المركز العربي للبحوث والدراسات : مسارات بديلة .. الخيارات المصرية في مواجهة أزمة سد النهضة (طباعة)
مسارات بديلة .. الخيارات المصرية في مواجهة أزمة سد النهضة
آخر تحديث: الإثنين 14/10/2019 09:25 م
مصطفى صلاح مصطفى صلاح
مسارات بديلة .. الخيارات

تتفاقم أزمة سد النهضة في ظل التعنت الإثيوبي برفض كافة المقترحات المصرية الهادفة إلى التوصل إلى اتفاق لتسوية الأزمة، والحصول على المستحقات التاريخية لمصر من حصة مياة النيل، وعادت أزمة سد النهضة تفرض نفسها من جديد بقوة بعدما تراجعت إثيوبيا عن كافة الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في منتصف عام 2018.

وخلال الاجتماع الثلاثي بين مصر وإثيوبيا والسودان في 4 أكتوبر 2019، أعلن وزير الري المصري بعدما عكف مع وزيري الري السوداني والإثيوبي في اجتماعهم لكيفية التوصل إلى حل مُرض لجميع الأطراف، ولكن يبدو أن إصرار الجانب الإثيوبي على موقفه سيُؤدي إلى أحد احتمالين، إما لُجوء مصر إلى التحكيم الدولي، أو اللجوء إلى الخيار العسكري إذا تعذر الأول، أي التدويل أو الخيار العسكري.

الجدير بالذكر أن الجانب الإثيوبي كان قد تعهد بعدم المساس بحصة مصر من المياه وإن كان الآن تراجع عن هذه التعهدات، ورفضت كافة المقترحات المصرية التي تدعو إلى ملء السد في غضون 7 سنوات وليس 3 سنوات، باعتبار أن هذا الأمر يشكل تهديدًا لأمن مصر المائي خاصة وان إثيوبيا تعتبر أن قرار بناء السد قرار سيادي من اختصاصها فقط.

الرؤية المصرية ورد الفعل الإثيوبي

وفق البيان الرسمي المصري؛ أعلنت وزارة الموارد المائية المصرية في 5 أكتوبر 2019، أن مفاوضات سد النهضة وصلت إلى طريق مسدود، نتيجة لتشدد الجانب الإثيوبي ورفضه كل المقترحات، التي تراعي مصالح مصر المائية، وأوضحت الوزارة في بيانها "إثيوبيا قدمت خلال المفاوضات التي جرت في الخرطوم على مستوى المجموعة العلمية البحثية المستقلة، وكذلك خلال الاجتماع الوزاري الذي تلاها، مقترحًا جديدًا يعد بمثابة ردة عن كل ما سبق الاتفاق عليه من مبادئ حاكمة لعملية الملء والتشغيل، حيث خلا من ضمان وجود حد أدنى من التصريف السنوي من السد، والتعامل مع حالات الجفاف والجفاف الممتد التي قد تقع في المستقبل".(1)

وأضافت "أن إثيوبيا رفضت مناقشة قواعد تشغيل سد النهضة، وأصرت على قصر التفاوض على مرحلة الملء وقواعد التشغيل أثناء مرحلة الملء، بما يخالف المادة الخامسة من نص اتفاق إعلان المبادئ الموقع في 23 مارس 2015، كما يتعارض مع الأعراف المتبعة دوليًا للتعاون في بناء وإدارة السدود على الأنهار المشتركة".

كما أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، على أن "الدولة المصرية بكل مؤسساتها مُلتزمة بحماية الحقوق المائية المصرية فى مياه النيل، ومستمرة في اتخاذ ما يلزم من إجراءات على الصعيد السياسي وفى إطار محددات القانون الدولي لحماية هذه الحقوق وسيظل النيل الخالد يجري بقوة رابطًا الجنوب بالشمال برباط التاريخ والجغرافيا".

الجدير بالذكر أن أن هذه المرة ليست الأولى التي تتعثر فيها مفاوضات سد النهضة بل سبقها فشل عدة جولات من المفاوضات بين الأطراف الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا. على الجانب الإثيوبي فقد أعلنت أديس أبابا بأن مصر اتبعت تكتيكًا تخريبيًا خلال المشاورات حول ملف سد النهضة التي انعقدت على مدار يومين بالعاصمة السودانية الخرطوم.

كذلك رفضت أثيوبيا مناقشة قواعد تشغيل سد النهضة، وأصرت على قصر التفاوض على مرحلة الملء وقواعد التشغيل أثناء مرحلة الملء، بما يخالف المادة الخامسة من نص اتفاق اعلان المبادئ الموقع في 23 مارس 2015، الأمر الذي يتعارض مع الأعراف المتبعة دوليًا للتعاون في بناء وإدارة السدود على الأنهار المشتركة.

