المركز العربي للبحوث والدراسات : التصعيد الأمريكي الإيراني والنموذج الكوري الشمالي (طباعة)
التصعيد الأمريكي الإيراني والنموذج الكوري الشمالي
آخر تحديث: الأربعاء 01/08/2018 08:58 م علي عاطف حسَّان
التصعيد الأمريكي

شهدت التطورات الأخيرة في العلاقات الأمريكية الإيرانية تحولات بارزة منذ أن أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال زيارته الأخيرة إلى أوروبا عن تهديدات بإعاقة حركة ممرات مائية. حيث باتت التصعيدات واحدة تلو الأخرى، سواء من الجانب الأمريكي أو الجانب الإيراني، إلا أنه وفي كل حال تشير تصريحات العديد من المسؤولين الأمريكيين إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تنوي استخدام القوة العسكرية ضد النظام الإيراني.

ومن ناحية أخرى، يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسير في سياسته الخارجية ضد خصومه من الدول على نهج متماثل إلى حد ما. ويمكن لنا أن نرى ذلك التماثل، الذي بالطبع لن يكون كاملاً لاختلاف طبيعة كل دولة من العديد من النواحي، في التطورات الأمريكية الأخيرة إزاء إيران انطلاقاً من التجربة الأخيرة مع كوريا الشمالية.

وعليه، سنحاول فيما يلي مناقشة مستقبل العلاقات الأمريكية الإيرانية خلال الأشهر أو السنوات القادمة من خلال ما يمكن ملاحظته من سياسات اتخذها ترامب تجاه كوريا الشمالية، حيث إن هناك دلائل تشير إلى إمكان حدوث تكرار مستقبلي، ولو جزئياً، ما بين التعاطي الأمريكي مع إيران كما حدث مع كوريا الشمالية. وهنا، ينبغي للتعرف على هذه التجربة المرور على تطوراتها وتحولاتها:

النموذج الكوري الشمالي في ظل إدارات أمريكية متعاقبة

شهدت العلاقات الأمريكية الكورية الشمالية منذ خمسينيات القرن الماضي ومع انتهاء الحرب الكورية توترات مستمرة، حيث أنه ومنذ أن اقتحمت كوريا الشمالية الحدود مع الجنوب عام 1950، سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إخراج القوات الكورية الشمالية من سول، وتم توقيع هدنة في  عام 1953، وفرضت الولايات المتحدة لاحقاً عقوبات على بيونج يانج.

 وخلال السنوات التالية، شهدت العلاقات الأمريكية الكورية الشمالية تطورات خطيرة، حيث قامت كوريا الشمالية، وعلى سبيل المثال، باحتجاز سفينة أمريكية كان على متنها حوالي 83 أمريكياً، قالت بيونج يانج إن السفينة انتهكت مياهها الإقليمية. وظلت العلاقات ما بين واشنطن وبيونج يانج على هذا المنوال وحتى نهايات القرن الماضي.

وفي عام 1994، حاولت الولايات المتحدة الأمريكية حلحلة الأزمة مع كوريا الشمالية، وقام الرئيس الأسبق جيمي كارتر بزيارة تاريخية إلى كوريا الشمالية، وقعت في أعقابها البلدان اتفاقاً مشتركاً تعهدت بموجبه بيونج يانج بتفكيك البرنامج النووي. وظلت التطورات الإيجابية مخيمة على المشهد السياسي ما بين الدولتين، حيث قام الزعيم الكوري الشمالي آنذاك "كيم جونج إيل" بإصدار قرارات بتجميد تجارب البلاد الصاروخية.

لم تستمر هذه التطورات الإيجابية في العلاقات الأمريكية الكورية الشمالية طويلاً، وذلك بعد مجيء الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش الابن، إلى سدة الحكم بعد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة عام 2000. حيث تصاعدت التوترات بشكل كبير بين الجانبين.

قام الرئيس الجديد، آنذاك، جورج بوش الابن، بوضع كوريا الشمالية على محور دول الشر، التي شملت كذلك إيران والعراق ولاحقاً سوريا. وهنا، وصلت العلاقات إلى مرحلة ما قبل العقد الأخير من القرن الماضي، حيث وجهت الإدارة الأمريكية الجديدة اتهامات إلى بيونج يانج بامتلاك أسلحة نووية. ووصلت العلاقات إلى طريق مسدود في عام 2004، وذلك حينما قالت بيونج يانج إن الدخول في مفاوضات مع واشنطن بات أمراً مستحيلاً. واستمرت العلاقات متوترة على هذا الشكل خلال فترة حكم الرئيس الأسبق بوش.

