المركز العربي للبحوث والدراسات : الأمن السيبراني في الوطن العربي .. دراسة حالة المملكة العربية السعودية (طباعة)
الأمن السيبراني في الوطن العربي .. دراسة حالة المملكة العربية السعودية
آخر تحديث: الأربعاء 25/09/2019 07:41 م
عبد الرحمن عاطف أبو زيد عبد الرحمن عاطف أبو زيد
الأمن السيبراني في

على الرغم من الإيجابيات الهائلة التي تحققت بفضل تقنية المعلومات، فإن تلك الثورة المعلوماتية المتصاعدة قد صاحبتها في المقابل جملة من الانعكاسات السلبية الخطيرة نتيجة سوء الاستخدام، ومن بين تلك الانعكاسات المستحدثة، ظاهرة الجريمة الرقمية، والتي تصاعدت مخاطرها بدورها مما افرز نوعًا جديدًا من الجرائم العابرة للقارات، التي لم تعد مخاطرها وأثارها محصورة في نطاق دولة بعينها مما أثار بعض التحديات القانونية أمام الأجهزة المعنية بمكافحة الجريمة.

ولقد ظهرت في الأفق عدة أبعاد فيما يخص الفضاء السيبراني، البعد الأول هو الاقتصادي، فينقسم اقتصاد الإنترنت إلي مجالين رئيسيين، المجال الأول يتعلق بصناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT)  ، ويشمل تطوير أجهزة وبرمجيات وانتاجها وخدمات أخري، أما المجال الثاني فهو مجال التجارة الإلكترونية من خلال فتح سوق حر علي شبكة الإنترنت. أما البعد الثاني فهو يتعلق بأمن المعلومات فنجد أن العديد من الدول تقوم بتخصيص قيمة كبيرة من ميزانيتها لأجل مجابهة الهجمات السيبراني وتحديث وتطوير أنظمة الأمان لديها. أما البعد الثالث فهو البعد الأمني، وخير مثال علي ذلك هو مركز تكامل استخبارات التهديد السيبراني (CTIIC) بالولايات المتحدة الأمريكية الذي يعمل علي التنسيق بين مختلف أجهزة الأمن الأمريكية الأخري، مثل : مكتب التحقيقات الفيدرالي، وكالة الاستخبارات المركزية، ووكالة الأمن القومي. وكذلك المثال العربي علي ذلك وهو الهيئة الوطنية للأمن السيبراني في المملكة العربية السعودية.1

وحري بالدول العربية أن تطوّر من نفسها حتي تستطيع مواكبة هذا الزخم التكنولوجي، بالأخص في مجال الأمن السيبراني وما يتعلق به من مجالات، وسنقوم في الورقة البحثية باستعراض مشكلات التطور السيبراني وآثاره علي المنطقة العربية بشكل عام والمملكة العربية السعودية بشكل خاص والجهود التي تم بذلها في ذلك الصدد.

ومن هنا تأتي ضرورة توضيح ما يترتب علي تلك الهجمات السيبرانية من آثار سلبية علي كل من الوطن العربي ومنها نسلط الضوء علي السعودية.

أولًا- أثر الهجمات السيبرانية علي الوطن العربي

يمكن أن تكون الجرائم الإلكترونية ضارة على العديد من المستويات، حيث يمكن أن يؤدي إلى فقدان الملكية الفكرية والمعلومات التجارية التنافسية، مما يقلل من القدرة التنافسية للشركة. يمكن أن يقدم تكاليف الفرصة البديلة، بما في ذلك تعطل الخدمة والعمالة .2

على الرغم من أن آثار جرائم الإنترنت تختلف، ويمكن أن تهدد الحكومات وحتى أكبر الشركات، إلا أنها تشكل خطرًا خاصًا على الشركات الصغيرة والشركات الناشئة، والتي تميل إلى أن تكون أقل مرونة؛ هذه الشركات لها أهمية حاسمة مع تطور الاقتصاد الرقمي في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تلعب دوراً رئيسياً في خلق فرص العمل ، وضخ المنافسة في السوق وتحفيز الابتكار. 3

وبعبارة أخرى ، تعد الشركات الصغيرة والمتوسطة اللبنات الأساسية لاقتصاد رقمي مستدام وناجح.

