المركز العربي للبحوث والدراسات : قد لا تحب تركيا الغرب ولكنها تحتاجه (طباعة)
قد لا تحب تركيا الغرب ولكنها تحتاجه
آخر تحديث: الثلاثاء 02/10/2018 04:42 م كيمال كرسيتشي - ترجمة: آية عبدالعزيز
قد لا تحب تركيا الغرب

تشهد العلاقات الأميركية التركية حالة من عدم الاستقرار على خلفية قرار  الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" بفرض عقوبات على وزيرين تركيين الذي يعد من القرارات التي لا مثيل لها؛ حيث  تعد البلدين من أهم الشركاء الاستراتيجيين في حلف شمال الأطلسي، فضلاً  عن استمرار ومضاعفة التعريفات التجارية خلال شهر أغسطس، مما أدى إلى تفاقم العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا.

 جاء التحرك الأميركي الأخير  تجاه أنقرة على خلفية رفضها تسليم القس "أندرو برونسون"، الذي يواجه تهمًا متعلقة بالتجسس والقيام بأعمال إرهابية. وعليه فقد انعكست العقوبات الأميركية بشكل سلبي على الاقتصاد وخاصة على العملة الوطنية التي فقدت نصف قيمتها تقريبًا مقارنة ببداية العام.

وفي هذا السياق قام الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" الذي أعيد انتخابه حديثًا، بتجميع مؤيديه  وحتى حزب المعارضةالشعب الجمهوري"ـ لمواجهة هذه العقوبات مهددًا بإنه سيبحث عن أصدقاء وحلفاء جدد بما يعني التوجه الاستراتيجي بعيدًا عن الغرب.

ولكن في حقيقة الأمر من  غير المرجح أن يقوم "أردوغان" بذلك. ولكن يعد الأمر الأكثر  ترجيحاً هو تأجيجي الصراع بين العوامل الهيكلية التي تربط تركيا بالغرب، والرغبة في الخروج عن سياساتهم القائمة منذ الحرب العالمية الثانية، لذا من المتوقع أن يزيد الأمر تعقيدًا لأن تركيا فعليًا لا يمكنها الخروج عن التحالف عبر الأطلسي.  

تعثر ديمقراطي

تعتبر تهديدات "أردوغان" بالابتعاد عن الغرب ليست جديدة، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بضعف الديمقراطية في تركيا. ففي أعقاب احتجاجات متنزه Gezi في عام 2013 - التي اندلعت كرد فعل على تزايد الاستبداد والقمع الإعلامي في تركيا – استغلها "أردوغان" للتواصل مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" (في هذه الحالة، يسعى بالتحديد إلى المساعدة في عضوية تركيا في منظمة شنغهاي للتعاون). واقترح "أردوغان" أنه مستعد للتخلي عن طموح تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الذي طالما اعتبر رمزًا للتوجه التركي الغربي.

وفي هذا الصدد تحسنت علاقات تركيا مع "بوتين" بثبات، خاصة بعد أن تم حل قضية العقوبات - التي فرضتها روسيا بعد أن أسقطت تركيا طائرة حربية روسية على سوريا- في يونيو 2016. وبعد محاولة الانقلاب في يوليو عام 2016 في تركيا، مدد "بوتين" دعمه المطلق لأردوغان لتعميق العلاقات بينهم منددًا بمحاولة الانقلاب التي تعرضت لها البلاد وداعمًا عودة الاستقرار .

في المقابل، تردد حلفاء تركيا - الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي - من إدانة محاولة الانقلاب. مما أدى هذا إلى إثارة انعدام ثقة "أردوغان" تجاههم. في خضم تدهور العلاقات، لذا فقد أصبحت تركيا أول عضو في الناتو يشتري نظام أسلحة متطور من روسيا (صواريخ 400 S) وجعل روسيا تبني محطة طاقة نووية في البلاد. 

