المركز العربي للبحوث والدراسات : المأزق البريطاني المستمر .. قمة مجموعة السبعة وترجيح بريكست دون اتفاق (طباعة)
المأزق البريطاني المستمر .. قمة مجموعة السبعة وترجيح بريكست دون اتفاق
آخر تحديث: الخميس 29/08/2019 05:40 م
ريم عبد المجيد ريم عبد المجيد
المأزق البريطاني

تعقد اجتماع مجموعة السبعة وسط خلافات حادة حول مجموعة من القضايا العالمية التي تنذر بحدوث انقسامات دولية نظرًا لعدم وجود أرضية مشتركة بين الدول، منها قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق التي احتلت قمة جدول أعمال مجموعة السبعة. فبعد ثلاث سنوات على إثارة قضية البريكست، لم تتغير الخيارات المتاحة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتي تتمثل في الخروج باتفاق، أو الخروج بدون اتفاق، أو طلب التمديد أو إلغاء المادة 50 من جانب واحد للبقاء كعضو في الاتحاد الأوروبي. لكن الذي تغير هو رئيس الوزراء الذي حصر هذه الخيارات في اثنين فقط هما الخروج باتفاق أو بدون اتفاق مع ترجيحه للأخير، حيث أكد على ذلك في عدة تصريحات له أنه إذا تعذر الخروج مع إعادة التفاوض على الاتفاق في 31 أكتوبر-تاريخ مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي- فإن بريطانيا ستخرج دون اتفاق. وبسبب موقفه أضحت قضية البريكست موضع ترقب حول مدى تمكن قمة مجموعة السبعة من إحداث تطور إيجابي أو سلبي فيها.

سياق انعقاد قمة مجموعة السبعة

بادئ ذي بدء، يجدر الإشارة إلى أن اجتماعات مجموعة السبعة بدأت لمناقشة السياسات الاقتصادية للدول الصناعية السبعة (فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة وكندا) ولكن بسب توتر العلاقات بين الشرق والغرب تم إضفاء صبغة أكثر سياسية على تلك الاجتماعات، فتم إيلاء اهتمام بقضايا السلام والأمن، والإرهاب بجانب القضايا الاقتصادية.

وتقعد اجتماعات القمة في الفترة من السبت 24 أغسطس حتى الاثنين 26 أغسطس، في سياق من التوتر القائم بين الدول والخلاف حول عدة ملفات كبرى أبرزها البريكست، والحرب التجارية الحالية والملف النووي الإيراني وحرائق غابات الأمازون واللاتي سيتم مناقشتهم خلال فاعليات القمة. ومن المتوقع أن تكون القمة مشحونة بسبب اختلاف آراء الزعماء وتمسك كلٌ منهم بموقفه مما يجعل أمام الدول الأخرى تحدي كبير وهو انتزاع تنازلات من كل طرف منهم وبخاصة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني الذي يهدد أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، من خلال محاولة التوصل إلى تخفيف العقوبات الأمريكية التي تستهدف النفط الإيراني مقابل التزام إيران بالاتفاق، بالإضافة إلى الحرب التجارية مع الصين التي قد تتسبب في ركود الاقتصاد العالمي وذلك في ظل احتمالية رفض الرئيس الأمريكي، الموافقة على ذلك أو توقيع نتائج القمة كما فعل في القمة السابقة.

يُضاف لذلك تحدي آخر متعلق بكيفية مواجهة مشكلة حرائق غابات الأمازون في ظل اتهام الرئيس البرازيلي، جايير بولسونارو، ماكرون بالعمل بعقلية استعمارية مما يصعب من عملية التوصل لحل توافقي ينفي عن الدول السبع اتهامات استغلالهم لتلك المشكلة للتدخل في البرازيل. وكذلك محاولة إقناع  رئيس الوزراء البريطاني الجديد، بوريس جونسون، بتقديم تنازلات حول شروط اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي وكذلك تقديم حلول فيما يتعلق بإيرلندا المثار حولها خلاف بين جونسون من جانب ودول الاتحاد الأوروبي من جانب آخر.

