المركز العربي للبحوث والدراسات : بعد خطوة تغيير العملة... هل يتعافى الاقتصاد الإيراني؟ (طباعة)
بعد خطوة تغيير العملة... هل يتعافى الاقتصاد الإيراني؟
آخر تحديث: الإثنين 12/08/2019 09:30 م
عمرو خليل عمرو خليل
بعد خطوة تغيير العملة...

وافق مجلس الوزراء الإيراني في جلسته المنعقدة يوم الأربعاء 31 يوليو  2019 على مقترح البنك المركزي الإيراني الذي قدمه في يناير الماضي 2019 بحذف أربعة أصفار من العملة الوطنية (الريال) وتغيير العملة من الريال إلى التومان، بحيث يصبح التومان الواحد يساوي 10 ألاف ريال، بعد أن كان يساوي 10 ريال فقط. وبحسب التصريحات الرسمية فسوف يتم البدء بالتعامل بالتومان بعد عامين وإلغاء التعامل بالريال إلا بين البنوك الإيرانية التي ستسمر بالتعامل بالريال.

ولا شك أن هذه الخطوة تأتي كمحاولة "لتجميل" الواقع الاقتصادي للدولة في مواجهة الاختناقات الاقتصادية التي أصبحت تتفاقم يومًا بعد يوم بعد انسحاب الولايات المتحدة في مايو 2018 من الاتفاق النووي لعام 2015، وفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية عليها في سبتمبر 2018 شملت العديد من القطاع أهمها قطاع النفط والطاقة.

أفكار قديمة ومحاولات سابقة

ليست هذه هي المرة الأولى التي تفكر فيها الحكومة الإيرانية في حذف بعض الأصفار من عملتها الوطنية، فقد جرى التفكير في هذه الخطوة عام 1994 عندما ارتفع التضخم في البلاد إلى ما يقارب 49% بعد أن كان رقم أحادي (ما دون 10%). ثم جرى التفكير الثاني في حذف بعض الأصفار من العملة في وقت الرئيس السابق "محمود أحمدي نجاد" عندما أعلن عام 2010 عن نية 3 أصفار من العملة، ولكنها خطوة لم تصل إلى حد التنفيذ (1).

وفي ديسمبر 2016 وافقت حكومة الرئيس "روحاني" على حذف صفر من العملة الوطنية، لكن هذا القرار لم ينفذ، بسبب عدم موافقة البرلمان الذي رأى أنها خطوة ضعيفة ولن تؤثر في الوضع الاقتصادي للدولة. ولكن يبدو هذه المرة أن البرلمان سوف يوافق على قرار الحكومة بحذف أربعة أصفار من العملة لمحاولة التخفيف من عبء التضخم وتسهيل المعاملات في الأسواق (2).

لماذا تلجأ إيران إلى تغيير العملة في الوقت الراهن؟

تعتمد بعض الدول على الحيل الاقتصادية في مواجهة انخفاض القيمة الشرائية لعملتها وذلك إما من خلال حذف بعض الأصفار من قيمة عملتها أو تغيير العملة بصورة كاملة، وهذا ما فعلته إيران في هذه المرة. ويمكن القول أن طهران لجأت إلى هذه الخطوة لتلافي العديد من المشكلات التي أصبحت سائدة في السوق اليوم، والتي تتمثل في:

أولًا: استمرار انهيار قيمة العملة أمام الدولار الأمريكي؛ فمنذ انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي في مايو 2018، وفرض عقوبات اقتصادية على قطاعات النفط والبنوك والنقل الإيرانية، أصبحت العملة الإيرانية تترنح أمام الدولار الأمريكي، حيث فقد الريال الإيراني في نهايات عام 2018 أكثر من 60% من قيمته، ووصل الدولار الأمريكي في سبتمبر 2018 في السوق الحرة ما يقارب 190 ألف ريال، ثم انخفض إلى أن أصبح في الوقت الحالي ما يقارب 140 ألف ريال (14 ألف تومان تقريبًا).