وتتزايد التهديدات السيبرانية في المنطقة ، ويعزى ذلك جزئيًا إلى حقيقة أن منطقة الشرق الأوسط ليس لديها هياكل تنظيمية متطورة للغاية لمكافحتها.

أظهر استطلاع حديث أن الخسائر التي تكبدتها الشركات في الشرق الأوسط نتيجة لجرائم الإنترنت أكبر بكثير من خسائر نظيراتها الدولية. في عام 2015 ، فقد 56 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع أكثر من 500000 دولار أمريكي ، مقارنة مع 33 في المائة من الشركات على مستوى العالم ؛ وفقد 13 في المائة ثلاثة أيام عمل على الأقل بسبب آثار الجرائم الإلكترونية ، مقارنة بـ 9 في المائة من المجيبين العالميين على الدراسة الاستقصائية. شهد 18 في المائة من المجيبين أكثر من 5000 هجوم في تلك السنة ، وهي نسبة أعلى من أي منطقة أخرى وتقريبا ضعف المعدل العالمي.4

كما وقعت عدة حوادث في قطر على سبيل المثال ، في أغسطس 2012 ، أصيبت شركة قطر للغاز الطبيعي ، المعروفة باسم Rasgas ، بفيروس أغلق موقع الويب وخوادم البريد الإلكتروني؛ ومع ذلك ، لم تؤثر البرامج الضارة على البنية التحتية الرقمية المهمة للشركة والتي تتحكم في إنتاج الغاز الطبيعي وتوصيله؛ في عام 2016 ، استهدف بنك قطر الوطني (QNB) هجومًا أكثر ضرراً، حيث تمكن المتسللون من سرقة كمية هائلة من البيانات بما في ذلك حوالي 465،437 من حسابات QNB ونشرها على الإنترنت. احتوت المعلومات التي تم تسريبها على بيانات شخصية وبيانات اتصال.

ثانيًا- أثر الهجمات السيبرانية على السعودية

تسبب الهجمات الإلكترونية ضررًا كبيرًا على البنية التحتية ، وفي السعودية تضمنت أبرز الحوادث الرئيسية في هجمات استهدفت في البداية شركة أرامكو السعودية المملوكة للدولة في عام 2012 وعطلت نشاط الشركة لمدة شهر في ما يشار إليه بأكبر اختراق في التاريخ .37 وقد تسببت هذه البرمجيات الخبيثة في حدوث خلل مرة أخرى في نوفمبر 2016  ويناير 2017. 5

كذلك أوضح تقرير Over Security Advisory Council  والصادر في 2016، أن الهجوم علي شركة أرامكو السعودية قد كلفها تغيير 50000 قرص صلب لأجهزتها الحاسوبية، ولم تستطع استخدام الأنترنت لمدة خمسة أشهر تقريبًا، وهذا يعتبر زمنًا قياسيًا في الإصلاح، خاصة إذا ماأخذنا في الإعتبار إمكانات أرامكو المالية والتقنية؛ وفي عام 2013، عانت بنوك الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان من خسارة بلغت أكثر من 45 مليون دولار أمريكي بسبب واحدة من أكبر عمليات سرقة أجهزة الصراف الآلي الإلكترونية في المنطقة.

هاجم Mamba Ransomware المملكة العربية السعودية في يوليو 2017 ، وتم استهداف شبكات الشركات داخل المملكة العربية السعودية. ظهرت Mamba Ransomware في عام 2016 في الولايات المتحدة الأمريكية وكانت واحدة من الفيروسات الأولى التي لا تشفر الملفات ، ولكن الأقراص الصلبة بأكملها. ويستخدم أداة شرعية Disk Cryptor لتشفير القرص بأكمله .6

الجهود المبذولة في مجال الأمن السيبراني

يبدو أن مجال الأمن السيبراني قد لاقي اهتمامًا كبيرًا من كل الفواعل الدولية في الفترة الأخيرة، وسنتطرق إلي الجهود المبذولة في مجال الأمن السيبراني في الوطن العربي بشكل عام ثم السعودية

