وفي 21 مارس/ آذار 2013، شهدت مفاوضات جديدة بين "أوجلان"
-في سجنه بجزيرة "أميرالي" في بحر مرمرة- وبين مسؤولين في الاستخبارات التركية، وعليه
أعلن الحزب رسميًا وقف لإطلاق النار مع تركيا، وذلك في أعقاب الدعوة التي وجهها "أوجلان"
لإنهاء النزاع المسلح، ووقف القتال وإعلان بداية عهد جديد، يجب أن تعلو فيه السياسة
على السلاح"، مضيفًا "الآن وصلنا إلى مرحلة يتعين فيها على العناصر المسلحة
الانسحاب إلى خارج حدود تركيا".
وعلى الرغم من تهدئة التوترات بين الطرفين، إلا أن العلاقات
بينهم تشهد مزيدًا من التعقيد، ظهرت بشكل واضح بعدما أعلن الحزب في أغسطس/ آب 2015،
16 منطقة في جنوب شرق تركيا مناطق حكم ذاتي خاضعة له، وحفر الخنادق وتحصن في هذه المناطق،
تلا ذلك عمليات عسكرية تركية نجحت في إعادة السيطرة على هذه المناطق، وتم القضاء على
2544 مقاتلًا من العمال الكردستاني في العمليات، في حين قتل 465 جنديًا ورجل أمن من
الجانب التركي، حدث ذلك بعد انهيار الهدنة بين "أردوغان" والحزب في يونيو/
حزيران 2015.
الخارج
التركي
على المستوي الخارجي اتبعت تركيا سياسة خارجية تجاه
الأكراد لا يمكن أن تنفصل عن توجهاتها الداخلية تجاههم؛ حيث استمرت تركيا في
قتالهم في الدول المجاورة خاصة سوريا والعراق، بل وعملت على حصارهم وتقديم سياسة
خارجية مرتكزة على الحلول العسكرية الاستباقية دون غيرها من الوسائل.
ففي العراق
اتبع "أردوغان" سياسة التدخلات العسكرية وغيرها من الوسائل الأخرى، ظهر
ذلك بشكل واضح تجاه الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان العراق في 25 سبتمبر/
أيلول 2017، تجسد ذلك بدعوة مجلس الأمن القومي التركي بالانعقاد في 22 سبتمبر/
أيلول 2017، قبل الموعد المحدد للاستفتاء بأيام قليلة لإرسال رسالة قوية للأكراد في
العراق خشية انتقال الأحداث للداخل التركي، ومن قبل في 21 أغسطس/ آب 2017، أعلن "أردوغان"
أن أنقرة وطهران ناقشتا إمكانية القيام بتحرك عسكري مشترك ضد الجماعات الكردية المسلحة.
ومن قبل في 25 أبريل/نيسان 2017، نفذ الجيش التركي ضربات
جوية على أهداف لمسلحي حزب العمال الكردستاني قرب جبال سنجار بالعراق وفي شمال شرق
سوريا لمنع الجماعة من إرسال أسلحة ومتفجرات لشن هجمات داخل تركيا. كما شهد يوم الـــ
11 من يونيو/ حزيران 2018، قيام الجيش التركي بالعديد من الضربات الجوية على 11 هدفًا
مستهدفًا قواعد حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل شمال العراق، لم تكن هذه
السياسات وليدة الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة، ولكن كانت امتدادًا لسياسات
عسكرية على مر سنوات ماضية تجاه الأكراد؛ ففي شهر فبراير/شباط 2008، قام الجيش التركي
بتنفيذ عملية "شمس" البرية مع دعم جوي في شمال العراق، حيث شارك في العملية
التي استمرت أسبوعًا واحدًا عشرة آلاف جندي تركي.
التخوفات
التركية
تأتي التخوفات التركية من حالة القلق تجاه قيام الأكراد بتوحيد
المناطق ذات الكثافات الكردية معًا، مما دفع النظام التركي إلى حالة من الارتباك في
التعامل معهم داخليًا وخارجيًا، التي وضعتها لأول مرة في موقع دفاعي.
