المركز العربي للبحوث والدراسات : فعالية العقوبات .. هل أصبحت نهاية النظام الإيراني قريبة بالفعل؟ (طباعة)
فعالية العقوبات .. هل أصبحت نهاية النظام الإيراني قريبة بالفعل؟
آخر تحديث: السبت 31/08/2019 06:48 م
هاني سليمان هاني سليمان
فعالية العقوبات ..

جاء مقال الكاتب الأمريكي مايكل روبن -وهو باحث مقيم في معهد أمريكان إنتربرايز- في الناشيونال انترست ليعبر عن وجهة نظر مدرسة الإدارة الأمريكية الجديدة وداعماً لها وبخاصة استراتيجية مايك بومبيوو وزير الخارجية الأمريكي، وجون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي، واللذان يقودا استراتيجيتيّ فرض العقوبات والعزلة السياسية على النظام الإيراني.

وقد فنَّد روبن العديد من الحجج التي تؤكد فعالية استراتيجية العقوبات الاقتصادية، وأنها قادرة على إخضاع النظام والقضاء عليه، وبرغم ما جاء في حديث روبن من بعض القناعات والشواهد القوية على تراجع قدرات النظام، إلا أن الحديث عن نهاية النظام الإيراني والقضاء عليه هو أمر ليس بالهين، ولا يمكن التسليم بكل ما جاء في تحليل روبن من استنتاجات مضمونة العواقب، حيث أن الأمر بات معقد وكل طرف يمتلك بعض الأدوات التي تمكنه من الضغط على الآخر، أو محاصر بعدد من المحددات الداخلية والخارجية، وبعضها قد يسهم في قدرة طهران على إمادة أجل المقاومة ويؤجل الاستسلام. ولو كنا في سياق الحديث عن حرب أو مواجهات نظامية كاشفة وواضحة، فحينئذ يمكن حسم الأمر نظراً لتفوق ميزان القوى العسكري الأمريكي على الإيراني، بحيث لا يوجد مجال للمقارنة، غير أن المعادلة يدخل فيها اعتبارات عديدة وأولويات في إدارة العلاقة بين الطرفين. وهذا ما يجعلنا نلقي الضوء على بعض الملاحظات على حديث مايكل روبن:

أولاً- فعالية العقوبات الاقتصادية

الخبرة التاريخية الأمريكية مع طهران تؤكد رجاحة سيناريو العقوبات الاقتصادية وسياسة الضغط والتي يمكن أن تأتي بنتائج على اعتبار ما تحقق من إطلاق آية الله الخميني الرهائن الأمريكيين عام 1981 دون تحقيق مطالبه الكاملة نتيجة الضغوط وعزلة إيران التي أصبحت أكبر من أن تتحملها ، خاصة على خلفية الحرب الإيرانية العراقية. وهو ما تكرر أيضاً مع إيقاف الخميني إطلاق النار عام 1988 وترك صدام حسين في السلطة في العراق رغماً عنه ، وهو أمر كان قد أقسم في وقت سابق أنه لن يقبله أبدًا. لكن الضغط من خلال إطالة أمد الحرب الإيرانية العراقية كان عامل ضغط شديد ومتعمد من جانب العراق على الاقتصاد الإيراني، وهو ما كان يمثل خطر كبير لأنه هدد بقاء النظام نفسه، وهذا هو الهدف الأهم للنخبة، إنقاذ النظام، ونجاة الثورة. والواقعة الثالثة التي تؤكد ذلك هو إرغام روحاني نفسه على الجلوس على طاولة المفاوضات في ظل إدارة أوباما بسبب الضغط الاقتصادي بعد أن أقر مجلس الشيوخ بالإجماع عقوبات اقتصادية أحادية الجانب.

ورغم وجاهة ذلك الطرح ومعطياته، ورغم كون الضغط شديد الوطأة على طهران، إلا أن هناك عدد من الأدوات الجديدة التي تستخدمها طهران ولا تريد الاستسلام مبكراً، حيث تعول على الأمل في وجود إدارة ديمقراطية جديدة مع الانتخابات الأمريكية القادمة وفشل ترامب، وأيضاً تحفظات البنتاجون على القيام بضربة مباشرة، ووجود معارضة من الديمقراطيين وتكتل نانسي بيلوشي في الكونجرس، وهو ما يعطي طهران هامش أمل في الصمود. فضلاً عن استثمار طهران فترة ما بعد 2011 وحالة الارتباك العربي والنجاح في تعميق نفوذها وتوسيعه في لبنان وحزب الله، العراق، ومع الحوثيين في اليمن، وفي الداخل السوري، مما يجعل هناك واقع مغاير يشكل قوة نسبية لطهران يمكن استغلالها في الضغط على واشنطن ومصالحها أو دول الخليج وتحديداً السعودية، أو زيادة الضغط على إسرائيل، وهي أدوات لم تكن موجودة في السابق، ولم تكن بنفس درجة التأثير.

