المركز العربي للبحوث والدراسات : تقارب حذر .. تركيا والموقف من العقوبات الأمريكية على طهران (طباعة)
تقارب حذر .. تركيا والموقف من العقوبات الأمريكية على طهران
آخر تحديث: الأحد 11/11/2018 02:52 م مصطفى صلاح
تقارب حذر  .. تركيا

جاء إعلان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، اعتزامه فرض الحزمة الثانية من العقوبات على طهران في الرابع من نوفمبر 2018، ليسلط الضوء على تبعات تلك العقوبات ليس فقط على النظام الإيراني كوحدة سياسية مستهدفة بالعقوبات، بل يمتد ليشمل العديد من الوحدات الإقليمية والدولية، وفي هذا الإطار لا يمكن الحديث عن العقوبات الأمريكية دون التطرق للموقف التركي من هذه العقوبات، وتداعيات تلك العقوبات على مستقبل العلاقات التركية – الإيرانية، من جانب والعلاقات التركية – الأمريكية، من جانب آخر.

وتشمل العقوبات الأمريكية على طهران مشتريات الحكومة الإيرانية من النقد الأمريكي (الدولار)، وتجارة إيران في الذهب والمعادن الثمينة الأخرى، ومعادن الجرافيت والألمنيوم والحديد والفحم فضلاً عن برامج كمبيوتر تستخدم في الصناعة، التحويلات المالية بالريال الإيراني، ونشاطات تتعلق بأي إجراءات مالية لجمع تمويلات تتعلق بالدين السيادي الإيراني، وقطاع السيارات في إيران، ومشغلي الموانئ الإيرانية والطاقة وقطاعات النقل البحري وبناء السفن، والتحويلات المالية المتعلقة بالنفط الإيراني، والتحويلات والتعاملات المالية لمؤسسات أجنبية مع البنك المركزي الإيراني.(1)

رد الفعل التركي

كان الموقف التركي واضحًا عندما أعلنت رفضها للعقوبات الأمريكية، وصرّحت أنها لن تُجاري واشنطن في إجراءات لا تخدم سوى مصالحها، وصرح "فؤاد أوقطاي" نائب الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" في الخامس من نوفمبر 2018، إن "توقع التزام جميع الدول بقرار عقوبات وضعتها دولة ما وفقًا لمقتضيات مصالحها، هو أمر لا معنى له وغير عادل".

وأضاف أوقطاي في تصريح لوكالة "الأناضول": "العيش في هذه المنطقة له ثمن، ودفع هذا الثمن يتطلب أن نكون أقوياء، فنحن نعيش في عصر يستخدم فيه الدولار وأسعار صرف العملات والسياسات الداخلية كسلاح اقتصادي"، وتابع "أوضحنا موقفنا من العقوبات الأمريكية ضد إيران، واليوم سيتضح كل شيء.. ولا نسعى للعناد".

يأتي الموقف التركي على خلفية بداية سريان العقوبات الأمريكية ودخولها حيز التنفيذ بعدما أعلنت واشنطن نيتها السعي لتخفيض مبيعات النفط الإيراني إلى الصفر، داعية بلدان العالم للتخلي عن شرائه، وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مايو الماضي انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الأممي مع إيران، وأفاد بنية واشنطن استئناف كل العقوبات ضد إيران، وفرض عقوبات ضد الدول الأخرى التي تقوم بالأعمال الحرة في إيران أو تتعاون معها. وفرضت الولايات المتحدة الجزء الأول من عقوباتها على إيران في 7 أغسطس 2018، كما أن واشنطن أبلغت حلفاءها بأن يتوقفوا عن استيراد النفط الإيراني بحلول نوفمبر، وهي دعوة عارضتها أنقرة علنًا.(2)

يذكر أنه عندما تم إعلان واشنطن فرض الحزمة الأولى من العقوبات على طهران، أعلن وزير الخارجية التركي "مولود جاويش اوغلو"، موقف تركيا من تلك العقوبات قائلًا " إن تركيا أبلغت المسؤولين الأمريكيين بأنها تعارض العقوبات الأمريكية على إيران وأنها ليست ملزمة بتطبيقها، وأننا لسنا مضطرين للالتزام بالعقوبات التي يفرضها بلد على آخر. ونحن لا نعتبر العقوبات صائبة أيضًا ".وأضاف "عقدنا اجتماعات مع الولايات المتحدة في أنقرة وأبلغناها بصراحة: تركيا تحصل على النفط والغاز من أذربيجان وإيران وروسيا والعراق. إذا لم أشتر من إيران الآن، فمن أين أسد هذه الحاجة؟".

إن تركيا تعول على ميزان تجاري بين البلدين وصل الى 10 مليار دولار، وتسعى الحكومة التركية إلى رفعه لنحو 30 مليار دولار، كما أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي وتعتمد على الاستيراد في كل احتياجاتها تقريبا من الطاقة. وتفيد بيانات من هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية بأن أنقرة اشترت في الأشهر الأربعة الأولى من العام أكثر من ثلاثة ملايين طن من النفط من إيران أي 55 في المئة تقريبًا من إجمالي وارداتها من الخام.

