المركز العربي للبحوث والدراسات : "ميركل" مهندسة سياسات الهجرة: بين تحدي البقاء والمواجهات الحادة (طباعة)
"ميركل" مهندسة سياسات الهجرة: بين تحدي البقاء والمواجهات الحادة
آخر تحديث: السبت 14/07/2018 03:03 م آية عبد العزيز
ميركل مهندسة سياسات

استطاعت المستشارة "أنجيلا ميركل" النأي بنفسها من الحراك الداخلي الذي كاد أن يعصف بمنصبها السياسي بعد الأزمة التي تعرضت لها بشأن الهجرة واللاجئين، من خلال التوافق مع التحالف الحاكم بشأن الإجراءات المتبعة في التعامل مع الملف؛ حيث توصلت إلى الركائز الأساسية في التعاطي مع الأزمة تمثلت في رفض فكرة إنشاء مراكز عبور جديدة، مع بقاء المهاجرين الذين قدموا طلبات لجوء في دول أوروبية أخرى في مراكز تابعة  للشرطة "البافارية" أو نقل الذين دخلوا إلى الحدود الجنوبية إلى فضاء ترانزيت بمطار "ميونيخ"، كما لا يسمح لهم بحرية التنقل دخل الأراضي الألمانية.

فيما تم تحديد مدة الاحتجاز بما يتوافق مع القانون الألماني أي لا تتعدى 48 ساعة، وبعد ذلك سيتم إطلاق سراحهم من قبل السلطات. وفي حالة صعوبة إعادتهم يمكن لهم الدخول إلى برلين مع الاستعداد لترحيلهم في أي وقت إذا حدثت مستجدات في ملفهم. هذا بالتزامن مع قيام السلطات الألمانية بإبرام اتفاقيات ثنائية مع الدول العبور والاستقبال مثل إيطاليا والنمسا واليونان من أجل إعادتهم(1).

تحديات الداخل

تواجه برلين عدد من التحديات الداخلية والتهديدات الأمنية تكمن في أزمة المهاجرين التي تنامت في الفترة الأخيرة إبان دعوات القوى الشعبوية برفض إدماجهم في داخل المجتمع، فقد توافد علي برلين منذ بداية عام 2018 وحتى الآن بشكل غير قانوني نحو  18024 مهاجرًا وصلوا بطريقة غير قانونية منهم  2039 شخصًا وصلوا عبر سويسرا، و4935شخصًا دخلوا عبر النمسا، و1905 أشخاص دخلوا عبر التشيك بالإضافة إلى آخرين وصلوا عبر كل من وبولندا وهولندا وبلجيكا والدنمارك وفرنسا، علاوة على 3747 شخص دخلوا عبر المطارات الألمانية، وذلك استنادًا إلى أرقام الشرطة الاتحادية(2).

وعليه فقد اندلع صراع سياسي داخلي بين قوى الائتلاف الحاكم بين الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة "ميركل"، والاتحاد الاجتماعي المسيحي بزعامة "هورست زيهوفر"، نتيجة رفض "زيهوفر" استقبال ألمانيا للمهاجرين بهذا الشكل، ومطالبًا بوقف التنسيق مع الدول الأوروبية في استقبالهم، كما عرض خطته القاضية بالتصدي للموجات المتدفقة من الهجرة غير النظامية على الأراضي الألمانية، علاوة على الذين تم رفض طلبات لجوئهم، مع رفض طلبات اللجوء الوافدين تقدموا بالفعل بطلب اللجوء في بلد آخر من بلدان الاتحاد الأوروبي، وطالب "زيهرفر" "ميركل" تنفيذ الاتفاق بدون التنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي(3)، لذا فقد رفضت "ميركل" هذا القرار باعتباره أحادي الجانب، متبنيه سياسة أوروبية معتدلة وشاملة جميع دول الاتحاد الأوروبي.