ثانياً- تغييرات القيادة الإيرانية

بالرغم من أن مقال مايكل روبن يربط بين التغييرات الجذرية في القيادة الإيرانية وبين فاعلية الضغوط والتأثير الأمريكي على النظام، على اعتبار نمطية واتساع أمد القيادة الإيرانية كونه مؤشر كبير لقياس تأثيرات الضغوط الأمريكية على النخبة وتغيرات القيادة؛ باعتبار أن القيادات الإيرانية المدعومة بحكم اعتبارات الولاء للنظام، تبقى لمدد كبيرة –بعكس الجنرالات الأمريكان- مثل محمد علي الجعفري الذي ما يقرب من اثني عشر عاماً قبل أن يحل محله حسين سلامي أو علي فدوي قائد الحرس الثوري الإسلامي في سلاح البحرية والذي بقى لمدة ثماني سنوات، قبل أن يتنحى في 2018 لصالح علي رضا تنكسيري. والتغيير في قيادة البحرية الإيرانية ووجود حسين خانزادي. الإسلامية ، مما أدى إلى هز تلك المنظمة بعد أكثر من عقد. وتلك الإجراءات من جانب النظام الإيراني تعكس نجاح للضغوط الأمريكية التي استطاعت اجتثاث تلك القيادات من مواقعها نظراً لعجزها وتكثيف الضغوط عليها.

 غير أن ذلك التفسير لمايكل روبن كاتب المقال -رغم كونه صحيح- لكنه قد يكون غير كامل لأن تلك التغييرات في القيادة قد تسمح لطهران وتعطي النخبة السياسية قدر من المناورة، بل قد تكون مجرد تغيرات شكلية الغرض منها تهدئة الداخل أو تصدير حالة بوجود مراجعات من النظام للقيادات –والتي قد تكون شكلية بالأساس-، أو قد تكون بالعكس – الإتيان بشخصيات جديدة تكون أكثر ثورية وراديكالية وتجديد لحالة الحماس الثوري التي تتركز في الشخصية الثورية الإيرانية.

ثالثاً- سلاح النفط وهامش المراوغة الإيرانية

يؤكد المقال على عدم نجاح طهران في مقاومة العقوبات الاقتصادية أو تسويق حالة الثقة في اقتصادها، على اعتبار أنه وحتى إن تجاهلت بعض الحكومات الآسيوية والأوروبية تلك العقوبات، إلا أن الأمر مختلف بالنسبة للشركات ورجال الأعمال التي سحبت استثماراتها في طهران، وهو طرح صحيح بشكل كامل. لكن هناك هامش مراوغة – رغم ضعف مردوده- يتمثل في اللجوء الإيراني لبعض الأساليب والطرق الغير تقليدية لتهريب النفط والبحث عن موردين أو استفادة بعض الدول من الوضع الحرج لطهران لتحقيق مكاسب مضاعفة عبر مساعدتها بشكل غير مباشر. وتلك التحركات الإيرانية تحقق هامش بسيط تستطيع معه الصمود لوقت أطول نسبياً ويؤجل رفع راية الخضوع. خاصة أنها تجيد الضغط على الدول الأوروبية التي تحاول مساعدتها عبر آليات اقتصادية مثل "الانستكس"، أو عبر التلويح بالخروج التدريجي من الاتفاق النووي وآخرها التهديد بالحزمة الثالثة من الانسحاب والتنصل التدريجي من مسئوليتها.

رابعاً- الخطر الحقيقي .. طبيعة الأزمة الجيلية في طهران

يمكن القول إذن أن المشكلة ليست اقتصادية فقط. حيث يلفت روبن إلى أن هناك خللا كبيرا يصيب نظام الحرس الثوري، الذي بات الآن يعاني من "الشيخوخة"، وهو ما يدركه جيداً المرشد الأعلى علي خامنئي. وقد تحدث المقال عن شيخوخة الحرس القديم للجمهورية الإسلامية، حيث أنه -وعلى عكس عام 1989 – فقد كانت آخر مرة مرت فيها إيران بمرحلة انتقالية في القيادة – حيث لم يكن هناك خليفة وقائد واضح وثقة كاملة في النخبة، وهو ما يرجح أن الانتقال القادم في السلطة لن يكون سلس وسيكون عبر طريق مسدود أو حتى انقلاب عسكري. غير أن الأزمة في رأيي تتمثل في "الأزمة الجيلية" داخل النظام، ليس في وجود نخبة سياسية قادرة على القيادة، لكن في نوعية تلك النخبة، حيث أن جيل الثورة الإيرانية في حالة القرب من الأفول، وهو ما يهدد اعتبارات الحماسة الثورية والتكوين الأيديولوجي للنخية، والتي هي في رأيي عرضة للتراجع والانفتاح في ظل أزمات عميقة وتكريس لفكرة فشل نظام الجمهورية الإسلامية، وهو ما يدعم عدم اكتفاء ترامب بفكرة الضغط الاقتصادي، وإنما محاولة الاستثمار في الملفات الحقوقية وأزمات الأقليات والقوميات غير الفارسية وهو ما يمكن البناء عليه لتهديد النظام بشكل أقوى.

