المركز العربي للبحوث والدراسات : ما بين التحالف والاقصاء.. استعداد تركيا للانتخابات البلدية (طباعة)
ما بين التحالف والاقصاء.. استعداد تركيا للانتخابات البلدية
آخر تحديث: الثلاثاء 26/03/2019 06:13 م آية عبد العزيز
ما بين التحالف والاقصاء..

تشهد تركيا أول انتخابات للبلدية في 31 مارس/ آذار 2019، بعد الانتقال رسميًا من النظام البرلماني إلى نظام الرئاسي على خلفية التعديلات الدستورية التي تم الاستفتاء عليها في أبريل/ نيسان 2017، التي بموجبها جرت الانتخابات الرئاسية في يونيو/ حزيران 2018، وستجرى الانتخابات البلدية وفقًا لها؛ حيث يتطلب من الأحزاب التي تخوض الانتخابات أغلبية بسيطة للفوز أي ما يصل إلى 51%. على عكس النظام البرلماني.

التحالفات الحزبية

برزت في الآونة الأخيرة سياسة التحالفات الحزبية في تركيا لضمان الحصول على الأغلبية المستحقة للمشاركة في الحياة السياسية، وخاصة بعد التعديلات الدستورية. التي ظهرت إبان الانتخابات الرئاسية في يونيو/ حزيران 2018 بين الحزب الحاكم "العدالة والتنمية" وحزب "الحركة القومية".

 وبالفعل فقد تجدد التحالف مرة ثانية إبان انتخابات البلدية تحت مظلة تحالف الشعب. واتفقت الحركتان على خوض السباقات المحلية معًا في 30 منطقة حضرية. ويمكن أن يعمل التحالف في معظم محافظات تركيا البالغ عددها 81 مقاطعة. ومن المفترض أن يدفعهم التطور إلى التقرب لتعزيز قوتهم السياسية.

بالرغم من أن النظام السياسي الجديد في تركيا يتطلب وجود تحالفات سياسية، إلا أن تحالف الشعب لا يزال يفتقر إلى منافس له ويمتلك برنامج انتخابي يستطيع أن يتحدى به تحالف الشعب. وقد شهد عام 2018، تحالف يعرف باسم "تحالف الأمة" بين حزب الشعب الجمهوري (CHP)، وحزب الجيد (İP)، والحزب الديمقراطي الشعبي (HDP) وحزب السعادة (SP). ويخوض التحالف بكل تشكليه انتخابات البلدية، فإن التحالف لا يستطيع خوض الانتخابات بشكل تنافسي نتيجة تبنيهم سياسات متناقضة، وأهداف قصيرة الأجل ومحدودة، وهو ما يمنع ظهور القوة الرئيسية الثانية في السياسة التركية. (1)

وبالفعل ساهمت التعديلات الدستورية على تحول نوعي في خريطة التحالفات والمشاركات السياسية، فمع دخول النظام الرئاسي حيز التنفيذ في 2018، تغيرت التركيبة السكانية الانتخابية في تركيا تغييرًا عميقًا وانتقلت بشكل تدريجي من المعادلة السياسية القديمة التي مثلت فيها أحزاب يمين الوسط ما يقرب من 65 % من قاعدة الناخبين، بينما حصل يسار الوسط على 35 % من الدعم، إلى معادلة جديدة من 51-49 أو 52-48"، لذا فقد أصبح الفوز في الانتخابات أكثر صعوبة، مما يجبر الأحزاب على تطوير استراتيجيات سياسية وتشكيل تحالفات سياسية جديدة قادرة على التنافس، وغير متباينة في سياساتها. (2)

الحراك الانتخابي

بدا الحراك الداخلي بين الأحزاب المتنافسة في الانتخابات بمحاولة لاقصاء بعضهم عن المشهد السياسي، لإنه يمثل تهديد لأمن تركيا، ومكتسباتها السياسية. تمثل ذلك في النهج الذي يتبعه زعيم تحالف الشعب المكون من (حزب العدالة والتنمية، وحزب الحركة القومية -الداعم إلى قمع أي حزب أو حركة مواليه للأكراد-) "أردوغان" في تهديده بإقصاء المرشحين المؤيدين للأكراد من حزب "الشعوب الديمقراطي"، وذلك من خلال مخاطبة مؤيديه، وموجهًا تحذيره للناخبين في جنوب شرق تركيا الذي تقطنه أغلبية كردية، وموضحًا إنه سيعتبر الناخبين الداعمين للحزب متعاطفين مع جماعة حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه أنقرة حزب إرهابي يعمل على زعزعة الاستقرار والأمن الداخلي بها، ويدعم انفصال الأكراد.

