المركز العربي للبحوث والدراسات : البريكست .. تيريزا ماي تدير ظهرها للجماهير ... من سينتصر؟! (طباعة)
البريكست .. تيريزا ماي تدير ظهرها للجماهير ... من سينتصر؟!
آخر تحديث: الجمعة 26/10/2018 05:49 م ميرال حسين عبد الغني
البريكست .. تيريزا

في سابقة تاريخية من نوعها شهدت العاصمة البريطانية -لندن- يوم السبت 20 أكتوبر 2018 ثاني أكبر مظاهرة من حيث العدد بعد المظاهرة المليونية التي خرجت رفضًا لحرب العراق في 15 فبراير 2003، لكن على الرغم من ذلك تنفرد هذه التظاهرات بكونها الأولى التي تخرج اعتراضًا على السياسة الداخلية لبريطانيا؛ حيث تجمع ما يقرب من 700 ألف متظاهر مناهضين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والمعروفة باسم البريكست (Br-exit)، ومطالبين بإجراء استفتاء ثانٍ لرفضهم ما آلت إليه المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي.

الاستفتاء الأول... بداية المسار الغامض

                كانت البداية في 26 يونيو 2016 حين قرر "ديفيد كاميرون" رئيس الوزراء البريطاني وعضو حزب العُمال حينئذٍ إجراء استفتاء على استمرار بلاده بعضوية الاتحاد الأوروبي بعد انقسام البريطانيين إلى فريقين بسبب اختلاف في وجهات النظر حول عدد من الملفات أبرزها:

§       التخلص من عبء اللاجئين والمهاجرين: إذ يُلزم الاتحاد الأوروبي أعضائه باستقبال حصة مُتفق عليها من اللاجئين والمهاجرين؛ حيث وصل عدد المهاجرين في بريطانيا قُبيل الاستفتاء إلى حوالي 863 ألف مهاجر وهو ما شكل عبئًا على الموازنة البريطانية بقيمة تتجاوز 3.67 مليارات جنيه إسترليني (4.131 مليارات دولار) سنويًا، مما جعل المواطن البريطاني المؤيد للبريكست يتوقع بأن الخروج من الاتحاد سيمكن بلاده من اتباع نظام جديد يحد من السماح للمهاجرين من خارج الاتحاد الأوروبي بالدخول إلى البلاد.(1)

§        الخوف من انضمام تركيا للاتحاد: لا تنفصل هذه النقطة عن ما قبلها؛ حيث استخدم هذه الورقة مؤيدي حركة البريكست لتدعيم وجهة نظرهم، بأن انضمام تركيا إلى الاتحاد سيكون له عواقبه غير المحمودة منها: فتح الحدود بينهم لتدفق آلاف اللاجئين الموجودين فيها إلى الدول الأوروبية من بينهم بريطانيا.

§       التجارة الحرة: رَوج أنصار البريكست أن الرحيل سيمكن بلادهم من إقامة علاقات اقتصادية مع الاتحاد الأوروبي دون خضوعها لقوانين الاتحاد، بل وأن هذا سيمكنها عمل اتفاقيات تجارية مع دول مهمة مثل: الولايات المتحدة والهند والصين، بالإضافة إلى مساعيها لإقامة منطقة تجارة حرة.

§       النفوذ الدولي: يرى أنصار فريق البريكست أن الخروج سيمكن بريطانيا من التصرف بحرية، والحصول على مقاعد في مؤسسات عالمية، كانت خسرتها بسبب انضمامها للاتحاد الأوروبي كمنظمة التجارة العالمية، كما رأوا أن هذا سيساعدهم ليكون لهم القرار الكامل بخصوص سياستها التجارية، ونظامها التشريعي.

