المركز العربي للبحوث والدراسات : تجدد مأزق كشمير... إنهاء الحكم الذاتي وتأثيره على مسار الصراع (طباعة)
تجدد مأزق كشمير... إنهاء الحكم الذاتي وتأثيره على مسار الصراع
آخر تحديث: السبت 10/08/2019 08:34 م
مرﭬت زكريا مرﭬت زكريا
تجدد مأزق كشمير...

لطالما كانت قضية كشمير موضع خلاف كبير بين الهند وباكستان حتى قبل الاستقلال الهندي عن بريطانيا لعام 1947 وبموجب خطة التقسيم المنصوص عليها في قانون الاستقلال الهندي بات لكشمير حرية الانضمام إلى الهند أو باكستان، ولكن على الرغم من الأغلبية المسلمة للسكان في هذا الإقليم في ذلك الوقت، إلا أن الحاكم كان هندوسي فاختار الانضمام إلى الهند، وقامت الحرب الهندية الباكستانية في عامي 1947 و1965. وتتمثل الأهمية الجيوسياسية لمنطقة كشمير بالنسبة لكل من الهند وباكستان في الموارد المائية؛ حيث تدعي باكستان بأن كل الرواسب المائية تتجمع في كشمير الهندية مما يعنى زيادة خصوبة الأراضي التابعة للهند في هذه المنطقة.

وعليه، كانت باكستان من أولى الدول التي سارعت في التنديد بالقرار الهندي الذي يقضي بإلغاء الحكم الذاتي والدستوري في ولاية جامو وكشمير بموجب مرسوم رئاسي يدخل حيز التنفيذ فوراً، مع وضع بعض زعماء كشمير قيد الإقامة الجبرية وتعليق خدمات الانترنت والهاتف.

وفي هذا السياق سنقوم بعرض لتاريخ النزاع بين الدولتين، الأهمية الاقتصادية لمنطقة كشمير بالنسبة للدولتين، فضلاً عن تداعيات قرار رفع الحكم الذاتي للإقليم.

أولاً-  جذور الصراع بين الهند وباكستان

يرجع تاريخ الصراع الهندي الباكستاني إلى عام 1947عندما منحت المملكة المتحدة في ذلك الوقت حرية الاختيار للإمارات والأقاليم التابعة لها بالانضمام إلى الهند أو باكستان، ومن هنا ظهر تضارب في الأراء بين الحاكم الهندوسي وغالبية شعب كشمير من المسلمين، مما أدى إلى نزاع بين الدولتين على حكم هذا الإقليم، وتدخل من قبل هيئة الأمم المتحدة في ذلك الوقت مع تقديم بعض التوصيات للطرفين، تمثلت في وقف القتال ونزع السلاح، فضلاً عن إجراء استفتاء حر محايد تحت إشرافها، الأمر الذي اعترضت عليه الهند و رفضت تنفيذ التوصيات التي طرحتها المنظمة الأممية.

في السياق ذاته، استغلت باكستان الحرب الهندية الصينية لعام 1962 لتوجيه ضربة كبيرة إزاء التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الهندي في ذلك الوقت والتي كانت تقر باعتبار كشمير جزء أساسي من الأراضي الهندية، مما أدي إلي حرب ثانية بين الطرفين الهندي والباكستاني في عام 1965.

كما ظل الأمر معلق إلي أن استغلت الهند التوتر الحادث داخل الأراضي الباكستانية عن طريق دعم الشعب البنغالي في الانفصال عن إسلام أباد، مما أدى لتصاعد حدة التوتر بين الطرفين، ونشوب الحرب للمرة الثالثة بينهم في عام 1971. نتيجة لما سبق، اسفرت هذه الأحداث عن تأسيس دولة بنجلاديش وتوقيع اتفاق شملا عام 1972 بالتفاهم بين الرئيس الباكستاني "ذو الفقار على بوتو" في ذلك الوقت ورئيسة الوزراء الهندية "أنديرا غاندي"(1). 

لكن بات خط التماس الحدودي بين الطرفين مسرحاً للمناوشات بين الطرفين، وشكلت العديد من الجماعات المسلحة من قبل باكستان لمحاربة الجانب الهندي. وعليه، حملت نيودلهي باكستان مسئولية الهجمات المتكررة التي تقع بين الحين والأخر على القوات الهندية المرابطة على الحدود ودعم الجماعات الجهادية التكفيرية، أو ما أطلقت عليه الإرهاب عبر الحدود، مما أدي إلى وقوف الطرفين على شفا حرب كبيرة في عام 2001، على خلفية الاعتداءات التي قامت بها جماعات هندية مسلحة على البرلمان الهندي والهجوم الانتحاري على العرض العسكري في بولواما للعام ذاته(2).

