المركز العربي للبحوث والدراسات : "الفاعلية والتحديات" .. سياسات مكافحة الإرهاب في مصر (طباعة)
"الفاعلية والتحديات" .. سياسات مكافحة الإرهاب في مصر
آخر تحديث: الإثنين 16/09/2019 12:35 ص
د. إيمان رجب - عرض: أ. نورا فخري أنور د. إيمان رجب - عرض: أ. نورا فخري أنور
الفاعلية والتحديات

يعد الإرهاب التهديد الرئيسى للأمن القومى المصري بأبعاده المختلفة، حيث احتلت مصر في مؤشر الإرهاب العالمى للدول الأكثر تأثراً بالإرهاب المرتبة الثالثة عشرة خلال عام ٢٠١٤؛ وقد عد الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ توليه الحكم في يونيو ٢٠١٤ الحرب التى تخوضها الدولة ضد الإرهاب في شمال سيناء وفي محافظات الوادى أولوية  رئيسية.

وفي هذا السياق، يتضمن عدد رقم 296 من كراسات استراتيجية بعنوان ”سياسات مكافحة الإرهاب في مصر: الفاعلية والتحديات“ لدكتورة إيمان رجب -خبير متخصص في الأمن الإقليمى وقائم بأعمال رئيس الوحدة الأمنية والعسكرية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.

وتقدم الدراسة  تحليل لفعالية سياسات مكافحة الإرهاب التى طبقتها الحكومة المصرية خلال الفترة (٢٠١٤-٢٠١٨)، وذلك في ضوء الخريطة المتحولة للخلايا والجماعات الإرهابية النشطة داخل مصر، حيث تركز بصورة رئيسية على الإرهاب الذى يمارس داخل الإقليم المصرى طوال السنوات الأربعة الماضية.

وفي هذا الإطار، تجادل دكتورة إيمان رجب في الدراسة بأن سياسات مكافحة الإرهاب التى تتبعها الدولة على المستوى الوطنى تتطور على طول الطريق في ضوء الدروس المستفادة من المواجهات مع الإرهابيين.

تنقسم الدراسة إلى ثلاثة محور رئيسية، يتناول المحور الأول التحول الحادث في خريطة الإرهاب، ويناقش المحور الثانى سياسات مكافحة الإرهاب التى اعتمدتها مصر على الصعيد الوطنى، ويطرح المحور الثالث التحديات المتوقع أن تؤثر على سياسات مكافحة الإرهاب خلال الفترة المقبلة. وفيما يلي عرض مفصل للمحاور الواردة فى هذه الدراسة.

أولاً- خريطة متحولة للجماعات والخلايا الإرهابية

تشير الدكتورة إيمان رجب إلى أن  مطلع عام ٢٠١٤  يعد بداية تحول  موجة الإرهاب التى تواجهها مصر مقارنة  بموجة التسعينيات، نظراً لأن مقومات الإرهاب لم تعد محلية فقط، بل إقليمية ودولية ايضاً، وصاحب ذلك اتسام خريطة الجماعات والخلايا الإرهابية النشطة داخل مصر بالطابع الديناميكي المتغير،  وهو ما تعبر عنه ثلاث ظواهر رئيسية هي: -

١-خليط من الإرهاب التقليدى والإرهاب بلاقيادة.

 تنقسم الكيانات الإرهابية النشطة في مصر خلال فترة الدراسة إلى نوعين: يتألف النوع الأول من تنظيمات الإرهاب التقليدى ذات الأيديولوجية الدينية بالأساس، والتي لها هيكل تنظيمى واضح له قائد ويندرج تحته مستويات متعددة من القيادة لكل منها مهام محددة. ويعد  التنظيم الأكثر نشاطًا الذي ينتمي إلى هذا النوع هو تنظيم "أنصار بيت المقدس".

 ويتألف النوع الثاني من كيانات تمارس نمط "الإرهاب بلا قيادة" ، والذي قد يمارس من خلال "الذئاب المنفردة" أو أو"الأرملة السوداء" أو أو"الخلايا الصغيرة". وقد شهدت مصر خلال فترة الدراسة انتشار الخلايا الصغيرة، وهي بحكم تعريفها عادة ما يتراوح عدد أعضائها بين 3-8 أشخاص. وفي الغالب لم يخضعوا للتدريب المنظم وبصورة تقليدية على الإرهاب ولكنهم تعرضوا لمحتوى متطرف يُنشر عبر منصات التواصل الإجتماعي أو من خلال الاتصالات المباشرة مع المتطرفين والإرهابيين في المساجد أو السجون أو أماكن أخرى للتجمع. ومن أبرز الأمثلة على هذه الكيانات التي نشطت في مصر في الفترة محل الدراسة "كتيبة الاعدام"، و"كتائب حلوان" المسلحة، و"العقاب الثوري"، و"المقاومة الشعبية"، و"حركة سواعد مصر" والتي تُعرف اختصارا باسم "حسم"، و"لواء الثورة". ويتركز نشاط هذه الخلايا في محافظات الوادي.