كل هذه الأسباب كانت سببًا في حسم الاستفتاء لصالح فريق الانفصال بنتيجة 51.89% مقابل 48.11%، ورغم التصويت لصالح الخروج من التكتل الأوروبي، إلا أن الشعب البريطاني لا يزال في حالة استقطاب شديدة، بسبب الكثير من الخلافات والتعقيدات حول مصير مقاطعات المملكة المتحدة؛ حيث ترى "اسكتلندا" و"إيرلاندا الشمالية" مصلحتهما مع البقاء في الاتحاد الأوروبي بعكس "إنجلترا" و"والس" التي تفضل الانفصال.(2)

البريكست ... تحديات مستمرة

                عقب نتيجة هذا الاستفتاء تولت "تيريزا ماي" –المُحافظة- رئاسة الوزراء في 13 يوليو 2016 بعد أن عينتها الملكة إليزابيث الثانية في المنصب إثر قبولها استقالة سلفها "ديفيد كاميرون"، على أن تُنفذ خطة للخروج من الاتحاد الأوروبي في  موعد أقصاه 29 مارس 2019، مُحتكمه إلى المادة 50 من اتفاقية لشبونة المؤسسة للاتحاد التي تمكنها من الانسحاب رسميًا من الاتحاد الأوروبي(3)، ومن هنا كان لزامًا التفاوض في عدد من الملفات، أهمها:

§       أزمة إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا

يمثل هذا الملف الصخرة التي تتعثر عليها دائمًا المفاوضات السلسة بين بروكسل –مقر الاتحاد الأوروبي- ولندن؛ فهناك أزمة حول مصير الحدود بين مقاطعة إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي بعد الخروج البريطاني، فمنذ نتيجة الاستفتاء في 2016 تضع "ماي" هذا الملف أحد أهم أولوياتها للتوفيق بين مطالب حزبها المُحافظ –المدافع عن البريكست- وسير المفاوضات مع الكيان الأوروبي، وهو ما لم يحدث حتى الآن، وعلى الرغم من مناقشة الموضوع خلال القمة الأوروبية التي عُقدت في 17 و18 أكتوبر 2018، إلا أنها انتهت دون جدوى، حتى مع طرح "ماي" اقتراح لتمديد الفترة الانتقالية لمعالجة مسألة الحدود الايرلندية لم تُحل الأزمة وقُوبلت بغضب جماهيري حتى من أنصار الحزب المحافظ الذي يريد الانفصال التام عن الاتحاد الأوروبي دون ترك أي قضايا مُعلقة.(4).

من هنا يأتي اعتراض "ماي" على خطة "شبكة الأمان" –باكستوب Backstop- التي يقترحها الاتحاد؛ لأنها تقوم على إبقاء إيرلندا الشمالية ضمن الاتحاد الجمركي وفق القواعد الأوروبية طالما المفاوضات مستمرة حول اتفاق تجاري، وهذا سيؤدي إلى عودة الحدود بحكم الأمر الواقع بين إيرلندا الشمالية وسائر المملكة المتحدة، لكنها تعتقد أنه يمكن تجنب الجمارك ونقاط التفتيش الأخرى من خلال إبرام اتفاقية تجارية جديدة مع التكتل الأوروبي، ولكنها تؤكد الحاجة إلى خطة بديلة إلى أن يتم التوصل إلى هذه الصفقة.(5)

§       إسبانيا ومنطقة جبل طارق

تقع في أقصى جنوب شبه جزيرة أيبيريا في مياه البحر المتوسط، شبه جزيرة تسمى بـ "جبل طارق"، فعلى الرغم من أنها توجد على مقربة من الساحل الجنوبي لإسبانيا، إلا أنها تعتبر أرضًا بريطانية منذ عام 1713، وعليه لايزال يمثل هذا الملف محور خلاف في العلاقات بين بريطانيا وإسبانيا، لأن الأخيرة تُطالب بالسيادة على جبل طارق منذ فترة طويلة.(6)

وبطبيعة الحال، سوف يخرج "جبل طارق" من الاتحاد الأوروبي فور الخروج البريطاني، ويحرص الطرفان على إرسال رسائل إيجابية للجماهير؛ حيث صرح "بدرو سانشيز" رئيس الوزراء الإسباني، أن الوضع في جبل طارق، قد تم الاتفاق عليه مع المملكة المتحدة لما بعد "بريكست"، وأنه لن يكون مشكلة، ومع ذلك، لا تزال إسبانيا وبريطانيا تُجريان محادثات ثنائية منفصلة بشأن جبل طارق، مع التركيز على مسائل البيئة والشؤون الضريبية وتجارة التبغ، ولم يتوصلا إلى أي اتفاق، وهو نفس الحال بالنسبة للقواعد العسكرية البريطانية في قبرص.(7)