ومع قدوم الرئيس الأمريكي الجديد، باراك أوباما، إلى الحكم عام 2008، لم تنته التوترات، إلا أنها خفت نسبياً مقارنة بسابقه بوش. حيث اتبع الرئيس الأمريكي الجديد، آنذاك، أوباما ما أطلق عليها سياسة "الصبر الاستراتيجي" حيال كوريا الشمالية. وحاولت إدارة أوباما أن تفتح طريقاً جديداً للحوار مع كوريا الشمالية.

     وأدت الظروف الاقتصادية الصعبة والمجاعة التي ضربت كوريا الشمالية في عام 2012، قالت بعض التقارير لاحقاً إنها أدت إلى وفاة آلاف الأشخاص . وحاولت كوريا الشمالية آنذاك المساومة على الغذاء مقابل وقف برنامجها للأسلحة النووية.(1) وعلى الرغم من ذلك، لم تتوقف كوريا الشمالية عن إطلاق المزيد من التجارب الصاروخية والاستمرار في برنامجها النووي.

ماذا تحمل جعبة ترامب إزاء التعامل مع كوريا الشمالية؟

                تغيرت السياسة الأمريكية تجاه كوريا الشمالية بعد تولّي الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب الرئاسة عام 2017. حيث حاول الرئيس الأمريكي الجديد ترامب الخروج من الطريقة التقليدية الأمريكية في التعامل مع الملف الكوري الشمالي. انتقد ترامب بشدة طريقة تعامل سلفه، أوباما، مع الملف الكوري الشمالي، أو ما أطلق عليه "الصبر الاستراتيجي"، كما سبق ذكره.

بدأ ترامب باستخدام سياسة العقوبات والتهديد القصوى مع كوريا الشمالية في بداية عهده منذ 2017. فقام بفرض مزيد من العقوبات على بيونج يانج والتهديد بمهاجمتها عسكرياً، ورد الطرف الكوري الشمالي بنفس التهديدات. وفي نفس الوقت، حاول ترامب أن يجذب إليه الأطراف المتعاونة مع كوريا الشمالية، أو الحليفة والقريبة منها مثل روسيا والصين.

فقد حاول ترامب أن يعقد صفقات مع هذه الدول تقتضي بموجبها أن تتعاون هذه الدول مع الولايات المتحدة الأمريكية في تشديد الحصار على كوريا الشمالية، سواء، من وجهة نظر الرئيس الأمريكي، حصار سياسي أو اقتصادي. إلا أن الرئيس الأمريكي لم يكن ينوي تنفيذ تهديداته على أرض الواقع بمهاجمة كوريا الشمالية، فقد كان يرغب من ذلك في التوصل بسلام إلى قمة يونيو الماضي في سنغافورة.

    حيث إن الرئيس ترامب يعلم أنه ليس من السهل عسكرياً مهاجمة كوريا الشمالية؛ لما في ذلك من أخطار إقليمية وربما على الولايات المتحدة الأمريكية نفسها؛ بعد إعلان كوريا الشمالية التوصل إلى صواريخ يمكنها الوصول إلى الأراضي الأمريكية.

     فسواء كان بإمكان صواريخ كوريا الشمالية الوصول إلى الأراضي الأمريكية من عدمه، إلا أن "احتمالية" حدوث ذلك يمثل في حد ذاته خطراً على الأراضي الأمريكية، وهو أمر لن تقبل به القيادات العسكرية للجيش الأمريكي، لأنها تعلم حجم هذا الخطر الجدي.

   إذاً من الواضح أن الرئيس الأمريكي ترامب كان يستخدم سياسة التهديد من أجل الترغيب في التوصل إلى توافق "نفعي للولايات المتحدة" مع كوريا الشمالية، وهو ما يسعى إليه حالياً، خاصة بعد قمته الأخيرة مع كيم.

هل ينوي ترامب تكرار السيناريو الكوري الشمالي مع إيران؟

    إذا ما نظرنا إلى طريقة تعاطي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الملفين الكوري الشمالي والإيراني، سنجد أن هنالك تشابهاً كبيراً في نهج تعامل ترامب مع الملفين. وذلك، حيث إن الرئيس ترامب قام في البداية باستخدام سياسة "التهديد من أجل الترغيب" مع الدولتين. وقد أوضحنا ذلك مع النموذج الكوري الشمالي.

