المركز العربي للبحوث والدراسات : التصعيد الأمريكي الإيراني ... قراءة في الدروس المستفادة من حرب العراق (طباعة)
التصعيد الأمريكي الإيراني ... قراءة في الدروس المستفادة من حرب العراق
آخر تحديث: الثلاثاء 04/06/2019 07:41 م مرﭬت زكريا
التصعيد الأمريكي

صعدت موجات من التهديدات المتبادلة بين الولايات المتحدة الأمريكية و الجمهورية الإسلامية في إبريل/نيسان لعام 2019، على خلفية سحب الإدارة الأمريكية الاعفاءات التي منحتها لثمانى دول تتمثل في (الصين، الهند، اليابان، تركيا، إيطاليا، اليونان، كوريا الجنوبية وتايوان)، التي كان مسموح لها بإجراء معاملات تجارية مع طهران، على خلفية رغبتها في تصفير مبيعات النفط الإيراني.

وعليه، ردت الجمهورية الإسلامية بتعليق بعض بنود الاتفاق النووي لمدة 60 يوماً، بما يتضمن إعادة تخصيب اليورانيوم إلي مستوى مرتفع (صنع القنبلة النووية)، وعدم الاتجاه إلي بيع الماء الثقيل أو المخصب في السوق العالمي كما كان مقرر خلال خطة العمل المشتركة الشاملة. ومن ثم، لفت هذا التصعيد انتباه العديد من المحللين لمقارنة ما يحدث حالياً بما كان قائم أبان التصعيدات الأمريكية العراقية التي سبقت الحرب الأمريكية على العراق، فيما يخص أبرز الدروس المستفادة و الأخطاء التي وقعت فيها الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت.

أولاً- دوافع التصعيد الإيراني الأمريكي

تسبب الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران و دول (5+1)، بمجيئ الرئيس الأمريكي الجديد "دونالد ترامب" إلي سدة الحكم داخل الولايات المتحدة الأمريكية إلي مرحلة جديدة من التصعيد بين الطرفين، تبعها فرض حملة كبيرة من العقوبات الأمريكية التي كان أخرها تلك التى فرضت على أهم موارد الطاقة الإيرانية المتمثلة في النفط، الذي يعد بمثابة مصدر أساسى من مصادر الدخل القومى الإيراني.

كما اتجهت واشنطن إلي تصنيف الحرس الثورى الإيراني كمنظمة إرهابية مما أدى التصعيد مع طهران على المستوى السياسي، على خلفية مشاركته الواسعة في تمويل و دعم الإرهاب في الشرق الأوسط، فضلاً عن اتجاه الحكومة الإيرانية إلي استهداف المعارضة الإيرانية في الخارج(1).

في السياق ذاته، تواجه طهران معارضة أمريكية شديدة على خلفية دورها الاقليمي المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط، وهو ما تصر واشنطن على إضافة بند خاص به في حالة إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي. ومن ناحية أخرى، تمثلت أبرز الاعتراضات التي قدمتها واشنطن على خطة العمل المشتركة الشاملة في المدة التى يسرى فيها الاتفاق و التى قدرت بنحو 10 إلي 15 عام بحد أقصى فيما يعرف بأسم (بنود الغروب)(2).

وهناك قضية أخرى غاية في الأهمية تتمثل في تعامل النظام الإيراني من مواطنيه من مزدوجى الجنسية؛ فغالباً ما تتهم طهران مواطنيها من مزدوجى الجنسية بالتجسس لصالح دولهم، وعليه، تشير بعض التقارير  إلي أن الحرس الثورى اعتقل ما لا يقل عن 30 شخصاً يحملون جنسيات مزدوجة منذ بداية عام 2017. كما يعد ملف حقوق الإنسان أيضاً من أهم الملفات التى تعيق انضمام الجمهورية الإسلامية إلي العديد من المنظمات الاقتصادية العالمية. نتيجة لما سبق، ساهمت كل هذه القضايا في الوصول إلي مرحلة التصعيد الحالى بين واشنطن و طهران(3).

ثانياً- أوجه التشابه بين الحالتين (العراقية و الإيرانية)

كثيراً ما يعتمد مسؤولو السياسة الخارجية بشدة على القياس التاريخي في تقدير التهديدات التى تسبق الحروب من خلال مقارنة السياق السياسي و الجغرافي، الدوافع و التداعيات التي ترتبت على الدخول في هذه الحرب، و المشكلات و الأخطاء الكبيرة التي تقع فيها الدول خلال الحروب، لكن غالباً ما يسيء المسئولون الأمريكيون استخدام التاريخ للمساعدة في تعزيز حججهم خلال المناقشات السابقة على قيام الحروب.

حيث واصل الرئيس الأمريكي السابق "بيل كلينتون" بهدوء الصراع مع  الرئيس  العراقي "صدام حسين" بعد نهاية حرب الخليج 1990-1991 بقصف أهداف عراقية طوال فترة ولايته، وفرض عقوبات غير مسبوقة، وتحويل السياسة الرسمية للولايات المتحدة إلى تغيير النظام، وهو ما تفعله الإدارة الأمريكية الحالية المتمثلة في الرئيس "دونالد ترامب" مع إيران.