ثانياً- أهمية كشمير الجيوسياسية بالنسبة للدولتين

ترتبط قضية كشمير بتوازن القوي في أسيا، فضلاً عن الموارد الطبيعية التي توفرها منطقة كشمير إلى كل من الهند وباكستان والتي تتمثل في الأنهار الجليدية والمياه العذبة التي توفرها للمنطقة للهند؛ حيث توفر المياه الجليدية التي تتدفق عبر كشمير المياه والكهرباء لمليار شخص في الهند، كما تعتمد باكستان بشدة على المياه الجليدية المتدفقة من المنطقة لدعم قطاعها الزراعي.  ومع تزايد عدد السكان والحاجة المتزايدة للكهرباء، تتطلع الهند إلى المنطقة لتطوير المزيد من منشآت الطاقة المائية، في الوقت الذي تخشى فيه باكستان أن تقوم الهند بتحويل المياه اللازمة للري، واستخدام المياه كسلاح ضد باكستان.

وبالتالي، تعد كشمير قضية أمنية قومي كبرى لكلا البلدين، والتي يمكن أن تشكل سيطرة إحداهما تهديدا وجوديا على الآخر؛ حيث تقع كشمير في موقع جغرافي واستراتيجي وتعتبر مصدرًا رئيسيًا لتوليد المياه والطاقة لكل من باكستان والهند. ففي عام في عام 1960، وقعت الهند وباكستان معاهدة Indus Waters”"، التي توسط فيها البنك الدولي؛ حيث منحت الاتفاقية الهند السيطرة على أنهار Beas وRavi وSutlej، وباكستان السيطرة على Indus وChenab وJhelum، ولكن لأن جميع الأنهار تتدفق عبر الهند، فقد منحت نيودلهي أحكامًا خاصة لتنمية الطاقة الكهرومائية.

من ناحية أخري، تشير الأبحاث في مجال ظاهرة المناخ إلى أن ظاهرة الاحتباس الحراري تتسبب في ذوبان كميات هائلة من الأنهار الجليدية في كشمير، والتي توفر مياه عذبة لأنهارها. كما فقدت الأنهار الجليدية في الهيمالايا ما يقدر بنحو 174 مليار طن من الماء؛ حيث كان الذوبان السريع مسؤولاً عن الفيضانات الشديدة في كل من باكستان والهند. فمع الانحسار السريع للجليد، ستواجه الهند وباكستان نقصًا كبيراً في الكهرباء، فضلاً عن التأثير بالسلب على النمو الاقتصادي، وقيعان الأنهار الصيفية الجافة على قطاع الزراعة(3).

ثالثاً- قرار رفع الحكم الذاتي عن كشمير وتداعياته

أصدرت السلطات الهندوسية القومية في الهند في الخامس من أغسطس/أب لعام 2019 مرسوما رئاسيا يلغي الوضع الخاص لولاية جامو وكشمير الذي كان يتضمنه الدستور الهندي، في إشارة إلى الغاء المادة 370 من الدستور التي تمنح وضعاً خاصاً لمنطقة كشمير المتنازع عليها وتتيح لها وضع قوانينها الخاصة. مما فرض مجموعة من التداعيات الخطيرة تمثلت فيما يلي: -

1-    تنديد باكستاني بالقرار

كانت إسلام آباد من أولى العواصم التي نددت بالقرار الهندي، وقررت تخفيض العلاقات الدبلوماسية والغاء التجارة الثنائية اضافة الى رفع القضية الى الامم المتحدة؛ حيث جاءت قرارات باكستان بعد اجتماع لجنة الأمن القومي برئاسة رئيس الوزراء "عمران خان" ووزراء الداخلية، الخارجية والدفاع، الأمر الذي أسفر عن استدعاء السفير الباكستاني من نيودلهي وطرد السفير الهندي من اسلام اباد(4).

في السياق ذاته، أعلنت وزراه الخارجية الباكستانية أن إسلام أباد ستلجأ إلى كل الخيارات المتاحة للاعتراض على قرار الهند، حتى لو كلفها الأمر الدفاع عن حقوقها داخل المنظمة الأممية وفي إطار المحكمة الجنائية الدولية. من ناحية أخري قامت إسلام أباد بتعليق التجارة مع الهند في إشارة إلي خفض مستوي التعاون بين البلدين، فضلاً عن استخدام كل القنوات المتاحة لإظهار حقيقة النظام العنصري الهندي وانتهاكاته لحقوق الإنسان(5).

