المركز العربي للبحوث والدراسات : الفساد مُحرِكًا: مستقبل ماليزيا بعد عودة "مهاتير محمد" (طباعة)
الفساد مُحرِكًا: مستقبل ماليزيا بعد عودة "مهاتير محمد"
آخر تحديث: الخميس 17/05/2018 04:08 م محمود جمال عبد العال
الفساد مُحرِكًا:

تلعب الشخصيَّات الكاريزمية دورًا محوريًّا في الهيمنة على النظام السياسي سواءً من النواحي السياسية، أو الثقافية، أو الاقتصادية.  في هذا السياق، لعب مهاتير محمد دورًا كبيرًا في التجربة النهضوية التي شهدتها ماليزيا؛ حيث كان له بصمات واضحة على التطور الذي شهدته ماليزيا منذ أن تولى مهاتير رئاسة الوزراء في عام 1981. فبعد انقطاعٍ عن السياسة دام لقرابة 15 عامًا، لا يزال مهاتير محمد الشخصية الأقوى في تاريخ البلاد، وهو ما تأكد بإعلان نتائج الانتخابات العامة التي أبرزت تصدر تيار المعارضة، الذي يتزعمه مهاتير، المشهد السياسي بنسبة 51% تقريبًا (1). وبالتالي، نجح تحالف المعارضة "جبهة الأمل" بقيادة الرجل التسعيني بإلحاق هزيمة تاريخية بتحالف الجبهة الوطنية “باريسان” الذي يقوده حزب المنظمة المالاوية القومية المتحدة "أمنو"، والذي حكم ماليزيا منذ نيل استقلالها عام 1957. وحصل تحالف الجبهة الوطنية برئاسة رئيس الحكومة نجيب عبد الرزاق على 79 مقعدًا من إجمالي 222 مقعد.

فتح فوز مهاتير محمد برئاسة الحكومة الماليزية الباب واسعًا أمام الباحثين للتنبؤ بما قد تشهده ماليزيا من سياسات جديدة على المستوى السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي خاصة بالنظر إلى أسباب عودة الشيخ مرة أخرى إلى واجهة المشهد السياسي الماليزي، والتي ربطها بانحراف المسار السياسي وتزايد قضايا الفساد في عهد رئيس الحكومة السابق نجيب عبد الرزاق. سيتعاطى هذا التقرير مع أسباب عودة مهاتير إلى السياسة، وكذلك ملامح فترة حكم مهاتير محمد المقبلة سواءً على مستوى سياسات مكافحة الفساد، أو السياسات الاقتصادية والاجتماعية.

سياسات حكومة نجيب كمدخل لفهم أسباب عودة مهاتير من عزلته السياسية

ربط مهاتير عودته للسياسة الماليزية بإعادة التجربة الماليزية إلى طريقها الصحيح، وقرن اعتزاله السياسة مرة أخرى بتصحيح مسار البلاد التي كان قد بدأ نهضتها عندما كان رئيسًا للوزراء لمدة تقارب 22 عامًا. ونتيجة لقضايا الفساد التي أحاطت برئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق وحزب "أمنو" الحاكم، قدم مهاتير استقالته من الحزب عام 2016، وتزعم جبهة المعارضة التي بدأت نشاطها بمظاهرات حاشدة وسط العاصمة الماليزية "كوالالمبور". وشارك مهاتير إلى جانب قوى المعارضة في هذه التظاهرات، واتهم حكومة عبد الرزاق بالفساد؛ حيث قال أثناء مشاركته بهذه التظاهرات: "لم نعد دولة ديمقراطية بل أصبحنا نعرف بأننا دولة لصوص، آن الأوان لنتكاتف لإسقاط هذه الحكومة القاسية"(2).

وأحاطت شبهات الفساد بالحكومة الماليزية السابقة على الصعيدين السياسي والاقتصادي. على المستوى السياسي؛ قامت حكومة عبد الرزاق بإعادة تقسم المناطق الانتخابية لضمان تفوقها على المعارضة خاصة في معاقل نفوذها. على صعيدٍ آخر، قامت حكومة عبد الرزاق بتقديم ما يمكن تسميته بـ "الرشوة السياسية"، حيث قام بتقديم علاوات حكومية لموظفي الدولة، ووعد بتقديم حزمات مالية تتجاوز 350 دولارًا للفقراء وذلك لكسب رضا الناس بعد أن تدهورت سمعة حكومته نتيجة تهم الفساد التي لاحقتها. وفيما يتعلق بالفساد الاقتصادي، شهدت حكومة عبد الرزاق ضغوطات شعبية كبيرة منذ عام 2015 خاصة في ظل بروز قضايا اختلاس كبرى من صندوق التنمية الوطنية. ونُسب إلى عبد الرزاق تهم فساد تتعلق بقيامه بتحويل ما يقرب من 700 مليون دولار من حساب صندوق شركات التنمية الوطنية إلى حسابه الشخصي، وهو ما نفاه فيما بعد (3).