وفي هذا الصدد قام "زيهوفر" بالإعلان عن نيته بتقديم استقالته إلا إنه تراجع بناءًا على التفاهمات مع "ميركل" التي حاولت احتواء الموقف الذي بات يهدد منصبها السياسي؛ حيث توصلت إلى لاتفاق يقضي بموجبه إقامة مراكز إعادة المهاجرين إلى دول أوروبية قدموا منها.

إجراءات التهدئة

سعت المستشارة الألمانية إلى انتهاج سياسات أكثر توازنًا على الصعيد الداخلي والأوروبي لتهدئة الأوضاع رغم حدة الضغوط التي تواجهها تجلت على النحو التالي:

1.    على الصعيد الأوروبي؛ تمكنت "ميركل" من إبرام عدد من اتفاقيات مع 14 دولة من دول الاتحاد الأوروبي لإرجاع بعض طالبي اللجوء الذين يصلون إلى الأراضي الألمانية، لإنهاء الانقسام الداخلي، كما تبنت سياسات إلى حد ما مناهضة للمهاجرين عبر ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية، أو الدول الأوروبية التي جاءوا منها وسجلوا أنفسهم فيها إلا إنهم تنقلوا داخل أوروبا للقدوم إلى الأراضي الألمانية من خلال إبرام اتفاقيات ثنائية تتعلق باستعادة المهاجرين.

لذا فقد تقدمت بطلبات إعادة لكل من إيطاليا واليونان وإسنانيا باعتبارهم من أهم دول في استقبال المهاجرين، قابلت هذه الدول الطلبات إلا إنها لم تتسلم الأرقام الفعلية حتى لا تُثقل على كاهلها عبئ التداعيات المحتملة لعودتهم، تمثلت على النحو التالي؛  حين وافقت إسبانيا على 1255 طلب من طلبات الإعادة المقدمة، إلا إنها لم تتسلم إلا  172 مهاجرًا، كما وافقت إيطاليا على الاستعادة 8421 حالة، إلا أنها لم تسلمت 1384 شخصًا(4).

2.    على الصعيد الداخلي؛  عبرت المستشارة عن رغبتها في إنشاء مراكز عبور على الحدود مع النمسا؛ حيث سيتم معالجة ملتمسي اللجوء المسجلين بالفعل في بلد آخر في الاتحاد الأوروبي قبل إعادتهم إلى ذلك البلد حيثما أمكن. وعندما لا يكون ذلك ممكناً اتفق الطرفان على إعادة ملتمسي اللجوء عبر الحدود إلى النمسا. وفي المقابل أعربت الحكومة النمساوية في بيان لها إنها مستعدة لاتخاذ التدابير اللازمة لحماية حدودها الجنوبية إذا تم تنفيذ المقترحات.

كما اقترحت تقديم بعض المساعدات المالية لبعض المهاجرين مقابل عودتهم إلى بلدانهم، تجلت في وقت سابق في إطلاق برنامج "ستارثيلفبلاس" في فبراير/ شباط 2017، الذي بموجبه سيدرس تقديم منحة مالية قدرها من 800 حتى 1200 يورو للكبار، وحوالي نصف المبلغ للأطفال للعودة الطوعية إلى بلادهم، كما ستحصل العائلات التي ستغادر دفعة واحدة سيحصلون على 500 يورو إضافي، كما تم تخصيص 40 مليون يورو من الأموال الفيدرالية في عام 2017 لتنفيذ البرنامج(5).

والجدير بالذكر؛ أن هذا البرنامج استطاع تحقيق نتائج ملموسة تمثلت في مغادرة نحو 12 ألف مهاجر برلين وذلك وفقًا لما أعلنته وزارة الداخلية الألمانية(6).

موقف الدول الأفريقية من المقترحات الأوروبية

                أعربت العديد من الدول الأفريقية رفضها للمقترحات الأوروبية التي تجسدت ملامحها في القمة الأوروبية في أواخر يونيو/ حزيران 2018، جاءت في مقدمة هذه الدول المغرب وتونس والجزائر وليبيا، كمنصات إنزال آمنة للمهاجرين؛ حيث عبر  "ناصر بوريطة" وزير الخارجية المغربي عن رفض بلاده إقامة مراكز استقبال فيها بعيدًا عن الاتحاد الأوروبي، كما أشار "عبدالقادر مساهل" وزير خارجية الجزائر إلى إنه من المستبعد أن تفتح الجزائر مراكز لإيواء واستقبال المهاجرين على أراضيها.

