف المؤيد للولايات المتحدة فى مواجهة نمو النفوذ الصينى فى آسيا .
آفاق الوحدة بين شطرى كوريا
تسعى كوريا الجنوبية لتوحيد الكوريتين وأمامها مثال توحيد شطرى ألمانيا من أجل دعم وجودها ككيان موحد أمام الصين واليابان وأيضاً أمام الولايات المتحدة التى يرفض الشعب الكورى الجنوبى وجود قواتها على أراضيه من حيث المبدأ يؤيد ذلك إثارة المشاعر الوطنية للكوريين الجنوبيين بسبب مقتل فتاتين كوريتين من جانب جنديان أمريكيان كانا يقودان سيارة عسكرية أمريكية وتم محاكمتهما محاكمة صورية أمام محكمة عسكرية بالقاعدة الأمريكية فى كوريا الجنوبية بعد رفض الولايات المتحدة محاكمتهما أمام المحاكم الكورية الجنوبية وقضت المحكمة الأمريكية بتبرئتهما من واقعة القتل مما أدى إلى خروج مظاهرات غضب عارمة ضد الولايات المتحدة والوجود الأمريكى على أراضيها .
وتتطلع كوريا الجنوبية للقيام بدور بارز فى أسيا نظراً للقفزة الإقتصادية التى حققتها خلال التسعينات كما أنه من مصلحتها ضم الشطر الشمالى والتخلص من المناوشات والمتاعب الأمنية التى يسببها لها من آن لآخر الشطر الشمالى مع ما يستلزم ذلك من تخصيص جانب من الميزانية لدعم النواحى الدفاعية على الحدود المشتركة بينهما إضافة إلى جهود الإستخبارات وأعمال المراقبة المستمرة التى يمكن أن تستنزف جانباً كبيراً من جهود التنمية فى كوريا الجنوبية وفى ذات الوقت تضغط الظروف الإقتصادية المتردية فى كوريا الشمالية بقوة فى اتجاه تمهيد الطريق للوحدة بين الكوريتين كما أن ذلك يصب فى مصلحة الولايات المتحدة التى ستتخلص من تهديدات كوريا الشمالية بالرد على أى أعمال عدائية أمريكية بكافة الأسلحة ومنها السلاح النووى ومع وجود شخص مثل كيم جونج أون يقود كوريا الشمالية فلا يمكن التنبؤ بالمسلك الكورى الشمالى خلال الأزمات الطارئة .
وعلى ذلك نجد أن الوضع القائمخ هو موقف توجس وتحفز من الجانبين الكورى الشمالى والأمريكى ، فالولايات المتحدة ستبحث عن سبيل جديد لتنفيذ مخططها وتحقيق هدفها الرامى للتخلص من البرنامج الكورى الشمالى أو القضاء على النظام بشكل نهائى وكوريا الشمالية لن تنصاع للرغبة الأمريكية بوقف برنامجها النووى وبرنامجها للصواريخ الباليستية بعد أن فقدت
الثقة بشكل كامل فى الجانب الأمريكى وبذلك فالوضع القائم الآن قد وصل إلى مرحلة الجمود وعدم ظهور أى محاولات جديدة لحلحلة الأزمة حيث ترى الولايات المتحدة أن الحل العسكرى هم ما سيحقق أهدافها ، ومن جهة أخرى فالصين ستعمل على عرقلة أى محاولات أمريكية للقضاء على النظام الكورى الشمالى للأسباب التى تم إيضاحها رغم إمكانية لجوء الولايات المتحدة لإستمالة الصين فى صفها لتنفيذ مخططها من خلال إتفاقات تجارية مجزية إلا أنه من المستبعد إستجابة الصين للإغراءات الأمريكية حيث تعمل على بناء نفوذقوى لها فى آسيا والعالم ، وعلى ذلك فهل تنجح الولايات المتحدة فى التخلص من آخر الكيانات الشيوعية فى آسيا والعالم أم ستظل كوريا الشمالية شوكة فى خاصرة الأمريكيين .