2-                تشديد القبضة الهندية على كشمير

جاء القرار الهندي بإلغاء الحكم الذاتي على كشمير بعد اتخاذ مجموعة من الإجراءات المشددة من قبل الحكومة الهندية تمثلت في وضع زعماء الولاية قيد الإقامة الجبرية، تعليق خدمات الهاتف والإنترنت، فضلاً عن حظر التجمعات العامة حتى يتم تسهيل المهمة على رجال القوات المسلحة للتواجد بالطرقات العامة، وغلق كبري المدارس في الإقليم والمناطق المحيطة به.

وعليه، أشار بعض المحللين إلى القرار الهندي من شأنه إثارة حالة التوتر الموجودة بين البلدين، فضلاً عن تشجيع انتفاضة السكان المحللين، والترحيب بالتعاون مع السلطات الباكستانية، سيما وأن الغالبية العظمى من السكان داخل كشمير من المسلمين. من ناحية أخرى، ستؤدي هذه الأحداث إلى تدهور الوضع الاقتصادي داخل كشمير، بما يؤثر على حجم المشروعات الاستثمارية الموجودة(6). 

3-       تصاعد الاحتجاجات بالداخل الهندي

أدي القرار الهندي بشأن كشمير إلى تصاعد حركة الاحتجاج داخل نيودلهي، مما ينذر بعدم رضاء المواطنين عن القرار، سيما في ظل النزعة القومية الهندوسية التي تم إذكاءها من قبل حكومة رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي"، والتي ظهرت أبان حملته في انتخابات رئاسة الوزراء لعام 2019، خاصًة وأن الغالبية العظمي من السكان داخل كشمير من المسلمين.   

كما أشار بعض المحللين إلى إمكانية اندلاع اعمال عنف من قبل السكان المحليين في كشمير بعد تخفيف القبضة الأمنية، سيما في ظل الدعم الباكستاني الكبير الذي يتلقاه مواطني كشمير من قبل حكومة "عمران خان"، ولذلك يقترح بعض الباحثين قيام الحكومة الهندية بالعمل على بناء الثقة مع السكان المحليين داخل كشمير من خلال مساعدتهم وأشراكهم في تقرير مصيرهم، من أجل أن تنعم كشمير بالأمن(7).  

الهوامش

1.       مصطفي لمغاري، النزاع الهندي-الباكستاني حول كشمير، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية، الاقتصادية والسياسية، 22/6/2017، متاح على الرابط التالي:

  https://democraticac.de/?p=47281 .

2.       وائل عواد، جذور الصراع الباكستاني الهندي. واحتمالات المواجهة. كشمير الجنة المفقودة، صحيفة رأى اليوم، 4/3/2019، متاح على الرابط التالي:

  http://exe.io/8FHLV .

3.     Shawn Snow، Analysis: Why Kashmir Matters: Why Kashmir is a major national security issue for both India and Pakistan, The Diplomat, 19/9/2016, available at:

 https://thediplomat.com/2016/09/analysis-why-kashmir-matters/.  

4.       طرد السفير الهندي ومقتل متظاهر. أزمة كشمير الی أين؟ قناة العالم، 8/8/2019، متاح على الرابط التالي:

https://www.alalamtv.net/news/4367066/طرد-السفير-الهندي-ومقتل-متظاهر--أزمة-كشمير-الی-أين؟

5.       باكستان تطرد السفير الهندي وتعلق التجارة مع نيودلهي على خلفية أزمة كشمير، فرانس 24 ، 7/8/2019، متاح علي الرابط التالي:

 https://www.france24.com/ar/20190807-باكستان-طرد-السفير-الهندي-تعليق-التجارة-أزمة-كشمير-إغلاق-شامل-توتر.

6.       فايننشال تايمز: قرار نيودلهي لن يضمن رخاء اقتصاديا ولا أمنا وطنيا لكشمير، فايننشال تايمز، 7/8/2019، متاح على الرابط التالي:

 http://eg24hours.com/n_5250022.html.  

7.       الأزمة تشتعل بين الهند وباكستان. نيودلهي تلغي الحكم الذاتي لـ كشمير وسط إجراءات أمنية مشددة، صدي البلد، 5/8/2019، متاح على الرابط التالي:

 https://www.elbalad.news/3932318.