2-خريطة ديناميكية ومتغيرة في محافظات الوادى.

تشير الدراسة إلى أن السمة المميزة لخريطة الإرهاب في محافظات الوادى أنها تتألف من خلايا متعددة وتختلف فيما بينها من حيث قدرتها على البقاء لفترة طويلة في مواجهة سياسات المكافحة التي تتبعها الحكومة، وبالتالى يصعب الحديث عن وجود خلية واحدة، حيث أن هناك ديناميكية شديدة في هذه الخريطة، بما يسمح بالحديث عن اختفاء وصعود هذه الخلايا  من فترة زمنية لأخرى (انظر الجدول).

وترصد الدراسة خمسة أبعاد للخلايا النشطة في محافظات الوادي من بينها، أن عمليات هذه الخلايا الإرهابية لم تعد تقتصر على استهداف الجيش والشرطة، بل إنها توسعت لتستهدف المدنيين والمصالح الأجنبية. بالإضافة إلي ما تشهده محافظات الوادى من تشكيل العديد من الخلايا التى تستلهم أفكار تنظيم ”داعش" .

الفاعلية والتحديات

3 -استمرار ظاهرة الإرهابيين "المجهولين".

في ضوء تحليل العمليات الإرهابية التي وقعت في مصر خلال فترة الدراسة، انتهت الدراسة إلى أن هناك عمليات وقعت في محافظات الوادى ولم تعلن أي جهة مسئوليتها عنها، وهو ما يمكن تسميته بالإرهاب المجهول. وقد بلغت  نسبة هذه العمليات 11% في عام 2014، 0.2% في عام 2015، 11.1% في عام 2016، 1.6% في عام 2017.

وتفسر د.إيمان رجب وجود هذه الفئة من الهجمات بنجاح قوات إنفاذ القانون في تطوير آليات للتنسيق مع المواطنين في شمال ووسط سيناء مما جعلهم هدفا للعناصر الإرهابية والمتعاونين معهم.كما يمكن أن يرجع السبب وراء عدم رغبة الجماعات الإرهابية في تبنى تلك العمليات خوفا من تكوين مشاعر معارضة لهم بين المدنيين.

ثانياً: سياسات مكافحة الإرهاب: مستويات المكافحة وأبعاد الفعالية 

يهدف هذا القسم من الدراسة إلى تحليل سياسات مكافحة الإرهاب خلال الفترة الزمنية محل الدراسة، على نحو يهتم بالسياسات غير الأمنية التي تطبقها الحكومة، والتى توظف فيها أدوات القوتين الناعمة والصلبة، وذلك بهدف الحد من عدد الهجمات الإرهابية وللحيلولة دون نجاح الجماعات والخلايا الإرهابية في استقطاب وتجنيد أعضاء جدد.

وفي هذا الإطار أعدت د. إيمان رجب نموذج تحليلى لسياسات مكافحة الإرهاب (انظر شكل رقم 1)، وطبقته على السياسات التي تتبعها الحكومة خلال الفترة التي تغطيها الدراسة، يحتوى على ثلاثة مستويات من سياسات المكافحة، كما يلى:-

المستوى الأول: سياسات القضاء على الإرهابين، التي تهدف للقضاء على الجماعات والخلايا الإرهابية وتفكيكها. وهي تشمل المواجهات العسكرية المباشرة مع الجماعات الإرهابية.

المستوى الثانى: مساعدة ضحايا الإرهاب، وتستند الإجراءات المتخذة فيها لمساعدة هؤلاء الضحايا إلى منع تحويلهم إلى أعضاء في الجماعات الإرهابية.

المستوى الثالث: تحصين المجتمع، ويهدف إلى معالجة الأسباب الفكرية للإرهاب، والحد من تزايد عدد من يتم استقطابهم من قبل الجماعات الإرهابية.

الفاعلية والتحديات

 كما يناقش هذا القسم أيضاً أبعاد فعالية هذه السياسات خلال المرحلة الحالية، وذلك في إطار ثلاثة محددات رئيسية:-

لا توجد دولة في العالم أعلنت انتصارها على الإرهاب بنسبة 100%.

تحليل الفعالية لا يكون بالتركيز على العمليات الإرهابية فقط، ولكن يتعلق أيضا بتحليل التطور الخاص بسياسات المكافحة، وذلك في ظل تحول خريطة الإرهابيين.

قدرة المؤسسات الأمنية على خلق شراكات مع المؤسسات والجهات غير الأمنية الرسمية وغير الرسمية من أجل المشاركة في جهود مكافحة الإرهاب التي يتم تنفيذها.

