المركز العربي للبحوث والدراسات : بين تحديات الهوية وضرورات الاندماج .. مؤسسات التعليم الديني الإسلامي في أوروبا (طباعة)
بين تحديات الهوية وضرورات الاندماج .. مؤسسات التعليم الديني الإسلامي في أوروبا
آخر تحديث: الإثنين 22/10/2018 06:34 م محمود جمال عبد العال
بين تحديات الهوية

تدور حالة من النقاش الفكري والمجتمعي حول نظام التعليم الإسلامي في الغرب خاصة مع تصاعد موجة العنف التي شهدتها أوروبا في العامين الماضيين، وتزايد نسب المسلمين بعد موجات الهجرة واللجوء التي قصدت أوروبا في سياق حالة عدم الاستقرار التي شهدتها دول جنوب المتوسط بعد أحداث الربيع العربي في 2011. ويتركز هذا النقاش حول القيم والمبادئ والأساليب التي يتم اتباعها في تعليم الطلاب في هذه المجتمعات، وكذلك ما يُمكن أن تضيفه التعديلات على أنظمتها للتعزيز من المشتركات اللازمة للتعايش السلمي كالأخلاق والمبادئ والقيم الإنسانية.

ويعتبر المحللون النفسيون أن المهاجرون يعانون من حالة من الاغتراب الديني والثقافي داخل المجتمعات الغربية، لذا يرون أنه من الواجب على مؤسسات التعليم الدينية الإسلامية محاولة سد الهوة بين ثقافاتهم الأصلية والثقافة الغربية بما يُسهل من عملية إدماجهم وربطهم مع مجتمعاتهم الجديدة التي سيعيشون بها بما يجعلهم أكثر اتساقًا مع نمط المعيشة الجديدة.

سنحاول في هذا التقرير التحقق من أسباب انتشار مدارس التعليم الإسلامية في المجتمعات الأوربية، وأدوار هذه المدارس في الحفاظ على الهوية الإسلامية المحافظة للأجيال الجديدة من أبناء المهاجرين، ومدى دقة التفسيرات التي تعتبر أن هذه المدارس تقف حائلًا أمام اندماج المهاجرين في البيئة والثقافة الغربية.

لماذا ينتشر التعليم الديني في أوروبا؟!

                تتعدد أهداف انتشار التعليم الديني في أوروبا ما بين أهدافٍ شخصية وأخرى عامة. ترتبط الأسباب الشخصية بالطريقة التي يُفكر بها مجتمع المسلمين هناك؛ حيث تنشغل الأسر والعائلات الأكثر تدينًا بالتخطيط لأبنائهم من جيل المهاجرين، وهل سيتمكن هذا الجيل من الحفاظ على هويته المحافظة، أم أنه سينصهر في بوتقة الثقافة والحداثة الأوربية. وتتصل الأهداف العامة بما يرتبط بالتعليم الديني من آفاق تتعلق بطرق التفكير النقدية التي تتصل مباشرة بفكرة الاندماج والتعايش المشترك. وسنحاول تفصيل هذه الأهداف فيما يلي:

1-     الأسباب الشخصية: كما أشرنا أعلاه أنها ترتبط برؤية جيل الآباء من المهاجرين لما يجب أن يكون عليه أبنائهم في هذه المجتمعات التي تختلف عنهم في الثقافة والهوية والدين؛ إذ يتمتع هذا النوع من التعليم بالشعبية في أوساط العائلات المسلمة، التي ترى أن المدارس الدينية تمثل فرصة ثمينة لربط أبنائهم بالدين والهوية المحافظة التي نشأوا عليها. تشير كثير من استطلاعات الرأي والتحليلات المتعلقة بمجتمع المسلمين في الغرب أن جيل الآباء يتخوف على أبنائه من المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الغربي مثل إدمان المخدرات والكحوليات، وإقامة العلاقات الجنسية خارج إطارها الشرعي والقانوني وصولًا للإلحاد والاتجاه نحول المثلية الجنسية، وهو ما يُعد أسوأ السيناريوهات التي يعملون لعدم الوصول إليها من خلال ربط أبنائهم ببيئة المسجد والمراكز الإسلامية المنتشرة في محيطهم الجغرافي.