أولًا- على الصعيد العربي

تستثمر الكثير من الدول في الأنظمة والتشريعات والتقنيات والجاهزية للحروب الإلكترونية لما تشكله من خطر عليها، وتضع الكثير من الدول الكبرى الأمن السيبراني ضمن أولوياتها للحد من الحروب الإلكترونية ولتأمين الخدمات والتطبيقات بمختلف القطاعات؛ وتعتبر التجربة العربية جديدة في هذا المجال، وازدادت قدرات كل من عمان وقطر والسعودية، والتي ازدادت قدرتها مؤخرًا في هذا المجال بشكل مطرد حيث أنشأت السعودية الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، كما أنشأت أيضًا الاتحاد المحلي للأمن السيبراني، وتأتي هذه القرارات ضمن خطة استراتيجية لبناء ترسانة قوية للأمن السيبراني مما يمكنها من حماية حدودها الإلكترونية بشكل جيد وصارم. 7

وتبذل الدول العربية كل مافي وسعها للحاق بالركب العالمي في مجال تطوير الأمن السيبراني، وفي هذا الصدد عقدت المنظمة العربية للتنمية الإدارية التابعة لجامعة الدول العربية، والمكتب الإقليمي العربي للاتحاد الدولي للاتصالات في شهر نوفمبر 2017، فعالية (الأمن السيبراني في المنطقة العربية)، والتي تتضمن اللقاء الثاني للتجارب الإدارية الناجحة في مجال أمن المعلومات، والمنتدي الإقليمي حول الأمن السيبراني في عصر التكنولوجيا الناشئة، وهدفت هذه الفعالية إلي التعريف بالتجارب الإدارية الناجحة في مجال أمن المعلومات من أجل تعميمها ونشرها والاستفادة منها في الدول العربية مع إقامة حوار مفتوح في الدول العربية لمناقشة تحديات الأمن السيبراني المتعلقة بالتكنولوجيات الناشئة وتطوير آليات دفاعية مبتكرة وفعّالة من منطلق المنظور الوطني، وقد شاركت في الفعالية دول مصر والسعودية وسلطنة عمان والأردن ولبنان وفلسطين والمغرب وسوريا واليمن وجزر القمر وموريتانيا بحضور ممثل عن الأمم المتحدة. 8

ثانيًا- رؤية المملكة العربية السعودية 2030

عندما ننظر إلي رؤية المملكة العربية السعودية 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020، والتي يؤكد من خلالها علي أهمية التوسع في الاستخدام الإلكتروني في الأعمال الحكومية والعلمية والتجارية، والذي فيه تأكيد أيضًا علي أهمية الأمن السيبراني والذي ترجمته المملكة بتأسيس هيئة الأمن السيبراني والتي ترتبط بأعلى سلطة في الحكومة وهو خادم الحرمين الشريفين، ولم يأت هذا القرار من فراغ، فقد أشارت كثير من التقارير العالمية والمحلية إلي تعرّض المملكة إلي كثير من الهجمات السيبرانية، ومنها : تقرير شركة نور تون الأمريكية، والتي تقدم أمن برامج الإنترنت  في المملكة والذي صدر في أغسطس 2016 إلي أن هناك 6538262 فرد في المملكة كانو ضحية هجمات سيبرانية أو تأثروا بها، كما ذكر التقرير أن نسبة 85% من سكان المملكة تعرضوا لهجمات سيبرانية، وهذه النسبة تعتبر أعلي من النسبة العالمية بما يعادل 10%.

وإدراكًا من جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالسعودية بأهمية الأمن السيبراني كمنظمة عربية متخصصة في الأمن، فقد بادرت الجامعة بإحداث برنامج متخصص في الأمن السيبراني يعني بالتدريب المتخصص والتوعوي وتقديم الاستشارات والبحوث العلمية التطبيقية المتخصصة لتلبية الاحتياجات العربية في مجال الأمن السيبراني.

أما بالنسبة للتشريعات القانونية، فإن المملكة العربية السعودية لديها أيضًا قانون للجرائم الإلكترونية صادر بموجب مرسوم ملكي في عام 2007. وهو يهدف إلى مكافحة الجرائم الإلكترونية عن طريق تحديد الجرائم وتحديد العقوبات لحماية "أمن المعلومات ، وحماية الحقوق المتعلقة بالاستخدام المشروع لأجهزة الكمبيوتر وشبكات المعلومات ، وحماية المصلحة العامة 9 ؛ بالإضافة إلى ذلك، يمكن لوزارة الداخلية السعودية ولجنة تكنولوجيا المعلومات معاقبة مرتكبي الجرائم الإلكترونية بشدة مثل سرقة الهوية والتشهير والقرصنة الإلكترونية وسرقة البريد الإلكتروني وغير ذلك من الأعمال غير القانونية.