الوضع الراهن للبريكست

كان من المقرر أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في مارس 2019 وذلك بعد عامين من بدء رئيسة الوزراء، تريزا ماي العملية الرسمية للخروج وبدأت المفاوضات التي انتهت باتفاق في نوفمبر 2018، والذي تألف من اتفاقية انسحاب ملزمة تناولت عدة أمور من بينها حقوق مواطني الاتحاد الأوروبي في بريطانيا ومواطني الأخيرة في الاتحاد الأوروبي، ومسألة الحدود الايرلندية، كما تضمن إعلان سياسي غير ملزم بشأن طبيعة العلاقات المستقبلية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. ولكن لم يتم خروج بريطانيا بسبب رفض نواب البرلمان هذا الاتفاق ثلاث مرات بشكل أساسي بسبب الحدود الأيرلندية حيث حرصت بريطانيا على عدم تواجد نقاط حدود أو حواجز مادية أو عمليات تفتيش على الأشخاص أو البضائع التي تعبر الحدود بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا لضمان استمراره بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي كي تظل داخل الاتحاد الجمركي للاتحاد. واستمر الوضع كما هو عليه حتى بعد قدوم بوريس جونسون كرئيس لوزراء بريطانيا الذي ظل متمسكًا بشرط إزالة قضية أيرلندا من الاتفاق، وبسبب رفض قادة الاتحاد الأوروبي شرطه، أعلن عن موعدًا محددًا لخروج بريطانيًا باتفاق أو بدون اتفاق.

السيناريو الأول- نجاح قمة مجموعة السبعة في إعادة التفاوض للوصول إلى "بريكست باتفاق"

قال بوريس جونسون إنه يفضل الخروج من الاتحاد الأوروبي باتفاق –على الرغم أنه يريد إعادة التفاوض على عناصر الاتفاق خاصة إلغاء دعم إيرلندا الشمالية، ولتحقيق ذلك يتعين عليه إقناع الاتحاد الأوروبي بإعادة فتح المفاوضات حول اتفاق الخروج والحصول على اتفاق جديد توافق عليه أغلبية مؤهلة من المجلس الأوروبي وأغلبية بسيط في البرلمان الأوروبي. وسيتعين عليه الحصول على موافقة البرلمان البريطاني بموجب المادة 13 من قانون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي لعام 2018 والذي يتم على ثلاثة مراحل تتمثل في تمرير اقتراح بالموافقة على الاتفاق من حيث المبدأ وإقرار مشروع قانون اتفاق الانسحاب وأخيرًا تصديق البرلمان على الاتفاق كمعاهد بموجب قانون الإصلاح الدستوري لعام 2010.

يدعم احتمالية تحقق هذا السيناريو عدة أمور منها أن الاتحاد الأوروبي لا يريد سيناريو عدم وجود اتفاق، وقد أبدى استعداده البحث عن حلول جديدة لمشكلة الحدود الإيرلندية التي تمثل خلافًا أساسيًا، (1) بجانب إعلان جونسون استعداده للتفاوض حول اتفاق للانسحاب وتعهده قبل القمة بالنظر في الالتزامات التي قد تساعد على طمأنة الاتحاد الأوروبي بأنه مهتم بإيجاد حل، (2) وأن غالبية النواب في البرلمان البريطاني يعارضون الخروج دون اتفاق وأعلنوا استعدادهم محاولة منع حدوث ذلك مثلما قاموا بتعديل قانون أيرلندا الشمالية لعام 2019 لمحاولة منع جونسون من ممارسة حقه في الوصول للبرلمان.

ولكن هذا السيناريو يعيقه عدة أمور أولها أصرار قادة الاتحاد الأوروبي على عدم وجود مجال لمزيد من المفاوضات حول اتفاقية الانسحاب، فقد  رفض زعيما ألمانيا وفرنسا التفاوض حول الاتفاق مع جونسون خاصة فيما يتعلق بأيرلندا حيث أصر جونسون على إلغاء ما يسمى بالدعم، وهو نوع من بوليصة التأمين ضد إنشاء بنية تحتية جمركية رسمية على الحدود الأيرلندية، والتي أصبحت في ظل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الحدود البرية الوحيدة للمملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي. (3)