ثانيًا: تسعى إيران من وراء تلك الخطوة إلى تسهيل عملية المدفوعات وتخفيض تكلفة الطباعة، فيكفي أن نتخيل أن مواطن ما يحمل آلاف القطع النقدية من الريالات لأجل شراء بعض الخضروات من المتجر، حيث يصل سعر كيلو اللحم الواحد على سبيل المثال 100 ألف ريال (مليون ريال)، وهو رقم ضخم للغاية. هذا فضلًا عن أن طهران تتكلف الكثير في سبيل طباعة العملات، فبحسب التصريحات الرسمية لمحافظ البنك المركزي "عبدالناصر همتي" تصل تكلفة طباعة العملة الورقية فئة 500 تومان إلى 400 تومان (أي أن تكلفة طباعة العملة الواحدة تصل تقريبًا إلى 80% من قيمتها) (3).

ثالثًا: لعل أهم الدوافع وراء تلك الخطوة هو محاولة السيطرة على شبح التضخم المرتفع، فمع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وفرض العقوبات أصبحت إيران غير قادرة على تصدير النفط كما في السابق، مما أدى إلى ضغوط كبيرة على الاقتصاد الإيراني أدت إلى انخفاض قيمة العملة وبالتالي زيادة السيولة في الأسواق وارتفاع التضخم؛ فبحسب البيانات الصادرة من البنك المركزي الإيراني فإن المعروض النقدي في الأسواق يزيد بنسبة 20 – 30% سنويًا، فقد بلغ المعروض النقدي في أكتوبر 2018 ما يقارب 17 كوادريليون ريال (مليون مليار) وهذا رقم ضخم للغاية. كما نلاحظ أن التضخم ارتفع من 10% تقريبًا عام 2017 إلى 18% بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في منتصف 2018، وعلى الرغم من أن البنك المركزي الإيراني توقف عن إعلان معدلات التضخم، إلا أنه يُقدر في الوقت الحالي بما يقارب 50% (4).

رابعًا: السيطرة على عمليات تزوير العملة والسوق السوداء، فغالبًا تلجأ الدول التي تعاني من مشكلات تزوير العملة بصورة مرتفعة ووجود أكثر من سعر صرف للعملة في السوق السوداء، إلى تغيير عملتها، لأن تفاهم المشكلة يحتاج دائمًا إلى حلول جذرية، وهذا ما لجأت إليه إيران، بعد أن اخفقت في محاولة السيطرة على تزوير العملة ووجود أكثر من سعر صرف، فعلى الرغم من أن السعر الرسمي للدولار مقابل الريال يصل إلى (42 ألف ريال للدولار)، إلا أنه في السوق السوداء يصل إلى (140 ألف ريال للدولار). هذا فضلًا أن تغيير العملة من شأنه أن يؤدي إلى التخفيف من ظاهرة اكتناز الأموال بعيدًا عن المصارف الدولة (5).

خامسًا: لا شك أن تغيير العملة يترك أثرًا نفسيًا جيدًا لدى عامة الشعب، فبعد أن كان المواطن يضطر إلى حمل آلاف العملات النقدية في الذهاب إلى السوق، سوف يضطر إلى حمل مبلغ أقل بكثير، فحذف الأربعة أصفار سوف يجعل سعر كيلو اللحم السابق ذكره من (100 ألف تومان) إلى (10 تومان)، وسوف يصبح سعر الصرف الحر في السوق (1.4 تومان مقابل الدولار) بعد ان كان (14 ألف تومان). هذا فضلًا عن أن تغيير العملة من الريال إلى التومان سوف يؤدي إلى توحيد الحسابات الرسمية التي كانت تجري بالريال في السابق مع نشاط المستهلكين والمنتجين في السوق الذي كان يتم بالتومان.

مستقبل العملة الجديدة والوضع الاقتصادي للبلاد

من الصحيح أن الحكومة الإيرانية بقيادة الرئيس حسن روحاني قد وافقت على تغيير العملة إلى التومان، إلا أن هذا القرار ما زال يحتاج إلى موافقة البرلمان ومجلس صيانة الدستور. وبالتالي ما زال هناك الكثير من الوقت أمام البدء الفعلي في تطبيق هذه الخطوة، لاسيما مع إعلان محافظ البنك المركزي الإيراني أن تنفيذ هذه الخطوة يحتاج إلى مزيد من الاجتماعات والمشاورات ووضع خطة لسحب العملة القديمة وطباعة العملة الجديدة، مما يعني أن بدء طرح العملة الجديدة (التومان) يحتاج إلى عامين على الأقل.