 ورغم تبرئة ساحته من قبل النائب العام الماليزي، لكن أعلنت سلطات التحقيق الأمريكية أن ما يقارب 4.5 مليار دولار سُرقت من الصندوق الماليزي في عملية احتيال قام بها أحد خبراء المال المقربين من أسرة نجيب عبد الرزاق وهو ما استوجب قيام مهاتير فور توليه رئاسة الحكومة بفتح التحقيقات مرة أخرى.

وتشير تقارير مؤشر الشفافية الدولية إلى تراجع ترتيب ماليزيا عام 2017؛ حيث حصلت على 47 درجة من إجمالي درجات المؤشر، بينما حصلت على 50 درجة عام 2015، و52 درجة عام 2014 (4)، وهو ما يعني أن الشبهات التي أحاطت بحكومة عبد الرزاق لم تكن مجرد دعاية سياسية بقدر تأكيدها على تنامي الفساد في ماليزيا خلال فترة حكومة عبد الرزاق.

الصفقة السياسية: الائتلاف مع المعارضة

فور استقالته من حزبه القديم، لجأ مهاتير محمد للإلقاء بثقله في صفوف المعارضة للتخلص من حكومة تحالف "باريسان" الحاكم. وقد تم توقيع وثيقة بين أحزاب "تحالف الأمل" الأربعة، الذي يضم حزب "عدالة الشعب" بزعامة أنور إبراهيم، و"العمل الديمقراطي" الذي يُهيمِن عليه الصينيون، و"الأمانة الوطنية" الذي انشق عن الحزب الإسلامي، و"وحدة أبناء الأرض" الذي شكله مهاتير بعد انشقاقه عن حزب "أمنو". نصت هذه الوثيقة على تولي مهاتير منصب رئاسة الوزراء، والعمل على الحصول على عفو ملكي بحق زعيم المعارضة "أنور إبراهيم"(5) القابع في السجن لتهم أخلاقية يعتبر أنصاره أنها ذات دوافع سياسية. إضافة إلى ذلك، قرر مهاتير تعيين عزيزة وان إسماعيل زوجة أنور إبراهيم في منصب نائب رئيس الوزراء، وتعهد بالاستقالة من رئاسة الحكومة بعد عامين لصالح زعيم المعارضة "أنور إبراهيم" الذي تم الإفراج عنه بعفوٍ ملكي شامل يضمن تقلده للمناصب السياسية بعكس ما يقره القانون الماليزي من حظر تولي أي مناصب سياسية لمدة 5 سنوات.

ما بعد الانتخابات: ملامح فترة حكم مهاتير محمد

                تتحدد ملامح فترة حكم مهاتير محمد خلال ترأسه للحكومة الماليزية في الفترة القادمة من فهم أسباب قطع عزلته السياسية؛ حيث سيقوم على تصحيح مسار التجربة الماليزية خاصة فيما يتعلق بمكافحة الفساد، والعمل على استعادة معدلات النمو الاقتصادي وتشجيع عوامل الإنتاج للتغلب على الأوضاع الاقتصادية السلبية التي أنتجتها سياسات حكومة عبد الرزاق، والتي أودت إلى خسارة العملة الماليزية لما يقارب 33% من قيمتها السوقية، وكذلك خسارة الاحتياطي النقدي الأجنبي 40 مليار دولار خلال الفترة من 2012-2015.

على المستوى السياسي

مثلت الانتخابات الماليزية الأخيرة تطورًا كبيرًا على مستوى خريطة التنافس السياسي والحزبي بالبلاد؛ حيث برز "تحالف الأمل" برئاسة مهاتير محمد ليتمكن من مزاحمة "تحالف باريسان" الذي هيمن على حكم ماليزيا لفترة امتدت لأكثر من نصف قرن. وقد يعني ذلك دخول السياسة الماليزية إلى حقبة سياسية جديدة تتسم بالمنافسة الانتخابية الكاملة، وهو ما قد يُسهم في إنتاج جيل جديد من النخبة بدلًا من الاعتماد على الجيل التاريخي الذي اعتمدت عليه ماليزيا منذ الاستقلال.