وعلى الرغم من ذلك فليس من الواضح في ظل الأوضاع مضطربة كهذه إلى أي مدى سوف يصمد الموقف التركي المناوئ للعقوبات الأميركية على إيران إلا أنه من المحتمل أن ينقلب كليًا ويتراجع إذ معروف عن الرئيس التركي أردوغان إتخاذ مواقف متناقضة والتراجع عن مواقف أخرى؛ يوشر على ذلك التقارب الأمريكي – التركي الأخير على خلفية الافراج عن القس الأمريكي "أندرو برانسون".

وفي هذا الشأن، يدرك "أردوغان" من خلال علاقاته مع الولايات المتحدة الحفاظ على توازن محدد بحيث لا يقدم تنازلات كبرى أمام واشنطن ولا يتجه بكل أوراقة في الجانب الصيني أو الروسي.

ومن الواضح أن واشنطن عمدت إلى استهداف العديد من حلفاء إيران الإقليميين والدوليين لتضييق الخناق حول مسارات حركة طهران الخارجية مما يعرضها لضغوط عدة على المستوى القريب أو المتوسط، والتي قد تدفعها إلى قبول الإملاءات الأمريكية فيما يتعلق بالملف النووي الخاص بها، ولكن هذه المرة قد تعمل واشنطن على توسيع مطالبها حول العديد من الملفات العالقة بينهم خاصة الملف السوري والدور الإيراني في المنطقة.

إيران والتعويل على تركيا

تمثل دعوة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى تعزيز الاستثمارات الأجنبية في بلاده وذلك في كلمة ألقاها أمام المسؤولين في وزارة الاقتصاد مع بدء تطبيق العقوبات الأميركية الجديدة على إيران، اعتزام إيران الحفاظ على حجم علاقاتها مع حلفائها وخاصة تركيا.

إلى جانب تركيا؛ عبرت بريطانيا وفرنسا وألمانيا، الشركاء في اتفاق عام 2015، إلى جانب روسيا والصين، عن "الأسف العميق" للخطوة الأمريكي، وتعهدت هذه الدول بمواصلة الوفاء بالتزاماتها المقررة في الاتفاق، وقالت إيران إنها ستواصل التزامها بالاتفاق إذا استمرت تجني ثماره.

وترى تركيا أن من حق أي ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻤﺘﻼﻙ ﺍﻟﻁﺎﻗﺔ ﺍﻟﻨﻭﻭﻴﺔ ﻭﺇﻨﺘﺎﺠﻬﺎ ﻟﻸﻏﺭﺍﺽ ﺍﻟﺴﻠﻤﻴﺔ، ﻭﻫﻭ ﻤﺎ ﺘﻔﻌﻠﻪ ﻜل ﺍﻟﺩﻭل ﺍﻟﻨﻭﻭﻴﺔ؛ ﻟﺫﻟﻙ ﻓﺈﻥ ﻹﻴﺭﺍﻥ ﻜل ﺍﻟﺤﻕ ﻓﻲ ﺇﻨﺘﺎﺝ ﻁﺎﻗﺔ ﻨﻭﻭﻴﺔ ﻷﻏﺭﺍﺽ ﺴﻠﻤﻴﺔ ﻭﺘﺤﺕ ﺇﺸﺭﺍﻑ ﺍﻟﻭﻜﺎﻟﺔ ﺍﻟﺩﻭﻟﻴﺔ ﻟﻠﻁﺎﻗﺔ .كما تدافع تركيا عن فكرة أن قضية البرنامج النووي الإيراني لا يمكن أن تحل بالقوة وإنما بالحوار والوسائل السلمية وتدعو إيران في الوقت ذاته إلى عدم التصعيد وإبقاء الباب دائماً مفتوحاً للحوار.

وقد انتقدت تركيا في مناسبات عددية تركيز الغرب على البرنامج النووي الإيراني، وأضاف وزير الخارجية التركي قائلًا: "قد تعلن دول أخرى وقف تجارتها مع إيران، لكن تركيا لن تقطع تعاونها التجاري مع هذه الدولة. الدولة التي تفرض العقوبات لا تستطيع معاقبة الدول الأخرى التي لا تنضم إليها. العالم غير قائم على هذا المنوال ولن يكون".

كما انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان القرار الأحادي الجانب من واشنطن  المتعلق بالانسحاب من الاتفاق النووي كما عبر عن رفضه لقرار إعادة العقوبات على إيران، مشيرًا إلى أن إيران شريك استراتيجي لتركيا مثل الولايات المتحدة وقرارات واشنطن غير ملزمة لتركيا، وشدد أردوغان على أن قطع العلاقات مع هؤلاء الشركاء الاستراتيجيين، يتعارض مع مفهوم الاستقلال الذي تتبناه تركيا.(3)

على الجانب الآخر، ومع دخول العقوبات النفطية الأميركية الجديدة على طهران حيز التنفيذ، راجت التوقعات في شأن إمكان تراجع تركيا عن تمسكها بعلاقاتها التجارية مع إيران والتخلي عن مواصلة استيراد النفط والغاز الإيرانيين والاستعاضة عنهما بشراء كميات أكبر من النفط الروسي، تجنبًا لاستفزاز واشنطن، خاصة في ظل الملفات العالقة بين الجانبين حول دعم الأكراد والعلاقات مع روسيا خاصة العسكرية.

