المركز العربي للبحوث والدراسات : التوافق الروسي الصيني لمواجهة الضغوط الأميركية (طباعة)
التوافق الروسي الصيني لمواجهة الضغوط الأميركية
آخر تحديث: الإثنين 17/06/2019 06:43 م آية عبد العزيز
التوافق الروسي الصيني

تواصل الصين سياساتها السلمية في مواجهة الضغوط الأميركية في تطوير قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والعمليات في الفضاء. (1) بالرغم الضغوط التي مارستها الإدارة الأميركية عليها في الآونة الأخيرة جاءت أخيرها في فرض عقوبات على شركة "هواوي"، ومنعها من بيع التكنولوجيا إلى الولايات المتحدة. ومنع الشركات المحلية من توريد أشباه الموصلات إلى بكين، إلا أن الرئيس الصيني "شي جين بينغ" أوضح أن العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة قوية جدًا، واصفًا الرئيس "دونالد ترامب" بكونه صديقه، وذلك في منتدى بطرسبورغ الاقتصادي يومي 6 و7 يونيو/ حزيران 2019.

كما نفت بكين الاتهامات الموجه إليها بشأن استخدامها لبعض الشركات التكنولوجية الخاصة بنقل المعلومات للتجسس على الولايات المتحدة، والقوى الغربية. في المقابل استطاعت الصين إدارة هذه الأزمة بكفاءة وفعالية من خلال توقيع اتفاقية تعاون مع شركة الاتصالات الروسية "STM” بهدف تطوير شبكة الجيل الخامس "G5" ولذلك لتخفيف حدة الخسارة التي ستعاني منها شركة "هواوي" في الآونة الأخيرة نتيجة العقوبات الغربية عليها (2). بجانب ردع محاولات واشنطن لعزل الشركة دوليًا.  وهو ما أوضحه الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" ونظيره الصيني "شي جين بينغ" في سان بطرسبرج.

نمط التقارب

أكد "شي جين" على تطور العلاقات الصينية الروسية بقوة، كما إنها تعيش حاليًا طفرتها، كما أن العلاقات الثنائية بين البلدين تتميز بروابطها التاريخية، وشراكاتها الاستراتيجية، فضلاً عن تعاونهم الدبلوماسي، وتوافقهم حول عدد من الملفات المثارة على الساحة الدولية، علاوة على تقاربهما في عملية صنع واتخاذ القرار داخل المنظمات الدولية والإقليمية وذلك إبان زياراته لموسكو لحضور "منتدى سان بطرسبرج الاقتصادي الدولي" تجسد ذلك في توقيع الرئيس الروسي ونظيره الصيني عدد من الاتفاقيات حول التعاون في العديد من القطاعات، وفقا لما ذكرته وكالات الأنباء الروسية الرائدة. من الواضح أن موسكو وبكين ستواصلان العمل على تعزيز علاقاتهما متبادلة المنفعة.

وفي هذا السياق؛ تعد الصين في الوقت الحاضر الشريك التجاري الرئيسي لروسيا. ففي عام 2018، بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين أكثر من 108.2 مليار دولار، بزيادة قدرها 24.51 ٪ مقارنة بعام 2017. لا يمكن لجهود الحكومتين الوطنيتين وحدهما أن تفسر تطور هذا الاتجاه الديناميكي وحده؛ حيث تُظهر روسيا والصين اليوم أمثلة رائعة للتعاون متعدد الجوانب على المستوى الإقليمي. كما تعد الصين شريك استراتيجي مهم لروسيا في مجالات الهندسة، والأجهزة، والإلكترونيات، والإنتاج الكيميائي. (3) فيما شاركت الصين في مناورات عسكرية روسية على حدودها الشرقية في سبتمبر 2018، مما يمثل نقطة تحول في تاريخ المنافسان العدائيان لعصر الحرب الباردة.

دوافع التوجه الصيني

تتقارب كل من روسيا والصين في علاقاتهما وفقًا لعدد من المحددات البرجماتية فكلاهما يدرك جيدًا مدى إمكانية الاستفادة من الآخر في سياق مصالحهم الوطنية؛ حيث تبدو روسيا واقعية حول النفوذ الاقتصادي الصيني المتنامي في آسيا بشكل عام وفي منطقة آسيا الوسطى تحديًدا التي تمثل العمق الاستراتيجي لموسكو، ومجالها الحيوي، وذلك بفضل الاستثمارات الصينية الضخمة في البنية التحتية في إطار مبادرة الحزام والطريق. علاوة على ذلك، فإن التعاون الصيني سيثبت أنه مهم لخطط روسيا التفصيلية لاستغلال طريق البحر الشمالي على طول القطب الشمالي كمركز بديل للنقل. وفيما يتعلق بالعقوبات فقد استطاعت موسكو بفضل حلفاءها في التحايل عليها، وأثبت عدم فعاليتها في عزلها.

لذا تسعى موسكو للتخلص من حالة العزلة التي تحاول الدول الأوروبية والولايات المتحدة فرضها عليها منذ أن بدأ الخلاف مع روسيا نتيجة ضمها لشبه جزيرة القرم في عام 2014، واستمرار المواجهة في شرق أوكرانيا. تنبع التوترات الروسية مع الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي أيضًا من معارضتها لخط أنابيب الغاز Nord Stream 2 الذي يبلغ طوله 1200 كيلومتر من روسيا إلى ألمانيا.