ويمكن القول أن طرح عملة جديدة في أي سوق يعاني من تدهور العملة وانخفاض قيمتها، من الصحيح أنه يؤثر على المعنويات النفسية للمواطنين بصورة جيدة، إلا أن هذا التأثير يكون "محدودًا ووقتيًا" أي أنه تأثير قصير الأجل، يزول مع الوقت واكتشاف المواطن أن قيمة العملة الشرائية ما زالت كما هي.

ويكمن الفيصل الرئيسي في نجاح عملية تغيير العملة أو حذف أصفار من قيمتها في مدى تحقيق تغيير حقيقي في الهيكلي الاقتصادي للدولة، فإذا لم تكن هناك خطة اقتصادية واضحة متزامنة مع تغيير العملة فسوف يتدهور الوضع الاقتصادي بصورة أكبر، ومثال على ذلك ما حدث في الحالة التركية، فقد قامت تركيا عام 2005 بحذف ستة أصفار من عملتها (فبعد أن كانت الـمليون ليرة تركية تعادل دولارًا أمريكي واحدًا أصبحت الليرة التركية الواحدة تعادل دولارًا واحدًا أيضًا) ومن الصحيح أن هذه الخطوة حققت نجاحًا نسبيًا، حيث انخفضت قيمة العملة مرة أخرى عام 2018 وحتى الآن، لاسيما مع عدم وجود إصلاح حقيقي ومؤسسي (لاسيما أزمة إقالة محافظ البنك المركزي وتدخل الرئيس أردوغان في السياسة النقدية للبنك) (6).

نرى هذا أيضًا في فنزويلا، حيث قامت بحذف خمسة أصفار من عملتها الوطنية (البوليفار) في يوليو 2018، كمحاولة لتخفيف أزمة انهيار الاقتصاد مع انخفاض أسعار النفط منذ 2014، حيث يمثل الانتاج النفطي 96% من الدخل القومي للدولة، ورغم أن الرئيس الاشتراكي "نيكولاس مادورو" صرح أن هذه الخطوة ستصلح حال الاقتصاد المتعثر، إلا أننا نرى الآن أن الأحوال أصبحت أكثر سوءًا، حيث يصل التضخم في الدولة إلى ما يقارب مليون بالمئة، فعلى سبيل المثال يصل سعر حزمة البقدونس في فنزويلا ما يقارب مليون بوليفار (7).

وبالتالي ففي الحالة الإيرانية من المتوقع أن هذه الخطوة لن تكون إلا "تجميلية" فقط، لاسيما وأنه حتى الآن لم يتم الإعلان عن خطة اقتصادية واضحة في سياق طرح تغيير العملة، الأمر الذي يدعو إلى التوقع بأن الاقتصاد الإيراني سوف يظل يتعثر في الخطى لفترة طويلة قادمة، وذلك بفعل ثلاثة أسباب واضحة.

أولًا: استمرار العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران، مما يعني تضييق الخناق بصورة كبيرة على كل محاولات إيران للتوسع الاقتصادي، هذا فضلًا عن أن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لا يسعى فقط لمحاولة "تقليم المخالب" بل "نزع المخالب" الإيرانية، لهذا من المتوقع أن له يتوقف عن فرض مزيد من العقوبات على طهران، فإما أن ترضخ طهران للقرار الأمريكي أو يتم إسقاطها بالكامل، وربما تكون لدى إيران فرصة في الخلاص من  الرئيس "ترامب" مع الانتخابات الرئيسية الأمريكية القادمة في 2020، لكن يبدو أنها فرصة ضئيلة لأنه حتى الآن لم يظهر منافس قوي من الحزب الديمقراطي، وبالتالي يبدو أن "ترامب" سوف يبقى لأربعة سنوات أخرى.

ثانيًا: هو عدم استقلال البنك المركزي الإيراني، بحيث يستطيع القيام بعمله في تحقيق الاستقرار الاقتصادي للدولة، وإيجاد إصلاحات اقتصادية للقطاع المصرفي المتعثر، فمع توالي الأزمات السياسية على إيران، أصبح البنك المركزي يرضخ للتدخلات السياسية من قبل الحكومة، دون محاولة السير بخطوات "ثابتة ومستقلة" نحو تحقيق الاستقرار الاقتصادي للدولة باستهداف مؤشرات التضخم وأسعار الفائدة وسعر الصرف... إلخ.

