المركز العربي للبحوث والدراسات : في سياق الانتخابات الرئاسية: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى الدستور المصري (طباعة)
في سياق الانتخابات الرئاسية: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى الدستور المصري
آخر تحديث: الجمعة 23/03/2018 03:35 م محمد عبد الهادي
في سياق الانتخابات

ترتبط الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالعدالة الاجتماعية التى تُعد تجسيداً للمواطنة المتساوية وتحقيق تكافؤ الفرص فى الاحتياجات الأساسية ودعمها كمجال تنموى ومؤشر للثقة السياسية. ومن خلالها فقط يدرك المواطنين توجه الدولة أن كان فيه انحياز تجاههم والنظام يعمل لصالحهم من عدمه(1).

وتُجمع العديد من الأدبيات أن من أهم عوامل تعزيز العدالة الاجتماعية، تتمثل فى التنمية المستدامة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى ارتباطها بالبيئة والتى تقوم على أهداف تلبية احتياجات المواطنين واتخاذ سياسات عامة تعالج إخفاقات التنمية والنمو، هذا يبرز الحاجة لمنهجيات التنمية التى تراعى كافة فئات حقوق الإنسان، على نحو يسمح بالتمتع بهذه الحقوق(2).

من هنا ما تقره التشريعات (الدساتير والقوانين واللوائح) من نصوص لتلبية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنين فى قطاعات العمل اللائق، والسكن، والتعليم والصحة، والضمان الاجتماعى، والغذاء، والمياه، والبيئة الصحية، والثقافة وغيرها، والضمانات والالتزامات التى توجب احترامها وصونها أو ما يعرف بالإطار الدستورى للجقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يمثل أساس الطريق نحو العدالة الاجتماعية(3).

وجدير بالذكر إن اتخاذ التدابير اللازمة وتوفيرها لإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عن طريق تطوير المجتمعات المحلية وتعبئة جهودها، ودعم إجراءات تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز المشاركة والمساواة، يُفضى فى الواقع العملى إلى أفضل الممارسات فى تعزيز تمتع جميع المواطنين بدون تمييز بهذه الحقوق، مع الأخذ فى الاعتبار قدرات وإمكانيات الدول(4).

ووفق الدستور المصرى الصادر في عام 2014 تكفل أو تلتزم أو تعمل الدولة على تحقيق المقومات الأساسية للمجتمع، وتُعرف هذه المقومات الأساسية بأنها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويقع على السلطة التنفيذية وفروعها فى الدستور عبء تحقيق هذه المقومات للمواطنين وإنفاذها وإعمالها.

حيث قد نص هذا الدستور في الباب الثانى منه بعنوان "المقومات الأساسية للمجتمع" عبر ثلاثة فصول تتمثل فى "المقومات الاجتماعية" و"المقومات الاقتصادية" و"المقومات الثقافية"، وأورد عبر المواد من المادة (7) وحتى المادة (50) على حزمة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فضلاً عن المواد أرقام (68) و(78) و(177) و(218) و(236) التى يمكن اعتبارها بأنها ترتبط بفئة الحقوق هذه، ويمكن إستعراضها كما يلى(5):

ذكر الدستور أن المجتمع يقوم على التضامن الاجتماعى وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية، وأن الدولة تكفل تكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون تمييز، وأن الأسرة أساس المجتمع، وتحرص الدولة على تماسكها واستقراراها وترسيخ قيمها، ونص في المادة (11) على كفالة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل. كما نص على أن العمل حق وواجب وشرف تكفله الدولة، ودون إخلال بالحقوق الأساسية للمكلفين بالعمل. كما أورد في ذات المادة عدم جواز فرض أي عمل جبرا على المواطنين إلا بمقتضى ولأداء خدمة عامة وبمقابل عادل. كما أورد في المادة (14) أن الوظائف العامة حق للمواطنين على أساس الكفاءة وبدون وساطة ولا محاباة، وتكليف للقائمين بها لخدمة ورعاية مصالح الشعب، وأورد في ذات المادة أنه لا يجوز فصلهم بغير الطريق التأديبي إلا في الأحوال التي يحددها القانون. وأكد فى المادة (15) على حق الإضراب السلمى.

        أما فى المواد التالية فأكد الدستور على كفالة الدولة للخدمات التعليمية والاجتماعية والصحية، وعلى كفالة الدولة خدمات التأمين الاجتماعي والصحي، ومعاشات مناسبة لصغار الفلاحين والعمال الزراعيين والصيادين والعمالة غير المنتظمة. كما حدد مخصصات نسبية من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية للإنفاق الحكومى فى الصحة والتعليم والبحث العلمى.