                و صاغت وزيرة الخارجية "مادلين أولبرايت" عبارة "الأمة المطلقة" لتبرير مزيد من التدخل الأمريكي في العراق، و بعد بضع سنوات، استخدم المسؤولون الذين يخدمون الرئيس جورج دبليو بوش خطأ والده الإستراتيجي المفترض في عدم التوجه إلى بغداد، كما بالغوا بشكل كبير في التهديدات التي تشكلها برامج صدام للأسلحة وعلاقات الزعيم العراقي المزعومة بالجماعات الإرهابية، وهو ما يحدث حالياً مع طهران من خلال تصنيف الحرس الثورى كجماعة إرهابيةو المبالغة في التهديد الذي يشكله نظام الجمهورية الإسلامية.

و عليه، استمد "باراك أوباما" نفوذه الكبير بسبب معارضته المبكرة لحرب العراق،  ووعيه لدروساً جديدة من إخفاقات سلفه في العراق، كما شجع فهم أوباما لما حدث من خطأ على استخدامه للقوة الأمريكية، خاصة في الشرق الأوسط التزامه بالدبلوماسية كأداة للتغلب على العقبات والانفتاح على إشراك حتى خصومه الأكثر صعوبة في مهمام صنع القرار ، فضلاً عن  اقتناعه بأن العمل العسكري الأمريكي يجب أن يأتي فقط كجزء من أوسع تحالف كبير في إطار القانون الدولي(4).

ثالثاً- بعض الدروس المستفادة من حرب العراق

على الرغم من تبني الإدارة الأمريكية الجديدة المتمثلة في الرئيس الأمريكي "دونال ترامب" لاستراتجية الخروج التدريجي من الشرق الأوسط، على خلفية المشكلات الكبيرة التي خلفها الانخراط الكبير داخل المنطقة، سيما و أنه يعتبرها من المناطق المليئة بالأنظمة الأجنبية التي لا يعرف عنها شئ، كما وعد بانهاء ما يعرف بأسم " دوائر الفوضى المدمرة"  إلا أنه ترامب ذاته هو من يعمد التصعيد السياسى مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية حالياً.

تمثل الدرس الأهم من حرب العراق بالنسبة للكثير من الأمريكيين في ضرورة التأنى حيال أى قرار خاص بالحرب، وخاصًة في الشرق الأوسط، التي تختلف اختلافاً كثيراً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية من خلال البيئة السياسية و المناخ و الأيديولوجية. ومن ناحية أخرى، يعول البعض الأخر على أن الخروج الأمريكي من العراق بالتزامن مع اندلاع ثورات الربيع العربي في الشرق الأوسط أدى إلي ظهور داعش و صعودها و من ثم الانتشار في العراق، سوريا و اليمن مما ترتب عليه فوضي كبيرة داخل المنطقة العربية و كانت الجمهورية الإسلامية من أكثر الدول استفادة من هذا الأمر ، حيث استطاعت ترسيخ نفوذها في هذه الدول على خلفية الفراغ السياسي الذى تبع الخروج الأمريكي.

في السياق ذاته، وجدت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها بعد ذلك مضطرة إلي إعادة التدخل مرة أخرى من أجل الحفاظ على مصالحها في الشرق الأوسط في مواجهة التهديدات الإيرانية. كما تتبع الإدارة الأمريكية الحالية استراتجية تعرف بأسم " ممارسة الضغوط المطلقة"، ومن هنا اتضح أن هدف الرئيس الأمريكي "ترامب" يتمحور حول ضرورة تغيير النظام في إيران.

                وحدد وزير الخارجية "مايك بومبيو" 12 شرطاً على طهران تحقيقها اذا رغبت في إعادة التفاوض مرة أخرى، مما أدى لرفع مستوى التصعيد بين الطرفين، والتي تضمنت مجموعة من الخطوات من الصعب تحقيقها في ظل النظام الحالى مثل التخلى عن جميع أنشطة تخصيب اليورانيوم و دعم المتشددين.

في النهاية: تبنت طهران ما يعرف بأسم "سياسات الصبر الاستراتيجى" و أظهرت ذكاءاً نوعياً كبيراً مع الولايات المتحدة الأمريكية من خلال التعاون مع الحلفاء الأوروبيين و الأسيويين الذين جلسوا مع واشنطن على طاولة المفاوضات، وهو ما أدى إلي تهدئة وتيرة التصعيد مع الولايات المتحدة الأمريكية و استبعاد كلا الطرفين لقرار الحرب.  

الهوامش

1)      دونالد ترامب يصنف الحرس الثوري الإيراني "منظمة إرهابية"، 8/4/2019، BBC عربی، متاح على الرابط التالى http://www.bbc.com/arabic/middleeast-47857984 .

2)      خمسة مآخذ أمريكية على الاتفاق النووي الإيراني، 13/10/2017، فرانس 24، متاح على الرابط التالى http://cu5.io/8lEyTb .

3)      مرفت زكريا، مزدوجي الجنسية في إيران... بين قمع الداخل والمناورة مع الغرب، 1/12/2018، المركز العربي للبحوث و الدراسات، متاح على الرابط التالى http://www.acrseg.org/41036

- 4Jon Finer, the Last War—and the Next? Learning the Wrong Lessons from Iraq, 28/5/2019, foreign affairs, available at http://cu5.io/fUS3n8