وقال ترولز أورتينغ يورغنسن، رئيس مركز الأمن السيبراني في المنتدى الاقتصادي العالمي، إن السعودية تتحول من مستهلك للمعرفة إلى مُصدّر لها، مشيرا إلى أن المركز الذي يرأسه يعمل مع جهات حكومية ومن القطاع الخاص في المملكة على مواجهة التهديدات السيبرانية.10

وكان الاتحاد الدولي للاتصالات التابع للأمم المتحدة قد قام باستحداث مؤشر عالمي للأمن السيبراني (GCI) ، يتم قياسه بشكل دوري كل عامين بناء على خمس ركائز رئيسية؛ (القانونية والتعاونية والتقنية والتنظيمية وبناء القدرات) لتحديد مدى النضج في الدول الأعضاء في مجال الأمن السيبراني وفقًا لمعايير محددة؛ ويهدف الاتحاد العالمي من وضع هذا المؤشر إلى رفع مستوى الأمن السيبراني وتعزيز تبادل الخبرات ومشاركة التجارب فيما بين دول العالم.

واحتلت المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى بين الدول العربية التي حصلت على أعلى الدرجات في عمود بناء القدرات. تُظهر المملكة العربية السعودية التزامًا قويًا ببناء القدرات من خلال العديد من المبادرات ، بما في ذلك BADIR (برنامج حاضنة التكنولوجيا)، والشبكة العربية للبحوث والابتكارو الاتحاد السعودي للأمن الإلكتروني والبرمجة، كما طورت المملكة العربية السعودية دعامة تعاون قوية 11 ؛ وبذلك تكون المملكة العربية السعودية قد أحرزت ترتيبًا متقدمًا في المؤشر العالمي للأمن السيبراني الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات التابع للأمم المتحدة وجاءت الأولى عربيًا، فيما تبوأت المرتبة 13 بين 175 دولة.

كما قامت الهيئة الوطنية للأمن السيبراني بالمملكة العربية السعودية، بتطوير الضوابط الأساسية للأمن السيبراني ، بعد دراسة عدة معايير وأطر وضوابط للأمن السيبراني قامت بإعدادها سابقاً عـدة جهات ومنظمات محلية ودولـيـة، ودراسـة متطلبات التشريعات والتنظيمات والقرارات الوطنية ذات العلاقة، وبعد التطلع على أفضل الممارسات والتجارب في مجال الأمن السيبراني والاستفادة منها، وتحليل ما تم رصده من حوادث وهجمات سيبرانية على مستوى الجهات الحكومية وغيرها من الجهات الحساسة؛ وتُطبق هذه الضوابط على الجهات الحكومية في المملكة العربية السعودية وتشمل الــوزارات والهيئات والمؤسسات وغيرها والجهات والشركات التابعة لها، وجهات القطاع الخاص التي تمتلك بنى تحتية وطنية حساسة  ((Critical National Infrastructures، أو تقوم بتشغيلها أو استضافتها، كما تُشجع الهيئة الجهات الخرى في المملكة وبشدة على الاستفادة من هذه الضوابط لتطبيق أفضل للممارسات فيما يتعلق بتحسين الأمن السيبراني وتطويره داخل الجهة.12

وأطلقت الهيئة الوطنية للأمن السيبراني عدة مبادرات لمواجهة النقص في الكوادر الوطنية في هذا المجال، إذ أطلقت مؤخراً مبادرة الابتعاث في الأمن السيبراني بالشراكة مع وزارة التعليم من خلال برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، حيث تم الاتفاق على زيادة أعداد مقاعد الابتعاث للعام الأول من 200 إلى 540 مقعداً، لتلبية حاجة بناء القدرات الوطنية في مجال الأمن السيبراني ولسد الاحتياج الذي يتطلبه سوق العمل الحكومي والخاص بهدف حماية الشبكات وأنظمة تقنية المعلومات وأنظمة التقنيات التشغيلية، لحماية الفضاء السيبراني للمملكة؛ وتأتي هذه المبادرة تنفيذًا لما ورد في تنظيم الهيئة الوطنية للأمن السيبراني المتضمن اختصاصها ببناء القدرات الوطنية المتخصصة في مجالات الأمن السيبراني، والمشاركة في إعداد البرامج التعليمية والتدريبية الخاصة بها.13