ترامب يصعّد مع إيران

   أما بالنسبة لدلائل تكرار هذا السيناريو مع إيران، فإن التطورات المتلاحقة للعلاقات الأمريكية الإيرانية منذ مجيء الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض العام الماضي، توضح أن ترامب ينهج نفس السيناريو مع إيران. حيث قام الرئيس الأمريكي، حتى قبل فوزه بالرئاسة الأمريكية، بالدعوة بدءاً من الأيام الأولى لحكمه إلى تغيير طريقة التعامل مع إيران والدعوة إلى الخروج من الاتفاق النووي الإيراني، وهو ما تم بالفعل.

    تم توالت، ولا تزال، التصعيدات ما بين الجانبين من تهديدات أمريكية بفرض عقوبات قاسية على إيران إلى التهديد بمهاجمة إيران عسكرياً. وقام الرئيس ترامب بعد الخروج من الاتفاقية النووية بالتوقيع على حزمة جديدة من العقوبات على إيران، وذلك إلى جانب التهديدات.

     وتحاول الولايات المتحدة، بالتزامن مع ذلك، محاصرة الدور الإيراني في المنطقة، وذلك في سوريا والعراق وغيرهما. كما تحاول مقايضة الدور الأمريكي في أوكرانيا مع الدور الروسي في سوريا. ومن ناحية أخرى، على الرغم من دعم الصين الضمني لإيران، إلا أنها من غير المتوقع لها أن تقوم بالصدام مع الولايات المتحدة أو تأجيج خلاف كبير معها من أجل إيران.

    إيماءات ترامب والإدارة الأمريكية للحوار المستقبلي مع إيران

    بعد التصعيدات المتلاحقة في العلاقات الأمريكية الإيرانية منذ مجيء ترامب، قام الأخير وعدد من المسؤولين الأمريكيين بالدعوة، وبشكل مباشر، إلى الحوار مع إيران. وقام الرئيس الأمريكي ترامب صراحة في 30 يوليو 2018 بالدعوة إلى الحوار مع الرئيس الإيراني حسن روحاني "بدون أية شروط مسبقة" و "في أي مكان".  

    وأكد ذلك وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عندما أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في اليوم التالي 31 يوليو تأييد وزير الخارجية الأمريكي حديث ترامب حول استعداده لإجراء محادثات مع الساسة الإيرانين. كما قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، هيذر نويرت، أن الرئيس ترامب يرغب في الحوار مع قادة دوليين "بما فيهم مسؤولون إيرانيون".(2)

   نستنتج مما سبق أن هناك تشابهاً كبيراً ما بين نهج الرئيس الأمريكي ترامب في التعامل مع الملف الكوري الشمالي وفي التعاطي مع الملف الإيراني، ويمكن القول إنه لم يتبق للرئيس الأمريكي إلا الجلوس مع الرئيس الإيراني حسن روحاني في مكان وزمان لم يتم تحديدهما حتى الآن.

   كما يجب الإشارة إلى أنه على الرغم من التشابه ما بين النموذج الكوري الشمالي والإيراني من الجانب الأمريكي، إلا أن هناك اختلافاً بدون شك ما بين طبيعة النظرة الأمريكية لإيران وطبيعتها لكوريا الشمالية، من بينها الدور الإيراني في منطقة الشرق الأوسط والحسابات العسكرية والأمنية التي تترتب على ذلك من وجهة النظر الأمريكية. ومن ناحية أخرى، طبيعة التحالف والمصالح المشتركة ما بين كوريا الشمالية ودول مثل الصين وروسيا وطبيعتها من ناحية أخرى مع إيران.

المصادر

1-              Adrija Roychowdhury, “America and North Korea: How in 72 years their relations have only gone downhill”, The Indian Express, June 11th, 2018.

https://indianexpress.com/article/research/kim-jong-un-america-and-north-korea-how-in-72-years-their-relations-have-only-gone-downhill-4845061/

2-          "ترامب: أشعر بأن إيران ستتحدث معنا قريباً"، الحرة، 31 يوليو 2018.

https://www.alhurra.com/a/pompeo-trump-iran/450912.html