المركز العربي للبحوث والدراسات : ترسيخ الاستيطان: التهجير القسري لأهالي "الخان الأحمر" (طباعة)
ترسيخ الاستيطان: التهجير القسري لأهالي "الخان الأحمر"
آخر تحديث: الأحد 12/08/2018 12:51 ص آية عبد العزيز
ترسيخ الاستيطان:

تشهد الأراضي الفلسطينية العديد من الانتهاكات منذ اعتراف الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" بالقدس الشرقية عاصمة لإسرائيل وتم نقل السفارة الأميركية من "تل أبيب" إليها، وفي هذا الإطار سعت حكومة الاحتلال بترسيخ مرتكزات الاستيطان من خلال إعادة هيكلة المنطقة ومؤسساتها من أجل التغير الديموغرافي والقانوني للمنطقة عبر زيادة المستوطنات والتهجير القسري للمدنيين، وطرد السكان الأصليين من أراضيهم. لذا فقد جاء قرار "ترامب" استكمالاً للسياسات الاستيطان الصهيوني خلال فترات حكم الحكومات الإسرائيلية اليمينية المتطرفة التي بدأت بحكومة "مناحم بيجن" في أواخر السبعينيات.

وقد بلغت عدد المستوطنات في الفترة ما بين 1977 و 1986(78) مستوطنة جديدة، كما بلغت عدد المستوطنين في الضفة الغربية (111673) مستوطنة علاوة على (140872) في القدس الشرقية وذلك في عام 1992، كما ساهمت الأحزاب الحاكمة في تزايد عدد المستوطنات، -فعلى سبيل المثال- ساهم  حزب الليكود في بناء ما يقرب من 70.1% أما حزب العمل فقد بلغ ما يقرب من 29.95% من المستوطنات، معظمها تم بناءه بين عام 1976و 1991 وذلك وفقًا لإحصاءات المكتب المركزي للإحصاءات الفلسطينية.

واستمرارًا للنهج الاستيطاني بلغ إجمالي عدد المستوطنات في الضفة الغربية أكثر من 125 مستوطنة رسمية وذلك في عام 2012، وبدايةً من عام 2016 بلغ عددهم 128 مستوطنة متواجدة في 11 تجمعًا استيطانيًا، يقع أكبرها في "غور الأردن"، الذي يضم 26 مستوطنة ويعرف باسم  تجمع "بنيامين".

                وعليه يعد الاستيطان الترجمة الفعلية للفكر الاستراتيجي الصهيوني، الذي يستند على الاستيلاء الأراضي الفلسطينية، بعد طرد سكانها وتشريدهم ليتم توطين يهود الشتات بدلًا منهم لإخلال بالتوازن الجغرافي لصالح الكيان الصهيوني، تجلى ذلك في عمليات التهجير القسري لقرية الخان الأحمر المجاورة للقدس الشرقية(1).

الأهمية الاستراتيجية للخان الأحمر

تقع قرية "الخان الأحمر" في الضفة الغربية في المنطقة (ج) التي تشكل 60% من الضفة الغربية الخاضعة للسيطرة الأمنية والإدارية للقوات الاحتلال الإسرائيلية وفقًا لاتفاقية أوسلو  عام 1993، وتقترب منطقة الخان من مستوطنة "معاليه أدوميم"، بالقرب من شرق القدس على الطريق المؤدي الى مدينة أريحا والبحر الميت. لذا من المتوقع أن يتم تهجير السكان وتشريدهم تمهيدًا لاستكمال بناء الجدار الفاصل، الذي سيقسم الضفة الغربية إلى قسمين.

 والجدير بالذكر؛ أن أهالي المنطقة  منذ 2009 يناضلون ضد قرارات سلطات الاحتلال رفضًا لعملية التهجير القسري.  

