المركز العربي للبحوث والدراسات : هل ستغادر إيران سوريا؟ (طباعة)
هل ستغادر إيران سوريا؟
آخر تحديث: الثلاثاء 02/10/2018 04:20 م محمد أيوب – ترجمة :مرﭬت زكريا
هل ستغادر إيران سوريا؟

تدور الفكرة الرئيسية للمقال الذى كتبه "محمد أيوب" أستاذ العلاقات الدولية بجامعة "ميتشغان"، وزميل مركز السياسة الدولية بجامعة برلين، حول فشل المساعي الأمريكية لإخراج إيران من سوريا من خلال روسيا، ومدى قدرة طهران على تخطى الأزمة الحالية المتمثلة في الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية مرة أخرى. في السياق ذاته، تبدو الجهود الأمريكية الساعية إلى إخراج إيران من سوريا غير مجدية، على خلفية العلاقات الوطيدة بين طهران ودمشق منذ حرب الخليج الثانية، فضلاً عن عدم وجود تعارض بين مصالح كل من روسيا و إيران.

في الإطار ذاته، التقى مستشار الأمن القومي الأمريكي "جون بولتون" بنظيره الروسي "نيكولاي باتروشيف" بجنيف في أغسطس/آب لعام 2018، للتباحث حول مجموعة من القضايا، تمحور أبرزها حول ضرورة اقناع روسيا حليفتها إيران التي تعاونت معها في الدفاع عن نظام الأسد، بإزالة قواتها من سوريا. وفي حين أبدى "باتروشيف" الرغبة في ذلك، ولكن من الواضح أن موسكو  لا تمتلك القدرة لإجبار إيران على الخروج من سوريا.

فمطالبة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بإخراج إيران من سوريا ليست بالجديدة؛ حيث أقر في خطابه الذى القاه في الثامن من مايو/أيار لعام 2018 أثناء الإعلان عن  انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني، بضرورة أن يتضمن الاتفاق الجديد قيود أبدية على تخصيب اليورانيوم، تطوير الصواريخ الباليستية، الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة.

فعلى الرغم من أن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات مرة أخرى سيعيق قدرة طهران على المشاركة في السوق الدولية ويقلل من قدرتها على بيع النفط، فضلاً عن القضاء على الاستثمارات الأجنبية المتبقية، ولكن الحقيقة أن كل ذلك، لم يُحدث التأثير السلبى المرغوب من قبل واشنطن. و تركت العقوبات تأثيراً كبيراً على الاقتصاد الإيراني، ولاسيما على قيمة العملة،  ولكن لم تتشبث طهران بعقد اتفاق جديد، ولذلك، فمن الواضح أن الجمهورية الإسلامية استبعدت فكرة إعادة التفاوض على الاتفاق النووي حتى قبل الانسحاب الأمريكي.

بالمثل، لم تلقى دعوة "ترامب" بتخلي إيران عن طموحاتها النووية أذاناً صاغية في بعض دول الشرق الأوسط؛ حيث ساعد الوجود الإيراني في سوريا بالتوازي مع الدعم العسكري الروسي في سيطرة النظام على جميع أنحاء البلاد. وفي الوقت الذي قامت فيه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها بالقضاء على "داعش"، كانت إيران وروسيا مسئولة بشكل أساسي عن مساعدة الأسد بالصمود في مواجهة الجماعات المتنافسة على السلطة.

فعلى الرغم من أن المصالح الروسية الإيرانية في سوريا ليست متطابقة وهناك تشكيك  في نوايا  بعضهم البعض، ولكن الأهم أنها تسير بالتوازي مع ضرورة الحفاظ على بقاء النظام، ومع ذلك، فإن التزام طهران ببقاء النظام يختلف عن التزام موسكو. فمنذ عامين، وقبل أن يتحول الدعم العسكري لصالح نظام الأسد بشكل تام، كانت موسكو تستعد لعزله من أجل الوصول لتسوية بين النظام والمعارضة.