§       السوق الموحدة

على عكس رغبة "ماي" أظهرت أغلب استطلاعات الرأي في بريطانيا أن قطاعًا كبيرًا من البريطانيين يرغبون في إبقاء المملكة المتحدة على الأقل على "دخول كامل" للسوق الموحدة للاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا من هذا التكتل، وهذا بعد تزايد أدنى مستوى للتكامل العام الجاري وتجاوزه الآن لنسبة 60%.، الأمر الذي يمثل عبءً على الحكومة البريطانية، بينما على الصعيد الآخر، يقدم الاتحاد الأوروبي عرضًا للندن بشأن اتفاقية للتجارة الحرة لكنها ليست على هوى "ماي" التي تفضل أن تكون علاقتها مع الاتحاد بمثابة تجارة خالية من الاحتكاك. (8)

§       تهيئة الحدود البحرية

لا شك أنها أحدى أهم الملفات التي أخفقت فيها حكومة "ماي" حتى الآن؛ حيث أن التأخير  في تهيئة حدود المملكة المتحدة بطبيعة الحال سيزيد من فرص الجريمة المنظمة وعمليات القرصنة، مما سيخلق نقاط ضعف أمنية، ولم تتوصل القمة الأوروبية الأخيرة في 17 و18 أكتوبر إلى حل لهذه الأزمة. وبالنسبة للجانب البريطاني، فإنه ينوي في حال عدم التوصل لاتفاق إلى زيادة عدد القوات إلى ألفي عضو، لكن باقي أنظمة مراقبة الحدود الجديدة والبنية التحتية اللازمة فلن تكون جاهزة في الوقت المتبقي، لذا، يتوقع الخبراء بأن بريطانيا ستحتاج إلى فترة انتقالية تُقدر حتى 2020.(9)

وإجمالًا، فإن مفاوضات "ماي" في أغلب إن لم تكن كل الملفات يشوبها الغموض وهو ما يثير غضب الجماهير البريطانية التي تهتم أن تعرف إلى أي مدى وصلت المفاوضات، فعلى سبيل المثال، تشير دائمًا "ماي" في عدة مناسبات إلى التقدم الذى تم إنجازه في مختلف المجالات كالأمن والنقل والخدمات دون إعلان أي تفاصيل.

ردود فعل غاضبة

على مدار الأسابيع القليلة الماضية، تواجه حكومة "تيريزا ماي" سيل عارم من الانتقادات تبلورت في خروج القمة الأوروبية بلا أي حلول لأزمات الحدود، بالإضافة إلى استقالة وزراء بارزين، وتمرد نواب مواليين لحزبها المحافظ، وتهديد بإلغاء استثمارات عالمية، وذلك على النحو التالي:  

§       انقسامات بين أعضاء الحكومة البريطانية؛ حيث دعا "ديفيد ديفيز" وزير البريكست إلى التمرد على خطة "ماي"، بينما وصف "بوريس جونسون" وزير الخارجية السابق ما تقدمه "ماي" في هذا الملف بمثابة تنازلات "مُذلة" وتعود به إلى عام 1956 أو ما عرفه بـ "أزمة السويس"؛ عندما حاولت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل استعادة السيطرة على قناة السويس المصرية بالقوة العسكرية، لكنه قوبل بالفشل والهزيمة النكراء من الجانب المصري.(10)

§       وعلى صعيد البرلمان البريطاني؛ يتحدى نواب الأغلبية المحافظة "ماي" بالاستقالة تعبيرًا عن رفضهم طريقة المفاوضات؛ حيث وصفت النائبة البرلمانية "سارة وولاستون" البريكست بالـ"كابوس"، قائلة إن "الأمر سار كما لو أن شخصًا أدخلوه غرفة عمليات جراحية ثم أخبروه هناك أن العملية التي كان سيجريها قد تغيرت بشكل كلي، وعندما قال هذا الشخص إنه يرغب في تغيير رأيه، أخبروه بأنه قد وافق قبل عامين وانتهى الأمر"، بينما وصف "فينس كيبل" -زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار- تداعيات الاستفتاء بأنها "مأساوية" في ظل حالة الانقسام في أنحاء بريطانيا.(11)