 كما دعت تونس العواصم الأوروبية تنظيم عمليات الهجرة بدلًا من رفضهم وترحيلهم لبلدانهم. وفيما يتعلق بليبيا فقد توافق موقها الرافض مع باقي الدول موضحة على لسان "أحمد معيتيق" رئيس المجلس الرئاسي الليبي إنها تتفق مع أوروبا حول ما يتعلق بمسالة الهجرة ولكنها لا يمكن أن تقيم مخيمات على أراضيها. توافقت المواقف الرافضة من قبل دول شمال أفريقيا حول ملف الهجرة رغم من إنهم يتلقون دعمًا من دول الاتحاد خاصة فيما يتعلق بهذا الملف نتيجة زيادة عدد التهديدات المتلاحقة التي تعصف بأمن واستقرار المنطقة خاصة بعد أحداث 2011(7).

مرحلة الانكشاف السياسي

كشفت حالة الزخم السياسي الداخلي في برلين عن عمق الانقسامات السياسات التي أوجدتها حالة عدم التوافق في إدارة الملفات الشائكة؛ حيث تأتي في مقدمتها ملف الهجرة الذي كشف عن واقع الساسة الأوروبيين في التعاطي مع الأزمات.

وفي هذا السياق لابد من توضيح نقطة مهمة رغم من أن المهاجرين واللاجئين تزايدوا بشكل كبير إلا إن بعض العواصم الأوروبية استطاعت أن تدمجهم في داخل القطاع الصناعي واستفادت منهم إلا إن عملية الترويج المستمرة وزيادة التدفقات الهجرة غير النظامية والمصحوبة في بعض الأحيان ببعض الانغماسين والإرهابيين دفعت الشعوب الأوروبية والحكومات إلى رفضهم خوفًا منها ومن تداعياتهم الأمنية على مستقبلهم(8).

ختامًا؛ تعاني العواصم الأوروبية من حالة من عدم الاستقرار الداخلي تحاول المستشارة الألمانية احتوائها عبر إبرام عدد من الاتفاقيات الداخلية، والتنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي لتفادي الانقسامات التي من شأنها الأضرار بالأمن والاستقرار الأوروبي. ولذا من المتوقع أن تستمر حالة الانقسام لأن الدول الأوروبية المطلة على الساحل الأوروبي ودول شمال أفريقيا لن يقبلوا بفكرة المنصات الآمنة رغم التعاون والتنسيق بينهم لما لها من تداعيات على كافة المستويات، في مقابل استمرار الدعوات الرافضة من قبل اليمين المتطرف لإدماجهم داخل المجتمع الأوروبي.

المراجع:

1.       "أهم ما جاء في حزمة التحالف الحاكم حول طالبي اللجوء!"، DW

2.        " ربع المهاجرين بشكل غير قانوني وصلوا إلى ألمانيا عبر النمسا"، DW.

3.       " وزير داخلية ألمانيا يتراجع عن نيته الاستقالة بعد التفاهم مع ميركل بشأن المهاجرين"، 3/7/2018، روسيا اليوم

4.       " تقرير: ألمانيا مسؤولة عن فشل إعادة طالبي لجوء إلى دول الاستقبال الأولى"،  DW.

5.       "حوالي 12 ألف مهاجر غادروا ألمانيا خلال عام مقابل مبالغ مالية"، 5/7/2018، .Arabic. Sputnik news

6.              Tom Embury-Dennis, "German chancellor Angela Merkel secures asylum seeker return deals with 14 EU countries", 1/7/2018, Independent.

7.       " اقتراح مراكز لجوء في دول شمال أفريقيا.. شراكة أم "استعمار" جديد؟"، .DW

8.              Nadine Schmidt and Judith Vonberg," Germany's Merkel makes deal with interior minister on migration dispute", 2/7/2018, CNN