المركز العربي للبحوث والدراسات : مستقبل الاتفاق النووي الإيراني (طباعة)
مستقبل الاتفاق النووي الإيراني
آخر تحديث: الجمعة 13/10/2017 04:25 م ماري ماهر - إيمان محمد
مستقبل الاتفاق النووي

     بعد مفاوضات شاقة بين إيران والدول الست الكبري والتي تتضمن الدول الخمسة الدائميين في الأمم المتحدة إلى جانب ألمانيا توصل الجانبان في يوليو 2015  إلى اتفاق من شأنه أن يضمن الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني في مقابل الرفع التدريجي العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا علي إيران، ويعد هذا الاتفاق هو أهم إنجاز للسياسة الخارجية الأمريكية للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.

     وقد كان هذا الاتفاق حاضراً بقوة في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، والتي تنافس فيها المرشح الجمهوري دونالد ترامب والمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، فقد هاجم المرشح الجمهوري ترامب الاتفاق وتعهد أنه في حالة فوزه في الإنتخابات فإنه سوف يقوم بإلغائه. ومنذ أن تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرئاسة رسمياً في يناير الماضي، فإنه لم يتوقف عن مهاجمة الاتفاق، وجاء آخرها في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثانية والسبعين حيث وصفه بأنه أسوأ اتفاق وقعته أمريكا في تاريخها وبأنه اتفاق مخجل، وصرح بأن كل الخيارات مطروحة للتعامل مع طهران متهماً إياها بنشر الدمار في الشرق الأوسط وتهديد إسرائيل.(1) وتستمر الولايات المتحدة في التصعيد ضد إيران حيث هددت بتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية.

     وانطلاقا من هذه المعطيات، فإن من غير المعروف ما إذا كان ترامب سينهي الاتفاق فعلاً، أو سيقوم بإعادة التفاوض عليه. ومن هنا نستطيع أن نقول ان شكل السياسة التي سيتم إتباعها تجاه إيران لم يحدد بعد بشكل واضح. إلا أن المرجح أن سياسة ترامب تجاه إيران لن تكون كالسياسة الأمريكية السابقة في عهد باراك أوباما.

     وفيما يلي سوف نقوم بعرض المواقف المختلفة من الاتفاق النووي الإيراني من داخل الولايات المتحدة، ومن قِبل الأطراف الأخرى في الاتفاق، بالإضافة إلى عرض السناريوهات المتوقعة لمصير الاتفاق النووي في الفترة المقبلة.

الموقف من الاتفاق النووي الإيراني

     يرى ترامب أن الاتفاق النووي الموقع مع إيران في يوليو 2015 لا يأتي في مصلحة الولايات المتحدة وأنه من الأفضل الانسحاب من هذا الاتفاق. ويلقى هذا التوجه اعتراضاً شديداً على الصعيد الأمريكي من جانب بعض المسئوليين الحاليين في الإدارة الأمريكية وكذلك من بعض المسئولين السابقين، فبالرغم من أن ترامب يرى أن الاتفاق النووي الايراني ليس في مصلحة الولايات المتحدة، يرى مسؤلون أمريكيون أخرون أن التخلي عن هذا الاتفاق لن يكون في مصلحة الولايات المتحدة. كما أنه يلقى معارضة علي الصعيد الدولي من جانب الدول الأخري الموقعة علي هذا الاتفاق.

     فعلى الصعيد الأمريكي، نجد أنه من ضمن المسئوليين الحاليين في الإدارة الأمريكية الرافضين لهذا المسار، جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأمريكي والذي يري أن من مصلحة الأمن القومي الأمريكي الاستمرار في الاتفاق النووي مع إيران، وفي جلسة استماع أمام لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ أكد على أنه يؤمن بضرورة المحافظة على الاتفاقية النووية مع إيران.(2) كما يرى السيناتور الديمقراطي، كريس ميرفي، أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني سوف يؤذي الولايات المتحدة ويفيد إيران، حيث أن إيران سوف تعود إلى مسار تطوير السلاح النووي وفي الوقت نفسه سوف تستفيد من تخفيف العقوبات من قٍبل الدول الأخري الأطراف في الاتفاق، وهذا سوف يجعل إيران تبدو وكأنها ضحية.(3) ويتفق موقف الديمقراطيين بشكل عام مع موقف ميرفي، في ضرورة الإبقاء على الاتفاق النووي، بعكس الجمهوريون الذين يتفقوا مع موقف ترامب في الانسحاب من الاتفاق. 

