المركز العربي للبحوث والدراسات : تقرير بورتلاند حول القوى الثلاثين الناعمة للعام 2017 (طباعة)
تقرير بورتلاند حول القوى الثلاثين الناعمة للعام 2017
آخر تحديث: الإثنين 26/02/2018 11:17 م د. محمود عبد الله
تقرير بورتلاند حول

يتناول هذا التقرير القوى الناعمة الثلاثين عبر العالم التي تحتل مقدمة الدول الأقوى دوليا. وهو تقرير تصدره شركة بورتلاند للاتصالات، على يد عدد من الخبراء المتخصصين. وهو يعتمد على عدد من المقاييس، منطلقاً من أطروحة البروفيسور جوزيف ناي حول مفهوم القوى الناعمة التي عرض لها في أكثر من عمل له، بداية من كتابه الأول حول القوة الناعمة الذي صدر منذ سبع وعشرين عاما. وليس هذا التقرير هو أول تقرير تصدره مؤسسة بورتلاند، لكنه الثالث، فقد سبقه تقريران عن العامين 2015 و2016.

المنهجية

وقد اعتمد التقرير على عدد من المؤشرات الموضوعية والذاتية. حيث شملت البيانات الموضوعية على كافة البيانات المتحصلة من عدة مقاييس. أولها مؤشر الحكم، وهو يتصل بتقييم القيم السياسية للدولة والمؤسسات العامة وثمار السياسة العامة، ويشمل على مقاييس الحرية الفردية، والتنمية البشرية، والعنف في المجتمع، وتأثير الحكومة. وثانيها مؤشر الثقافة، ويشمل التعرف على عدد السياح الوافدين سنويا، ومدى نجاح صناعة الموسيقى وعدد البطولات الرياضية، وغيرها من المؤشرات. وثالثها مؤشر المشاركة العالمية وهو يهتم بقياس الموارد الدبلوماسية للدولة من قبيل عدد السفارات والمفوضيات والعضوية في المنظمات العالمية وتقديم المساعدات التنموية عبر العالم. ورابعها مؤشر التعليم، ويهتم هذا المؤشر بالتعرف على مشاركة الدولة في التعليم، فيشمل مثلا على عدد الطلاب الأجانب في الدولة، وجودة التعليم الجامعي، والناتج الأكاديمي لمؤسسات التعليم العالي وغيرها من العناصر. وخامسها مؤشر المشاريع، ويهدف إلى التعرف على مدى جاذبية الدولة اقتصاديا. وسادسها المؤشر الرقمي ويشمل عناصر من قبيل عدد المتابعين لصفحة رئيس الدولة ووزارة الخارجية من المواطنين الأجانب، وعدد مستخدمي الإنترنت وعدد الهاتف المحمولة، وغيرها.

وعلى مستوى البيانات الذاتية، فقد تم الاعتماد على استطلاع رأي مطبق على عينة من 11 ألف مفردة، من الثلاثين دولة الأقوى. ويشمل المسح على عدد من المقاييس، وهي: مقياس تفضيل الدول الأجنبية، ومقياس رؤية أطعمة البلدان الأجنبية، ومقياس تصورات عن ترحيب الدول الأجنبية بالسياح، ومقياس تصورات عن السلع الكمالية التي تنتجها الدول الأجنبية، ومقياس الثقة في تعامل الدول الأجنبية في الشئون العالمية، ومقياس الرغبة في زيارة الدول الأجنبية للعيش والعمل أو الدراسة، ومقياس تصورات عن مساهمات الدول الأجنبية للثقافة العالمية.

أهم النتائج

ولقد توصل التقرير إلى عدد من النتائج الأساسية التي يمكن عرضها على النحو التالي:

§        احتلت فرنسا المقدمة ويرجع ذلك إلى قوة شبكتها الدبلوماسية واتساعها، كما لا مثيل لها من حيث العضوية في المنظمات الدولية، وكذلك بالنسبة لحجم بعثاتها الثقافية الدبلوماسية. ورغم تهديد الإرهاب لأراضيها، فإن هذا لم يمنع السياح من الذهاب إليها والاستمتاع بعروضها الثقافية الغنية ومأكولاتها وأسلوب حياتها، ولا تزال السينما مزدهرة في فرنسا، ومتاحفها والمعارض الفنية هي الأكثر زيارة في العالم.

§        تحتل بريطانيا المرتبة الثانية ويرجع ذلك لبعض مقومات القوة التي تمتلكها. فهي قوية في مؤشرات المشاركة، والثقافة، والتعليم، والمؤشر الرقمي. حيث تستفيد القوة الناعمة البريطانية من ثروة الموارد الممولة من الدولة. وتحتفظ شبكة بي بي سي بمكانتها باعتبارها مصدر الأخبار الأكثر مصداقية في العالم، فيما يعتبر المجلس الثقافي البريطاني هو الأنموذج في المشاركة الثقافية والتعليمية. وقد حققت الوزارات البريطانية مثل وزارة الخارجية ووزارة التنمية الدولية نجاحا كبيرا في الوعي بوجود المملكة المتحدة عالميا. علاوة على توفر على أفضل الجامعات واجتذاب كثير من طلاب العالم، وامتلاك صناعات ثقافية متميزة في السينما والموسيقى والعمارة والموضة. كما أن بريطانيا حاضنة لأكبر المنظمات الدولية في العالم التي لها دور إنساني.