وتعتبر منطقة الخان واحدة من 18 حيًا بدويًا من قبيلة الجهالين تواجه تهديدًا قسريًا(2)؛ حيث ينحدر سكان المنطقة من صحراء النقب عام 1953، إثر تهجيرهم من إسرائيل، ويعيش سكان الخان في سياق من التهمش والاقصاء تمثلت في افتقار المنطقة إلى الخدمات من المياه والكهرباء وشبكات الاتصال والطرقات، وذلك من أجل إعادة تهجيرهم وفقًا للمخطط المشروع الاستيطاني "إسرائيليا E1"(3).

الهدف الخفي للتهجير

تسعى قوات الاحتلال الإسرائيلية إلى توسيع نطاق الاستيطان وخاصة حول المناطق المقدسة لتوسيع مدينة القدس المحتلة، وضم المستوطنات اليهودية إليها، كما تتعامل مع المنطقة على إنها مجال حيوي لتحركاتها ومشاريعها الاستيطانية، لذا فإنها تخطط لإزالة التجمع وإقامة مطار في منطقة "النبي موسى" بجانب سلسلة من الفنادق، والمناطق التجارية والصناعية وربطهم بشبكة من خطوط السكك الحديدية.

يأتي الهدف الحقيقي من هذه العملية هو  تنفيذ ما يعرف باسم "القدس الكبرى" من خلال تشريد الأهالي من الخان وإزالته لربطه بالمستوطنات الإسرائيلية لفصل شمال الضفة وعن شمالها بالتزامن مع ضم المستوطنات مثل "جوش عتصيون"، و"جفعات زئيف" الواقعة في شمال الضفة جنوب بيت لحم لتغيير الحدود الجغرافية والديموغرافية لترسيخ الاستيطان الصهيوني داخل مدينة القدس الشرقية(4).

الردع المضاد لأهالي الخان

في سياق عمليات التهجير القسري وتشريد الآمنين من السكان المرابطون والمدافعون عن أراضيهم تصدى أهالي المنطقة لقوات الاحتلال مما أدى إلى استخدام قوات الاحتلال الإسرائيلية للقوة تجاه الأهالي على كافة الأصعدة على النحو التالي: 

1-     إصدار أحكام قضائية؛ أصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا قرارًا بموجبه يتم هدم الخان وإجلاء سكانه البلغ عددهم 190 فردًا إلا إنها تراجعت بشكل مؤقت نتيجة الضغوط الدولية، والداخلية التي حاولت أن تثبت ملكية الأرض بانها فلسطينية أُقيم عليها التجمع في بداية الخمسينيات، لذا فهي ليست أرض عامة، وعليه فقد أصدرت يوم الاثنين 9 يوليو/ تموز 2018 أمرًا جديدًا يمنع السلطات الإسرائيلية من هدم تجمع الخان، كما أمرت بالتمهّل حتى 16 يوليو الجاري.

2-     فرض حظر التجول؛ قامت قوات الاحتلال بفرض حظر  تجوال على أهالي المنطقة، مع إمكانية إطلاق الرصاص، واعتقال عدد من الأهالي، فيما تم منعهم من الذهاب إلى مزارعهم، والتواصل مع العالم الخارجي كما تم منع بعض الدبلوماسيين من الدخول إلى المنطقة.

3-     الاعتقال القسري؛ داهمت قوات الاحتلال أهالي المنطقة وشنت حملة اعتقالات طالت 9 متضامنين بينهم خمسة فلسطينيين وثلاثة بريطانيين، وأميركي جاؤوا لمساندة أهالي تجمع الأحمر.

4-     تطويق المدنيين؛ قامت قوات الاحتلال الإسرائيلية بشن حملة تطويق على التجمع الأهالي في الخان، من خلال إغلاق الطرق المؤدية إليه، كما قامت بتسليمهم إخطارًا لهدم المنازل تمهيدًا لتنفيذ مخطط "1 أي" القاضي بتوسيع نطاق  مستوطنة معاليه أدوميم لربطها بالقدس(5).