استراتيجية تركيا

تعي أنقرة أن في العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران معوقًا لمساعيها الرامية للاحتفاظ بوارداتها المتنامية من النفط الإيراني. غير أن مواقف أنقرة حيال العقوبات الأميركية الجديدة على طهران بدأت تجنح لتحقيق المعادلة الصعبة المتمثلة فى عدم تعريض العلاقة مع واشنطن لمزيد من التدهور، مع عدم خسارة الحليف الإيراني أو فقدان إمداداته النفطية. فمن جهة، تشكل الاعتبارات الخاصة بأمن الطاقة التركي مسوغًا مهمًا للإصرار التركي على تحدي العقوبات النفطية الأميركية على إيران.

إن العقوبات الأمريكية على طهران ستتسبب في دخول تركيا إلى نفق مظلم حول إمكانية توفير احتياجاتها من مجال الطاقة، ومن ثم اتجهت أنقرة لمعالجة ذلك الخلل الذي يهدد أمن الطاقة التركي من خلال المضي قدمًا في مسارات أربعة متوازية.

 أولها: السعي لأن تكون تركيا الممر الجيواستراتيجي الآمن لخطوط نقل النفط والغاز المقترحة من بحر قزوين وروسيا وإسرائيل وإيران إلى أوروبا، بما يتيح لها توفير نصيب كبير من احتياجاتها.

وثانيها: التوسع بمشاريع الحفر والتنقيب عن النفط والغاز الطبيعى برًا وبحرًا داخل البلاد وخارجها، علماً أن استثمارات تركيا في هذا المجال زادت 10 أضعاف عمّا كانت عليه خلال عام 2002، لتصل إلى 13.3 بليون دولار، فيما بلغت عائدات التصدير 22.2 بليون دولار.

وثالثهما: تقليص الواردات النفطية عبر إنتاج نفط اصطناعي عبر تحويل النفايات إلى وقود، وهو المشروع الذي يتوقع أن يوفر على خزينة الدولة بليوني دولار تنفق على استيراد النفط سنويًا.

 والمسار الرابع: يتمثل في تنويع تركيا مصادر وارداتها لأكثر من 90 في المئة من احتياجاتها من النفط والغاز لتشمل خمس دول هي: العراق وإيران وروسيا وآذربيجان والكويت.(4)

ختامًا؛ تتداخل العديد من السيناريوهات المتعلقة بالموقف التركي من العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، خاصة وأن تركيا ترتبط بالعديد من العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين، فإيران من جهة تمثل الجار الاستراتيجي، الذي تستند إلى دوره في العديد من ملفات المنطقة، كما أن الولايات المتحدة لديها علاقات وثيقة مع تركيا وبينهما العديد من الملفات الخلافية التي لن تسعى تركيا إلى تفاقمها كما حدث في الفترة الأخيرة على خلفية أزمة القس الأمريكي "برانسون"، وفرض عقوبات اقتصادية على تركيا، بالإضافة إلى ملف الأكراد الذي يمثل لتركيا تهديد أمن قومي، وبسبب العلاقات السرية والعلنية التركية ـ الإيرانية فيما يتعلق بالالتفاف على العقوبات وقعت واشنطن عقوبات على إيران وتركيا فى نهاية مايو 2018، بعد أن فرضت عقوبات على الخطوط الجوية الإيرانية، وكذلك على إيرانيين اثنين ومواطن تركي بسبب تعامله مع إيران.

إن تركيا الآن في موضع الاختيار الصعب بين قوتين أحدهما إقليمية والأخرى دولية، ومن الصعب على السياسة التركية الحالية، وبالتالي فإن الاختيار التركي سيكون في له العديد من التبعات على الجانبين الإقليمي والدولي، حال تفضيل طرف على آخر، كما أن العقوبات الأمريكية على طهران عملت على تضييق مساحة الحركة لتركيا في توسيع دوائر تحركها، مما قد ينذر بسيناريوهات أخرى أكثر تأثيرًا في الاتجاه السلبي على التحركات التركية الخارجية.

الهوامش:

1) لمحة عن العقوبات الأمريكية على إيران، على الرابط:

                                                                              http://www.bbc.com/arabic/middleeast-46098688

 

2) نائب الرئيس التركي يكشف عن موقف بلاده من العقوبات الأمريكية على إيران، على الرابط:  

http://cutt.us/lkg7R

3) العقوبات الأمريكية ضد إيران.. أيّ تأثير على دول الشرق الأوسط؟، على الرابط:

http://cutt.us/PzCgh       

4) بشير عبدالفتاح، العقوبات الأميركية الجديدة على إيران والموقف التركي الحائر بين «الناتو» و«الحليف الفارسي»، على الرابط:                                                                                                                                 http://cutt.us/XlhN2