وحدد الدستور فى المواد (27)، و(33)، و(37)، و(38) من الفصل الثانى "المقومات الاقتصادية" هدف النظام الاقتصادى فى تحقيق الرخاء فى البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية فى ظل الحوكمة ومراعاة النمو المتوزان الجغرافى والقطاعى والبيئى. واعترف بالملكية التعاونية إلى جانب الملكية العامة والملكية الخاصة، مع مراعاة الدولة للتعاونيات ودعمها وضمان استقلاليتها. وحدد هدف النظام الضريبى والرسوم والمتحصلات السيادية الأخرى فى تنمية موارد الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية وتحفيز التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية. ونص الدستور فى مواضع لاحقة على الحق فى السكن والتمتع بالنيل والبيئة الصحية السليمة والثقافة.

كما ترتبط المادة (68) الخاصة بشفافية المعلومات بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما ارتباطها بالحقوق والحريات العامة، وتنص على أن المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للمواطنين، والإفصاح عنها والحصول عليها حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وفق ما ينظمه القانون من قواعد وضوابط الحصول عليها وسريتها وحفظها.

أما المادة (78) فقد جعلت الكرامة والعدالة الاجتماعية شرطاً لإنفاذ الحق فى السكن من خلال أن تكفل الدولة للمواطنين الحق فى المسكن الملائم والآمن والصحى، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية.

كما ذكرت المادة (177)، فى الفرع الثالث فرع "الإدارة المحلية" من فصل "السلطة التنفيذية" فى الباب الخامس "نظام الحكم"، أن تكفل الدولة توفير ما تحتاجه الوحدات والمجتمعات المحلية من تطوير ومعاونة علمية، ولوجستية، وإدارية، ومالية، مع ضمان التوزيع العادل للمرافق، والخدمات، والموارد، والعمل على تقريب مستويات التنمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين هذه الوحدات، طبقًا لما ينظمه قانون الإدارة المحلية. وفى نفس الباب تضمن الفرع الثانى "الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية" من الفصل الحادى عشر المادة (218) والتى تنص على التزام الدولة بمكافحة الفساد وتعزيز قيم النزاهة والشفافية، فى إطار تنسيق الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة فيما بينها، مع وضع ومتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بالمشاركة مع غيرها من الهيئات والأجهزة المعنية.

أما المادة (236) فى باب الأحكام العامة والانتقالية فقد ألزمت الدولة بالربط بين التخطيط العمرانى والتنمية الاقتصادية مع الأخذ فى الاعتبار أبعاد وتنوع المكونات الثقافية والبيئية للمجتمعات المحلية، وذلك من خلال؛ وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة فى الصعيد وسيناء ومطروح والنوبة، وأولوية استفادة أهالى هذه المناطق من عوائد ومشروعات التنمية.

بعد هذا الاستعراض يمكن إيجاز الملاحظات التالية(6):

1.    إن الدستور المصرى فى عمومه قد اهتدى إلى حد بعيد بالمواثيق والإعلانات والعهود والإتفاقيات الدولية، خاصة تلك الواردة فى العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة فى عام 1966.

2.    إذا كان الدستور المصرى فى عمومه لم يغفل أيًا من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بل وأشار إليها جميعاً على نحو واضح ومحدد وخصص لها باباً مستقلاً، إلا أنه مواده جميعها وبلا استثناء لم تتوان عن وضع القيود عليها، وذلك بالذكر فى نهاية المواد الدستورية المتضمنة لها بعبارة تفيد بأن ذلك وفقا للقانون. فمثلاً يعترف الدستور بحق "الإضراب السلمى"، غير أنه يتبع ذلك بأن يكون "ينظمه القانون"، وفى بعضها قد قيد بعض هذه الحقوق بقدرات وإمكانات البلاد والنظام العام وهى عبارات تمس جوهر الحق أو الحرية. الأمر الذى قد يؤثر على إفراغ هذا الحق من مضمونه بدرجة أو بأخرى.

3.    أفرد الدستور فى خمسة مواد ذكر العدالة الاجتماعية ولكن بمعانى مختلفة، ففى المادة (8) ذكر التزام الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية كصورة للتضامن الاجتماعى، وفى المادة (27) اعتبرها هدفا لتحقيق الرخاء الاقتصادى، بينما عدها فى المادة (38) من ضمن أهداف السياسة الضريبية والمتحصلات العامة، بينما فى المادة (78) اصبحت كفالة شروط المسكن المناسب أساس للكرامة الإنسانية ومطلب للعدالة الاجتماعية، أما فى المادة (177) فقد اقترنت العدالة الاجتماعية بالتنمية فى ضوء ما تكفله الدولة للوحدات المحلية من دعم وموارد،  والرؤية غير الواضحة تلك تنعكس سلبا على صياغة برامج وسياسات للعدالة الاجتماعية فى مصر.