ويعد هذا التهديد موجهًا لثاني أكبر حزب معارض في تركيا، والموالي للأكراد؛ حيث تتهم أنقرة حزب "الشعوب الديمقراطي" بأنه الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني، وهي تهمة ينفيها، وعليه فقد تمت إزالة العشرات من رؤساء البلديات الذين ينتمون إليه من مناصبهم وسجنوا، متهمين بمساعدة حزب العمال الكردستاني.

وهو ما دفع قيادة الحزب تشجيع الناخبين إلى استعادة السيطرة على البلدات والمدن التي استولت عليها أنقرة. رافضًا المزاعم الإرهابية ضد مرشحيه. وقال الرئيس الفخري للحزب "إرتوغرول كوركو"، "إذا أزالوا أيًا من مرشحينا الناجحين، فليس الأمر أن رؤساء البلديات المنتخبين إرهابيون، بل إن أردوغان ديكتاتور". ومؤكدًا أن المجلس الأعلى للانتخابات، صادق على جميع المرشحين لمنصب عمدة الحزب، وأن أي تجاوز من قبل مرشحيه أثناء الحملات الانتخابية يجب أن تكون من اختصاص القضاء التركي وليس الرئيس.

ويمكن تفسير التهديد من قبل "أردوغان" الذي يحمل في طياته تهديدًا صارخًا لحق الأكراد داخل الأراضي التركية، أن هناك حالة من الغضب الدفين بين الأكراد نتيجة سياسات "أردوغان" داخليًا وخارجيًا في شمال سوريا، لذا فمن المتوقع أن الحزب سيجتاح جميع المدن والبلدات ذات الغالبية الكردية على الرغم من حملات التخويف والترهيب المُحاكة ضدهم من قبل قيادات من الدولة. (3)

               والجدير بالذكر؛ أن حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره تركيا جماعة إرهابية، يشن تمردًا عليها منذ عام 1984، وقد أودى الصراع بحياة عشرات الآلاف. وقد تفاوضت الحكومة التركية والسياسيون من حزب "الشعوب الديمقراطي" وقائد حزب "العمال الكردستاني" المسجون "عبد الله أوجلان" على عملية سلام، ووقف إطلاق النار بينهم. ولكن تم استئناف القتال في صيف عام 2015 وقُتل ما لا يقل عن 4.280 شخصًا. (4)

انكماش قيمة العملة التركية

تعد قيمة العملة الوطنية من أهم المؤشرات الدالة على استقرار الأوضاع الداخلية لأي دولة، كما إنها ليست المؤشر الوحيد على تنامي معدلات النمو الاقتصادي، لذا تأتي انتخابات البلدية التركية بالتزامن مع حالة عدم الاستقرار الاقتصادي الداخلي؛ حيث تراجعت قيمة العملة الوطنية (الليرة) بقدر 5.8 % يوم الجمعة 22/3/2019، وقد جاء الانخفاض على خلفية سداد الديون الخارجية ومبيعات العملات الصعبة لشركات الطاقة الحكومية.

الأمر الذي يؤكد أن البنك المركزي كان يستخدم مقتنياته لدعم العملة قبل الانتخابات في 31 مارس/ آذار 2019.  فيما أدى الافتقار إلى الوضوح بشأن الاتجاه السياسي بعد الانتخابات إلى استمرار انخفاض الليرة في الأشهر الثلاثة الماضية إلى أكثر من 7 %. كما يساهم خطر تنامي حالة التوتر بين تركيا والولايات المتحدة بسبب الرغبة في إتمام صفقة اقتناء نظام دفاع صاروخي الروسي.