كما أدى تطبيق حكم الطوارئ بعد محاولة الانقلاب والقمع المتزايد الذي أعقبه تعقيد علاقات تركيا مع الغرب. ومع تزايد أصوات الاتحاد الأوروبي ضد انضمام تركيا إلى الكتلة الأوروبية، رفع أردوغان الحماسة القومية ضد الاتحاد الأوروبي. اكتسبت لهجته المحلية زخمًا داخليًا، مما أدى إلى تفاقم الوضع وتوتر العلاقات.

وفي هذا الإطار استمرت الأوضاع المتوترة خاصة مع الاستفتاء الذي تم في أبريل 2017، لتحويل النظام البرلماني إلى رئاسي، الذي على غراره تمكن "أردوغان" من تغير نمط الحكم في أنقرة واستغله للهيمنة على عملية صنع واتخاذ القرار بدون قيود داخلية، علاوة على تمكنه من فوزه في الانتخابات الرئاسية في 2018 ليرسخ بذلك حكم الرجل الواحد.

والجدير بالذكر ؛ أن كل هذه الإجراءات والمتغيرات المتلاحقة لم تضر بعلاقة تركيا بالولايات المتحدة الأميركية وقد تجلى ذلك في لقاء الرئيسين في قمة الناتو في بروكسل في يوليو  2018. وقد اتخذت هذه الخطوة بشكل عام كعلامة على العلاقة بين الزعيمين الشعبويين مع قدر ضئيل من التسامح مع القيم الديمقراطية الليبرالية.

قوات من الخارج

تعود مرتكزات التحول التي تشهدها أنقرة إلى التطورات الداخلية المتلاحقة علاوة على تأثير ترجع قيم الديمقراطية الليبرالية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وقد أشارت مؤسسة "فريدوم هاوس" في تقريرها  الصادر عام 2018 بعنوان "الحرية في العالم" إلى  أن دور الولايات المتحدة كداعية للديمقراطية قد تآكل "وسط انخفاض متسارع في الحقوق السياسية والحريات المدنية الأمريكية".

كما لم يتمكن الاتحاد الأوروبي حتى الآن من الصمود مما أدي إلى تراجع الديمقراطية في كثير من بلدان أوروبا الوسطى والشرقية وخاصة في المجر وبولندا. فيما تمتد هذه الصورة المقلقة إلى أوروبا الغربية، مع وجود متزايد للأحزاب الشعبوية اليمينية في برلمانات عدة دول مثل الدنمارك وفنلندا وألمانيا وحكومات في النمسا وإيطاليا.

وتتفاقم هذه الصورة عن طريق تفتيت العام في المجتمع عبر الأطلسي: ترامب، من جانبه، دعا مرة واحدة أن الناتو "عفا عليها الزمن " "والاتحاد الأوروبي عدو ." وعلاوة على ذلك، فإن الحروب التجارية التي كان قد أطلقها على كل من تركيا والاتحاد الأوروبي يجعلهم يبحثون عن شراكات مع الصين وروسيا وإيران، الأمر الذي يغذي انجراف تركيا.  

حقيقة غير مريحة: تركيا بحاجة إلى الغرب

كان "أردوغان" حريصًا على استمرار  العلاقات مع الولايات المتحدة، حتى في ذروة الأزمة الأخيرة. وأشار مرارًا إلى الحاجة إلى حوار دبلوماسي لحل الأزمة، وبالمثل، أكد وزير الشؤون الخارجية "مفلوت تشافوشوغلو" على الحوار وأرسل وفودًا دبلوماسية إلى واشنطن.

ومن الجدير بالذكر أن "أردوغان" حاول بحث سبل التسوية التجارية مع واشنطن من خلال التوجه نحو منظمة التجارة العالمية كأحد مرتكزات النظام الليبرالي الدولي، لمواجهة الادعاءات بأن تركيا تقوض مصالح التحالف الغربي. وفي الوقت نفسه، رأى المعلقون في وسائل الإعلام الموالية للحكومة والمسؤولين رفيعي المستوى أن الأزمة مع الولايات المتحدة تمثل فرصة لإحياء العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.