وفي هذا السياق فإن التصريحات الإثيوبية جاءت بالتزامن مع الإعلان المصري بأن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، ومن قبل شهدت الاتفاقية الموقعة في 2015 إقرار مصر بحق إثيوبيا في بناء السد، والاتفاق على تكليف مكتب استشاري فرنسي بتنفيذ الدراسات الفنية للسد بالتعاون مع مكتب هولندي، وإلزام إثيوبيا بالبند الخامس من الوثيقة، التي تحوي الاتفاق على قواعد الملء الأول والتشغيل للسد. وهو ما تراجعت عنه إثيوبيا لاحقًا، وأعلنت وزارة الخارجية الإثيوبية إن مصر اعترضت على خطة ملء خزان سد النهضة في فترة زمنية تتراوح ما بين أربع إلى سبع سنوات، التي أوصى بها علماء الهيدرولوجيا أو علماء المياه.(2)

جهود الوساطة الدولية

لم يكن مطروحًا من قبل إمكانية وجود وسيط دولي للنقاش حول ملف سد النهضة الذي يحظى بالعديد من الخلافات بين الجانب المصري والإثيوبي، ولكن بعدما وصلت المفاوضات بين مصر وإثيوبيا بشأن بناء سد النهضة على نهر النيل إلى طريق مسدود، فمن المتوقع أن يؤثر على حصة مصر من الموارد المائية المستخدمة في الشرب والزراعة والصناعة، وفقت لما صرحت به السبت وزارة الموارد المائية والري المصرية. وأرجعت الوزارة فشل المباحثات إلى تشدد الجانب الإثيوبي ورفضه كافة المقترحات التي تراعي مصالح مصر المائية. وطالبت مصر بتدخل وسيط دولي لحل الأزمة.(3)

يأتي هذا الطرح بعدما أعلنت إثيوبيا تراجعها عن التصعيد مع مصر وأكدت أنها على استعداد لحل أي خلافات ومشاغل معلقة عن طريق التشاور بين البلدان الثلاثة. وفي سلسلة تغريدات لرئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد  أكد على صفحته الرسمية على موقع "تويتر"، أن حكومته تعزز جهودها لإنجاح الحوار الثلاثي، كما تتوقع التزامًا مماثلًا من بلدي المصب مصر والسودان، مشيدًا بوزراء شؤون المياه في إثيوبيا والسودان ومصر في جهودهم لمواصلة الحوار الثلاثي حول ملء وتشغيل السد.

الجدير بالذكر أن كلمة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في اﻷمم المتحدة كانت قد تضمنت التطرق لهذا الأمر في قوله: "إن استمرار التعثر في المفاوضات حول سد النهضة، سيكون له انعكاساته السلبية على الاستقرار، وكذا على التنمية في المنطقة عامة.. وفي مصر خاصة. مع إقرارنا بحق إثيوبيا في التنمية، فإن مياه النيل بالنسبة لمصر مسألة حياة، وقضية وجود، وهو ما يضع مسؤولية كبرى على المجتمع الدولي، للاضطلاع بدور بناءً في حث جميع الأطراف على التحلي بالمرونة، سعيًا للتوصل لاتفاق مرضٍ للجميع".

على الجانب الإثيوبي رأت أديس أبابا بأن مطالب مصر، التي تعتمد على نهر النيل في الحصول على 90% من احتياجاتها من المياه، بدعوة طرف دولي رابع لحل المشكلات القائمة حول السد "لا مبرر لها"، مؤكدة أن الاحتكام إلى المبدأ "إكس" من اتفاق المبادىء "سابق لأوانه"، في دلالة على إمكانية الجلوس مجددًا للتفاوض مع الجانب المصري.

وتنص اتفاقية المبادئ الموقعة في الخرطوم في 23 مارس 2015، على جواز طلب الوساطة الدولية لتسوية النزاعات الناشئة بين مصر والسودان وإثيوبيا، وكان المُتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية في مصر بسام راضي، في 5 أكتوبر 2019، أعلن بأن القاهرة تتطلع لقيام الولايات المتحدة الأمريكية بدور فعال بشأن سد النهضة بعد مرور أكثر من أربع سنوات من المفاوضات المباشرة، التي لم تحقق أي تقدم ملموس.