على المستوى الاقتصادي والاجتماعي

يعتبر مهاتير محمد قائد النهضة الماليزية؛ حيث تضاعف دخل الفرد الماليزي سنويًا في عهده من 2255 دولارًا في 1990 إلى 3908 في 1995 إلى 6500 في عام 2000، وكذلك شهدت البلاد أواخر 1996 نموًا بلغ 8%. في هذا السياق، يتوقع البنك الدولي ومؤسسة بلومبرج أن تشهد ماليزيا زيادة في معدلات النمو في عهد حكومة "تحالف الأمل"، وتوقع البنك الدولي أن يصل معدل النمو إلى 5.4% خلال 2018، وكذلك انخفاض معدل التضخم في الاقتصاد الماليزي مما قد ينعكس إيجابًا على قيمة العملة المحلية خاصة أن التحالف الفائز قد صرح أن مهاتير سيطلب من البنك المركزي وضع استراتيجية نقدية محددة لإعادة الرينجيت إلى وضعه الحقيقي خلال 3 سنوات.

 وفيما يتعلق بضريبة السلع والخدمات التي فرضتها حكومة عبد الرزاق، وعدت حملة "مهاتير محمد" بإلغاء ضريبة السلع والخدمات البالغة 6% (توفر 10 مليارات دولار تقريبًا) وذلك خلال أول 100 يوم من توليه السلطة. ويعتبر الماليزيون أن هذا الضريبة أسهمت بشكل كبير في زيادة تكاليف المعيشة. ووصلت وعود حملة مهاتير الانتخابية إلى العودة لدعم الطاقة، وكذلك زيادة الحد الأدنى للأجور.

على مستوى سياسات مكافحة الفساد

                لمَّا كانت مكافحة الفساد هي المحرك الرئيس لتحالف الأمل في حملته لمواجهة حكومة عبد الرزاق، شنت حكومة مهاتير محمد حملة واسعة النطاق على الفساد فور إعلان تشكيلها؛ حيث اتخذت العديد من القرارات والإجراءات تجاه قضايا الفساد التي تصاعدت في عهد حكومة عبد الرزاق، ومن هذه الإجراءات:

§        إعادة فتح التحقيقات في كافة قضايا الفساد التي شهدتها فترة حكومة نجيب.

§        تعيين رئيس جديد لهيئة مكافحة الفساد.

§        أصدرت حكومة "تحالف الأمل" تعليماتها لكل الوزارات والجهات الحكومية بعدم إتلاف أي وثائق، أو أوراق رسمية قد تفيد في الكشف عن قضايا الفساد التي شهدتها البلاد.

§        إعفاء النائب العام الذي برأ ساحة نجيب من فضائح فساد بمليارات الدولارات من منصبه، وتعيين نائبه بدلًا منه.

§        منع رئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق، وزوجته، وعدد من المسئولين من السفر خارج البلاد.

تشير هذه الإجراءات إلى تخوفات تتعلق بالسياسة الانتقامية التي قد تنتهجها حكومة "تحالف الأمل" تجاه المعارضة السياسية خاصة حكومة عبد الرزاق، ولكن نفى مهاتير محمد أن تنتهج حكومته سياسة انتقامية ضد أحد؛ حيث قال: "لا نسعى للانتقام... ما نريده هو إعادة حكم القانون... إذا قال القانون إن نجيب ارتكب مخالفة فسيتعين عليه مواجهة العواقب (6).

خاتمة

رغم ما أفرزته الانتخابات الماليزية الأخيرة من إيجابية الطريقة التي تعامل بها كل من "أنور إبراهيم" و"مهاتير محمد" مع خلافاتهما، وتغليبهما لمصلحة ماليزيا على خلافاتهم الشخصية، لكنها أظهرت في الوقت نفسه سلبية الواقع السياسي وخطورته على مسار التجربة الماليزية التي فشلت في إنتاج نخب شبابية جديدة. فعودة مهاتير البالغ من العمر 92 عامًا تُقر هيمنة القيادات التاريخية (التي حكمت ماليزيا لأكثر من نصف قرن) على العملية السياسية، وكذلك الحال بالنسبة لزعيم المعارضة "أنور إبراهيم" البالغ من العمر 70 عامًا.

الهوامش

1.       ماليزيا: كيف تمكن مهاتير محمد من العودة إلى الحكم في سن 92؟ (10/5/2018)، بي بي سي عربي، على الرابط

2.       الآلاف يتظاهرون في ماليزيا مطالبين باستقالة رئيس الوزراء (19/11/2016)، القدس العربي، الرابط

3.       مهاتير محمد يمنع رئيس الوزراء الماليزي السابق من السفر ويقيل النائب العام (12/5/2018)، بوابة الأهرام، الرابط

4.              CORRUPTION PERCEPTIONS INDEX 2017, Available

5.       مهاتير «أبو ماليزيا الحديثة» (11/5/2018)، الشرق الأوسط، الرابط

6.       مهاتير محمد يمنع رئيس الوزراء الماليزي السابق من السفر، مرجع سابق.