كما يوجد عدة معوقات داخلية تحول دون تحقق هذا السيناريو أولها فشل حكومة تريزا في تمرير اقتراح بالموافقة على الاتفاق عدة مرات مما دفع رئيس مجلس العموم إلى الحكم بعدم إمكانية عرض نفس الاتفاق مرة أخرى على البرلمان في نفس الدورة البرلمانية. فحتى إن تمكن جونسون من تجاوز هذا العائق بتعديل قانون الانسحاب لإزالة شرط المرحلة الأولى ولكن تمرير هذا التعديل لن يكون سهلًا، كما سيظل بحاجة إلى الحصول على تصويت الأغلبية لإقرار مشروع قانون اتفاق الانسحاب. وإقرار هذا المشروع يعيقه عدة أمور أولها أن النواب المعارضة قد تستغله لممارسة ضغوط ليس فقط على اتفاقية الانسحاب بل وعلى المرحلة التالية من البريكست مثلما حدث مع ماي، وثانيها صعوبة التصديق على اتفاق جديد بحلول 31 أكتوبر حيث سيتعين على جونسون التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي قبل حلول سبتمبر وهو ما سيترك أمام النواب في مجلس العموم وقتًا محدودًا لتمرير مشروع القانون وإن تمكن جونسون من تقليص المدة وتحديد موعد لتمريره فإنه ليس لديه مثل هذه الصلاحية على الجدول الزمني المحدد لتمرير مشروع قانون في مجلس اللوردات ولتجاوز ذلك على جونسون أن يطلب مزيدًا من الوقت من الاتحاد الأوروبي لإتمام عملية التصديق. وهو معوق آخر أمام هذا السيناريو نظرًا لأن جونسون استبعد مرارًا تمديد آخر للمادة 50.

السيناريو الثاني- فشل مباحثات قمة مجموعة السبعة وتحقق "بريكست دون اتفاق"

أكد جونسون على استعداد للخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق إذا لم يتمكن من التفاوض على اتفاق يمرر في مجلس العموم بحلول 31 أكتوبر. ومن المرجح استمرار تمكسه بهذا السيناريو لعدة أسباب منها العلاقة الجيدة مع الرئيس ترامب الذي شجع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، (4) وأكد على ذلك في اجتماع ثنائي جمعه بجونسون بقوله إن عضوية بريطانيا في الاتحاد كانت عقبة أمام الجهود المبذولة لإقامة علاقات تجارية أوثق. كما قام ترامب في عدة مرات بإظهار استعداد واشنطن للتضامن مع جونسون بما يعوض خسائر الخروج من خلال اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة،  وهو ما أكد عليه في فاعليات القمة حيث وعد الرئيس ترامب جونسون بصفقة تجارية كبيرة لبريطانيا بعد الخروج من الاتحاد ومن جانبه اعتبر جونسون أن تلك الصفقة ستوفر فرص هائل للشركات البريطانية في السوق الأمريكية،(5) مما يشجع جونسون على الخروج دون اتفاق. ومن الأسباب أيضًا تمسكه بموقفه حول إيرلندا وعدم إبداءه أي استعداد للتراجع عنه وهو ما يرفضه قادة الاتحاد الأوروبي.

يرجح هذا السيناريو أيضًا عدم قيام الاتحاد الأوروبي بتنازلات لجونسون في قمة مجموعة السبعة الاتحاد الأوروبي حتى يصبح الوضع في البرلمان واضحًا خاصة أن الاتحاد يضع أمالًا كبيرة عليه بأن يخلع جونسون وحكومته مع طلب خلفه تمديدًا آخر لعضوية بريطانيا ثم موافقة بريطانيا على شروط اتفاقية الانسحاب التي تفاوضت عليها تريزا ماي وهذا غير قابل للتحقق في الوقت الراهن. (6) ويؤكد عدم قيام الاتحاد بالتنازل عدم ثقته في جونسون خاصة أنه لم يقدم حلولًا بديلة لدعم آيرلندا ووعد فقط بالنظر في حل ممكن في حالة عدم وجود ترتيبات بديلة بحلول نهاية الفترة الانتقالية وهو ما يوحي أنه لا يأخذ مخاوف الاتحاد الأوروبي على محمل الجد وتأكد ذلك في خطاب جونسون عندما قال "الاتحاد الأوروبي يقدم لبريطانيا خيار البقاء في اتحاد جمركي أو انفصال آيرلندا الشمالية عن بريطانيا.. تحاول بريطانيا صياغة حلول وسط، حان الوقت للاتحاد الأوروبي لاتخاذ خطوة نحو التخلي عن طلبهم (المفرط)".

