ومن
الصحيح أن الولايات المتحدة والصين عقدتا الدورة الثانية عشر من المشاورات
التجارية رفيعة المستوى في شانغهاي يومي الثلاثاء والأربعاء (30 و31 يوليو
الجاري)، بمشاركة نائب رئيس مجلس الدولة الصيني "ليو خه" والممثل التجاري
الأمريكي "روبرت لايتثايزر" ووزير الخزانة الأمريكي "ستيفن منوتشين"،
ورغم التصريحات الإيجابية التي صدرت من الجانبين حول وجود تفاهمات بين البلدين
لإيجاد حلول للمشكلات العالقة بينهما، إلا أنه يبدو أن الحرب التجارية بين البلدين
لن تخمد في الأجل القريب (3).
ونتيجة
هذه الحرب التجارية الدائرة بين البلدين فقد توقع صندوق النقد الدولي انخفاض النمو
الاقتصادي في الولايات المتحدة عام 2019 بما قيمته (2.3%) بعد أن حققت نموًا
اقتصاديًا بلغ (2.9%) عام 2018، ومن المتوقع أن يبلغ النمو الاقتصادي للولايات
المتحدة عام 2020 ما يقارب (1.9%).
كذلك فمن
المتوقع بحسب صندوق النقد الدولي حدوث تباطؤ في النمو الاقتصادي الصيني من (6.6%)
عام 2018 إلى (6.3%) و(6.1) لعامي 2019 و2020 على التوالي. ويرجع ذلك بالأساس إلى
التعريفات الجمركية العالية على الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، وضعف
الطلب الخارجي، هذا فضلًا عن كون الاقتصاد الصيني يمر بمرحلة من التباطئ الهيكلي
والاعتماد الكبير على الديون.
الاتحاد
الأوروبي والبريكست
تعاني بلدان الاتحاد الأوروبي من مجموعة من الأزمات التي
أثرت بصورة كبيرة على الأداء الاقتصادي للاتحاد، وتتمثل تلك الأزمات في: (1) تراجع
الطلب الكلي من قبل المستهلكين وقطاع الأعمال في بلدان الاتحاد، (2) تطبيق معايير
جديدة تتعلق بانبعاثات الوقود من قبل السيارات في ألمانيا وتأثير ذلك على أداء
الأعمال، (3) المظاهرات التي شهدتها فرنسا والتي أثرت على النشاط التجاري فيها،
(4) استمرار فترة عدم اليقين وحالة الخوف من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
دون التوصل لإتفاق (4).
ولهذا نلاحظ أن الاتحاد الأوروبي كان يحقق نموًا
اقتصاديًا في عام 2017 يقارب (2.7%)، ثم انخفض هذا النمو تدريجيًا إلى أن وصل
(2.1%) عام 2018، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل النمو الاقتصادي في الاتحاد
الأوروبي لعام 2019 ما يقارب (1.6%)، و(1.7%) لعام 2020.
وتعد قضية "البريكست" أهم وأبرز قضية على
الساحة الأوروبية منذ أن تم إجرا الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد في 23 يونيو
2016، ذلك لأن خروج بريطانيا من الاتحاد يعني ذلك التمهيد لخروج دول أخرى، مما يهدد
سلامة ومستقبل هذا الاتحاد. ومنذ أن تولى رئيس الوزراء البريطاني الجديد "بوريس
جونسون" منصبه في الشهر الجاري (يوليو) وقد أعلن أن بلاده سوف تخرج من
الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر القادم سواء تم التوصل إلى إتفاق أم لا، معتبرًا
ذلك على حد قوله "مسألة حياة أو موت". الأمر الذي يعزز المخاوف بشأن
اقتصاد المملكة والاتحاد الأوروبي (5)،
ومن الصحيح أن صندوق النقد الدولي وفقًا لتقريره الأخير
"آفاق الاقتصاد العالمي" الصادر في يوليو الجاري، قد رفع توقعه لمعدل
النمو الاقتصادي للمملكة من (1.2%) إلى (1.3%) لعام 2019، إلا أن ذلك يبقى أقل بـ
(0.5 نقطة مئوية) عن معدل النمو الاقتصادي الذي حققته المملكة عامي 2016 و2017.
مما يعني أن أزمة البريكست تؤثر بصورة واضحة على اقتصاد المملكة، وفي ظل حالة
اللايقين من المتوقع أن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي بدون التوصل
لاتفاق سوف يؤثر على الناتج المحلي الإجمالي لاسيما وأنه يسجل انكماشًا منذ أبريل
الماضي، مع قيام كبار مصنعي السيارات بتقديم موعد الإغلاق السنوي المعتاد كجزء من
خطط مواجهة الطوارئ المرتبطة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
منطقة
الشرق الأوسط والتوترات الجيوسياسية
تعاني منطقة الشرق الأوسط من اندلاع الأزمات وتفاقمها
يومًا بعد الآخر، فمن الحرب الدائرة في سوريا بين النظام والمعارضة، إلى الحرب
الدائرة في اليمن بين قوات التحالف العربي بقيادة السعودية والحوثيين بدعم من
إيران، إلى التوترات السياسية بين بلدان الخليج العربي، هذا فضلًا عن التوترات في
الخليج العربي والملاحة البحرية نتيجة قيام إيران باحتجاز ناقلة النفط البريطانية "ستينا
إمبيرو" مؤخرًا، هذا فضلًا عن اتهامها بالقيام بأعمال تخريبية في مياه الخليج
العربي (6).
ونتيجة لهذه الأسباب مجتمعة، فقد قام صندوق النقد الدولي
بخفض توقعه للنمو الاقتصادي في المنطقة إلى (1%) لعام 2019، بعد أن بلغ النمو
الاقتصادي لها (1.4%) عام 2020، ويُرجع الصندوق هذا التخفيض بالأساس إلى العقوبات
الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة ضد إيران والمتمثلة بصورة أساسية في
العقوبات على تصدير النفط، هذا فضلًا عن الحرب الدائرة في سوريا وإليمن. ويعد هذا
التخفيض هو أقل معدل وصلت إليه المنطقة على الإطلاق.
ويتوقع
الصندوق كذلك أنه إذا استطاعت المنطقة أن
تشهد حالة من الهدوء النسبي خلال عام 2020 مع حل أزمة الملاحة الدولية، وإمكانية
تخفيض العقوبات على إيران مع اللجوء إلى الحوار بشأن الاتفاق النووي، فإنه من
المتوقع أن يصل النمو الاقتصادي في المنطقة إلى (3%)، لكن هذا الرقم مرتبط بحدوث
حالة استقرار في المنطقة.
وفي
النهاية، يبدو أن مستقبل الاقتصاد العالمي محفوف بالمخاطر،
وكأن العالم في الوقت الحالي بحاجة إلى مزيد من "التعقل" والنظرة الأكثر
شمولًا لمستقبل البشرية، لاسيما وأن قادة العالم قبل 75 عامًا أدركوا هذا الأمر
بعد – وليس قبل – الحروب والويلات التي شهدها العالم، لكننا في الوقت الحالي نحتاج
أن يحدث نفس الأمر ولكن بصورة معكوسة، بحيث يتخذ قادة العالم الإجراءات الصحيحة
قبل – وليس بعد – أن تقع الحروب والويلات.