المركز العربي للبحوث والدراسات : تطوير برامج المسئولية المجتمعية فى ضوء المحددات الدستورية لسياسات التنمية ورؤية مصر 2030 (طباعة)
تطوير برامج المسئولية المجتمعية فى ضوء المحددات الدستورية لسياسات التنمية ورؤية مصر 2030
آخر تحديث: الإثنين 28/05/2018 04:31 ص محمد عبد الهادي
تطوير برامج المسئولية

تُجمع العديد من الأدبيات على أهمية المسئولية المجتمعية للشركات والتى تتمثل أبرزها فى كونها تدعم الشراكة بين المنظمات الربحية والغير ربحية لتحقيق التنمية والمساهمة فى تحسين الخدمات العامة وتلبية احتياجات المواطنين وبالتالى تعزيز جهود الحكومات فى اتخاذ سياسات عامة تعالج إخفاقات التنمية والنمو.

هذا يبرر الحاجة لتطبيق منهجية التنمية المستدامة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى ارتباطها بالبيئة، على نحو يتيح للمواطنين التمتع بحقوق التنمية فى قطاعات العمل اللائق، والسكن، والتعليم، والصحة، والحماية الاجتماعية، والغذاء، والمياه النظيفة، والبيئة السليمة، والثقافة وغيرها، والضمانات والالتزامات التى توجب على الدولة احترامها وصونها.

لذلك تتناول هذه المقالة أولا؛ تحليل الإطار الدستورى للجوانب والأبعاد التى تهيأ لإعمال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية باعتباره أساس تشريعى لتهيئة البيئة الإدارية والمالية والتقنية لبرامج وسياسات التنمية على المستويين القومى والمحلى وبدونها لا يكتمل الحديث عن التنمية المستدامة ودور شركاء التنمية ومن بينها المنظمات الربحية، وانعكاسها على تطوير المسئولية المجتمعية للشركات الناشئة فى ظل القانون الجديد للاستثمار، ومن ثم ثانيا؛ استعراض موجز لأبعاد ومحاور رؤية مصر (2030)، وبما يعد ذلك محدد لاتجاهات وبرامج المسئولية المجتمعية في قطاعات التنمية المستدامة، وكذلك الإشارة إلى اهتمام قانون الاستثمار الجديد ولائحته التنفيذية بتعزيز توجهات المسئولية المجتمعية للشركات والمنشآت الفردية التى نشأت أو تؤسس فى ظل الهيئة العامة للاستثمار وتسخير مشاركاتها لتعزيز جهود الدولة التنموية.

أولاً- المحددات الدستورية لإعمال برامج وسياسات التنمية

ترتبط الحقوق الدستورية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بتحقيق تكافؤ الفرص فى الاحتياجات الأساسية ودعمها كمجال تنموى ومؤشر للثقة السياسية بين المواطن والحكومة. ومن خلالها فقط يدرك المواطنين توجه الدولة أن كان فيه انحياز تجاههم والنظام يعمل لصالحهم من عدمه(1).

وقد بين الدستور المصرى الصادر في العام (2014) أن تكفل أو تلتزم أو تعمل الدولة على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية باعتبارها المقومات الأساسية للمجتمع، ويقع على السلطة التنفيذية وفروعها فى الدستور عبء إنفاذ هذه المقومات للمواطنين.

إلا أن إنفاذها لا يحدث دون اتخاذ التدابير اللازمة وتوفيرها لإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عن طريق تعبئة جهود المجتمعات المحلية، ودعم إجراءات تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز المشاركة والمساواة الإقليمية وتطوير الوحدات الإدارية المحلية والربط بين التخطيط العمرانى والتنمية الاقتصادية وتفعيل النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد، وذلك يُفضى فى الواقع العملى إلى أفضل الممارسات فى تعزيز تمتع جميع المواطنين بدون تمييز بهذه الحقوق، مع الأخذ فى الاعتبار قدرات وإمكانيات الدول (2).