ثالثًا: هو السعي الدائم من قبل القيادة الإيرانية لخلق مزيد من الأزمات في المنطقة والعالم، حيث تتصرف إيران من منطلق "الخاسر الوحيد" أو الخاسر الذي لم يعد لديه شئ آخر يخسره، فهي لا تتواني عن تصدير الأزمات للمنطقة والعالم، فمن العمليات التخريبية في الخليج العربي إلى احتجاز ناقلات النفط إلى الإعلان عن رفع سقف تخصيب اليورانيوم، كل هذه الأزمات تصنع مزيد من الحصار الاقتصادي عليها، هذا فضلًا عن أن هذا يفقدها شركائها التجاريين.

وبالتالي، في النهاية، وفي ضوء المؤشرات السابقة، يمكن القول أن الاقتصاد الإيراني سوف لن يخرج من عنق الزجاجة في المدى القريب، ويؤكد ذلك ما جاء في تقرير صندوق النقد الدولي الأخير الصادر في أبريل الماضي (8) "آفاق الاقتصاد العالمي" بأن الاقتصاد الإيراني ونتيجة للعقوبات الأمريكية أصبح ينكمش (ينمو بمعدل سلبي) وصل إلى 3.6% في نهايات عام 2018، ثم 4.5% في بدايات عام 2019، ويتوقع الصندوق أن يظل ينمو الاقتصاد الإيراني بمعدل سلبي يصل إلى 6% بنهايات عام 2019.

الهوامش

1.       الحكومة الإيرانية توافق على تحويل العملة من الريال إلى التومان وإزالة أربعة أصفار، 31 يوليو 2019، موقع إيران اينترنشنال، متاح على:

https://iranintl.com/ar/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%88%D8%A7%D9%81%D9%82-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D9%84-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%A5%D8%B2%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A3%D8%B1%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D8%A3%D8%B5%D9%81%D8%A7%D8%B1

2.       التومان بدلاً من الريال، 7 ديسمبر 2018، موقع الحياة، متاح على:             

http://www.alhayat.com/article/794036/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D8%AF%D9%84%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D9%84

3.       رمضان الساعدي، المركزي الإيراني: تكلفة طباعة العملة أعلى من قيمتها، 24 يناير 2019، متاح على:

https://www.alarabiya.net/ar/iran/2019/01/23/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D9%83%D8%B2%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%B7%D8%A8%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D9%88%D8%B1%D9%82%D8%A9-500-%D8%AA%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%AA%D9%83%D9%84%D9%81-400-%D8%AA%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%86

4.             MAZIAR MOTAMEDI, Can a New Currency End Tehran’s Economic Woes?, 29 january 2019, Foreign Policy, available at:

https://foreignpolicy.com/2019/01/29/can-a-new-currency-end-tehrans-economic-woes-iran-rial-toman-redenomination-exchange-rates/

5.       انهيار جديد للعملة الإيرانية، 5 مايو 2019، إرم نيوز، متاح على:

https://www.eremnews.com/economy/markets/1799698

6.             Turkey knocks six zeros off lira, 4 july 2004, BBC, available at:

http://news.bbc.co.uk/2/hi/business/4137469.stm

7.       ماذا يعنى إلغاء فنزويلا 5 أصفار من عملتها؟، 22 أغسطس 2018، موقع اليوم السابع، متاح على:

https://www.youm7.com/story/2018/8/22/%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%8A%D8%B9%D9%86%D9%89-%D8%A5%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%A1-%D9%81%D9%86%D8%B2%D9%88%D9%8A%D9%84%D8%A7-5-%D8%A3%D8%B5%D9%81%D8%A7%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%B9%D9%85%D9%84%D8%AA%D9%87%D8%A7/3920491

تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، 1 أبريل 2019، صندوق النقد الدولي، متاح على:https://www.imf.org/~/media/Files/Publications/WEO/2019/April/Arabic/texta.ashx?la=ar