المركز العربي للبحوث والدراسات : مخاوف متصاعدة .. الأمن العالمي في ظل الانسحاب الأمريكي من معاهدة "القضاء على الصواريخ (IFN) (طباعة)
مخاوف متصاعدة .. الأمن العالمي في ظل الانسحاب الأمريكي من معاهدة "القضاء على الصواريخ (IFN)
آخر تحديث: الإثنين 29/10/2018 06:00 م مصطفى صلاح
مخاوف متصاعدة ..

شكل إعلان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، في 20 أكتوبر 2018، اعتزام الولايات المتحدة الانسحاب من معاهدة "القضاء على الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى" ( IFN)، على خلفية الادعاءات الأمريكية بأن روسيا انتهكت بنود المعاهدة الموقعة بين الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفيتي آنذاك، في 1987، بين  الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان والزعيم السوفيتي ميخائيل جورباتشوف، والتي بموجبها يحظر على البلدين امتلاك وإنتاج واختبار إطلاق الصواريخ التي يتراوح مداها بين 500 كيلومتر و5500 كيلومتر، وقال ترامب إن الولايات المتحدة لن تترك روسيا مستمرة في صنع الأسلحة "بينما يحظر علينا ذلك"، وتعتقد واشنطن أن موسكو تطور وتنشر نظامًا لإطلاق الصواريخ من منصات أرضية في خرق لاتفاقية الأسلحة النووية متوسطة المدى مما قد يتيح لروسيا شن هجوم نووي على أوروبا دون سابق إنذار. وتنفي روسيا باستمرار أي انتهاك من هذا القبيل.

             الجدير بالذكر أن انسحاب ترامب من تلك الاتفاقية لم يكن البادرة الأمريكية الأولى حول هذا الشأن؛ حيث اتهم الرئيس الأمريكي السابق "أوباما" روسيا بانتهاك المعاهدة  إثر إطلاقها صاروخًا مبرمجًا عام 2014، وهدد بالخروج من المعاهدة، ولكنه تراجع  تحت ضغوط زعماء دول أوروبا خشية عودة سباق التسلح.

             وتأتي خطورة هذا الانسحاب فيما يتعلق بتزايد معدلات التوتر وعدم الاستقرار بشكل كبير على الأمن في العالم، لأن طبقة كاملة من الأسلحة ستظهر وسيتم تشغيلها، بالتالي تؤدي إلى إنشاء  القواعد. ولا يدور الحديث هنا عن برميل من البارود بل عن إمكانية ظهور صواريخ نووية كثيرة في وقت واحد.

مخاوف دولية

              تزايدت المخاوف الدولية من الانسحاب الأمريكي من الاتفاقية؛ حيث أعرب الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش"، يوم 22 أكتوبر 2018، عن أمله فى أن تتمكن روسيا والولايات المتحدة من حل الخلافات بشأن إعلان واشنطن عن اعتزامها الانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى.

             تأتي هذه التخوفات الدولية من احتمالية تنامي الصراعات النووية وتزايد مستوى التسليح النووي الذي قد تشهده دول العالم، على خلفية هذا الانسحاب، وفي نفس الإطار دعا "جوتيريش"، في ذلك الوقت، إلى توسيع معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية (ستارت) بشأن الأسلحة الهجومية الاستراتيجية، والتي من المقرر أن تنتهي في غضون ثلاث سنوات فقط، كما دعا إلى اتخاذ خطوات جديدة لتقليص المخزونات النووية.

يذكر أن معاهدة تقليص الأسلحة الهجومية الاستراتيجية تبقى سارية المفعول حتى 5 فبراير 2021، إذا لم يتم تبديلها بمعاهدة لاحقة بشأن تقليص هذه الأنواع من الأسلحة. كما يمكن تمديدها لمدة لا تتجاوز خمس سنوات إضافية حال موافقة كلا الطرفين على ذلك.

            بجانب ذلك صرحت الحكومة الألمانية على لسان "شتيفن زابيرت"، المتحدث باسم الحكومة الألمانية في نفس اليوم "بأن حكومة بلاده تأسف لقرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الانسحاب من معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى مع روسيا"، كما طالب شركاء حلف شمال الأطلسي بضرورة التشاور حول الانسحاب الأمريكي وعواقب ذلك القرار على مستقبل الأمن والاستقرار الدوليين.(1)

المواجهة الروسية

              انتقدت روسيا خطة الولايات المتحدة للانسحاب من اتفاقية نووية، وأكد الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في 25 أكتوبر 2018، أن روسيا لا تهدد أحدًا منوها إلى الاستمرار في تجهيز الجيش الروسي بأسلحة متطورة بهدف الدفاع مع التركيز على الأسلحة الحديثة الواعدة، وأن هذا لا يمنع روسيا من أن تحافظ على الالتزامات التي أخذتها على عاتقها  في مجال الأمن الدولي والسيطرة على انتشار الأسلحة.

              واتبعت روسيا في هذا الشأن مسارين الأول متعلق بالرد بالمثل في حال نشر واشنطن صواريخها في أوروبا، محذرة من عواقب خروج الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، وأعلنت روسيا أنها ستعمل على استعادة التوازن إذا طورت الولايات المتحدة أنظمة صواريخ جديدة والثاني يتعلق بسياسة روسيا المنفتحة على الشراكة البناءة في سبيل تحقيق الاستقرار العالمي، وأن من واجبها فعل كل ما هو ضروري لتوفير الحماية اللازمة للوطن ضد أي تهديدات محتملة. في إشارة من جانب روسيا  إلى أنها ربما تتراجع عن ذلك إذ أبلغ مسؤول كبير في الكرملين مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون باستعداد موسكو لمناقشة المخاوف الأمريكية بشأن تطبيق المعاهدة الموقعة عام 1987من خلال المنظمات الأممية وفيما يتعلق بمنظمة الأمم المتحدة ودورها في حفظ الأمن والسلم الدوليين؛ حيث أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، "سيرغي ريابكوف" أن روسيا تطرح أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مشروع قرار يدعو إلى إبقاء "معاهدة الصواريخ" بين موسكو واشنطن.