ويرجع ذلك لأن واشنطن تهدف إلى استمرار تدفق صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا بشكل جزئي، بما في ذلك إحباط طموح موسكو للسيطرة على سوق الطاقة في المنطقة، فضلاً عن الاتهامات الموجهة إلى الرئيس "ترامب" بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، وفتح تحقيق في هذا الشأن برئاسة المستشار الخاص "روبرت مولر". (4) الأمر الذي انعكس على توجهات الإدارة الأميركية بشكل سلبي تجاه موسكو والتعاون معها.

تناقضات التقارب

لا يمكن فهم التقارب الروسي الصيني على إنه تحالفًا استراتيجيًا يمكن أن يساهم في تغير نمط التفاعلات الدولية، وتحول بنية النظام العالمي دون التطرق إلى تاريخ العلاقات بينهم الذي شهد تحولات جيواستراتيجية نتيجة المتغيرات المتلاحقة على الصعيد الإقليمي والدولي. بالرغم من التقارب الأخير نتيجة توافق مصالحهم إلا أن هناك عداوة قديمة بينهم تتمثل بشكل جلي في المظالم التاريخية العالقة بينهم، والاختلال الديموجرافي الكبير، علاوة عدم اتساق القوة المتزايد الذي يؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن في روسيا.

فمع انخفاض قوة روسيا على الصعيد الديموجرافي والاقتصادي مقابل تنامي قوتها العسكرية والدفاعية، يفترض أن روسيا تشعر بالمرارة والاستياء من القدرات الاقتصادية والسياسية والعسكرية المتنامية للصين، وتواجدها المتزايد في المناطق التي لا تزال موسكو تتطلع إليها باعتبارها مجال نفوذها الحصري. علاوة على المكانة الفائقة والتفاوت الكبير في القوة سيؤدي في النهاية إلى تفكيكهما. وبالتالي، يُفترض على نطاق واسع أن التقارب الأخير في العلاقات بين القوتين، بشكل واضح خاصة منذ عام 2014 على انه توافق للمصالح لمواجهة القوى المنافسة.

ومن المؤكد أن الصين وروسيا تتطلعان سويًا في نفس الاتجاه نحو أوراسيا؛ حيث تدرك كلتا القوتين الوجود الغربي على جانبي منطقة أوراسيا بجانب التحالفات مع الإدارة الأميركية في إطار منظمة حلف شمال الأطلسي والقوة المعيارية للاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى تمركز النفوذ الصيني في شرق آسيا للصين، الأمر الذي يمثل لروسيا -تهديد لاحتوائها وتقويضها في نهاية المطاف.

لذا فقد أطلقت كلتاهما مبادرات طموحة لتعزيز نفوذها في المنطقة، مثل الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي والشراكة الأوراسية الكبرى لروسيا والحزام الاقتصادي لطريق الحرير -المكون الأرضي لمبادرة الحزام والطريق. - للصين. ويرجع ذلك نتيجة اشتراكهما لنفس المخاوف المماثلة المتعلقة بشأن الاستقرار السياسي والأمن في أوراسيا، والأهداف الشاملة المماثلة فيما يتعلق بالشكل الذي ينبغي أن يبدو عليه النظام الإقليمي في المستقبل.

في المقابل تدرك بكين الطموحات التوسعية لموسكو على الصعيد الإقليمي والدولي ورغبتها في استعادة مكانتها الدولية، ومخاوفها بشأن النوايا الاستراتيجية للصين، وعدم ارتياحها لخلل توازن القوى المتزايد. وفي الوقت نفسه، ترى بكين أن تفوقها الإقليمي لا يمكن أن يتحقق إذا كانت روسيا تستعد وتقف في طريقها. وعليه فمن المتوقع أن نشهد في الفترات المقبلة مزيد من التعاون والتنسيق المشترك النابع عن توافق المصالح، ومواجهة القوى الغربية المنافسة لهم. (5)

الهوامش

1-            DOV S. ZAKHEIM, “China and Russia's better weapons, risky behavior are threats we can't ignore”, The Hill, 9/6/2019. https://thehill.com/opinion/national-security/447550-China-Russia-better-weapons-risky-behavior-threats-we-cant-ignore

2-      "الصين تحرز صفقة لتطوير الجيل الخامس بروسيا"، سكاي نيوز عربي، 7/6/2019.

3-           Dmitry Strovsky, “Meeting of Chinese, Russian leaders strengthens cooperation”, China Daily, 10/6/2019. http://www.chinadaily.com.cn/a/201906/10/WS5cfdcf34a31017657723049d.html

4-           “St. Petersburg consensus: On Russia-China bonhomie”, .The Hindu, 10/6/2019. https://www.thehindu.com/opinion/editorial/st-petersburg-consensus/article27705948.ece

5-           “A China–Russia Condominium over Eurasia”, https://www.iiss.org/publications/survival/2019/survival-global-politics-and-strategy-februarymarch-2019/611-02-rolland