وفي ديسمبر 2017 تم إنشاء الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز هو مؤسسة وطنية تحت مظلة اللجنة الأولمبية السعودية. يسعى لبناء قدرات محلية واحترافية في مجال الأمن السيبراني وتطوير البرمجيات والدرونز بناءً على أفضل الممارسات والمعايير العالمية، للوصول بالمملكة العربية السعودية إلى مصاف الدول المتقدمة في صناعة المعرفة التقنية الحديثة، وبالتالي تحقيق الريادة في مجال الأمن السيبراني والبرمجة والدرونز عالميًا.

كما وقّعت شركة أرامكو السعودية مذكرة تفاهم مع شركة ريثيون، من خلال شركتها المحلية "شركة ريثيون العربية السعودية"، لتأسيس شركة جديدة يملكها الطرفان، بهدف تطوير وتقديم أفضل الخدمات في مجال الأمن السيبراني في المملكة ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.14

وقامت عديد من الجهات في المملكة باتخاذ خطوات جادة لتبني تقنية الـ”بلوك تشين”، وعملت على نقل المعرفة إلى المملكة عبر عديد من الأحداث والمؤتمرات المتخصصة في هذا المجال؛ فمنذ بداية 2018، تبنت عديد من الجهات تقنية الـ “بلوك شين”، التي كان أبرزها مؤسسة النقد العربي السعودي، التي أبرمت اتفاقًا مع شركة Rippleلتجربة استخدام تقنيات الشركة في تنفيذ عمليات التحويل الخارجية بين المصارف، كما عملت عدة وزارات أخرى على مبادرات لاستخدام تقنية الـ”بلوك تشين” لتوفير أسلوب خدمات أفضل؛ وأقامت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات دورة تدريبية مخصصة لتلك التقنية بالتعاون مع شركة “كونسينسيس” المتخصصة في هذا المجال، التي كانت تهدف إلى تعريف المتدربين بكيفية عمل تقنية الـ”بلوك تشين” من المنظورين التجاري والاستراتيجي، وتطبيقاتها العديدة. 15

كذلك قامت “الجمارك السعودية” خلال الفترة الماضية بالإعداد للتطبيق التجريبي لتقنية الـ بلوك تشين  بالتعاون مع شركة IBMلنظام للإرساليات الواردة عبر المنافذ البحرية؛ كما أن المملكة تميل إلى استخدام هذه التقنية المبتكرة لإحداث ثورة في قطاع الطاقة، ومع وجود فرصة تداول بين الأزواج المالية في الأفق، سيتم إنشاء فرص أعمال جديدة. واستضافت الرياض في أبريل 2018 مؤتمر Decoding Blockchain، وكان تعطيل قطاع الطاقة موضوعًا كبيرًا خلال هذا الحدث، حتى شركة النفط الوطنية العملاقة Aramcoأوضحت أنها تجرّب تقنية الـ”بلوك تشين” لأسباب مختلفة. وبحسب رأيهم، فإن “الجيل القادم من العقود الذكية” سيلعب دورًا كبيرًا في مستقبل سوق الطاقة في المملكة العربية السعودية.16

التوصيات والخاتمة

تحتاج الدول العربية للمزيد من الاستثمار في مجال الأمن السيبراني وينقسم الاستثمار لجانبين، الأول توطين التكنولوجيا والبني التحتية السيبرانية، الثاني تطوير المهارات والخبرات في سبيل امتلاك قدرات وطنية قادرة علي بناء وإدارة وتحليل الأنظمة السيبرانية وتطويرها.

هذا فضلًا عن التفكير بجدية في إدراج مجال الفضاء السيبراني ضمن مناهج التعليم في الدول العربية، فنجد أن جامعة بن جوريون علي سبيل المثال قد بدأت منذ عام 2013 إدراج مادة الفضاء السيبراني ضمن مقررات المرحلة النهائية والماجستير بقسم هندسة نظم المعلومات، بالتعاون مع وزارة الدفاع والإدارة الوطنية للفضاء السيبراني.

