وإزاء
هذا الوضع المتدهور، أعلنت وكالتا التصنيف الائتماني "فيتش" و"
ستاندارد آند بورز" يوم الجمعة 16 أغسطس تخفيض الدين السيادي للأرجنتين، حيث
خفضت الأولى التصنيف الائتماني للأرجنتين من (B) إلى
(CCC)، أما الثانية فقد خفضت التصنيف من (B) إلى
(-B)، وترجع هذه الخطوة من قبل الوكالتين جراء
تراجع شروط التمويل بحدة والتدهور الحادث في بيئة الاقتصاد الكلي الذي يزيد من
احتمال التخلف في تسديد الدين السيادي أو إعادة هيكلة هذا الدين بشكل أو بآخر (4).
وقد
أعلنت وكالة فيتش أنها تتوقع أن ينكمش الاقتصاد الأرجنتيني بنسبة 2.5% في 2019،
بعد أن كانت تتوقع أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 1.7% فقط، كما أعلنت توقعها لارتفاع
الدين الحكومي لما يقارب 95% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019.
ووفقًا
لتقديرات مؤسسة "آي إتش إس ماركت" للأبحاث، فإن احتمالية التعثر عن سداد
الديون السيادية لأجل خمس سنوات تصل إلى 82.5%، بينما احتمالية التخلف عن سداد
الديون السيادية لجل عام واحد تصل إلى 55%
وكمحاولة
لامتصاص غضب الشعب وتهدئة المشهد الاقتصادي، قام وزير الخزانة "نيكولاس
دوخوفنى" بالاستقالة من منصبه يوم السبت 17 أغسطس، ويبدو أنه تعرض لضغوط من
قبل الرئيس "ماكري" لمحاولة السيطرة على الأزمة حتى لا تنفلت الأوضاع في
البلاد لتصل إلى احتجاجات قوية، لاسيما وأن المواطنين هرعوا إلى البنوك لسحب
أموالهم، لعدم ثقتهم في الاقتصاد (6).
محاولة للسيطرة على الأزمة
في
محاولة للسيطرة على الأزمة الخانقة للاقتصاد قام الرئيس "ماكري"
بالإعلان عن حزمة مالية بتكلفة 740 مليون دولار لدعم الاقتصاد، وتشمل تلك الحزمة
إلغاء القيمة المضافة على الأغذية الأساسية، والإعفاءات الضريبية، وزيادة الإعانات
للفقراء، ومزيد من القروض للطلاب والشركات الصغيرة، كذلك تجميد أسعار البنزين لمدة
ثلاثة أشهر (7).
كما أعلن
وزير الخزانة الجديد "هيرنان لاكونزا" أن بلاده لن تسمح بهبوط فوضوي
للبيزو، حيث قام البنك المركزي حتى الآن ببيع ما يقارب من 709 مليون دولار من
الاحتياطيات الدولارية لديه في السوق، لمحاولة السيطرة على انهيار العملة، الأمر
الذي أدى إلى تعافي العملة بالفعل، حيث بلغت قيمة البيزو أمام الدولار ما يقارب 55
بيزو للدولار في تعاملات الأربعاء 21 أغسطس بعد أن وصلت إلى 60 بيزو للدولار في
تعاملات الخميس 15 أغسطس.
ولكن على
الرغم من هذا التعافي القليل، إلا أن المشهد ما زال ضبابيًا، لاسيما أن الحزمة
المالية المقدمة من قبل الحكومة ضئيلة للغاية، هذا فضلًا عن انخفاض الثقة لدى
المستثمرين الأجانب والمحليين في الاقتصاد الأرجنتيني، مما دفع الكثير منهم للخروج
من السوق إلى أن تتضح الأمور.
الانتخابات ومصير البرنامج
الاقتصادي
من
الصحيح أن الانتخابات التي جرت في الحادي عشر من أغسطس ليس إلا انتخابات تمهيدية،
إلا أنها تعطي صورة تقريبية لمصير الانتخابات الرئاسية المزمع إجرائها في السابع
والعشرين من أكتوبر القادم. وبحسب الدستور الأرجنتيني فإن المرشح يحتاج للفوز
بالرئاسة الحصول على 45% من الأصوات، أو 40% مع فارق يصل إلى 10% مقارنة مع
المنافس الآخر، وإذا لم يحدث ذلك يتم الذهاب إلى جولة ثانية من الانتخابات.
وبما أن
مرشح يسار الوسط "فرنانديز" قد حصل على 47% من الأصوات، فضلًا عن وجود
فارق 15%، فإن هذا يعد مؤشرًا واضحًا على الاحتمال الكبير لفوز مرشح يسار الوسط
على الرئيس الليبرالي "ماكري"، وفي حالة فشل المعارضة في الفوز في
الجولة الأولى فمن المقرر إجراء جولة ثانية في الرابع والعشرين من نوفمبر القادم.
وتثير
تلك الأزمة القاتمة التساؤلات حول مصير البرنامج الاقتصادي الذي يتم تطبيقه
بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، فإذا لم يستطع الرئيس الحالي التوصل إلى حل
لتعديل البرنامج لتخفيف سخط الشارع، فإن الفوز المؤكد سيكون للمرشح المعارض
"ألبرتو فرنانديز" الذي هدد بإعادة هيكلة الديون الخاصة بالدولة
والتباحث مع الصندوق حول الشروط الخاصة بالبرنامج وإمكانية تمديد آجال تسديد
الديون (توسيع آجال الاستحقاق). ويبدو أن صندوق النقد ذاته حريص على استمرار
البرنامج وعدم وصول مرشح يسار الوسط للحكم؛ إذ أعلن المتحدث الرسمي باسم الصندوق
"جيري رايس" أن الصندوق بصدد إرسال وفد رسمي إلى العاصمة بوينس آيرس
للتباحث مع الحكومة حول الخطط التي يمكن تقديمها لمعالجة الوضع الصعب في البلاد
(8).
وحتى
الآن قام صندوق النقد الدولي بصرف 44 مليار دولار من قيمة القرض، ومن المتوقع أن
يصرف الصندوق الشريحة القادمة في سبتمبر المقبل بقيمة 5.4 مليار دولار، وبالتالي
فإن مصير الشريحة القادمة مرهون بنتائج الانتخابات الرئاسية، علمًا بأن هذا الرقم
الأخير لا يمكنه أن يحل مشكلات الاقتصاد الأرجنتيني، لاسيما أزمة الديون، حيث
تحتاج الأرجنتين 30 مليار دولار على الأقل العام المقبل لسداد ديونها (9).
وأخيرًا،
ووفقًا للمعطيات السابقة فإن هناك توقع بأن الأرجنتين سوف تكون غير قادرة على سداد
نصف ديونها على الأقل بحلول العام القادم، لاسيما في ظل تراجع الاستثمارات
والمصداقية في السوق، الأمر الذي سيؤدي بالقطع إلى انكماش الاقتصاد خلال السنة
المقبلة على الأقل، هذا في ظل ارتفاع احتمالية وصول مرشح يسار الوسط "ألبرتو
فرنانديز".