وفي ذات السياق إدراك جونسون أنه على الرغم من محدودية المؤيدين نسبيًا للخروج دون اتفاق إلا أن المعارضة البرلمانية عاجزة عن فعل أي شئ مغاير لقراره وذلك بسبب عدم احتمالية نجاح الأساليب المتاحة أمام النواب المعارضين للخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق لعدة أسباب منها: توفر فرص محدودة للغاية أمام النواب المعارضين لهذا السيناريو لإصدار أي تشريع يمنع الخروج دون اتفاق. فإذا رغب النواب في تكرار نفس العملية التي أدت إلى قانون كوبر في مارس الذي أجبر الحكومة على طلب تمديد، بسبب سيطرة الحكومة على مجلس العموم لن يتمكنوا من إجراء هذه العملية، كما لن يؤدي إلغاء العطلة بمفرده إلى خلق فرص جديدة تدعم هذا الخيار. كما أنه لا يوجد متسع من الوقت لإجراء انتخابات عامة قبل 31 أكتوبر؛ فإذا كان جونسون - بهدف الحصول على موافقة شعبية بالخروج بدون اتفاق- أو دفع المعارضة لإجراء انتخابات عامة، فلن يتمكن من ذلك إلا بعد عودة البرلمان من العطلة في 3 سبتمبر ومن ثم سيكون هناك أقل من شهرين حتى 31 أكتوبر، ومن ثم فإنه لن يخاطر باتخاذ هذه الخطوة لأن الانتخابات ستتجاوز الموعد النهائي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

يضاف لما سبق أن التصويت بسحب الثقة من جونسون لن يوقف خروج بدون اتفاق؛ فإن أراد النواب القيام بهذه الخطوة فإن العملية المنظمة لطلبات حجب الثقة بموجب قانو البرلمانات محددة المدة لعام 2011 لم يتم إختبارها من قبل، وإن تمكنوا من تجاوز ذلك فسيتم منحهم 14 يومًا فقط لتشكيل حكومة وحدة وطنية وإن لم يتمكنوا من ذلك فستكون هناك انتخابات عامة وهو ليس بخيار جيد. هذا فضلًا عن عدم وجود فرصة لإجراء استفتاء ثان إلا بدعم حكومي؛ فإذا أراد بعض النواب إجراء استفتاء آخر باعتباره أفضل وسيلة للكسر الجمود البرلماني على عكس الانتخابات العامة، لن يتمكنوا من ذلك لأنه سيتطلب تشريعًا وإنفاقًا حكوميًا لإجراءه وكلاهما سيحتاجان إلى دعم حكومي والتي حتى إن وافقت لن يكون هناك وقت كاف لإجراء الاستفتاء قبل 31 أكتوبر وهو ما يتطلب أيضًا طلب تمديد المادة 50.

ختامًا، يمكن القول إن سيناريو فشل مباحثات قمة مجموعة العشرين في تحقيق تقدم في قضية البريكست هو السيناريو الأرجح في ظل الإغراءات التي يقدمها الرئيس الأمريكي لرئيس الوزراء، بالإضافة إلى تمسك كلا الطرفين بموقفه وعدم إبداءه أي استعداد لتقديم تنازلات من قبلهم للوصول إلى حل وسط يحقق مصلحتهم جميعًا.

المراجع

(1) Romina Mcguinness, "EU panic: Brussels ‘in distress’ due to Johnson’s tactics - ‘Brexit is finally happening", Express, 24\8\2019, at:

 https://www.express.co.uk/news/politics/1169439/brexit-news-EU-boris-johnson-france-Florian-Philippot

 (2) Serina Sandhu, " What is a no-deal Brexit? The consequences of the UK leaving the EU without an agreement", I News, 20\8\2019, at:

 https://inews.co.uk/news/brexit/no-deal-brexit-what-meaning-uk-leave-uk-consequences/

(3) Christina Boyle, Laura King, " At G-7, Britain’s Boris Johnson steps onto the world stage, in the shadow of Brexit and Trump", Times, 23\8\2019, at:

 https://www.latimes.com/world-nation/story/2019-08-23/at-g-7-britains-boris-johnson-steps-onto-the-world-stage-in-the-shadow-of-brexit-and-trump

(4) Christina Boyle, Laura King, Ibid

(5) Richard Lough, " At G7 summit, Trump offers Brexit Britain a 'very big' trade deal", Euro News, 25\8\2019, at:

https://www.euronews.com/2019/08/25/at-g7-summit-trump-offers-brexit-britain-a-very-big-trade-deal.

(6) PIETER CLEPPE, "If Boris can survive September, the EU may rethink its stubborn stance",  The telegraph, 20\8\2019, at:

 https://www.telegraph.co.uk/news/2019/08/20/boris-can-survive-september-eu-will-forced-rethink-stubborn/