المركز العربي للبحوث والدراسات : معركة طرابلس الأخيرة وتأثيرها على مستقبل الأزمة الليبية (طباعة)
معركة طرابلس الأخيرة وتأثيرها على مستقبل الأزمة الليبية
آخر تحديث: السبت 13/04/2019 07:42 م ترجمة: محمود جمال عبد العال
معركة طرابلس الأخيرة

دخل الصراع في ليبيا مرحلة جديدة بعد إقدام قائد الجيش الوطني الليبي "خليفة حفتر" على حسم عُقدة السيطرة على العاصمة طرابلس عسكريًا. ويعتبر تقرير "ستراتفور" أن نجاح حسم المعركة في طرابلس سينعكس بشكلٍ كلي على مستقبل الصراع في ليبيا خاصة بعد بدء معركة تحرير طرابلس على يد قوات الجيش الوطني، والذي بدأ بالسيطرة على مدينة غريان التي تبعُد حوالي 80 كيلو مترًا عن العاصمة طرابلس. ورغم سيطرة قوات الجيش الوطني الليبي على مطار طرابلس الدولي في بداية عملياتها العسكرية في الغرب الليبي إلا أنها سرعان ما تعثرت، وفقدت السيطرة عليه لصالح الميليشيات التي تدين بالولاء لحكومة الوفاق الوطني بقيادة "فايز السرَّاج".

تناول تقرير "ستراتفور" عن تطورات الأوضاع على الأرض في ليبيا عددٍ من الملاحظات التي يجب أخذها في الاعتبار لفهم سياق الصراع وتطوراته المستقبلية. وسنشير إلى ذلك في عدة نقاط منها:

1.      السيطرة على النفط: يعتبر التقرير أن تقدم قوات المشير "حفتر" نحو الغرب يرتبط بدرجة كبيرة ليس فقط بمحاولات حسم معركة العاصمة، ولكن أيضًا للتضييق على حكومة الوفاق الوطني من خلال السيطرة على مزيد من صادرات البلاد من النفط خاصة أن حكومة "السرَّاج" تعتمد في توفير مصادر تمويلها على صادرات النفط. على صعيدٍ آخر، يحتاج الجيش الوطني الليبي ومجلس النواب والحكومة المنبثقة عنه مصادر تمويل إضافية لتأمين تسليح الجيش الذي يحارب الإرهاب في الغرب فضلًا عن حاجات الناس الأساسية.

2.      التخوف من الحرب الأهلية: يعتبر التقرير أن تراجع تقدم قوات الجيش الوطني الليبي نحو العاصمة الليبية طرابلس سيؤثر سلبًا على عملية السيطرة الكاملة على العاصمة على الأقل في الأمد القريب مما قد يؤدي إلى أن تكون المعركة ممتدة مع التخوف من تحولها إلى حرب أهلية شاملة خاصة في ظل تعدد وتنوع الميليشيات التي تعمل في صفوف حكومة الوفاق الوطني.

3.      تكوين التحالفات: تُعد عملية السيطرة على العاصمة طرابلس معقدة للغاية وهو ما دفع الجيش الوطني لشن هجومٍ مفاجئ على المواقع الرئيسة في طرابلس. ورغم كل هذه الاحتياطات، تراجعت قوات الجيش الوطني لأسباب تتعلق بضعف شبكة التحالفات بين الجيش الوطني بقيادة حفتر والتحالفات مع القبائل والقوات المحلية التي يُمكن ان تساعد قوات الجيش الوطني للسيطرة على الأرض والحفاظ على نجاحاتها.

4.      تسليح الميليشيات: يُعد تسليح الميليشيات التابعة لحكومة الوفاق نوعيًا خاصة أنها الأكثر تدريبًا نتيجة خبراتها الميدانية الممتدة منذ بداية الأزمة الليبية في 2011، ومشاركة عناصرها في إسقاط القذافي فضلًا عن تمكن هذه الميليشيات من السيطرة على مستودعات أسلحة الجيش الليبي بعد 2011. وحصلت هذه الميليشيات كذلك على دعمٍ خارجي بحجة مكافحة الإرهاب. فعلى سبيل المثال، نجحت ميليشيات مصراتة في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في سرت عام 2016.