     ومن بين المسئولين السابقين الرافضين لهذا المسار، جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي السابق والذي حذر من أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي سيؤدي إلي عزل الولايات المتحدة،  وقال بايدن، أمام مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن أن الصفقة مع إيران ليست اتفاقية مع الولايات المتحدة، ففيها اشتركت أيضًا دول "السداسية"، وبالتالي أن الانسحاب الانفرادي من هذه الصفقة لن يؤدي إلى عزل إيران، وإنما سيؤدي إلى عزل الولايات المتحدة.(4) ويتفق مع هذا الرأي، جون كيري، وزير الخارجية السابق حيث أنه رأى أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي سيجعلها هي المعزولة عن العالم وليست إيران.(5)

     أما علي الصعيد الدولي، فإن الدول الخمس الأخرى الموقعة علي الاتفاق ترفض فكرة الانسحاب من الاتفاقية، فقد أكدت روسيا على ضرورة الإلتزام بالاتفاق النووي الإيراني وعبرت عن أملها في أن يتخذ ترامب موقفاً متوازناً من اتفاق الحد من برنامج إيران النووي.(6) واعتبر الرئيس الفرنسي ماكرون أن نقض واشنطن للاتفاق دون تقديم بديل سيكون بمثابة غلطة كبري وعمل غير مسئول لأنه اتفاق مفيد وضروري من أجل السلام.(7) وشددت رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي على أهمية الاتفاق النووي الإيراني لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية.(8)

السيناريوهات المتوقعة لمصير الاتفاق النووي الإيراني

     يلزم القانون الرئيس الأمريكي بأن يُبلغ الكونجرس كل تسعين يوماً بمدى التزام إيران بالاتفاق، وهل رفع العقوبات عنها سيكون في صالح الولايات المتحدة ام لا، وبناءً علي ذلك فإنه سيكون على ترامب أن يُبلغ الكونجرس بمدى التزام إيران أو عدم التزامها بالاتفاق قبل الخامس عشر من شهر أكتوبر الجاري. وبناءً علي ذلك فإن هناك ثلاثة سيناريوهات متوقعة لمصير الاتفاق النووي في الفترة القادمة.

السيناريو الأول

     أن يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل الخامس عشر من الشهر الجاري، أن إيران غير ملتزمة بالاتفاق النووي وأنه ليس في صالح الولايات المتحدة، وهذا ما لوح به مؤخراً، فقد صرح بعد إجتماع له مع كبار القادة العسكريين في البيت الأبيض بأنه لا يجب السماح لإيران بحيازة أسلحة نووية، كما صرح بأن النظام الإيراني يدعم الارهاب ويصدر العنف والدم والفوضى في أنحاء الشرق الأوسط لهذا يجب وضع حد لإيران وبرنامجها النووي، وصرح بأنه سوف يعلن عن موقفة من الاتفاق النووي الإيراني قريباً جداً.(9)

     وفي هذه الحالة سوف ينتقل الأمر إلى الكونجرس، ذو الأغلبية الجمهورية الرافضة للاتفاق، والذي سيكون أمامه ستون يوماً لاتخاذ القرار بشأن كيفية التعامل مع إيران، وهنا سوف يكون أمام الكونجرس خياران:

الخيار الأول: أن يقر الكونجرس بعدم التزام إيران بالاتفاق وبالتالي يقوم بإعادة فرض العقوبات عليها، وفي هذه الحالة من المتوقع أن يكون لإيران رد فعل تصعيدي علي هذه الخطوة. فقد هدد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بأن إيران يمكنها ترك الاتفاق النووي خلال ساعات إذا قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات عليها. كما اعتبر روحاني أن خروج الولايات المتحدة من اتفاق متعدد الأطراف يحظي بدعم من مجلس الأمن وموضوعة متعلق بالإنتشار النووي سوف يكلفها ثمناً باهظاً حيث لن يثق أحد بها ثانية.(10) وهدد، محمد علي الجافري، قائد الحرس الثوري الإيراني بأن إيران سوف تعزز قدراتها الدفاعية ومن بينها برنامجها الصاروخي إذا ما قوضت واشنطن الاتفاق.(11)

الخيار الثاني: أن يقرر الكونجرس بقاء الولايات المتحدة في الاتفاقية، واستمرار رفع العقوبات عن إيران، وبالتالي يكون قد قطع الطريق أما التصعيد الإيراني المحتمل في حالة أخذ الكونجرس قرار بفرض العقوبات علي إيران.    