 وفي إطار هذه المحددات، حددت الدراسة عدد من الاستنتاجات الخاصة بفاعلية هذه السياسات. واستنادًا لهذا التحليل يمكن تحديد ثلاث نتائج تؤثرعلى فعالية سياسات المكافحة التي تستهدف الإرهابيين، ومنها :

(1) صعوبة وضع خرائط جغرافية للخلايا الإرهابية النشطة حاليًا في شمال سيناء أو في محافظات الوادي، وذلك بسبب حالة التحول والسيولة في هذه الخلايا كما تم تحليله في الجزء الأول من الدراسة،

(2) تزايد إرهاب الخلايا الصغيرة، والذي ينتشر بصورة واضحة في محافظات الوادي.

 ( 3) تزايد اعتماد الإرهابيين على العبوات الناسفة وتراجع الاعتماد على الأسلحة الثقيلة، حيث يلاحظ طوال الفترة التي تغطيها الدراسة أنه نتيجة لتزايد فعالية عمليات المكافحة التي تنفذها قوات إنفاذ القانون في شمال سيناء، اتجه الإرهابيون لزيادة اعتمادهم على هذه العبوات، حيث  يتم زرعها في أماكن التحرك المتوقعة لقوات إنفاذ القانون أو قرب نقاط تمركزها، وذلك مقارنة، على سبيل المثال، بعمليات القنص والاغتيال التي تستهدف القيادات الأمنية والمدنيين، خاصة رموز القبائل المتعاونين مع السلطات في شمال سيناء، فضلا عن استهدافها لرموز القضاء(انظر شكل رقم 2 ورقم 3).

الفاعلية والتحديات

ثالثاً: تحديات مكافحة الإرهاب خلال الفترة المقبلة

تحدد الدراسة مجموعة من التحديات الرئيسية من المتوقع أن تواجهها جهود مكافحة الإرهاب في شمال سيناء وفي محافظات الوادى خلال السنوات القادمة. وتنقسم هذه التحديات إلى مجموعتين، تعنى المجموعة الأولى بالتحديات التى تؤثر على المدركات والتصورات الخاصة بخريطة التنظيمات والعناصر الإرهابية النشطة في مصر خلال الفترة المقبلة، ومن بينها:

1-مشكلة الاختزال، فعلى الرغم من تركز ميل البعض لاختزال السبب والمحرك الأساسى لجميع الهجمات الإرهابية التي تشهدها مصر في جماعة الإخوان، إلا أنه من المهم إدراك ثلاثة متغيرات تؤثر على وضع الإرهاب في مصر خلال المرحلة الحالية، وهي:

- أن تنظيم أنصار بيت المقدس يستلهم أفكار وتكتيكات  تنظيم داعش، ويستفيد من الشبكات العابرة للحدود في تطوير علاقات مع منظمات إرهابية أخرى نشطة في مناطق الصراع في البلدان المجاورة.

- تنامي جاذبية تنظيم أنصار بيت المقدس لشباب الإخوان، سواء الذين نشطوا في الخلايا النوعية التابعة لها والتي نفذت عمليات في محافظات الوادي في فترات سابقة،  أو لمن يسبق له ممارسة العنف مثل الشاب الإخواني عمر الديب. ومثل هذا التقارب يمكن تتبع بداياته إلى عام 2016.

- يسعى تنظيم القاعدة إلى إيجاد موطيء قدم له في مصر، وهو ما اتضح مع سعي أنصار الإسلام لتنفيذ عملية في الواحات البحرية في أكتوبر 2017، وكذلك دخول جند الإسلام في مواجهات مع أنصار بيت المقدس في شمال سيناء.

الفاعلية والتحديات

2-الارهابيون العائدون من مناطق الصراع، حيث ترى الدراسة أن نجاح الإرهابيين العائدين من مناطق الصراع في الدخول إلى مصر، سواء كانوا مصريين أو أجانب، له تأثيره على نوعية العمليات الإرهابية التي يمكن أن تشهدها مصر خلال الفترة المقبلة،  فضلا عن تأثيره على استراتيجيات الاستقطاب والتجنيد التي يمكن أن تنفذها العناصر الإرهابية، وذلك فضلا عن احتمال أن تولد جماعات وخلايا إرهابية جديدة خلال الفترة المقبلة.

 

وتهتم المجموعة الثانية بالتحديات التي تؤثر على عملية صنع وتنفيذ وتقييم سياسات مكافحة الإرهاب، ومنها الحاجة إلى إطار مؤسسى فعال على المستوى القومى، يقوم بتحديد الرؤية على المستوى القومى والهدف المراد تحقيقه في مكافحة الإرهاب، يتولى تخطيط السياسات غير الأمنية اللازمة لمكافحة الإرهاب وتوجيه تنفيذها في المناطق التي نجحت فيها قوات إنفاذ القانون في القضاء على الإرهابيين فيها. وبلورة استراتيجية وطنية على المستوى القومى تهدف إلى مكافحة الإرهاب، وأخرى لمواجهة التطرف، وهذا النوع من الاستراتيجيات يخاطب إلى جانب الجهات الرسمية الأطراف غير الرسمية التي يمكن أن تساهم في جهود المكافحة.