ومن المهم تشجيع مجالات البحث العلمي والابتكار؛ بالإضافة لضرورة توعية العاملين بكافة مؤسسات الدولة وتنمية المعايير المهنية الاحترافية لديهم وإرساء بنية تحتية للدخول إلي مجال صناعة البرمجيات العالمية والقدرة علي منافسة المنتج المستورد؛ واهتمام الحكومات العربية بتحفيز الاستثمارات والشركات العاملة في هذا القطاع والتعاون بينها وبين القطاعين الحكومي والعسكري، بحيث يستفيد كل قطاع من الآخر بما لا يخل بمبدأي السرية والخصوصية.

كما أن مؤسسات المجتمع المدني مهمة لما لها من دور فعّال في التعامل مع  الاستخدام غير الآمن لتكنولوجيا المعلومات، وذلك من خلال الأنشطة العلمية ونشرثقافة الاستخدام الآمن لشبكة الانترنت والتطبيقات الرقمية الحديثة.

وختاماً، يمكن القول أن التحول الرقمي في المملكة العربية السعودية أدي إلى نمو استخدام الإنترنت والتكنولوجيا والمعاملات الإلكترونية لذلك، زادت الهجمات السيبرانية منذ ذلك الحين، مما دفع السعودية لتخصيص جهد أكبر في هذا المجال، ومن هنا يجب علي الدول العربية الاستفادة من التجربة السعودية وغيرها من الدول المتطورة في مجال الأمن السيبراني واستلهامها مثل عمان، وأن يتم تأسيس إطار تعاوني للدول العربية فيما بينها في مجال الأمن السيبراني.

المراجع

1-       محمود عزت، الفضاء السيبراني وتحديات الأمن المعلوماتي العربي، المجلة العربية العدد 498، أبريل 2018، ص.ص 35، 36.

2-             McAfee and Center for Strategic and International Studies (CSIS) (2013), The Economic Impact of Cybercrime and Cyber Espionage,

www.mcafee.com/us/resources/reports/rp-economic-impact-cybercrime.pdf

3-             Wiens, J. and Jackson, C. (2015), ‘The Importance of Young Firms for Economic Growth’, Kauffman Foundation, 13 September 2015, www.kauffman.org/what-we-do/resources/entrepreneurship-policy-digest/the-importance-of-young-firms-for-economic-growt.

4-             PwC (2016), A false sense of security? Cybersecurity in the Middle East, Global State of Information Security Survey, March 2016,

www.pwc.com/m1/en/publications/documents/middle-east-cyber-security-survey.pdf

5-             Arab News (2016), ‘Cybercrime hit 6.5m in Kingdom last year’, 11 August 2016,

www.arabnews.com/node/967966/saudi-arabia

6- Ivanov Anton, Orkhan Mamedov. The Return of Mamba Ransomware Secure list - Information about Viruses, Hackers and Spam. N.p., 09 Aug. 2017. Web. 13 Sept. 2017. https://securelist.com/thereturn-ofmamba-ransomware/79403

7-حسن بن علي العجمي، الثورة الصناعية الرابعة وتغييرات الحياة الإنسانية، المجلة العربية العدد 498، إبريل 2018، ص.15.

8-عبد المجيد سباطة، دبابات الحروب السيبرانية، المجلة العربية العدد498، ص. 51.

9- M.A. Saeed, “Cyber Security and Data Privacy Law in Saudi Arabia”, Financier Worldwide, April 2015, http://www.financierworldwide.com/cyber-security-and-data-privacy-law-insaudi-arabia/#.V2buhed950s

10- https://bit.ly/2G4kyUa

11-  International Telecommunication Union, Global Cybersecurity Index 2018. P27.

 12- الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، الضوابط الأساسية للأمن السيبراني. ص.ص7، 9.

13-  https://www.alarabiya.net/ar/saudi-today/2018/11/24/-الأمن-السيبراني-السعودي-يبدأ-بتدريب-800-مواطن-خلال-عام

14-  https://bit.ly/2ZnoQjZ

15- السعودية واقتصاديات المستقبل.. خطوة جادة لتحقيق الريادة، مركز سمت للدراسات. 27 مايو 2019.

16-قطاع الطاقة في السعودية يستعد لاحتضان تقنية البلوكتشين. http://bit.ly/2JsakzX