4.    إن قطاعات التعليم والصحة والبحث العلمى صارت لها استحقاقات دستورية بمخصصات مالية لا تقل عن نسب محددة إلا أن المشكلة ليس فقط فى ما قد يثور من وجهات نظر تتحفظ على هذا التخصيص النسبى، وإنما كذلك أن استيفاء الحقوق الدستورية أو التحقيق الفعال للاستحاقاقات الدستورية التى تتعلق بزيادة الإنفاق، مما يتطلب تعديل فى منطومة إدارة وتوزيع الإنفاق العام وهو ما لا يمكن تحققه إلا بوجود منظومة جديدة لإعداد ومتابعة تنفيذ والرقابة على الموازنة العامة للدولة.

5.    إن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى ارتباطها بمستويات حياة المواطنين لا بد من أن يقترن تحقيقها بتحسين الخدمات العامة ومكافحة الفساد وإعلاء النزاهة والشفافية والمساءلة، وحددت المادة (218) استراتيجية الدور الرقابى فى ذلك إلا هناك تباطؤ نحو تفعيل هذا الغرض.

يتضح مما سبق أن الدستور المصرى قد تضمن نصوصاً واضحة وصريحة تتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحقيقة يمكن القول بأنه هناك فجوة بين التشريع والممارسة، حيث أن الحالة المصرية نموذجا واضحا على عدم إمكان قيام نص دستورى بضمان استيفاء الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ فعلى الرغم من النصوص الدستورية التى تحدد مجموعة هذه الحقوق بل والإنفاق على بعضها كنسبة من الناتج القومى الإجمالى، فلا يزال الاستيفاء الكامل لها غائبا عن الواقع المصرى، لأسباب لا تتعلق فقط بإتاحة الحق بل بأدوات النفاذ الكامل له(7).

ويلاحظ ذلك ما مثلته هذه النسب والمخصصات المالية الدستورية من مأزق فى مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للعام المالى الحالى 2017/ 2018،  فى ظل استمرار عجز الموازنة فى ظل الأوضاع الاقتصادية وتحرير سعر الصرف وتضاعف سعر الدولار من جانب، وزيادة النسب المخصصة لقطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمى بالموازنة الجديدة عن موازنة العام الجارى، وذلك وفقًا لنصوص مواد الدستور (18)، و(19)، و(21) (8).


قائمة الهوامش

1.      فؤاد الصلاحى، ثورات الربيع العربى ومطلب العدالة الاجتماعية، فى: أيمن عبد المعطى (مراجعة)، العدالة الاجتماعية: المفهوم والسياسات بعد الثورات العربية، (القاهرة: منتدى البدائل العربى للدراسات ومؤسسة روزا لوكسمبورج، د.ت)، ص ص 103– 105.

2.      موازنة المواطن: تدعيم المشاركة المجتمعية فى صنع الموازنة العامة للدولة، دراسة أجريت بالتعاون بين مركز الحوكمة التابع للمعهد القومى للإدارة بوزارة  ومركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، (د.ت)، ص ص24-25.

3.      فؤاد الصلاحى، مرجع سبق ذكره، ص 106.

4.      عن التنمية بعد ثورات الكرامة العربية، ورقة توصية سياسية خاصة بأعمال مؤتمر ثورات الكرامة العربية الذى عقد فى القاهرة فى يومى 28 و29 أغسطس 2012، (القاهرة: منتدى البدائل العربى للدراسات ومؤسسة هيفوس الهولندية، د.ت)، ص ص 8-9.

5.      الدستور المصرى 2014.

6.      ريم عبدالحليم، ماذا يجب أن تحمله قوانين الموازنة العامة للدولة والإدارة المحلية من تعديلات لتتلاءم مع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التى نص عليها الدستور المصرى فى عام 2014، (أوراق سياسات مؤتمر وورشة تدريب مشروع: إصلاح الخدمات العامة فى مصر فى الفترة من 29 نوفمبر إلى 2 ديسمبر 2015)، سلسلة أوراق البدائل، منتدى البدائل العربى للدراسات، (القاهرة: د.ت)، ص ص 3-4.

7.      التنمية الاقتصادية للأجيال القادمة فى مصر والعالم العربى، أوراق البرنامج التدريبى للقيادات العليا الذى نفذته كلية السياسات العامة والشئون الدولية، الجامعة الامريكية بالقاهرة فى الفترة من 9 إلى 13 أكتوبر 2016.

8.      سمر سلامة، مخصصات قطاعى "الصحة والتعليم" يشكلان مأزقًا للحكومة فى الموازنة.. وزير المالية يؤكد استيفاء النسب الدستورية.. رئيس لجنة "الخطة": "الأرقام هى اللى هتأكد".. وياسر عمر: لم ولن نقبل بموازنة غير دستورية، جريدة اليوم السابع، 10/ 5/ 2017، على الرابط التالى:

http://www.youm7.com/story/2017/5/10/%D9%85%D8%AE%D8%B5%D8%B5%D8%A7%D8%AA-%D9%82%D8%B7%D8%A7%D8%B9%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85-%D9%8A%D8%B4%D9%83%D9%84%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%A3%D8%B2%D9%82%D9%8B%D8%A7-%D9%84%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A9-%D9%81%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%B2%D9%86%D8%A9-%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1/3226136