وعلى الرغم من السياسة الإثيوبية التي تسعى إلى التسويف، إلا أن مصر حاولت استخدام كافة الوسائل والآليات الدبلوماسية والقانونية للحيلولة دون تفاقم الأزمة بين الجانبين، بما يضمن حقوق مصر التاريخية وفق اتفاقية ١٩٢٩  التي وقعتها انجلترا مع الحكومة المصرية بشأن تقاسم مياه النيل بصفتها دولة احتلال عن ثلاث دول (تنزانيا - كينيا - يوغندا) . وبموجب هذه الإتفاقية تأخذ مصر حق الفيتو (الاعتراض) على أي سد يقام على نهر النيل إذا أضر بحصتها المائية، إضافة لذلك وقبل إنشاء السد العالي قامت مصر بتوقيع إتفاقية تقاسم نهر النيل مع السودان عام ١٩٥٩، وفيها تم تحديد حصص مصر ب ٥٥.٥ مليار متر مكعب وحصة السودان ب ١٨.٥ مليار متر مكعب، بمجموع ٧٤ مليار متر مكعب هو صافي إيراد نهر النيل عند بحيرات أسوان.

كما أن لجوء مصر إلى طرف دولي رابع وخاصة الولايات المتحدة لا يمكن أن يعول عليه بصورة كاملة خاصة وأن إسرائيل تمول وتدعم بناء السد وقدمت كافة القروض والخبرات الهندسية، ومن الممكن أن تضغط إسرائيل على الولايات المتحدة لتبني هذا الموقف؛ فالولايات المتحدة حليفة للطرفين ووفق بيانها فقد أعلنت دعمها للمفاوضات الثلاثية يحفظ حقوق الجميع لتحقيق الازدهار والتنمية الاقتصادية المستدامة، بالإضافة إلى احترام دول وادي النيل لبعضهم البعض فيما يخصص حقهم في المياه. إن البيان الأمريكي يتسم بالغموض، ولم يتطرق بصورة مباشرة إلى حقوق مصر التاريخية وما يتعلق باحترام الاتفاقيات توزيع المياه الدولية.

ومن ثم لاينبغي التعويل كثيرًا علي دور الطرف الثالث في مساندة مصر، فمن المتوقع أن الولايات المتحدة لن تمارس أي ضغوط علي إثيوبيا لوقفها عن الاستمرار في بناء السد أو الخضوع للرؤية المصرية حول سنوات ملء البحيرة وراءه أو ارتفاعه أو مساحة البحيرة التي تقع خلفه بحيث تخف الَأضرار التي يمكن أن تلحق بمصر خلال فترة ملء البحيرة.(4)

سيناريوهات محتملة

على خلفية تعقد مسارات التفاوض بين الجانبين المصري والإثيوبي بشأن سد النهضة فمن المتوقع أن يكون هناك العديد من السيناريوهات حول آليات ومسارات التفاوض على النحو التالي:

1) المسار الأول: تدويل الأزمة دوليًا وإمكانية إدخال العديد من القوى الإقليمية والدولية التي يمكنها التأثير في مجريات التفاوض، خاصة وأن الرئيس المصري تعرض لهذا الأمر بصورة كبيرة خلال الجمعية العامة 74 للأمم المتحدة، واصباغ التفاوض بصيغة دولية وتوظيف هذه الجهود للوصول إلى صيغة تدعم جهود مصر الدبلوماسية لحل الأزمة، من خلال مجلس الأمن.

2) المسار الثاني: يتمثل في الحل العسكري وذلك في حال إصرار الجانب الإثيوبي على تهديد أمن مصر المائي، فمصر تمتلك القدرات العسكرية والاستخباراتية المتطورة، وأن عدم احترام حقوق مصر في الحفاظ على أمنها خاصة ما تم الاتفاق عليه في مارس 2015، ومخالفة الاتفاقات سيؤدي إلى ظهور مبدأ حق الدفاع عن النفس.

المراجع

1) فشل مفاوضات سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والقاهرة تعلن "وصلنا لطريق مسدود ونطالب بوسيط دولي"، على الرابط: https://cutt.us/NJcva

2) إثيوبيا: مصر اتبعت "تكتيكًا تخريبيًا" بشأن سد النهضة.. ولا مُبرر لمطالبها، على الرابط: https://cutt.us/toDUX

3) سد النهضة.. إثيوبيا تنفي تعنّتها ومستعدة للحوار مجدداً، على الرابط: https://cutt.us/P7BBV

4) أزمة سد النهضة الإثيوبي تتفاقم ومِصر أمام خِيارين: التّدويل أو الخِيار العسكريّ للحِفاظ على أمنها المائيّ والقوميّ، على الرابط: https://cutt.us/g6P3X