كما أن تركيا تتعامل مع الأكراد وحزبهم الأكثر شعبية، حزب
العمال الكردستاني PKK، على أنه منظمة إرهابية بما تحمله الكلمة من
معنى، مما أدى إلى استمرار المواجهات المسلحة بينهم على امتداد أكثر من 40 عامًا. وبرغم
فترات توقف الحروب بينهم إلا أن هذا لم يدفع بهم إلى تحسن يذكر في العلاقات خاصة في
ظل إنكار السلطات التركية للحقوق الكردية، مما أوجد مناخ ملبد بالتوترات، كما أن المطالب
الكردية لا يمكن أن يتم التعامل معها في إطار الحل الأمني والعسكري بعدما فشلت تلك
السياسة في تحقيق ما تصبو إليه في ظل حالة الاعتدال التي اتسم بها حزب العمال الكردستاني
في الفترة الأخيرة.
على
الصعيد السوري؛ استمرت تركيا في نهجها العسكري تجاه الأكراد، خاصة بعد نجاح قوات
حماية الشعب الكردية بفرعه السوري (pyd)، في إقامة 3 مناطق حكم إداري في الحسكة وكوباني
وعفرين وهي مناطق ذات أغلبية كردية في سوريا.
وعليه تحركت
تركيا للتأثير في العديد من مجريات الأحداث في سوريا خاصة المناطق التي سيطر عليها
الأكراد؛ حيث قامت باحتلال منطقة عفرين في سوريا بإعلانها عملية "غصن الزيتون"،
في 20 يناير/ كانون الثاني 2018، ومن قبلها عملية "درع الفرات" في أغسطس/
آب 2016، وعليه فإن تركيا تحاول مواجهة الأكراد بكل السبل لمنع تحقيق هدفهم بإقامة
دولة كردية.
كما انعكست المواجهات التركية الكردية على مسار العلاقات
الأمريكية التركية بسبب تقديم الدعم العسكري الأمريكي للأكراد حليفهم الأهم في
سوريا، وعلى الرغم من وعود الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لنظيره التركي
"أردوغان"، في الثاني والعشرون من ديسمبر/ كانون الأول 2017، بوقف إمداد
وحدات حماية الشعب الكردية (القوات الكردية في سوريا) بالأسلحة الأمريكية، إلا أن تركيا
لم تتوقف عن سياساتها تجاه الأكراد، خوفًا من توجيه السلاح الذي ترسله إلى "ب
ي د/بي كا كا" ضدها مستقبلًا.
وعليه؛ تم توقيع اتفاق أمريكي– تركي ، بين وزير الخارجية
الأمريكية "مايك بومبيو" ونظيره التركي "مولود شاويش أوغلو" في
الرابع من يونيو/ حزيران 2018، حيث أحدثت المفاوضات
تقدمًا ملحوظًا فيما يتعلق بملف الأكراد الحليف الأمريكي الأهم لها في الداخل السوري
وخاصة مدينة منبج السورية.
ووفق الاتفاق
بين وزيري الخارجية الأمريكي والتركي، أعلن وزير الخارجية التركي في الخامس من يونيو/
حزيران 2018، أن خطة العمل التي تم الاتفاق عليها مع الجانب الأمريكي تقضي بسحب الأسلحة
من المقاتلين الأكراد في مدينة منبج.
تركيا
واستمرار الاستهداف
بعد نجاح "أردوغان" وحزبه العدالة والتنمية في
الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 يونيو/ حزيران 2018، بتحالفه مع حزب الحركة
القومية بقيادة "دولت بهتشلي"، الذي يشترك مع نفس التوجهات التي يعتنقها
حزب العدالة والتنمية تجاه الأكراد، هذا التوافق يعكس سيناريو مستقبلي حول استمرار
التوجهات التركية بقيادة "أردوغان"، تجاه المكون الكردي سواء في الداخل
التركي أو في الخارج خاصة سوريا والعراق.
إن
استمرار أردوغان في السلطة بتحالفه مع القوميين يؤكد على استمرار السياسة العسكرية
التي تبنتها تركيا منذ 40 عامًا تجاه الأكراد، بل أن ذلك يؤشر استمرار التدخلات
العسكرية الخارجية، ومزيد من التصادم بينهم من جديد.