5.      تنامي خطوط الإمداد، وتراجع مؤشرات الحسم العسكري: يُمثل تنامي خطوط الإمداد واتساعها من القاعدة الأساسية في بني غازي شرق ليبيا وغربها نقطة ضعف لقوات الجيش الوطني الليبي سيما عند الأخذ في الاعتبار ضعف عدد قوات الجيش الوطني مقارنة بالمساحات الشاسعة الليبية التي تمتد عبر الصحاري. على الناحية الأخرى، تُشير التقارير الأمنية إلى تراجع احتمالات حسم معركة طرابلس جويًا؛ وذلك نظرًا لحضرية البيئة في طرابلس، وهو ما دفع "حفتر" للاعتماد على القوات والحلفاء المحليين في المناطق والقبائل الليبية.

هل تبقى حكومة الوفاق الوطني متوحدة؟

يعول مجلس نواب طبرق والحكومة المنبثقة عنه كثيرًا على مسألة الانقسامات الداخلية التي تعيشها حكومة الوفاق الوطني بقيادة "السرَّاج" منذ عام 2016، وذلك من خلال أن تمنع هذه الانقسامات الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق الوطني من التنظيم والاندماج السريع لصد هجوم الجيش الوطني. ومن المثير للاهتمام إقدام حكومة السرَّاج قبل الهجوم على طرابلس ببضع أيام لتشكيل غرفة مشتركة للقيادة والتنسيق بين عشرات الميليشيات الممتدة بين سرت والحدود التونسية، وقد كانت هذا المشروع أساس تمكن الميليشيات من صد هجوم قوات المشير "حفتر" على طرابلس. ومن المتوقع أن يعمل "حفتر" خلال الفترة المقبلة على إحداث انقسامات عمودية داخل جبهة السرَّاج، وذلك بغية استقطاب تلك الميليشيات لتحارب في صفوف الجيش الوطني في معركة تحرير طرابلس.

رد الفعل الدولي

يرصد تقرير "ستراتفور" حجم الدعم الدولي الذي تلقاه الجيش الوطني بقيادة "حفتر" في بداية التأسيس؛ حيث ترى فيه دول الجوار فرصة لإعادة الاستقرار إلى ليبيا بعد طول سنوات الفوضى التي امتدت منذ 2011. وساندته فرنسا وروسيا كذلك، ولكن بدرجة أقل. وقد نأت دولة الإمارات بنفسها عن دعم عمليات الجيش الوطني في طرابلس. وأعلنت مصر تخوفاتها من أن تتحول الأزمة إلى حرب أهلية شاملة، وهو ما يُمكن أن يُسهم في تعرض أمنها القومي للخطر خاصة إذا استعاد تنظيم الدولة الإسلامية لنشاطاته على الأراضي الليبية.

ويرى التقرير أن رغم عدم المباركة الدولية لحملة الجيش الوطني الليبي فيلا طرابلس إلا أن العالم الدولي لن يتخلى عن دعم الجيش الوطني باعتباره الأقدر على استعادة الاستقرار في ليبيا. وقد ظهر ذلك في عرقلة روسيا لإصدار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بيان إدانة بشأن تقدم قوات حفتر نحو طرابلس. وفي كل الأحوال، ويرى "ستراتفور" أن العالم  سيتجه مع تطور الصراع في الغرب لترجيح كفة أحد الطرفين تعجيلًا بحسم الصراع.

ختامًا؛ ستنعكس تحركات الجيش الوطني الليبي لاستعادة طرابلس سلبًا على عملية التسوية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة؛ حيث شنَّ "حفتر" الهجوم قبل عشرة أيام فقط من انعقاد المؤتمر الوطني المزمع عقده في الفترة من 14 إلى 16 أبريل/نيسان 2019. 

What a Fight for Tripoli Could Mean for Libya's Future (8l4l2019), Stratfor, Accessed at:

https://bit.ly/2D1bptK