من ناحية أخرى، يعود التحالف الإيراني مع سوريا إلى عام 1980 ، عندما وقفت دمشق إلى جانب طهران ضد الرئيس العراقي الأسبق "صدام حسين" خلال الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت لثماني سنوات، مولت المملكة العربية السعودية ومشايخ الخليج العراق خلال الحرب، على خلفية خوفها من بغداد بالتوازي مع عدم رغبتها في وصول تأثيرات الثورة الإسلامية إلى مواطنيها. كما دعمت كل من واشنطن، موسكو وباريس بغداد في مقابل رجال الدين في طهران.

وكانت هناك العديد من الحسابات الواقعية التي حددت موقف إيران تجاه سوريا؛ حيث شمل ذلك الدعم الذى قدمته السعودية وحلفاءها في الخليج للفصائل المتمردة، وكذلك التصميم الأمريكي على تغيير النظام  في دمشق، فضلاً عن التأثير  المتصاعد للمذهب السنى في مواجهة المذهب الشيعي.

لكن يبدو  حالياً، أن النظام السوري استعاد السيطرة على جزء كبير من البلاد، ومن هنا، تسعى إيران لجنى ثمار مساعداتها السابقة للنظام، لاسيما في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها طهران. في الواقع، تُعزي كثير من نجاحات الجيش السوري إلى المشورة العسكرية التي مازال الحرس الثوري يقدمها، فضلاً عن القدرة القتالية لقوات "حزب الله" التي تم تدريبها على يد الحرس أيضاً. علاوة على ذلك، قتل أكثر من 1000 إيراني، بما فيهم قيادات كبيرة في الحرس الثوري يقاتلون نيابة عن نظام الأسد منذ عام 2012، من هنا، فإيران حريصة على جنى الجزء الأكبر من ثمار عملية إعادة الاعمار  الذي من المتوقع أن تتبع نهاية الحرب الأهلية. والأهم من ذلك، أنها غير راغبة في التخلي عن  موطئ قدمها الاستراتيجي في سوريا، الذي سيكمل وجودها السياسي والاستراتيجي في العراق، من خلال "حزب الله" وكيلها اللبناني.

                على صعيد أخر، تتمحور استراتيجية الهلال الشيعي في الشرق الأوسط حول رغبة طهران في المساعدة على استقرار الأنظمة الصديقة في العراق، سوريا ولبنان من أجل مواجهة التحركات السعودية لمنع إيران من دخول المنطقة العربية كجزء من الحرب المحتدمة بين القوتين الرئيسيتين في الخليج العربي، ولذلك، فإن توقع قيام إيران بالخروج أو حتى الحد من تواجدها في سوريا يعد حلماً مزعجاً.

                فعلى الرغم من التكهنات التي تشير  إلى عكس ذلك، يعد الوجود الإيراني في سوريا أمراً مهماً لنظام الأسد، لأنه يساعد على بقاءه، وعلى خلفية عدم رغبته في الاعتماد الكلى على روسيا، بات الأسد يشكك في دعم موسكو للنظام، التي بدا أنها ستنسحب إذا كان ذلك يهدد مصالحها الأكثر أهمية.

ختاماً:  تبدو الجهود الأمريكية الرامية إلى سعى روسيا لإقناع إيران بضرورة مغادرة سوريا غير مجدية. لقد أكدت روسيا لإسرائيل أن إيران ستحتفظ بقواتها  على مسافة 85 كيلو متراً من الحدود الإسرائيلية، لأنها لا تريد حرباً في الشرق الأوسط. ومن هنا، لا مجال لإجبار إيران على مغادرة سوريا أو حتى الحد من نفوذها السياسي والعسكري، وهذه هي الحقيقة التي يجب على واشنطن أن تتعايش معها، كما ينبغي أن يتم معالجة هذا العنصر في استراتيجية واشنطن المستقبلية تجاه طهران؛ حيث أن مطاردة السراب لا تؤدى لسياسة خارجية ناجحة.     

Mohammed Ayoob, Will Iran Leave Syria?, Center for Global Policy, at:

https://www.cgpolicy.org/articles/will-iran-leave-syria/