§       أما أعضاء حزب العمال المناهضين للخروج؛ فهم مستفيدين من هذا الانقسام بل ويحاولون جني ثماره عن طريق توجيه الجماهير لإجراء استفتاء ثانٍ، ومن بينهم: وهو ما صرح به "صادق خان" عمدة لندن قائلًا "إن الوقت قد حان لانتزاع قضية "بريكست" من أيدى الساسة وإعادتها إلى أيدى الشعب البريطاني"، مؤكدًا أن "أصوات الشباب لم تكن قد سُمعت من قبل لكنها اليوم مسموعة بوضوح"، وأضاف أن "هذه الحكومة تقودنا إلى اتفاق خروج سيء أو حتى إلى ما هو أسوأ من ذلك بالخروج بغير اتفاق على الإطلاق.

وعلى الرغم من كل هذه الانتقادات وردود الفعل الغاضبة، تدعي "تيريزا ماي" الصمود بل وتدير ظهرها للجماهير الغاضبة؛ ففي خطابها أمام مجلس العموم يوم 22 أكتوبر 2018، ضربت بهذه الانتقادات عرض الحائط، وقالت أن حزب المحافظين يجب ألا ينظر إلى هؤلاء الراغبين في وقف عملية البريكست عبر تصويت للسياسيين، بل وأنها لم تكن ترغب ولا كانت تتوقع تمديد فترة الانتقال للخروج من الاتحاد الأوروبي إلى نهاية 2020، لكن قد توجد ظروف يكون فيها التمديد القصير لفترة الانتقال بعد الخروج خيارًا أفضل، وأن محادثات البريكست ليست حول مصالحها، وإنما هي حول مصالح المملكة المتحدة بالكامل التي تقتضى الوحدة في تلك المراحل الأخيرة من المفاوضات، لأنها تمثل الجزء الأصعب على الإطلاق، وختامًا، قطعت أي آمال للجماهير مؤكدة بأنه "لن ينظم استفتاء جديد"، وبالتالي، لابد من الانتظار الأيام القليلة القادمة لرؤية لمن ستكون الغلبة؟!

الهوامش:

1-     "لهذه الأسباب انفصلت بريطانيا عن أوروبا"، على الرابط:           http://www.non14.net/73085/

2-       "UK votes to LEAVE the EU", 23/10/2018, available on: https://www.bbc.com/news/politics/eu_referendum/results                                                      

3-      Alex Hunt & Brian Wheeler, “Brexit: All you need to know about the UK leaving the EU”, BBC News, 25/10/2018, available on:   https://www.bbc.com/news/uk-politics-32810887

4-     Brexit and the Irish border question explained", 23/10/2018, available on:                             https://www.theguardian.com/uk-news/2018/sep/19/brexit-and-the-irish-border-question-explained

5-      هناء نخال، "لهذه الأسباب خلق جبل طارق أزمة بين بريطانيا وإسبانيا"، العربي الجديد، 25/10/2018، متاح على الرابط التالي:                                                        http://cutt.us/O3gwx

6-     "إسبانيا تريد التوصل إلى اتفاق مع بريطانيا حول جبل طارق"،  الرابط:                                                                                                                                  https://www.elwatannews.com/news/details/3673267

7-     "استطلاع: معظم البريطانيين يرغبون في دخول كامل للسوق الأوروبية بعد "بريكست"، الرابط:

http://www.youm7.com/3979677

8-     "وزير بريطاني سابق يدعو لـ«التمرد» على «بريكست»"،  الرابط:

                https://www.almasryalyoum.com/news/details/1332783

9-     "لندن منفتحة على تمديد الفترة الانتقالية بعد بريكست"، الرابط:                                                                                  https://elaph.com/Web/News/2018/10/1223727.html      

10- "تيريزا ماي وعنق الزجاجة.. هل يكتب «بريكست» السطور الأخيرة في رحلة رئيسة وزراء بريطانيا؟"، صوت الأمة، 25/10/2018، متاح على الرابط التالي:                                          http://cutt.us/ZR98f  

11-  "سياسيون بريطانيون يدعمون المتظاهرين نحو استفتاء جديد على "بريكست"، الرابط:                                                                                                                                           http://www.youm7.com/3998080