المركز العربي للبحوث والدراسات : تحالفات هشة... القمة الرباعية في اسطنبول حول سوريا (طباعة)
تحالفات هشة... القمة الرباعية في اسطنبول حول سوريا
آخر تحديث: الجمعة 02/11/2018 01:58 م آية عبد العزيز
تحالفات هشة... القمة

تقترب الأزمة السورية من الانتهاء؛ حيث بدأت مرحلة جديدة من المفاوضات بين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة التي تحاول خلق موطئ مقدم لها متوازن مع باقي الدول في مرحلة ما بعد الحرب ولكن وفقًا لتوجهاتها.

وعليه فقد جاءت قمة إسطنبول المنعقدة يوم السبت الموافق 27 أكتوبر/ تشرين الثاني 2018، لبحث سبل التسوية السلمية للأزمة السورية، وتعزيز عملية وقف إطلاق النار في إدلب في شمال غرب سوريا التي مازالت تواجه تحديدات نتيجة الأوضاع المضطربة واستمرارية سيطرة الجهاديين عليها حتى الآن فضلاً عن الاشتباكات العنيفة بينهم وبين المدنيين.

والجدير بالذكر أن القمة انعقدت بعد مقتل سبع من مدنيين التي تعد أكبر حصيلة منذ بدء تنفيذ قرار وقف إطلاق النار. وقد تزامن انعقاد القمة بدون تواجد كل من الولايات المتحدة الأميركية وإيران.

أهم الملفات المثارة في القمة 

                سلطت القمة الضوء على عدد من التحديات المستقبلية لعملية التسوية السياسة في سوريا في مرحلة إعادة الإعمار تبلورت على النحو التالي:

1.      صياغة الدستور؛ أكدت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" لجنة إعداد الدستور سنبدأ خلال هذا العام، متعهدة ببذل أقصى جهد لتمكين اللجنة للانعقاد والبدا في صياغة الدستور باعتبارها خطوة مهمة في سياق عملية الانتقال السلمي بعيدًا عن الحل العسكري.  

2.      الانتقال السلمي للسلطة؛ أوضحت القمة ضرورة الانتقال السياسي كآلية لتسوية الصراع السوري من خلال إجراء انتخابات وطنية تمثل جميع فئات الشعب بما فيهم السوريون في الخارج الذي عانى من الانقسام وعدم الاستقرار .

3.      القضاء على التنظيمات الإرهابية؛ حذر الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" من وجود تنظيمات إرهابية على الحدود التركية في سوريا وعليه فقد طالب بضرورة تشكيل اللجنة الخاصة بإعداد الدستور كبداية لعودة الاستقرار ومكافحة التنظيمات الإرهابية في إشارة إلى الميليشيات الكردية المتمركزة في الشمال السوري بمحاذاة أنقرة.

4.      الموقف من النظام الحالي؛ في سياق الترتيبات عملية إعادة الإعمار تطرقت ألمانيا إلى مستقبل النظام السوري الحالي في مرحلة ما بعد الحرب، وعليه فقد حذرت وزيرة الدفاع الألمانية من استمر النظام في مرحلة إعادة الأعمار التي ستدعم بقاءه في السلطة.(1) في المقابل أوضح "أدوغان" أن قرار مصير النظام السوري يرجع إلى السوريون نفسهم، باعتبار أن مجمل الشعب السوري في الداخل والخارج هو المنوط باتخاذ هذا القرار. (2)

أبرز القرارات الختامية للقمة

                توصلت القوى الفاعلة في الأزمة السورية إلى عدد من القرارات بشأن سوريا، تم بلوراتها في البيان الختامي للقمة على النحو التالي:

1-     وحدة الأراضي السورية؛ دعمت القوى الدولية وحدة الأراضي السورية واستقلالها، مع الالتزام بالتسوية السلمية للأزمة وفقًا لمبادئ الأمم المتحدة، مع رفض فكرة تقسم سوريا إلى دويلات الأمر الذي يهدد أمن واستقرار سوريا بل والدول المجاورة.  

2-     تجنب الحل العسكري؛ أوضح البيان الختامي ضرورة الانتقال السلمي، القائم على المفاوضات بما يتوافق مع قرارات مجلس الأمن الدولي وخاصة قرار (2254)، علاوة على التنسيق بين المبادرات الدولية الخاصة بعملية التسوية لتحقيق أقصى استفادة للدولة السورية.

3-     دعم الاستقرار السوري؛ أكد البيان ضرورة تهيئة الأوضاع الداخلية السورية تمهيدًا لعودة اللاجئين والنازحين السوريين، إلى أماكنهم الأصلية، مع حمايتهم من الاضطهاد بكافة أشكاله، مع توفير بيئة آمنة للعيش هذا في سياق مناشدة المجتمع الدولي لزيادة المساعدات للسوريين.  

4-     حظر استخدام الأسلحة الكيميائية؛ أعرب البيان عن الرفض التام لاستخدام الأسلحة الكيميائية من قبل أطراف الصراع التي تعكس بشكل سلبي على المدنيين، مؤكدين على ضرورة احترام معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية.