المدن التاريخية محط أنظار الاستيطان

تحاول سلطات الاحتلال تنفيذ المخططات الصهيونية في إقامة الدولة الإسرائيلية استنادًا على عدد من الأبعاد والمرتكزات تأتي في مقدمتهم السيطرة على المقدسات الدينية وإثباتهم إنها جزء من تاريخهم وأساس وجودهم على الأراضي الفلسطينية، فضلًا عن اعتبارها أرض الميعاد، ووطن الشتات اليهودي في كافة أنحاء العالم.  لذا تتمركز مناطق انتشار المستوطنات بالقرب من المدن التاريخية مثل القدس ومنطقة غرب “رام الله” وجنوب غرب نابلس ويرجع ذلك إلى:

1-     الرغبة في السيطرة على مصادر المياه والموارد الطبيعية لضمان استمراريتهم ووجودهم بما يتوافق مع المخططات الصهيونية التي استندت إليها قيام الدولة الإسرائيلية.

2-     الرغبة في تشكيل حزام استيطاني حول المدن التاريخية لضمان السيطرة عليها رغم إعلان منظمة "اليونسكو " بان المقدسات الدينية في المدن التاريخية ليست تابعة لدولة الاحتلال.

3-     السعي الإسرائيلي في الإسراع في عمليات التهويد للمدن والمقدسات الدينية عن طريق تغير مسمياتها من اللغة العربية إلى العبرية، عبر "سلطة تسمية الأماكن" --فعلى سبيل المثال- تم إطلاق اسم “عودة صهيون” على “باب الخليل”، وأطلقوا على “تل المشارف” “موشي حاييم شابير”.

4-     طمس الهوية الفلسطينية والعربية وتفريغها من أهميتها التاريخية لدى العرب لتصبح ملكًا للكيان الصهيوني، لإثبات مزاعمهم التاريخية بشأن المقدسات الدينية، لتكون ركيزة أساسية لتواجدهم على الأراضي الفلسطينية.

5-     استغلال القدس والضفة مثل منطقة “بركان”، "مشور أدوميم" باعتبارهم من المناطق ذات العاملة المهارة رخيصة الثمن، وعليه فقد تم إنشاء عدد من المصانع والمناطق الصناعية الكبرى لاستفادة منها.

6-     تعميق التبعية بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني ومنعه من التواصل مع العالم الخارجي إلا من خلال القنوات الخاضعة لسيطرة الإسرائيلية.

ختامًا؛ يشهد الداخل الإسرائيلي حالة من الحراك السياسي بين القيادات الحزبية بالقرب من الانتخابات البرلمانية القادمة وعليه تسعى كل قوى بما لديها من إمكانيات وطاقات لتثبت غنها جديرة بالثقة الشعب الإسرائيلي وتعمل لصالح الدولة ومصالحها الوطنية. وذلك في سياق ما يواجهه رئيس الرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" من قضايا فساد تكاد تنهي مستقبله السياسي.

 لذا يحاول "نتنياهو" تسريع وتيرة الاستيطان للحافظ على القاعدة الانتخابية الخاصة بيه؛ حيث يرتبط المجتمع الإسرائيلي بالحكومات الأكثر عنفًا من الفلسطينيين. فمن المتوقع أن تستمر عمليات الاستيطان على نطاق واسع في الأيام القادمة بما يعزز موقف رئيس الوزراء في حراكه الانتخابي القادم.

المراجع:

1-      آية عبدالعزيز، ""الاستيطان".... ما بين الفلسفة الصهيونية وتزييف الحقائق"، 18/8/2017، مركز البديل للتخطيط والدراسات الاستراتيجية.

2-      "سلطات الاحتلال تحاصر البدوان والخان الأحمر تمهيدا للهدم وترحيل السكان"، 5/7/2018، اليوم السابع.

3-      "المحكمة العليا الإسرائيلية تقضي بتجميد هدم تجمع الخان الأحمر السكني الفلسطيني"، 10/7/2018،اسبوتنيك عربي.

4-      "إسرائيل تمارس التطهير العرقى من النقب إلى الخان الأحمر"، 7/7/2018، اليوم السابع

5-      "الجيش الإسرائيلي يحاصر تجمع الخان الأحمر ويعتقل متضامنين عربا وأجانب"، 5/7/2018، اسبوتينك عربي.