وهذا ما قد تناوله الدستور فى المواد أرقام (68) و(78) و(177) و(218) و(236) التى ترتبط بفئة الحقوق هذه وبمثابة محددات لها، وتؤدى إلى إنفاذها أو تهيأ البيئة الإدارية والاقتصادية لإعمالها، ويمكن استعراض مضمونها كما يلى(3):

§        ترتبط المادة (68) الخاصة بشفافية المعلومات بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما ارتباطها بالحقوق والحريات العامة، وقد نصت على أن المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للمواطنين، والإفصاح عنها والحصول عليها حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وفق ما ينظمه القانون من قواعد وضوابط الحصول عليها وسريتها وحفظها.

§        أما المادة (78) فقد جعلت الكرامة والعدالة الاجتماعية شرطاً لإنفاذ الحق فى السكن من خلال أن تكفل الدولة للمواطنين الحق فى المسكن الملائم والآمن والصحى، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية.

§        كما ذكرت المادة (177)، أن تكفل الدولة توفير ما تحتاجه الوحدات والمجتمعات المحلية من تطوير ومعاونة علمية، ولوجستية، وإدارية، ومالية، مع ضمان التوزيع العادل للمرافق، والخدمات، والموارد، والعمل على تقريب مستويات التنمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين هذه الوحدات، طبقًا لما ينظمه قانون الإدارة المحلية.

§        أما المادة (218) ضمن "الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية" من الفصل الحادى عشر، فقد نصت على التزام الدولة بمكافحة الفساد وتعزيز قيم النزاهة والشفافية، فى إطار تنسيق الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة فيما بينها، مع وضع ومتابعة تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بالمشاركة مع غيرها من الهيئات والأجهزة المعنية.

§        أما المادة (236) فى باب الأحكام العامة والانتقالية فقد ألزمت الدولة بالربط بين التخطيط العمرانى والتنمية الاقتصادية مع الأخذ فى الاعتبار أبعاد وتنوع المكونات الثقافية والبيئية للمجتمعات المحلية، وذلك من خلال؛ وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة فى الصعيد وسيناء ومطروح والنوبة، وأولوية استفادة أهالى هذه المناطق من عوائد ومشروعات التنمية.

ثانياً- رؤية (2030) وتطوير المسئولية المجتمعية للشركات الخاضعة لقانون الاستثمار الجديد

تعرف التنمية المستدامة من بين تعريفاتها المتنوعة بأنها تلك العملية التى يشترك فيها الأطراف المختلفة أو شركاء التنمية (القطاع العام، القطاع الخاص، المجتمع المدنى)، لتحقيق المقومات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع فى ارتباطها بالبيئة والتى ينتج عنها تنمية تتسم بالاستدامة، وهى بذلك عملية يتمثل هدفها فى تحسين نوعية الحياة للمواطنين والحد من الفقر والتهميش الاقتصادى والاجتماعى والثقافى فى إطار رؤية لإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بمعناها الدستورى والتنموى، مع مراعاة جوهر الاستدامة الذى يتمثل فى التوجه نحو المستقبل المحافظة على البيئة وأخذ مصير الأجيال المقبلة فى الاعتبار فى أى خطط برامج أو مشروعات للتنمية، أى بدون إضرار بالبيئة وإهمال لمتطلبات الأجيال القادمة(4). 

وتنقسم إستراتيجية مصر (2030)، إلى (3) أبعـاد رئيسـية تشـمل البعـد الاقتصـادى والبعـد الاجتماعـى والبعـد البيئى، وتتضمن (12) محورًا رئيسيًا، تشمل محور التعليم، والابتكار والمعرفة والبحث العلمي، والصحة، والعدالة الاجتماعية، والشفافية وكفاءة المؤسسات الحكومية، والتنمية الاقتصادية، والتنمية العمرانية، والطاقة، والثقافة، والبيئة، والسياسة الداخلية، والأمن القومى والسياسة الخارجية(5).