5-     التأكيد على وقف إطلاق النار؛ أوضح البيان ضرورة التحقق من وقف إطلاق النار بين الجهات المتصارعة، مع التصدي للجميع التنظيمات المسلحة، ومواصلة مكافحة الإرهاب. وعليه تم الترحيب بالاتفاق التركي الروسي حول إدلب.(3)

سوريا بين صراع المصالح

مثلت القمة حالة من التنافس الجديد ولكنه اتخذ جانبًا أخر بعيدًا عن التعاون العسكري في سوريا، ولكنه من نوع خاص فهو صراع المصالح والأولويات، رغم أن القمة عن الأوضاع المستقبلية في سوريا إلا إن القمة غاب عنها الرئيس السوري والمعرضة بمعنى أخر مثلت القمة جانبًا أخر من التقاسم المنافع بين القوى الفاعلة في الأزمة ويمكن استدلال ذلك على النحو التالي:

§       بالنسبة لتركيا؛ فقد أصرت على الالتزام بوقف إطلاق النار في إدلب وذلك بموجب الاتفاق مع روسيا، لأن ذلك سيمنحها فرصة للضغط على الأكراد في شرق الفرات، وتوسيع نطاق عملياتها العسكرية في شمال شرق سوريا وخاصة المواقع التي تتمركز فيها قوات حماية الشعب (YPG). تم ترجمة ذلك في القصف التركي بعد يوم واحد من القمة على مناطق في شرق الفرات.

§       بالنسبة لفرنسا وألمانيا؛ فقد أكدوا على أهمية التسوية السلمية، وضرورة صياغة الدستور تمهيدًا لإجراء انتخابات حرة، وذلك لعودة الاستقرار لإعادة اللاجئيين؛ حيث يتواجد ما يقرب من مليون سوري في أوروبا نصفهم في برلين. بالرغم من محاولة الدول الأوروبية دمج بعضهم في سوق العمل وخاصة في برلين إلا الأوضاع لم تسير علي وتيرة واحدة فقد أدى تنامي عدد اللاجئيين إلى زيادة فرص صعود اليمين المتطرف والشعبوين في الحكم.

§       وأخيرًا فيما يتعلق بروسيا؛ تعد موسكو الحليف الاستراتيجي للنظام السوري؛ حيث بذلت أقصى جهودها لبقاء النظام السوري لأنها استطاعت من خلال البوابة السورية استعادة مكانتها في الشرق الأوسط وأصبحت فاعل دولي مهم في إدارة صراعات المنطقة. لذا فقد حاول الرئيس الروسي خلال القمة الإشارة إلى دور موسكو في سوريا، كما أكد على أن الرئيس السوري والحكومة هم الممثلين الشرعيين عن الشعب، لذا لا يمكن التوصل إلى حل سياسي إلا بالتعاون والتنسيق معهم. وفي هذا السياق أصر "بوتين" على تحديد موعد زمني للجنة المقترحة لصياغة الدستور. يدرك "بوتين" أهمية الجانب الأوروبي في مرحلة إعادة الإعمار في سوريا ولكنه مازال حذر في التعاطي مع قرارتهم تجاه الأزمة.(4)  

مع اقتراب الأزمة على الانتهاء والانتقال إلى عملية التسوية مازالت الأوضاع غامضة حول هذه العملية بالرغم من توافق الدول الفاعلة في الأزمة نتيجة تقارب مصالحهم إلا إن توازنات القوى بينهم مازالت مختلفة، وبالتالي ستنعكس على الأوضاع الداخلية في الأزمة. وفيما يتعلق بتغيب الولايات المتحدة وإيران بجانب القوى السورية الداخلية عن القمة في حقيقة الأمر لا يمكن أن تتم أي تسوية فعلية بدون الولايات المتحدة التي قامت بإعادة الانتشار والتمركز في سوريا بالتوازي مع تنامي الدور الروسي والتركي لتكون شريكًأ فاعلًا في دائرة المفاوضات المستقبلية. ومن ناحية أخرى رغم تغيب طهران عن المشهد فإن ضمان تواجدها في سوريا مرتبط بالدعم الروسي لها لذا فإن مصالحها مازالت في أمان رغم عدم حضورها.

الهوامش

1.       "انتهاء قمة إسطنبول الرباعية حول سوريا ـ ماذا بعد؟"، دويتشه فيله، 27/10/2018، الرابط:

                                                                                                                                     http://cutt.us/1MMv2              

2.       "قمة اسطنبول.. اتفاق على الحل السياسي وخلاف "أولويات"، العربية، 27/10/2018، الرابط:

             http://cutt.us/ectw8

3.       "أهم نقاط البيان الختامي لقمة اسطنبول الرباعية حول سوريا"، روسيا اليوم، 27/10/2018، الرابط:                                                                                                                                                      http://cutt.us/Rw7yM

4.             OSAMA AL-SHARIF, "Istanbul summit fails to deliver plan to end Syrian conflict", ARAB NEWS, 30-10-2018.

 http://www.arabnews.com/node/1396531