خامساً- حالة الضغط القصوى

يرى الكاتب أن الديناميكية الرئيسية لترامب التي يجب أن يستثمر فيها هي مزيد من الضغوط على النظام الذي لا يحظى بشعبية خاصة كل من خامنئي وقيادات الحرس الثوري، واستياء الشعب منهم، وتحقيق "حالة الضغط القصوى" بشرط عدم إعطاء السلطات في طهران أي فرصة إلى اللجوء للقوة العسكرية التي من شأنها أن تأتي بنتائج عكسية على المدى الطويل. وفي ظني أن ذلك حل فعال لكن يجب الأخذ في الاعتبار أنه يستلزم وقت طويل واتباع سياسة النفس الطويل، على اعتبار أن طهران أيضاً تلجأ لنفس الأمر، لكن باختلاف الأمر حيث أن واشنطن ليست لديها نفس الضغوط التي تحيط بطهران وتهددها. لكن هناك مخاطرة كبيرة في ظل استمرار ذلك الوضع؛ حيث أن الحشد والتوترات بوجود آبراهام لينكولن وقاذفات بي 52، طائرات إف 22، وحالة الحشد الموجودة، علاوة على حرب الناقلات وتتبع ومحاصرة الناقلة الإيرانية جريس 1، والتحفظ الإيراني على السفينة البريطانية استينا إمبرو، والتصريحات لاستفزازية، وإعلان طهران عن منظومة صواريخ باور 373، ..إلخ، كل تلك التطورات، ورغم عدم نية أي طرف الدخول في حرب مباشرة، غير أن المنطقة مهددة في أي وقت لـ "حرب محتملة"، قد تبدو بعيدة لكنها أيضاً قريبة جداً، خاصة في ظل استراتيجية "علبة الكبريت"، حيث الأزمة مرجحة لتشتعل بشكل كبير إذا اشتعل عود واحد، وفي ظل مراهنة طهران على العبارات الثورية والخطاب الاستفزازي وسياسة "الهروب إلى الأمام" و"حافة الهاوية"، حيث ليس لديها خيارات كبيرة في ظل قيادات ثورية متشددة قد تقدم على خطوات غير محسوبة، مثلما كان مرجح أن يحدث مع إسقاط الطائرة المسيرة الأمريكية.

وإجمالاً، فإن هناك رجاحة كبيرة لوجهة النظر الخاصة بروبن، لكن التساؤل هو هل تكفي تلك المؤشرات لاسقاط النظام؟ في رأيي أن الأزمة بين واشنطن وطهران تعكس حالة "سيولة العلاقات الدولية" كما طرحها زيجمونت باومان، حيث أن كافة السيناريوهات مفتوحة وأنها لا توجد حالة صلبة للعلاقات بين الطرفين، وهو ما تعكسه خطابات عدم وجود حرب وأن هناك مجال للمفاوضات، وفي ذات الوقت تواتر الحشد ولهجة التهديد. كما أن اللجوء للعقوبات الاقتصادية تكريس لفكرة أن واشنطن تدرك أنه لا مجال لحرب تقليدية نظامية من خلال التكلفة والسياق الاقليمي، وإدراك أن البل غير التقليدية باتت لها الأولوية، وهو ما تطبقه طهران أيضاً من خلال استخدام الفاعلين من غير الدول والاستثمار في الميليشيات والطائفية لتحقيق أهدافها، في زمن تراجعت فيه فرص الدخول في حروب صلبة مكلفة وغير كثيفة الأثر. الأمر الآخر هو فكرة أنه هل تشكل طهران تهديد صريح وكبير لواشنطن بنفس الدرجة؟ بمعنى هل هي روسيا أو الصين؟ بالطبع ترامب يريد تقويض النظام أو تغيير فلسفته وتحويل طهران لدولة عادية وليست ثورية، كما أنه يريد تقويض نفوذها ووضع حد لتجارب الصواريخ البالستية، ونفوذها وتأثيراتها الاقليمية المهددة لحلفاء واشنطن، لكن في رأيي، لم تبلغ طهران ذلك التهديد الخطير الذي يهدد نفوذ ويقاء الولايات المتحدة الأمريكية، الذي يستدعي اتخاذ تدابير مختلفة كلياً. ولذا، أرى أن الأزمة مستمرة لفترة قادمة، وحتى 2020 على أقل تقدير، وأن طهران ستتمكن من الصمود حتى ذلك الوقت -مستعينة بحالة الوساطات المختلفة، وبالضغط على الدول الأوروبية في الملف النووي والخروج التدريجي، والضغط الأمني في هرمز باستخدام الميليشيات، لكن صمودها هذا يؤلمها وبشد، ويمثل مخاطرة غير مضمونة العواقب قد تشتعل في أي وقت.

 

رابط مقال مايكل روبن في الناشيونال انترست:

https://nationalinterest.org/blog/buzz/end-irans-regime-finally-near-70741