ويمكن إيضاح الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية فى رؤية (2030) فى الجدول التالى(6):

جدول (1): التنمية المستدامة فى مصر: الأبعاد والمحاور

البعد

المحاور

البيئى

البيئة

التنمية العمرانية

الاجتماعى

العدالة الاجتماعية

الصحة

التعليم والتدريب

الثقافة

الاقتصادى

التنمية الاقتصادية

الطاقة

المعرفة والابتكار والبحث العلمى

الشفافية وكفاءة المؤسسات الحكومية

فى ضوء هذه التطورات فى صياغة الإستراتيجية التنموية جاء قانون الاستثمار الجديد رقم (72) لسنة (2017) ليشجع على التوسع فى المسئولية المجتمعية للشركات وبما يتواكب مع اتجاهات التنمية المستدامة فى أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية فى رؤية مصر (2030)، على سبيل المثال فى قطاعات الطاقة المتجددة والرعاية الصحية والاجتماعية والثقافية والرياضة وتمويل حملات التوعية للحد من الهجرة غير الشرعية ورعاية الموهوبين والمبتكرين، هذا ما تناولته تفصيليا اللائحة التنفيذية للقانون، وهذا يعد تطورا تشريعيا هاما فى هذا الصدد(7).

حيث حددت اللائحة التنفيذية لهذا القانون فى مادتها الثانية مجالات المسئولية المجتمعية للمستثمرين لخدمة المجتمع، وذلك من خلال تخصيص نسبة من أرباح المنشآت الفردية أو الشركات للمشاركة في خطة التنمية المجتمعية للدولة خارج قطاعاتها الاستثمارية وبما يأتى داعما لتوجهات التنمية المستدامة ورؤية مصر (2030)، وذلك فى مجالات(8):

§        اتخاذ التدابير اللازمة لحماية وتحسين الظروف البيئية فى المجتمع.

§        تقديم خدمات أو برامج فى مجالات الرعاية الصحية أو الاجتماعية أو الثقافية لفئات المجتمع المختلفة.

§        دعم التعليم الفنى أو تمويل البحوث والدراسات وحملات التوعية التى تستهدف تطوير وتحسين الإنتاج بالتنسيق مع المؤسسات الأكاديمية والبحثية، داخليا أو خارجيا.

§        التدريب والبحث العلمى، بما يكفل تحديث التكنولوجيا المستخدمة فى الإنتاج، وإعداد الدراسات الهادفة لتحسين البيئة وتجنب الأثر البيئى الضار.

هكذا يمكن إعادة تكييف دور الدولة التنموى وصياغة برامج وسياسات التنمية المستدامة فى أبعادها المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بما يهيأ ويضمن الفرصة لتفعيل دور شركاء التنمية ومن بينها الشركات والمنشآت الربحية عند وضع وصياغة برامجها فى القطاعات التنموية المختلفة، وعلى النحو الذى يسمح به الدستور ورؤية (2030) وقانون الاستثمار الجديد.

الهوامش

  1. فؤاد الصلاحى، ثورات الربيع العربى ومطلب العدالة الاجتماعية، فى: أيمن عبد المعطى (مراجعة)، العدالة الاجتماعية: المفهوم والسياسات بعد الثورات العربية، (القاهرة: منتدى البدائل العربى للدراسات ومؤسسة روزا لوكسمبورج، د.ت)، ص ص 103– 105.
  2. عن التنمية بعد ثورات الكرامة العربية، ورقة توصية سياسية خاصة بأعمال مؤتمر ثورات الكرامة العربية الذى عقد فى القاهرة فى يومى 28 و29 أغسطس 2012، (القاهرة: منتدى البدائل العربى للدراسات ومؤسسة هيفوس الهولندية، د.ت)، ص ص 8-9.
  3. الدستور المصرى 2014.
  4. علا الخواجة، الحوكمة من منظور اقتصادى، برنامج التنمٌية الاقتصادية للأجيٌال القادمة فى مصر والعالم العربى،، الجامعة الأمريكية بالقاهرة، كلية الشئون الدولية والسياسات العامة، برامج تدريب القيادات العليا، فى الفترة من 9 إلى 13 أكتبوبر 2016.
  5. مصر 2030، ص 2، فى الرابط الآتى:

http://www.sdsegypt2030.com/ sds2030_summary_arabic.pdf

  1. المرجع السابق.
  2. محمود الجميل، لائحة قانون الاستثمار تحدد مسؤولية المستثمر المجتمعية، جريدة الوطن، 30/ 10/ 2017، على الرابط التالى:

https://www.elwatannews.com/news/details/2665461

  1. اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017، قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2310 لسنة 2017، وزارة الاستثمار والتعاون الدولى، جمهورية مصر العربية، ص 11