                 ويركز القانون على اهتمام موسكو برد الدول الحليفة لواشنطن على طرح الجانب الروسي مشروع القرار المذكور، خاصة بعد أن أعلن مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي، "جون بولتون"، عزم الإدارة الأمريكية على الانسحاب مع المعاهدة الروسية الأمريكية بشأن الصواريخ المتوسطة وقصيرة المدى.

                إن خطط الولايات المتحدة للانسحاب من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى تهدف إلى نقل الأسلحة الأمريكية إلى حدود روسيا والصين، وأن الهدف المباشر من تلك التهديدات الأمريكية هو روسيا ومن وراءها الصين، وان هذا القانون لا يخص فقط حدود المناورة السياسية من جانب الولايات المتحدة، بل يمكن اعتباره استعدادًا للحرب.

                كما أن الصواريخ الأمريكية المتوسطة والبعيدة المدى المتمركزة في أوروبا لا تهدف إلى حماية هذه البلدان، ولكنها في سياق التحضير لحرب ضد روسيا خاصة.(2)

استهداف الصين

                في أول رد فعل لها على إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بعد إعلانه أن بلاده ستنسحب من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى التي وقعتها، في 1987، مع الاتحاد السوفيتي آنذاك، رأت الصين أنه من "الخطأ" أن تشير الولايات المتحدة إلى بكين كسبب للانسحاب من المعاهدة مع موسكو، كما أشارت إلى أن المعاهدة ستظل تعهدًا مهمًا يعزز الاستقرار العالمي، وذكرت "هوا تشون ينج"، الناطقة باسم الخارجية الصينية أن الصين تعارض الانسحاب.

وأعلنت الصين أن الاتفاقية التي توصلت إليها الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي حول السيطرة العسكرية ونزع السلاح خلال فترة الحرب الباردة. لقد مارست المعاهدة أثراً مهماً على تحسين العلاقات الدولية، ودفعت إلى نزع السلاح النووي والحفاظ على التوازن والاستقرار الاستراتيجيين العالميين.

                انسحاب الولايات المتحدة المحتمل من معاهدة حظر الأسلحة النووية متوسطة المدى المبرمة خلال فترة الحرب الباردة، قد يؤدي إلى توجيه الأنظار نحو الصين التي يمكن أن تطور دون قيود أسلحتها النووية متوسطة المدى بما أنها لم توقع على الاتفاق، ومن المتوقع أن يكون انسحاب الولايات المتحدة  من المعاهدة بمثابة خطة تهدف لموازنة التوسع الصيني في غربي المحيط الهادي.(3)

سيناريوهات محتملة

                وضعت الاتفاقية حدًا لسياسة التصعيد العسكري بين الولايات المتحدة وروسيا وريثة الاتحاد السوفيتي السابق، بعد سريان المعاهدة فعليًا في عام 1991، حيث شكلت الاتفاقية حاجز الأمان في مواجهة اندلاع حرب نووية بين الولايات المتحدة وحلفاءها الأوربيين، وبين الاتحاد السوفيتي السابق، ومن المرجح أن انسحاب الولايات المتحدة يأتي على خلفية التوترات الأمريكية مع الصين والحرب التجارية التي تقودها واشنطن ضد بكين، وبالتالي من المتوقع تصاعد التوترات الأمريكية – الصينية، في المحيط الهادئ على أثر تطوير الولايات المتحدة لنمط الصواريخ الذي يشكل تهديدًا لروسيا والصين، وفي نفس الوقت تعوق تلك المعاهدة هذه الخطوات.(4)

                على الجانب الأوروبي، تتزايد التخوفات من أن الدول الأوروبية ستصبح أول المستهدفين بالصواريخ الروسية في حال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية، ومن ثم تتزايد الضغوط الأوروبية تجاه واشنطن من المضي قدمًا، نحو الانسحاب من الاتفاقية، مما يظهر أهمية الاتفاقية للحفاظ على التوازن في مستوى التسلح ويقلل من  خطر تهديد روسيا لأوروبا.

الهوامش

(1)   جوتيريش يأمل في حل الخلافات الروسية- الأمريكية إزاء المعاهدة النووية، بتاريخ 23 أكتوبر 2018، على الرابط: 

                 http://arabic.people.com.cn/n3/2018/1023/c31663-9510824.html

(2)   روسيا: خطوة انسحاب أمريكا من المعاهدة النووية تجعل العالم أكثر خطورة، بتاريخ 22 أكتوبر 2018، على الرابط:

 https://arabic.cnn.com/world/article/2018/10/22/russias-withdrawal-us-nuclear-treaty-more-dangerous

(3)   أول رد من الصين بشأن انسحاب أمريكا من معاهدة نووية مع روسيا، بتاريخ 22 أكتوبر 2018، على الرابط:

https://arabic.cnn.com/world/article/2018/10/22/china-withdrawal-america-treaty-nuclear-russia

(4)   ردود فعل دولية ضد خروج أمريكا من “معاهدة القوى النووية”، بتاريخ 22 أكتوبر 2018، على الرابط:

https://www.zamanarabic.com/2018/10/22/%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%AF-%D9%81%D8%B9%D9%84-%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%B6%D8%AF-%D8%AE%D8%B1%D9%88%D8%AC-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%87%D8%AF/