السيناريو الثاني

     أن يكتفي ترامب بطلب تعديل الاتفاقية لمنع إيران من إقامة تجارب بصواريخها البالستية، وبإضافة بعض البنود لها مثال السماح بشكل تام لخبراء الأسلحة النووية التابعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية للدخول إلى كافة المناطق العسكرية السرية الإيرانية التي تم رصد أنشطة نووية فيها وليس فقط المنشآت النووية الإيرانية الرسمية.(12)

     وفي هذه الحالة من الممكن أن تتفق معه الأطراف الدولية الأخرى الموقعة على الاتفاقية، فعلي سبيل المثال، بالرغم من أن فرنسا لا تتفق مع موقف ترامب، إلا أنها تطالب باتفاق تكميلي للاتفاق الأساسي في مرحلة ما بعد عام 2025. كما أن ألمانيا تتخوف من تصاعد نشاط إيران في المنطقة ولكن هذا التخوف لا يصل أبداً إلى حد إلغاء الاتفاق.(13)

السيناريو الثالث

     أن يستمع ترامب إلى الصوت المنادي بضرورة الإبقاء على هذا الاتفاق، ويعلن أن إيران ملتزمه ببنود الاتفاق، وبالتالي يستمر الكونجرس في رفع العقوبات عنها، ويستمر الوضع علي ما هو عليه الآن.

     وانتهاءً، فإن مصير الاتفاق النووي الإيراني، سواء بالإبقاء عليه أو تعديله أو الغائه، سوف يتحدد في الأيام القليلة القادمة في الموقف الذي سوف يعلن عنه الرئيس الأمريكي ترامب في خطابه المنتظر. كما أنه من الواضح أيضاً أن هناك أصوات كثيرة داخل الإدارة الأمريكية وخارجها ترى ضرورة الإبقاء على الاتفاق، بالإضافة إلى أن الدول الأخرى الأطراف في الاتفاق يروا ضرورة الحفاظ عليه لمنع إيران من تطوير برنامجها النووي.

 

الهوامش

1)        " ترامب يصف إيران بأنها دكتاتورية فاسدة"، متاح علي:

http://www.bbc.com/arabic/world-41318911، 7 أكتوبر 2017.

2)        " وزير الدفاع الأمريكي: مصلحتنا ببقاء الاتفاق النووي الإيراني"، متاح علي:

      https://arabic.cnn.com/world/2017/10/04/mattis-iran-deal-us، 7 أكتوبر 2017.

3)      " سيناتور لـCNN: الخروج من الاتفاق النووي سيضر أمريكا ويفيد إيران"، متاح علي:

https://arabic.cnn.com/middle-east/2017/10/08/chris-murphy-iran-nuclear-deal، 8 أكتوبر 2017.

4)      " نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن يحذر ترامب"، متاح علي:

 https://alwafd.org/، 8 أكتوبر 2017.

5)      John F. Kerry, “The Iran deal is working. Here’s how we know”, available at: https://www.washingtonpost.com/opinions/the-iran-deal-is-working-heres-how-we-know/2017/09/29/, 8 October 2017.

6)        "روسيا تؤكد على ضرورة الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران"، متاح علي:

http://www.dw.com/ar/، 8 أكتوبر 2017.

7)      "ماكرون يسعى للعب دور «الوسيط» في الملف النووي الإيراني"، متاح علي:

https://aawsat.com/home/article/1030461، 8 أكتوبر 2017.

8)      " ماي شددت في لقاء مع تيلرسون على أهمية الاتفاق النووي الإيراني"، متاح علي:

 https://arabic.sputniknews.com/world/201709141026182333، 9 أكتوبر 2017.

9)        "ترامب يجتمع بقادة الجيش في لقاء الهدوء قبل العاصفة"، متاح علي:

https://www.skynewsarabia.com/web/article/986021، 9 أكتوبر 2017.

10)  "الرئيس الإيرانى: نمتلك خيارات حال انسحاب أمريكا من الاتفاق النووى"، متاح علي:

http://www.youm7.com/story/2017/9/20، 9 أكتوبر 2017.

11)   "إيران تحذر أمريكا من فرض عقوبات جديدة"، متاح علي:

http://ara.reuters.com/article/worldNews/idARAKBN1CD085، 9 أكتوبر 2017.

12)  " هل تستطيع أمريكا تحمل التبعات إذا ألغت الاتفاق النووي مع إيران؟"، متاح علي:

http://www.dw.com/ar/، 9 أكتوبر 2017.

13) المرجع السابق.