2-     الأسباب العامة: تتصل الأسباب العامة التي تؤكد على أهمية التعليم الديني إلى أن هذا النوع من الدراسة يتصل بالحقائق والتفسيرات التي يضيفها نمط التعليم الديني للعقلية المستهدفة؛ حيث تتعدد المدارس التفسيرية لهذا النوع من التعليم، فهناك من يعتبر أن التعليم الديني بمثابة طرائق متعددة للبحث عن الحقيقة، وهو ما يشير إلى ضرورة أن يتعلم الأطفال نقد المحتوى الديني بل وصولًا للتعبير عن شكوكهم في هذا المحتوى (1). يُمكن أن يرتبط هذا النوع من التعليم بالمدارس العلمانية التي ترفض تدريس الدين وتعتمد على تدريس الأخلاق وحدها، وهو ما يرفضه المحافظون، مما يجعلهم يتجنبون اللجوء إليها عن طريق اتباع أنماط التعليم الذاتية التي ترتبط في أغلبها بالحلقات الدينية في المساجد والمراكز الإسلامية في محيطهم. ويدافع أنصار هذه الرؤية عن ذلك باعتبارهم أن المدارس الدينية الذاتية تُسهم في تعزيز الغربة لدى المهاجرين خاصة في صفوف الأجيال الجديدة، وتعتبر أن تدريس الأخلاق والقيم التي تحض على العيش المشترك بمثابة الطريقة الفريدة التي ستُسرع من الاندماج مع المجتمع والثقافة الغربية.

أنماط التعليم الديني

يمكننا تقسيم مؤسسات التعليم الديني خاصة الإسلامية في أوروبا وفق الأسلوب والطريقة التي تتم من خلالها العملية التعليمية، وسنطرح فيما يلي نوعين من هذه المدارس:

1-     نمط التعليم الديني الذاتي: تعتمد المؤسسات المتصلة بهذا النمط التعليمي على فكرة تعميق الإيمان والمعارف الدينية لدى الفرد المسلم(2). وينتشر هذا النمط داخل المساجد والمراكز الإسلامية في أوروبا. فعلى سبيل المثال، تشير الإحصاءات إلى ان بريطانيا وحدها تحتضن نحو 1600 مدرسة إسلامية، وهي عبارة عن مراكز تعليم إسلامية تنعقد لمدة يوم واحد في عطلة نهاية الأسبوع. ويتمتع هذا النوع من المدارس بالشعبية لدى المجتمعات المسلمة؛ حيث يلتحق بها حوالي مائتي ألف مسلم من مختلف العرقيات. وتقوم وظيفة هذه المدارس على تحفيظ النصوص الدينية، وفتح الحوارات والنقاشات حول الأحكام الفقهية. وتعتبر المساجد هذه المدارس فرصة للتقرب إلى الأجيال المهاجرة من المجتمعات المسلمة وهو ما يتضح في طبيعة الدورات التي تقوم بتوفيرها للشباب المسلم إضافة إلى المدارس الإسلامية مثل دورات اللغة الإنجليزية والحاسب الآلي وإقامة نشاطات للحوار والنقاش.

2-     نمط التعليم الديني الموضوعي: ينطلق أنصار هذا التيار من تساؤل رئيس يتعلق بكيفية إيجاد التوازن بين أن يظل الفرد مسلمًا، وأن يكون في نفس الوقت جزءًا من إطار اجتماعي مختلف عمّا هو موجود في مدارس التعليم الذاتي. ويعتبر دُعاة هذه النمط أن أسس التعليم الديني بوجه عام والإسلامي بوجه خاص يجب أن تقوم على فكرة الحياد والموضوعية في الطرح؛ حيث تتأسس رؤيتهم للتعليم الديني على ضرورة إطلاع المنتسبين على الأديان الرئيسية في العالم وكذلك الظواهر الدينية المثيرة للاهتمام، وذلك لمساعدتهم في فهم دور الأديان في التاريخ البشري(3). ويعتبر أنصار هذا التيار أن نمط التعليم الذاتي يُعزز من انعزالية المجتمعات المسلمة في الغرب، وهو ما يؤخر اندماجهم في المجتمع، بل ويتهمه أنه يقلل من فكرة قبول الآخر كونه يقوم على تعميق فهم أفكار متناقضة إلى حدٍ كبير مع طبيعة المجتمع الذي يصطدم به المتعلم سواءً في المدرسة أو الشارع أو الجامعة.