 لذا فقد حاول البنك المركزي الخروج من هذا المأزق منذ الانخفاض الأول لقيمة العملة في أغسطس/ آب 2018 إبان الخلاف مع الولايات المتحدة حول مصير القس الأميركي المحتجز لدى السلطات التركية من خلال رفع سعر الفائدة الرئيسي، ولكن مازالت قيمة العملة في حالة انكماش على غرار استمرار المستثمرون المحليون التعامل بالعملات الأجنبية وسط تضخم جامح يؤذي مدخرات الليرة. (5)

توظيف الأزمات الخارجية

يستمر الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" في انتهاج سياسته الخارجية قائمة على توظيف القضايا، والأزمات المثارة داخليًا لتعزيز شرعيته، تجسد أبرزها على النحو التالي:

1)     الهجوم الإرهابي في نيوزيلندا؛

سعى "أردوغان" إلى استغلال الهجوم الإرهابي على مسلمي نيوزيلندا، لترويج لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات، علاوة على استمرار عرض فيديو الهجوم إبان التجمعات الخاصة بالانتخابات، لتأكيد على ضرورة استمرار بقاء الحزب الحاكم في الصدارة لضمان حماية المسلمين، الذين يتعرضون لانتهاكات مستمرة.

2)     الترويج لإتمام صفقات السلاح؛

وظف "أردوغان" الجدل المثار حول ملف الأسلحة الدفاعية التي ترغب أنقرة في اقتناءها؛ حيث يرغب في شراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسي (S400)، بالتوازي مع إتمام صفقة طائرات (F35) من الولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي ترفضه واشنطن بشدة لأن هذه الطائرات تعد فخر الصناعات الدفاعية الأميركية والأكثر سرعة على المناورة، واستمرار طلب "أردوغان" لإتمام الصفقتين يجعله محل اهتمام، وهو ما يسعى إليه فعليًا لتأكيد على أهمية بقاء نظامه داخليًا، ولاستعادة قوة أنقرة التي سرعان ما تتأثر وخاصة على الصعيد الاقتصادي، نتيجة سياساته العسكرية التوسعية في دول الجوار الجغرافي.

3)     إعلان "ترامب" حق السيادة الإسرائيلية على الجولان؛

أعلن "أردوغان" عن رفضه للقرار الأميركي، ومؤكدًا إمكانية نقل الملف إلى الأمم المتحدة، لأن القرار سيدعم حالة عدم الاستقرار في المنطقة، فضلاً عن استمرار الحرب الكلامية بين "أردوغان" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" حول غزة والعمليات العسكرية عليها.

ختامًا؛ استطاع الرئيس التركي "أردوغان" من ترسيخ هيمنته على النظام السياسي التركي بعد التعديلات الدستورية التي تم الاستفتاء عليها في أبريل/ نيسان 2017، وتم بموجبها تحويل النظام من برلماني إلى رئاسي لضمان ديمومة حزبه في الحكم، مع استمرار ضعف القوى المدنية المعارضة له، وتهميش العسكرية من المشهد السياسي.

الهوامش:

1-           Yahya Bostan, “Who is the favorite in Turkey's local elections?” Daily Sabah, 10/2/2019.

https://www.dailysabah.com/columns/yahya_bostan/2019/02/11/who-is-the-favorite-in-turkeys-local-elections

2-           MURAT SOFUOGLU, “Explaining the ifs and buts of Turkey's municipal elections”, TRT WORLD, 23/3/2019.

 https://www.trtworld.com/magazine/explaining-the-ifs-and-buts-of-turkey-s-municipal-elections-25188

3-           Dorian Jones, “Erdogan Threatens to Reverse Local Election Results”, VOA NEWS, 1/3/2019.

https://www.voanews.com/a/erdogan-threatens-to-reverse-local-election-results/4809852.html

4-           “Kurds rally ahead of local elections testing Turkish leader”, The Washington Post, 24/3/2019.

https://www.washingtonpost.com/world/europe/kurds-to-rally-in-turkey-ahead-of-key-local-elections/2019/03/24/55838526-4e0b-11e9-8cfc-2c5d0999c21e_story.html?utm_term=.43f060bf9672

5-           Cagan Koc, Constantine Courcoulas, “New Economy Forum Plummeting Lira Defies Turkey's Surprise Monetary Tightening”, Bloomberg. 22/3/2019.

https://www.bloomberg.com/news/articles/2019-03-22/turkish-markets-slide-as-local-dollar-hoarding-spooks-traders