§        تراجعت الولايات المتحدة في الترتيب على الرغم من امتلاكها من القدرات التي تمكنها من احتلال قمة الترتيب. ولكن خطاب الرئيس ترامب أدى إلى انخفاض حاد في نسبة أمريكا في استطلاع الرأي الذي أجري عبر العالم. حيث انخفضت النتيجة الإجمالية للولايات المتحدة بنسبة 10٪ تقريبا في الفترة من 2016 إلى 2017. وفيما يتعلق بالشئون العالمية، احتلت الولايات المتحدة المرتبة 21، وتجدر الإشارة إلى أن المسح قد اكتمل قبل إعلان ترامب الانسحاب من اتفاقية باريس. وثمة نقطة أخرى تستحق النظر هي التناقض الصارخ في نهج المشاركة الرقمية بين إدارتي أوباما وترامب. ففي حين أن الولايات المتحدة لا تزال تجلس على عرش المؤشر الرقمي، إلا أن أسلوب الرئيس الحالي قد تسبب في كثير من الأحيان بتهديد أسعار الأسهم ووجود توترات دبلوماسية. ويمكن اعتبار ظهور ترامب تهديدا للقوة الناعمة الأمريكية، فقد أشار إلى أنه لا يفضل اللجوء للقوة الناعمة، دون فهم منه للحاجة للجمع بين القوتين العسكرية والناعمة.

§        تصدرت سنغافورة للسنة الثانية على التوالي مقدمة المؤشر الفرعي للعمل التجاري قبل سويسرا وكوريا الجنوبية. وليس ذلك راجعا للضرائب والكفاءة بل لديها قدرات هائلة في مجال الابتكار والاستثمار في البحث العلمي والتنمية.

§        بالنسبة لمؤشر الثقافة، فإن الثقافة هي أقوى موارد الطاقة الناعمة في أمريكا، فالمنتجات الثقافية والإبداعية فيها منتشرة انتشارا عالميا هائلا. حيث تتعزز قوة الولايات المتحدة بفضل صناعة السينما وما تتوفر عليه من مواهب رياضية. ومع ذلك، فإن المملكة المتحدة ليست بعيدة عن الركب، نتيجة للنجاح الشامل في صناعة الموسيقى البريطانية وشعبية متاحفها ومعارضها. وتحتل فرنسا وألمانيا وأستراليا موقعا بين الدول الخمس الأولى على هذا المؤشر.

§        يركز المؤشر الفرعي للتعليم أساسا على التعليم العالي. ويقيس جودة الجامعات وقدرتها على جذب الطلاب الأجانب ومدى المساهمة في نشر البحوث الأكاديمية. وتعتبر الولايات المتحدة هي الدولة التي لا مثيل لها في هذا المؤشر. فهي موطن لجامعات هي الأكثر شهرة؛ حيث تجذب كثيرا من الطلاب الأجانب؛ كما تعتبر الأكثر إسهاما في البحوث الأكاديمية من أي بلد آخر. وتقترب منها في ذلك بريطانيا التي تعتمد إلى حد كبير على نوعية جامعاتها وقدرتها على جذب الطلاب الأجانب.

§        لدى فرنسا اليد الطولى على مؤشر المشاركة. فكما تبين سلفا، تمتلك فرنسا أفضل شبكة في العالم من العلاقات الخارجية الدولية والتعاون الدولي، وهي عضو في منظمات متعددة. ولكنها لا تفوق الولايات المتحدة من حيث عدد السفارات والبعثات الدبلوماسية. ومن المتوقع أن تواصل فرنسا تقدمها في هذا المضمار في ظل سياسة ماكرون الساعية لمزيد من التعاون والتكامل في أوروبا وخارجها.

§        يتضمن مؤشر الحكم مقاييس تهتم بالقيم السياسية مثل الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية والمساواة. ويتضمن أيضا مقاييس للحكم والفعالية. وقد احتلت بلدان شمال أوروبا المرتبة الأولى في التصنيف العالمي لكفاءة الحكومات وفي نسبة الثراء وحجم التنمية البشرية. ونتيجة لذلك، احتلت النرويج وسويسرا والسويد المراكز الثلاثة الأولى على هذا المؤشر.

§        أما المؤشر الفرعي الرقمي فيحظى بأكبر قدر من الحركية عاما تلو الآخر. ولكن الولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بهيمنتها عليه. فهي ليست فقط موطن وادي السيليكون وغالبية شركات التكنولوجيا الأكثر تأثيرا في العالم، ولكن الحكومة الأمريكية هي رائدة الدبلوماسية الرقمية، وإن كان ذلك بأسلوب مختلف عن المعتاد. فيما هبطت كندا إلى المركز السادس وتجاوزتها المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وكوريا الجنوبية.