الموقف الدولي من القرار
جاء الموقف الدولي معارضًا
للقانون نتيجة تعارضه مع مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان على كافة الأصعدة على
النحو التالي:
1- الموقف
الأممي؛ أوضح "فرحان حق" نائب المتحدث باسم الأمم
المتحدة أن من حق الدول تحديد شخصيتها الدستورية، ولكن في سياق تمثيل المبادئ العالمية
لحقوق الإنسان، بما في ذلك حماية حقوق الأقليات، مؤكدًا على حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
عبر حل الدولتين بشكل سلمي تفاوضي، بما يتوافق مع قرارات الأمم المتحدة والاتفاقات
الدولية، لإحلال السلام الدائم والعادل(2).
2-
الموقف الإسلامي؛ جاء الموقف الإسلامي في رفض الأزهر الشريف للقانون معتبرًا
ذلك خطوة في سياق العنصرية البغيضة التي تمارسها إسرائيل التي بدأت بوعد بلفور ثم أخذت
منحنى مستمر توالى منذ قيامها في نهاية الخمسينات وصولًا إلى قرار الإدارة الأميركية بنقل السفارة
من تل أبيب إلى القدس باعتبارها عاصمة للكيان الإسرائيلي، مؤكدًا أن فلسطين ستبقى عربية(3).
3- الموقف
الأوروبي؛ أعرب الاتحاد الأوروبي عن
"قلقه" إزاء القانون لما له من تداعيات وانعكاسات سلبية علي القضية
السلام بين إسرائيل وفلسطين، وعليه فقد أوضحت المتحدثة باسم وزيرة الخارجية الأوروبية
"فيديريكا موجيريني" أن الاتحاد يحترم سيادة إسرائيل، ولكن لابد عليها
من احترام المبادئ الأساسية وخاصة المتعلقة بحقوق الأقليات. وفي هذا الصدد رفضت
التعليق على القانون معربةً عن أن حل الدولتين هو الهدف الذي يبحث عنه الاتحاد
يدافع عنه لتسوية القضية.
4- الموقف
العربي؛ أدانت الجامعة العربية القانون لما ينطوي عليه من إنكار لحقوق
الشعب الفلسطيني على أرضه التاريخية وامتدادًا للإرث الاستعماري وترسيخًا للممارسات
العنصرية"، وذلك لضم الضفة الغربية ومواصلة الاستيطان" (4). فيما أعربت القاهرة
عن رفضها للقانون القاضي بتكريس مفهوم الاحتلال والفصل العنصري، وتقويض فرص تحقيق السلام
وتسوية العادلة للقضية الفلسطينية، فضلاً عما ينطوي عليه من آثار سلبية على حق العودة
للاجئين الفلسطينيين(5)، كما طالب البيان المجتمع الدولي بالحفاظ على الحقوق التاريخية
والقانونية للشعب الفلسطيني، والعمل على استئناف المفاوضات لدفع عملية السلام على أساس
حل الدولتين وفقًا لمقررات الشرعية الدولية ذات الصلة.
5- الموقف
المؤسسات اليهودية؛ أعربت
الجنة اليهودية الأميركية التي تمثل الشتات اليهودي عن عدم
موافقتها عن القانون لأنه يُعرض إسرائيل والالتزام المؤسسي التي قامت عليه بكونها
دولة يهودية وديمقراطية للخطر . فيما أوضح
"جيريمي بن عامي" رئيس مجموعة "جيه ستريت" الموالية لـ"تل
أبيب" في واشنطن أن الهدف من القانون
هو "إرسال رسالة إلى المجتمع العربي، والأقليات الأخرى في إسرائيل، مفادها أنهم
لن يكونوا ولن يتساووا أبداً مع المواطنين الإسرائيليين؛ حيث ترتكز العلاقة القوية
بين إسرائيل واليهود في جميع أنحاء العالم على هذه القيم بأن إسرائيل هي دولة يهودية
وديمقراطية على حد سواء، مشيراً إلى مخاوف من أن
القانون "سيضعف ديمقراطية إسرائيل"(6).
دلالات القانون
ساهم القانون القاضي باعتبار إسرائيل دولة قومية لليهود في ترسيخ عددًا من
المفاهيم الجديدة التي مثلت نقطة تحول هيكلية في تاريخ الصراع الدائر على النحو
التالي:
1-
انكشاف حقيقة الكيان الصهيوني؛ كرس القانون لمرحلة
كاشفة للكيان الصهيوني التي حاول إنكارها ليظهر نفسه بإنه كيان ديمقراطي ينعم
بالمساواة واحترام الحقوق والحريات لجميع سكان دولة الاحتلال بدون النظر إلى عقيدة
أو عرق أو جنس إلا إن إقرار القانون مثل نقطة تحول نوعية في الصراع الدائر على
الأراضي الفلسطينية رغم أنها كانت جزءًا أساسيًا من وثيقة إعلان قيام دولة إسرائيل
في 1948، ليكسر التوازن الشكلي القائم.
2-
تبديل هوية الصراع؛ مثل إقرار القانون حلقة جديدة في سلسلة الانتهاكات
القائمة تجاه الفلسطينيين عبر تبديل هوية الصراع من كونه صراع مسلح عسكري بين
سلطات الاحتلال والسكان الأصليين إلى صراع ديني قائم علي هيمنة الديانة اليهودية
على حساب الديانات والمعتقدات الأخرى وبالتالي جسد إقرار القانون إنكارًا واضحًا
للحقوق الأصلية والتاريخية والدينية للشعب الفلسطيني.
3-
تكريس نظام "أبارتهيد"؛ جاء القانون الدولة القومية ليُمكن الكيان الصهيوني من
تحقيق أهدافه في إلغاء حق العودة للاجئين، وإنهاء عمل منظمة الأونروا التي شهدت في
الآونة الأخيرة العديد من الضغوط الخارجية لإنهاء عملها ولطمس أهدافها الهادفة إلى
عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم، علاوة على تقنين عمليات الفصل العنصري التي
سيتم تكريسها بموجب القانون تجاه العرب والفلسطينيين، مما يعني استكمال عمليات
التهجير القسري والتطهير العرقي لبناء المستوطنات حول الأماكن المقدسة.
4-
تطويق الهوية العربية؛ يعد قانون الدولة القومية اليهودية أو ما يعرف بالقانون
الأساسي من أخطر القوانين التي جسدت تطويق للهوية العربية والفلسطينية علاوة على
اللغة العربية من خلال اعتماد اللغة العبرية اللغة الرسمية، كما يعزز من تراجع
الإرث العربي مقابل التاريخ المزيف للكيان الصهيوني(7).
ختامًا؛ يعد قانون الدولة القومية الذي أقره الكينست الإسرائيلي
بمثابة انطلاقة قانونية جديدة في تمكين الكيان الصهيوني بشكل عميق من احتلال الأراضي
العربية والفلسطينية بدون قيود، علاوة على تقنينه أوضاع الشتات اليهودي داخل
الأراضي الإسرائيلية بما يعزز من طرد العرب واستمرار عمليات الاستيطان، فضلًا عن
تنامي موجات الهجرة التي قد تراجعت في الآونة الأخيرة لإعادة التوازن الديموغرافي
لصالح الكيان الصهيوني.
استطاعت دولة الاحتلال
استغلال المتغيرات الدولية والإقليمية المتلاحقة التي يشهدها النظام العالمي لصالح
مخططاتها الرامية لإقامة الدولة الإسرائيلية عاصمتها القدس الموحدة بدون إطلاق
رصاصة واحدة مستغلة التراجع العربي والدعم الأميركي.