بالنسبة لتركيا، الحقيقة الواضحة هي أنه للخروج من ضعفها الاقتصادي، يجب عليها التعاون مع الاتحاد الأوروبي؛ حيث يشتري الاتحاد الأوروبي أكثر من نصف صادرات تركيا، ويمتلك أكثر من ثلثي الاستثمار الأجنبي المباشر في تركيا، مما يجعله ضرورة إنشائية.

فالصين وروسيا وإيران - التي غالباً ما يشار إليها كشركاء استراتيجيين بديلين لتركيا - ليست ببساطة قادرة على استيعاب تلك الصادرات أو تزويد تركيا بالدعم المالي اللازم، على الأقل ليس على المدى الفوري أو حتى المتوسط. أخيراً، فيما يتعلق بعلاقات الروسية التركية فإن موسكو رغم علاقاتها الممتدة مع أنقرة إلا إن مصالحها في سوريا لا تتوافق مع مصالح أنقرة وعليه لابد من الأخذ في الاعتبار  العلاقات التاريخية بينهم.

وعلى الرغم من الأزمة التي تواجهها العلاقات الأميركية التركية، التي وصفها بعض الخبراء بأنها الأسوأ في التاريخين الثنائيين للدولتين - فإن تركيا مترددة في الانخراط أكثر مع الولايات المتحدة. والأهم من ذلك، لا ينبغي أن يُخطئ هذا في الالتزام الخاص بالمجتمع عبر الأطلسي أو بالحب للنظام الليبرالي الدولي.

ولأسباب إيديولوجية وسياسية، فإن قادة تركيا الحاليين ليس لديهم قلب في الغرب، ومن الناحية المثالية ، يريدون الابتعاد أكثر. لا شك أن "أردوغان" سيستمر في إثارة المشاعر المعادية للغرب لتغطية إخفاقاته في الداخل. من ناحية أخرى، فإن الواقع الاقتصادي والجيوسياسي والمؤسسي سيبعده عن اتخاذ خطوات أكثر جذرية.

في غضون ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إشراك تركيا في تحسين اقتصادها، مما يجعل دعمها مشروطًا بتحسين حكم القانون والشفافية. والأهم من ذلك، ينبغي عليهم إعطاء الأولوية لترسيخ قيم الديمقراطية والسعي إلى وقف تجزئة التحالف عبر الأطلسي. فبعد كل شيء، كانت علاقات تركيا مع حلفائها عبر الأطلنطي في أفضل حالاتها منذ أقل من عقد، عندما كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منارة للديمقراطية والازدهار الليبراليين.

ختامًا؛ يجب على "أردوغان" تبني سياسات أكثر  شفافية لكي توزان بين علاقاتها الخارجية وسياساته الداخلية دون خلل فيهما فمازال يتبنى داخليًا خطابًا رافضًا ومنتفضًا للغرب في سياق رغبته المستمرة في التقارب معه وعليه فلابد من تغير المسار الذي يسلكه سواء من الناحية الخطابية أو بعض تدابير السياسة العامة، الأمر الذي ينعكس على حل قضية "برونسون" وتحسين شروط التبادل التجاري لتركيا على المدى المتوسط​​، وإعادة الاقتصاد التركي إلى مساره.

كما أنها الخطوة الأولى نحو استعادة مكانة تركيا الدولية على المدى الطويل. في حين أن هذا لن يستبعد بأي شكل من الأشكال العلاقات الموسعة مع دول مثل الصين وإيران وروسيا، فإن ذلك سيساعد على جعل تركيا أكثر ثباتًا.

 

 

Kemal Kirişci, Turkey might not like the West, but needs it, Brookings Institution, August 30, 2018.