التعليم الإسلامي في بعض الدول الأوربية: نماذج وأمثلة(4)

سنحاول في هذا الجزء من التقرير الإشارة إلى واقع التعليم الإسلامي في أبرز العواصم والمدن الأوربية خاصة في ضوء التحدي الذي تعاني منه المجتمعات المسلمة هناك وهو التشتت بين ضرورة الحفاظ على الهوية الأم، وما يتطلبه الواقع من حاجة للانخراط في الهوية الجديدة التي وفد إليها.

1-     فرنسا: قامت فرنسا بالسماح بتأسيس المدارس الإسلامية، وقامت بتأسيس كيانات تربوية مثل " الفيدرالية الوطنية للتعليم الإسلامي الخاص في فرنسا" وذلك للتنسيق بين المدارس الإسلامية الخاصة والحكومة الفرنسية. جدير بالذكر الإشارة إلى أن هذه المرونة في التعاطي مع المدارس الإسلامية قللت من فرص مدارس التعليم الذاتي التي تعاني مؤخرًا من مضايقات كبيرة وذلك في سياق معاناة فرنسا من التطرف والإرهاب خلال العامين الماضيين.

2-     المملكة المتحدة: يُعد واقع التعليم الإسلامي في المملكة المتحدة مختلف تمامًا؛ حيث يعتمد على مدارس العلوم الدينية الذاتية والتي تنعقد لمدة يومٍ واحد في عطلة نهاية الأسبوع. أدى ذلك بالبعض إلى ان يصف نظام التعليم البريطاني بأنه صراع بين هويتين.

3-     سويسرا: تشير التقارير إلى ان التعليم الديني في سويسرا يقتصر على المساجد؛ حيث يتم إلحاق فصولًا بكل مسجد لتدريس القرآن وعلوم الشريعة فقط. وتنقسم هذه المدارس على الأساس اللغوي فالجالية التركية تؤسس مدارسها باللغة التركية، وكذلك الحال بالنسبة للعرب.

4-     ألمانيا: ينقسم التعليم في ألمانيا إلى 3 نماذج هم؛ المدارس الحكومية الرسمية التي تقوم بتدريس الدين الإسلامي، ولكن يوجه اللوم للمناهج بهذه المدارس على أنها عبارة عن قشور وقد تخدم فكرة الاندماج والتعايش أكثر منها فهم صحيح الدين، ولذلك تلجأ العائلات إلى النموذج الثاني وهو المدارس الخاصة ولكن تبقى مشكلة المدارس الخاصة في ارتفاع رسوم الالتحاق بها وهو ما يجعل كثير منهم يعتمد بدرجة كبيرة على المدارس الدينية الملحقة بالمساجد كونها مدارس تعتمد على اللغة العربية كما أنها ملحقة بالمساجد بما يضمن ربط الأبناء بالصلاة والعبادات الاخرى فضلًا عن كونها غير مكلفة.

ختامًا؛ تبرز إشكالية حقيقية لدى المجتمعات الأوربية فيما يتعلق بالتعليم الديني؛ إذ لم تتوافق الدول الأوربية على إلزامية التعليم الديني(5)، وهو ما ساهم بشكلٍ كبير في تعدد أنماط التعليم بين الحكومية والخاصة والذاتية (الملحقة بالمساجد). ويرى البعض أن تعدد هذه الأنماط وتشعبها وعدم التوافق على سياسي موحدة تجاه التعليم الديني أسهم بدرجة كبيرة على فكرة الاندماج والتعايش المشترك؛ حيث لا يُمكن الاعتماد على تدريس النصوص التعليمية المعتمدة على تدريس الأخلاق كبديل عن النص الديني.

الهوامش

1.       أنظر: معز خلفاوي، "التعليم الديني الإسلامي والعيش في أوروبا"، في: الإسلاميون ومناهج التعليم في العالم العربي وتركيا وإيران، (دبي: مركز المسبار للدراسات والبحوث، مارس/آذار 2018).

2.       التعليم الديني الإسلامي في أوروبا.. تحدٍّ لعلمانيتها (22/6/2018)، العرب الدولية، على الرابط:

https://goo.gl/hSMUZc

3.       المرجع السابق.

4.       أنظر إلى نماذج وتفاصيل أكثر في: محمد سرحان، وهاني صلاح، التعليم الإسلامي في أوروبا.. تنوع وصراع بين هويتين(3/10/2018)، المجتمع، على الرابط:                                                                            https://goo.gl/NJdpCc

5.       أوروبا الموحدة مختلفة حول إلزامية التعليم الديني في مدارسها، دويتش فيليه، على الرابط:

https://goo.gl/K6G7SK